على هامش زیارة الرئیس أحمدی نجاد للبنان:
رسا/تحلیل سیاسی- جاءت زیارة الرئیس أحمدی نجاد التاریخیة للبنان محملة بالأبعاد الإستراتجیة والدلالات السیاسیة..هذه قراءة تحاول أن تضیء على شیء من ذلک. بقلم عبدالرحیم التهامی.

أنهى الرئیس الإیرانی محمود أحمدی نجاد زیارته إلى لبنان، وهی زیارة مثقلة بالدلالات السیاسیة والإستراتجیة، فالزیارة وفضلا عمّا تمخض عنها من تعزیز لأوجه التعاون الثنائی بین لبنان وإیران؛ حیث عبّر الرئیس نجاد عن استعداد بلاده للتعاون مع لبنان فی کلّ المجالات تبلور بعضها فی شکل مشاریع اتفاقات ومذکرات تفاهم، وُقّع ١٧منها فی القصر الجمهوری بین الحکومتین، وشملت الطاقة والزراعة والثقافة والصناعة والاتصالات والسیاحة.. ؛ فإن المدلول السیاسی والاستراتجی للزیارة یبقى الأهم بلحاظ السیاق السیاسی اللبنانی الخاص، وبالنظر إلى السیاق الإقلیمی حیث "طبخة البحص" الأمریکیة لمشروع تسویة فلسطینیة إسرائیلیة تریده الإدارة الأمریکیة من خلال تمییع الحقوق الفلسطینیة الثابتة مدخلا لإعادة الاعتبار لسیاساتها الشرق أوسطیة ولکی توظف نتائجه المفترضة لشد عصب محور التخاذل العربی على قاعدة التفرغ لمحور المقاومة وفی القلب منه إیران.
من الرسائل الإستراتجیة الکبیرة التی کشفت عنها زیارة الرئیس الإیرانی للبنان أن إیران دولة إقلیمیة کبرى، وأنّ منطق الدولة الکبرى یملی علیها تأمین مجالها الحیوی من خلال علاقات قویة تربطها بالجوار الإقلیمی وذلک وفق ثابتی إدامة الصراع مع المشروع الصهیونی وأهدافه بالمنطقة، ورفض حازم لکل أشکال الهیمنة الخارجیة وفی مقدمتها الهیمنة الأمریکیة .
وهکذا کان، فقد جاء خطاب نجاد فی المستویات الرسمیّة لزیارته التاریخیة محملا بهذا البعد من خلال التأکید على أنّ الموجّه للسیاسة الخارجیة الإیرانیة هو تعزیز علاقات التعاون بین الدول الشقیقة، ومن خلال تأکیده أن إیران تنظر إلى لبنان المتقوّم بکل مکوناته، داعمة لصیغة عیشه المشترک الضامنة لاستقراره.
وعلى خلاف ما اعتقده البعض من أنّ الزیارة أتت کعملیة شد ید لـ«حزب الله» ولفریق المعارضة قبیل صدور القرار الظنی عن المحکمة الدولیة، بدت الزیارة ومن خلال ما اشتمل علیه کلام الرئیس نجاد - فی أکثر من محطة- من فضح للمخطط الصهیونی والأمریکی، حریصة على وحدة لبنان وداعمة لخیار الحوار بین کل الفرقاء حتى یتجاوز الفخاخ الأمریکیة والصهیونیة المنصوبة فی طریقه، بل حرص خطاب نجاد على دعم سیادة لبنان ووحدته واستقراره وجاء ذلک متناغما مع حقیقة کثیرا ما سعت المقاومة لتوکیدها؛ وهی أنّ مشروع المقاومة لا یتعارض مع مشروع الدولة ولا یکید لها بل یتکامل معها ویعزز من دورها فی مواجهة الاستهداف الإسرائیلی، وهکذا کان تأکید الرئیس نجاد على منطق الدولة وتعزیز صمودها کدولة مواجهة، ومن هنا جاء فتح باب التعاون على مصراعیه وتقدیم کل عروض الدعم التی تولیها الدولة اللبنانیة الأهمیة والأولویة.
کانت زیارة الرئیس نجاد -أیضا- فرصة لإطلالته من السیاق اللبنانی المقاوم على الجمهور العربی الواسع، فلقد وقف رجل الشارع العربی کثیرا أمام ذلک الاحتضان الذی حظی به الرئیس نجاد، والذی تخطى الطائفة الشیعیة لیتحوّل إلى احتضان شعبی فوق مذهبی لرجل ثوری مناضل بوجه أمریکا وحلیفتها (إسرائیل) یحمل مشعل المشروع الإسلامی الثوری، وقد مکنت التغطیة الإعلامیة المکثفة؛ الجمهور العربی من أن یقف على مواقف حازمة ومبدئیة من أمریکا و(إسرائیل) کما عهدها من الرئیس نجاد، ثم جاءت کلمته بالجامعة اللبنانیة؛ التی منحته دکتوراه فخریة؛ محمّلة بالأبعاد الفلسفیة والفکریة والإنسانیة والاقتصادیة..وهی غیر مألوفة لمن انحصرت معرفته بالرئیس نجاد ضمن الموقف السیاسی الثوری، وهکذا أنصتت إلیه النخب وهو یعرّف العِلم بذلک التعریف الجمیل والعمیق: "إنّ العلم الحقیقی هو العدالة الحقیقیة، فالعلم الحقیقی معناه الجمال الحقیقی الناصع، إن العلم هو العلم الذی ینتهی إلى خصائص الجمال والحب، فلا فرق بین الحب والعلم ولا فرق بین الجمال والعلم.. وإذا کان هناک علم حقیقی فإنه یکون فی خدمة کمال الإنسان وفی خدمة السلام والعطف والمودة".
ولم یکن محور التخاذل العربی لیرتاح -طبعا- من الزیارة، وهو الذی أطلق إعلامییه المأجورین لتکرار السیمفونیة المملة عن التمدّد الإیرانی فی المنطقة، والتشویش عن أهداف الزیارة لدرجة أن صحیفة "معاریف" الصهیونیة صرحت بأنّ الإعلام الصهیونی استنکف عن الاستمرار فی حملته المغرضة لما رأى فی الإعلام العربی من استنفار وتحریض.
انزعاج هذا الحلف الغارق فی إحباطاته لا ینفصل عن انزعاج (إسرائیل) والتی رأت فی الزیارة فشلا لکل مخططاتها فی إرباک الداخل اللبنانی، وانزعجت أکثر من أن یقف نجاد على مشارف بیت العنکبوت الذی شیدته على الأرض الفلسطینیة السلیبة لیُسمِعها وعده الأثیر بلزوم انمحاءها من الوجود بما یعمّق من قلقها الوجودی..فالصدع بذلک ومن على مسافة قریبة یحمل لها دلالة اقتراب الفناء والزوال.
وکانت خاتمة الزیارة التاریخیة من مدینة "بنت جبیل" عقدة الصهاینة وعنوان إذلالهم وخزیهم العسکری فی أیام التحریر عام٢٠٠٠ وفی حرب تموز٢٠٠٦؛ کلمة التحدی التی أطلقها نجاد برغم التهدیدات الإسرائیلیة فی حشد کبیر من جمهور المقاومة ، کانت هی أنّ "الصهاینة إلى زوال وأنّ المقاومة لن تقهر".
ولم یجد نتنیاهو من ردّ على کل تلک المواقف التی أطلقها نجاد سوى الدعوة إلى حملة إعلامیة وسیاسیة على کل من إیران ولبنان، وأکید أنّ جزءا من هذه الحملة سیأخذ الطابع المذهبی، وسنلحظ فی القریب ارتفاعا فی منسوب السُّعار المذهبی فی عدد من القنوات والمواقع والجرائد التابعة أو الملحقة بالمؤسسة السلفیّة الوهابیّة، ولم یعد خافیا أنّ ثمّة تحالف غیر مقدّس بین الصهانیة وبعض خطوط السلفیّة الوهابیّة ضد الشیعة والتشیّع، ولعلّ الإجتراح الوهّابی البئیس من (أنّ الشیعة أکثر خطرا من الیهود) هو التغطیة المخرومة عن هذا الحلف.
المهم أن الزیارة نجحت وبکل المعاییر، ویکفیها أنّها عکست الدور الإقلیمی للجمهوریة الإسلامیة فی إیران خارج نطاق التمثلات المغرضة لبعض الأطراف والقوى، وأکدت الزیارة على أنّ محور المقاومة صلب وقوی وفعّال وهو بالمرصاد للمخطط الأمریکی والصهیونی بالمطلق وفی کل حلقاته مهما کان عنوانها..الزیارة کانت نافذة أطلت منها إیران على العالم العربی برسائل محبّة وتعاون وتأکید على الثوابت التی آمن بها العرب ذات حقبة من ستینات قرنهم المتصرّم على الخضوع والذل.
والزیارة همست للصهاینة؛ ومن "بیت جبیل" هذه المرة؛ أنّ أوان العودة إلى أوطانکم فی القارات البعید قد اقترب.
وأخیرا وعلى مستوى لغة الرموز؛ الزیارة أهدت لبنان نموذجا من الاقتدار العلمی لإیران عبارة عن جهاز نانو متطور وموجود فقط فی ٦ دول فی العالم، صُنع فی إیران، وعاد نجاد من جهته؛ وفضلا على نتائج الظفر السیاسی لزیارته؛ ببندقیة غنمتها المقاومة من العدو فی حرب تموز.. هی صک هزیمة (إسرائیل).
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.