08 June 2011 - 20:05
رمز الخبر: 3528
پ
فی ذکرى رحیل الإمام الخمینی..
رسا/تحلیل سیاسی- الآن وفی ضوء هذا المناخ الثوری الذی لم یکن خارجا عن همّ الإمام ولا عن نداءاته للشعوب والمستضعفین کافة، وبالنظر إلى أن کل ثورة تحتاج إلى أساس عقائدی أو ایدیولوجی، فإن ثمة حاجة موضوعیة للانفتاح على فکر الإمام الخمینی لیس کأطروحة نظریة فحسب، بل وفی سیاقها الحیوی أیضا. بقلم عبد الرحیم التهامی.
من قال أنّ هذه الثورات یتیمة؟!



اثنان وعشرون سنة مرت على الرحیل، ولم یزده الغیاب إلاّ حضورا، بل لعلّ استحضاره الیوم هو أکثر من أی وقت مضى، وکیف لا یستحضره الأحرار فی زمن الربیع العربی الناهض ثورةً والمتألق حریةً على مساحات من خارطة الوطن العربی التی طال بها الانتظار من یوم أن أزهر ربیع الثورة فی طهران ذات خریف من عام 1979م.
فی مظهره وبهاء طلعته یبدو الخمینی العظیم وکأنه رجل قادم إلینا من زمن الرّسول والأوصیاء (علیهم السلام)، عیناه تومضان بشارة وعزما، وفی إسبالهما نحو استحیاء فی محضر الناصر الجبّار..تحت عباءته تدثر حلم الأنبیاء وسِفرُ الخلاص، فی عمامته عنفوان ینطوی على حزن؛ لکنه حزن یتحدى ویفتتح المسارات الصعبة.. فی خطواته هدیر زمن آتٍ یلتقطه من ألقی السمع وهو شهید، فی کفّـه المبسوط عند التحیة فیوضات عطفٍ تسری فی هدوء إلى الصدور فتربط على قلوب الثوّار.
لم یکن الإمام الخمینی(رض) مجرد رجل ثائر وعالم زاهد ومربّی حکیم فی سیاق تاریخی محدّد ومحدود..بل کان –نفسه- زمنا جدیدا وأصیلا فی التاریخ، ومعادلة راجحة فی السیاسة.
هو بدایةٌ من أجمل بدایاتِ المعنى فی تاریخنا، کان استدراکا على عهود متطاولة من العطالة التاریخیة والمهانة الوجودیة.. کان استئنافا للإسلام المحمدی الأصیل تخطّى بنا ظلمات مدیدة بطغیانها وتحریفاتها.
لمّا انتبه العالم لحضوره فی أوج الحراک الثوری فی طهران؛ کان الإسلام قد وجد له صیاغة أمریکیة، تحجب نوره أو تکاد، وکان الرسالیون قد استیأسوا وظنوا أنهم قد غُلبوا فی مضمار النظریة والبرامج أمام التیارات المارکسیة التی اجتاحت العالم الإسلامی وامتدت فی أوساط النخب والجامعات.
کان الأمل باستعادة فلسطین یتباعد بعدما خرجت مصر من الصراع بتوقیع اتفاقیة کامب دیفید عام 1978م، کما أبعِدت وفی نفس العام (14أذار) قوى المقاومة عن خطوط التماس مع الأرض المحتلة بعد أن اجتاح الجیش الإسرائیلی منطقة الجنوب اللبنانی حتى حدود اللیطانی وأقام دویلة (سعد حداد)، وبدت منظمة التحریر الفلسطینیة أکثر ارتهانا للانظمة العربیة منذ أن أقرّ المجلس الوطنی الفلسطینی فی عام 1974 ما سمی ببرنامج النقاط العشر التی تم صیاغتها من قبل قیادات "فتح"، والتی تدعو إلى إنشاء سلطة وطنیة على أی قطعة محررة من أرض فلسطین، باعتبار أنّ ذلک یمثل برنامج الحد الأدنى الذی تستدعیه الواقعیة، والشروط الموضوعیة، والسیاسات العربیة والدولیة.
اعتقد الغرب وأمریکا تحدیدا بعد فجیعتهم بسقوط الشاه، أنّ الإمام الخمینی وإن کان قد سفّه حساباتهم بقدرته على إسقاط نظام الشاه، فلیس فی مقدوره أن یکون رجل البناء، فمن شروط قیام الدولة فی عالمنا أن تتأسس على جوهر حداثیّ.. وظنوا بالإمام أنه خارج عصره، وتوهموا أن الزمام سیعود لبعض الطیف الثوری ممن یمکن مساومته بما تکون به المصیبة أخف على أمریکا و(إسرائیل) لجهة تأمین الحد الأدنى من المصالح، کانت تلک أمانیهم کسراب بقیعة، فأخبار طهران ومنذ خطاب الإمام بعد عودته من المنفى بـ ( بهشت زهرا) لم تحمل لهم إلاّ الحقائق المرّة، حتى سلّموا بأنّ زلزالا قد حصل، وهکذا انتهى الفصل الأول بخروج کارتر مهزوما من البیت الأبیض بفعل تداعیات عملیة احتلال وکر الجواسیس فی طهران.
وها هو الزمن الثوری الذی افتتحه الإمام لا زال ممتدا فینا، وهاهو النظام الذی أرسى دعائمه جاء بناءا محکما لم تفت فیه لا حرب مفروضة ولا استنزاف داخلی ولا مؤامرات ولا حصار دولی ولا استثمار قذر للورقة المذهبیة، وهاهو جیل الثوّار الذی رباه الامام (..کزرع اخرج شطاه فآزره فاستغلظ فاستوی علی سوقه..)، ها هی المسیرة الموصولة بقدسیة الوحی تصنع لإیران أمجادا وتبوؤها مکانتها فی التاریخ وفی طلیعة الأمم.
نعم لا ضیر من الإقرار بأنّ نخبا هنا وهناک فی عالمنا الإسلامی وقعت ضحیة الآلة الإعلامیة المتعددة الأطراف، فلم تستوعب مشروع الثورة ولا هی انفتحت على تجربتها بموضوعیة، ولم تتعامل مع أفکار الإمام ومواقفه ضمن رؤیة جامعة لتکتشف أبعاد النظریة فی مشروع نهضته.
کما أنّ البعض ممن انتسب إلى خطّه روحیا وفکریا لم یدرک الأبعاد الکبرى والاستراتجیة فی حرکة الإمام، لم یدرک هذا البعض البعد الافتتاحی بالمعنى التاریخی لحرکة الامام الخمینی(رض).. فضیّق الجوهر الانسانی والتحرّری والإسلامی الرحب إلى حدّ الاختزال المتعسف فی البعد المذهبی.
الآن وفی ضوء هذا المناخ الثوری الذی لم یکن خارجا عن همّ الإمام ولا عن نداءاته للشعوب والمستضعفین کافة، وبالنظر إلى أن کل ثورة تحتاج إلى أساس عقائدی أو ایدیولوجی، فإن ثمة حاجة موضوعیة للانفتاح على فکر الإمام الخمینی لیس کأطروحة نظریة فحسب، بل وفی سیاقها الحیوی أیضا من خلال الاطلالة على المشروع الاسلامی فی إیران عبر کل تجلیاته، و باعتبار أنّ التجربة متواصلة نهجا وروحا تحت سهر وعنایة الإمام الخامنئی.
لن یکون فعل الانفتاح على هذه الثورة الإسلامیة الداعمة لکل قضایانا إلا أحد تعبیرات الحقیقة الثوریة التی تغشانا الآن، ولن یکون تجاوز محظور الانفتاح والتفاعل إلاّ کسرا لواحد من الاغلال الفکریة والسیاسیة التی قیدتنا بها الانظمة المنسحقة، والتطهّر من ترکتها فینا.
طبعا لا یجب أن ننسى الوظیفة التعبویة الناتجة عن هذا الانفتاح، وما أحوج الثورات العربیة إلى شحناته کما مفاهیمه، خاصة ونحن نرى أوباما ینصّب نفسه أبا روحیا لهذه الثورات، ومتى کان الشیطان الأکبر لا یجید لعبة التلبّس؟!
رحم الله الإمام الخمینی وأسکنه فسیح جنانه.. ونُشهد الله أنه جاهد وناصر ونصح لأمته وأمر بالمعروف ونهى عن المنکر حتى أتاهُ الیقین.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.