14 August 2010 - 08:25
رمز الخبر: 2619
پ
بمناسبة الذکرى الرابعة لانتصار المقاومة:
رسا/تحلیل سیاسی- شکلّت حرب تموز أکبر مشروع لاستئصال المقاومة فی سیاق مخططات لا تنتهی..هنا بعض الضوء على قصة مقاومة نمت فأغاضت وحوّلت الانتصار وبالنتیجة زوال (إسرائیل) إلى إمکان تاریخی. بقلم عبدالرحیم التهامی.
قصة مقاومة فی دائرة أخطر استهداف

والصهاینة على أبواب بیروت صیف82 خرج الشاعر اللبنانی خلیل حاوی إلى شرفة منزله ومن بندقیة صید أطلق رصاصة على صدغه.. فکان انتحاره بذلک الشکل الدراماتیکی اختزال وتکثیف لما سمی لاحقا بالزمن العربی الردیء، العنوان الذی سیدخل المجال التداولی بعد أن سقطت بیروت؛ غرناطة المقاومة؛ وأخرجت قوات منظمة التحریر الفلسطینیة بعد حصار دام ثمانین یوما لیتوزع مقاتلوها فی حواضن عربیة بعیدة عن هواء فلسطین القادم من الشمال.
لکن سقوط بیروت التراجیدی أرّخ لانطلاق سیاق جدید من المقاومة، سیاق ستتمیز فیه مقاومة أحکمت صلاتها باللحظة الثوریة الواعدة والمنبثقة من طهران، مقاومة لم تحرکها الدوافع الوطنیة فقط وهی تتصدى لقوات الاحتلال ودباباته على مشارف بیروت لردّ عدوانه، بل إنها آمنت ومنذ اللحظة الأولى أن (إسرائیل)قابلة للهزیمة وأنّ معادلات شرق أوسطیة عدیدة سیتم تحویرها وإخضاعها لحقائق ومعطیات الزمن الثوری الإسلامی المنبثق بقوّة من طهران، الزمن الذی کان الإمام الخمینی(ره) یرسی قواعده کمفصل تاریخی ورسالی ویؤسس له لیس کتنظیر بارد بل من خلال کل واجهات الاشتباک سواء تلک التی بادرت إلیها الثورة أو تلک التی فُرضت علیها.
ومن تلک الواجهات التی سعت إلیها الثورة مدفوعة بمبدئیتها ومسؤولیتها الثوریة، کانت واجهة الصراع مع العدو الصهیونی؛ المصنّف عدّوا رئیسیّا فی الرؤیة الاستراتجیة للثورة الإسلامیة، فکان الدعم اللامحدود للمقاومة الإسلامیة بقیادة "حزب الله" والتی من جهتها عرفت کیف تبلی بلاءًا حسنا إذ سرعان ما فرضت إلى جانب قوى وطنیة وإسلامیة لبنانیة فی تلک المرحلة على المحتل الإسرائیلی الانکفاء إلى ما کان یسمى بمنطقة الشریط الحدودی، وقدمت کلفة ذلک تضحیات کبیرة من شبابها وکادرها.
بعد ترسّخ نهجها لبنانیا وعربیا ستدرک المقاومة أن مشروعها نما وأصبح بحاجة إضافة إلى حاضنته الشعبیة لمظلة سیاسیة تحمیه، وإلى مشروع دولة متماسکة تتبنى المقاومة وتتموقع فی محور المواجهة وتسهم فی بناء مجتمع المقاومة.. ومن هنا قرّر حزب المقاومة وبعد مراجعات غیر معلنة لتوجهاته السیاسیة أن یخوض غمار المشارکة السیاسیة وهو التوجه الذی سیتطور بشکل ملحوظ منذ أن وصل السید حسن نصر الله إلى الأمانة العامة للحزب.
وککل تجربة تمارس وتقف على الأرض تطور حزب الله تنظیمیا وإعلامیا واستطاعت مقاومته أن تثبّت معادلات جدیدة فی الصراع عدّت مکسبا عسکریا وسیاسیا کما فی تفاهم تموز فی إثر عدوان "تصفیة الحسابات" فی یولیو/تموز 1993 أو کما فی معادلة نیسان التی أرساها صمود المقاومة فی عدوان"عناقید الغضب" فی ابریل/نیسان 1996، وصولا إلى الانجاز الکبیر والتاریخی والمتمثل فی دحر العدو عن معظم مناطق الجنوب اللبنانی، فیما اعتبر أول انتصار نوعی تحققه مقاومة فی تاریخ الصراع مع العدو الصهیونی.
لم ترضى بعض الأطراف العربیة بهذا الانجاز، لیس لأن بعض عوائده الاستراتجیة صبّ فی الحسابین الإیرانی والسوری، بل وأیضا بسبب الإحراج والتعریة الذی أوقعهما انتصار المقاومة فی مسار التسویة الذی سلک فیها من سلک من منطلق أنّ السلام یمثّل خیارا عربیا استراتجیا بل وواقعیا إزاء عدوّ لا یُقهر ولا یُهزم.
کان الانتصار عظیما لکن المقاومة لم تستقو به على الداخل وفرقاء الداخل بل تواضعت، ولم تضع نفسها فوق الدولة فسلّمت من وقع بین یدیها من عملاء للدولة التی تلطفت بهم من خلال أحکام هزیلة شجعت کثیرا منهم على معاودة النشاط.
ولأن الاحتلال بقی على بعض الأرض، کما بقی عدید من الأسرى فی سجون العدو فإن المقاومة ظلت وفیّة لعهد الأرض والکرامة؛ استکمالا للتحریر وتحریرا لکل الأسرى، وفی الوقت الذی أدخل سلاح المقاومة إلى دائرة الجدل بتغطیة أممیة وفرّها القرار1559 کانت المقاومة تعلن التزامها بثابت التحریر الکامل لکل شبر من الأرض ولاستعادة الأسیر سمیر القنطار الذی استثنته صفقة 2004 الانجاز الرافع لرصید المقاومة فی العالمین العربی والإسلامی، مشدّدة على أنّ التمسک بالسلاح یبرره التهدید الإسرائیلی الدائم للبنان.
بعد اغتیال رئیس الحکومة رفیق الحریری والانسحاب السوری من لبنان تعمق الشرخ والانقسام السیاسی، وحاول الفریق المعادی لخیار المقاومة استثمار الأجواء السیاسیة التی أعقبت الجریمة؛ محدثة انکشافا أمام اندفاعات دولیة وإقلیمیة وإسرائیلیة؛ فی مسعى لحشر المقاومة فی الزاویة الضیّقة بعد الانسحاب السوری من لبنان، وبدا وکأن هذا الفریق یرید تدفیع الثمن لکل حلفاء سوریا وهو فی حمأة مشهد سوریالی قرن بین الثورة والأرز ناسجا على وفق ذلک التضایف بین الثورة والألوان کما فی بعض جمهوریات أوربا الشرقیة، وهکذا عُـبّئ الشارع على قناعة أن کلّ طرف حلیف أو متحالف مع سوریا هو عدوّ للحریة وللسیادة والاستقلال.
تمکّنت المقاومة وحلفائها من استیعاب زلزال الاغتیال والتکیّف مع تداعیاته، وقد استشعرت أن رأسها هو المستهدف من خلاله، لیس بالاتهام- فی حینه- بل بمفاعیله الأمنیة وتداعیاته السیاسیة على الوفاق الوطنی وعلى الغطاء السیاسی الذی حظیت به المقاومة وعلى مجمل التفاهمات التی انتهت إلیها قیادة المقاومة مع الرئیس المغتال رفیق الحریری. وبالفعل فقد کان من بین تداعیات جریمة الاغتیال بروز حقائق مرّة على الأرض تمثلت فی انتقال جمهور السنّة فی تیاره الأوسع بقیادة الحریری الابن بعیدا عن خندقه الأصیل والتاریخی؛ بعیدا عن المقاومة.
أما السلاح الذی أظهر "حزب الله" عزما وصلابة فی التمسک به، دونما إغلاق للباب بوجه الحوار الذی کان یرى الحزب ولا یزال أن قوة الحجة فی شرعیته قد ترتفع به إلى نفس مقام الشرعیات الأخرى المتسالم علیها ضمن صیغة یرکز علیها الحزب وهی تکامل الجیش والمقاومة ضمن استراتجیة دفاعیة، هذا السلاح وبعد فشل الداخل فی النیل منه تکفلت به استراتجیة عدوانیة فیما عرف بحرب تموز عام2006 وهی الحرب التی تقاطعت فی رهاناتها جملة مصالح؛ مصلحة إسرائیلیة فی القضاء على الحزب ولیس على سلاحه فقط، ومصلحة أمریکیة وجدت فی تصفیة المقاومة مدخلا إلى شرق أوسط جدید یطیح بعنوان الممانعة من خارطة المنطقة ویسیّد (إسرائیل) علیها، ومصلحة فریق عربی أراد أن ینتصر لخیاره التسووی والواقعی جدّا وأن یتشفّى ؛بمظهر الحکمة المتبصّرة؛ على خلفیة مشهد الدمار والرایة البیضاء التی منّ بها النفس، وطبعا مصلحة فریق لبنانی محلی کان یتأهب للتموضع بلبنان وفق اقتضاءات الخریطة الشرق أوسطیة الجدیدة..لکن أداء المقاومة وحسن استعدادها للنزال وإدارتها للحرب بمستوى أداء استراتجی لجیش نظامی حوّلها إلى مدرسة اجترحت أسلوبا جدیدا فی القتال..وفی المقابل تبدّى الفریق العربی المراهن على انسحاق المقاومة کزمرة خائبة وفاشلة ومرجفة وجبانة أمام مرآة النفس وفی حکم التاریخ، وانتهت إلى انفضاح تاریخی غیر قابل للرتق.
ضاقت (إسرائیل) طعم الهزیمة وزلزل بنیانها القائم على دعامة الردع وکسب الجولات الحاسمة فیما یشبه عربدة الکابوی الأمریکی، واضطرت کوندالیزا رایس وفریقها من المحافظین الجدد على بلع خارطتهم الموعودة للمنطقة.
ومرة أخرى تواضعت المقاومة صانعة أکبر انتصار فی تاریخ الحروب مع العدو الإسرائیلی، ولم ترتد إلى الداخل لتنکّل بالذین بدرت منهم الخیانة سافرة منذ الأیام الأولى للحرب والذین هیأوا أنفسهم لمرحلة ما بعد حزب الله، کلّ ذلک حلما وتلطفّا بالسلم الأهلی وتیقنا بأن صکوک الخسارة صارت فی جوف حلف الأحزاب بکل تشکیلاته.. جُلّ ما سعت إلیه المقاومة هو صیغة تشارکیة فی الحکم فی أفق بناء الدولة القویة والعادلة.
ومع الانتصار البیّن ودحر العدوان اتهمت المقاومة بأنها تتصرف فی قرار السلم والحرب خدمة لأجندة إیرانیة، وأنها تستقوی بسلاحها؛ وهو سلاح مجرّب فی حرب الـ33یوما؛ على الداخل اللبنانی، بل ونشطت الغرف السوداء فی أکثر من عاصمة عربیة للنیل من المقاومة والتشویش على صورتها من خلال العنوان المذهبی وتضلیل الجمهور العریض الذی دعم المقاومة فی حرب تموز واستثارة ذاکرته التاریخیة بمحطات من الخلاف المذهبی السنی الشیعی.
ثم کان 5أیار من عام2008 کعلامة على مؤامرة متعددة الأطراف أرید منها الإطباق على المقاومة بمناوشتها عسکریا وتوظیف عنصر التدویل فی تصفیتها، ومن ثم التحرک الممنهج لتشویه صورتها وتسقیطها أخلاقیا فی العالمین العربی والإسلامی بتقدیمها کملیشیا باغیة تعمل على إذلال أهل السنة فی لبنان وإخضاعهم. ومع أن المقاومة ومعها قوى المعارضة أجهضت المخطط فی شقه المیدانی بحسم عسکری سریع وفعّال إلاّ أنّ الشق الإعلامی والسیاسی من المخطط؛ وان افتقر إلى زخم النجاح المیدانی؛ قد تم تفعیله ولا یزال متواصلا.
لکن اغتیال رفیق الحریری الذی توجسّت المقاومة من تفاعلاته وهی واثقة من انّه استثمار استراتیجی لصالح (إسرائیل) وبأدواتها هی، عاد وصُوّب على راس المقاومة من خلال القرار الظنی المرتقب صدوره وذلک بعد أن استثمر ردحا من الزمن على الواجهة السوریة کما فی الداخل اللبنانی.
وکما فی حرب تموز أجمع حلف العدوان على النیل من المقاومة من خلال محکمة مشبوهة ومسیّسة تتحضر لإصدار قرار ظنی یتهم المقاومة فی واقعة الاغتیال، أما الحقیقة ومطلب العدالة فهی لا تساوی شیئا فی مقابل حسابات سیاسیة کبرى؛ لا نقول عند الطرف الأمریکی والصهیونی فهذا واضح، بل إن فریقا لبنانیا ومعه محور الردّة العربی صاحب مصلحة فی ضرب المقاومة والنیل من صورتها وتخلیص الواقع العربی من مقاومته الشریفة ومن کل مفاعیلها سیاسیا واستراتجیا وثقافیا وحتى (مذهبیا) مع التنویه إلى أنّ المقاومة لا تشتغل مذهبیا لکنّه منطق التاریخ فالمنتصر تحتذی به الشعوب.
وکما انتصرت المقاومة على کل التحدیات، وکما کانت دوما صاحبة مفاجآت..فستنتصر على المؤامرة، وأول الإرهاصات کان فی مفاجأة السید نصر الله للمتآمرین فی مؤتمره الصحفی بمعطیات وقرائن تضع (إسرائیل) فی دائرة الاتهام.
هل هی مجرد صدفة أن تجرّع المقاومة العدو الصهیونی غصة الهزیمة السیاسیة فی شهر آب/أغسطس الجاری على غرار هزیمتها العسکریة ذات آب من عام 2006م؟
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.