02 July 2011 - 17:27
رمز الخبر: 3621
پ
رسا/تحلیل سیاسی- بعد أن أیقنت السلطة فی البحرین وأمام صمود الشعب البحرینی بعبثیة الخیار الأمنی مع ارتفاع کلفته سیاسیا وأخلاقیا، هاهی تلجأ إلى الحوار لتسوّق طاولته إلى الخارج ولشق الصف المعارض فی الداخل. بقلم عبدالرحیم التهامی.
البحرین والحوار المستحیل


لم یکن مفاجئا فی البحرین وبعد أن اطلقت السلطة آلة العنف والقمع على وتیرتها القصوى، وشرعت الأبواب أمام قوات درع الجزیرة لتسحق انتفاضة الشعب البحرینی من أن تبادر إلى نصب طاولة الحوار ودعوة جمیع أبناء الوطن إلى ما أطلقت علیه "حوار التوافق الوطنی" ومن دون شروط مسبقة للدفع؛ وبحسب ما جاء فی تصریحات رسمیة؛ نحو الإصلاح وتجاوز الآثار العمیقة التی خلفتها الاحتجاجات الأخیرة فی البحرین.
وفیما یبز لغة الخشب ذهبت السلطة إلى تصویر هذا الحوار بأنه یعدّ "طریقا مثمرا لتجاوز التحدیات وتحقیق المزید من المکاسب والإنجازات، ودعم المشروع الإصلاحی والمسیرة الدیمقراطیة لمملکة البحرین وشعبها".
لم یکن ذلک مفاجئا البثة لأن السلطة کانت تدرک ومنذ لحظة لجوءها إلى العنف فی التعامل مع الحرکة المطلبیة للشعب البحرینی فی فصلها الجدید، بأن خیار العنف لا یمکن أن یحل المشکلة کما لا یمکن التعویل علیه فی شطب مطلب التغییر من الشارع البحرینی، ولم یغب عن السلطة أیضا أنّ کسر إرادة شعب تشکل عاشوراء إحدى مکونات ثقافته یبدو أمرا مستحیلا.
وعلى الرغم من التعتیم الإعلامی على مشهد العنف الأعمى والحاقد الذی غرقت فیه البحرین، فقد افتضحت جرائم السلطة وواجهت حرجا شدیدا أمام بعض الرأی الدولی الیقظ والذی أدان واستهجن کلّ ذلک الافراط فی استعمال القوة بحق مواطنین یعبرون عن مطالبهم السیاسیة بأسلوب سلمی وحضاری.
وعوض أن یؤدی عنف السلطة وإجراءاتها الانتقامیة السخیفة إلى کسر إرادة المواطنین والحاق الهزیمة النفسیة بقوى المعارضة کما راهنت على ذلک، وجدت السلطة نفسها فی مأزق؛ فقد أدى العنف مفعوله العکسی حیث اتسعت دائرة الرافضین لأی حوار او تسویة مع نظام لم یجاوز المدى فی القمع والتنکیل بل تظاهر على الشعب بقوات أجنبیة أطلق لها العنان فی استباحة الوطن وإذلال شعبه وانتهاک مقدساته، وها هو القمع وانسداد الافق وغباوة النظام یحفز المواطنین على التظاهر یومیا، ولازال الإیمان بالتغییر یشکل وقود هده الحرکة الشعبیة الممیزة فی مسیرة نضال الشعب البحرینی وکفاحه من أجل حقوقه السیاسیة.
من تجربة العنف الأعمى تهالک النظام وانتهى إلى إفلاس سیاسی وأخلاقی سیقوده الى مطارح التاریخ کواحدة من أبشع نماذج الاستبداد التی مرت على أمتنا فی الأزمنة الحدیثة.
فعند الاحتکام إلى آلة القمع قدّر النظام أنه یؤجل دفع استحقاقات التغییر السیاسی الذی طالب به الشعب فی تظاهراته المشهودة. وفی الدعوة إلى الحوار یسعى النظام -وبشکل یائس- لتبییض صورته، ولتحجیم سقف المطالب السیاسیة لقوى المعارضة وتسویق الحوار للخارج مراهنا على استثمار مائدته وما یمکن أن یتمخض عنه باصطناع وفاق مزعوم یقصر أمامه درب العودة إلى نفس الوضع السیاسی السابق وإن ببعض التحسینات المخادعة، وبما یساعده على استدراج الرسامیل التی طارت من البحرین نحو بیئات أکثر أمانا واستقرارا.
ولأن النظام یتصرف فی موضوع الحوار على طریقة المنتصرین ولأجل الاستثمار السیاسی الخارجی، فهو لم یجد ضرورة لإشفاع دعوته هذه للحوار بتخفیف حالة الاحتقان السیاسی والأمنی، وباتخاذ جملة من مبادرات حسن النیّة التی قد تبرّر لمن یشارک فیه جلوسه الى مائدة الحوار.
وفی هذا السیاق قد یبدو قرار "جمعیة الوفاق الوطنی الإسلامیة"؛ التی تمثل التیار الشیعی المعارض فی البحرین؛ بالمشارکة فی الحوار قرارا متعجلا، فلیس مقبولا فی هذه المرحلة الدقیقة أن یتبلور القرار السیاسی على أساس من الاعتبارات الشکلیة، کأن نقدم أنفسنا بأننا طلاب حوار وأننا معنیین بالحل السیاسی للأزمة، أو بأننا لسنا عدمیین.. فالجلوس إلى الحوار قرار سیاسی على قدر کبیر من الخطورة، ویجب أن یکون نابعا من قناعة الشعب و معبّرا عن میله، ومتناغما مع قناعته فی أن هناک توجها جدیا -إن وُجد- للاستجابة لمطالبه، کما أن الجلوس إلى طاولة الحوار یحتاج إلى ثمن سیاسی مسبق یدفعه صاحب الدعوة للحوار(أی السلطة)، کما یتوقف على ضمانات وعلى ما یبعث على الاطمئنان من نوایا الطرف الآخر وجدیته.
وکل هدا لا یبدو أنه شکل منطلقا لقرار "الوفاق" فی الانضمام إلى هدا الحوار الذی دعت إلیه السلطة بعدما وجدت نفسها فی مأزق الخیار الأمنی وتبعاته السیاسیة والاقتصادیة والاقلیمیة.
فأی صوت سیسمع لجمعیة "الوفاق" بین حوالی ثلاثمائة ممثل عن حرکات سیاسیة وجمعیات مختلفة بحرینیة دعیت إلى هذا الحوار الذی تغیب عنه السلطة، و یُکتفى فیه برفع تقریر عن مناقشاتها إلى الملک الذی سیقرر وحده ومن طرف واحد طبیعة الإصلاحات المتوجب اجراؤها.
ومع استجابة الوفاق ومشارکتها فی هذا الحوار من حقنا أن نخشى من تداعیات هذا القرار على وحدة الصف المعارض، خاصة أنّ الآلة الإعلامیة للسلطة لن تتأخر فی صیاغة خطاب یقسم المعارضة إلى فریق جدی وآخر لا یبحث إلاّ عن التأزیم والتصعید.
کنا نتمنى أن تتعمق أزمة النظام وعزلته الداخلیة أکثر فأکثر، وأن تُقاطع دعوته إلى الحوار  المغشوش حتى یقتنع بدفع کلفة التغییر واستحقاقاته خضوعا لإرادة شعب لم یتعب من العطاء والتضحیة، ولازال یعلن أن حرکته لها اتجاه واحد، وواحد فقط، وهو الاتجاه نحو بحرین یکون فیها الشعب هو مصدر السلطات وصاحب الحقوق الغیر القابلة لأیة مساومة.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.