الشیخ أحمد مبلغی فی حدیثه لـ" رسا ":
رسا / حوارات ــ جمیع الأصول لحقوق الإنسان لها مبررات شرعیة ، لأن المنطق الفطری هو الحاکم على هذه الأصو ، هکذا صرح الأستاذ الحوزوی والجامعی حجة الإسلام أحمد مبلغی وقال : لقد منح الإسلام وجهاً إنسانیاً ناصعاً لحقوق الانسان ، وخاض بحوثها بنظرة إنسانیة غایة فی السمو .

ذکر مراسل وکالة رسا للأنباء أن القوانین الدولیة فی مجال حقوق الإنسان والبیئة والتجارة والاستثمار وغیرها لها ضوابط تهدف إلى اتساع رقعة السلام والأمن ، وإقامة علاقات الصداقة بین الدول على الصعید العالمی .
وأحد فروع القوانین الدولیة هی الحقوق العالمیة للإنسان والتی تعرف بقوانین الحرب أیضاً .
من أهم المعاهدات المنبثقة عن حقوق الإنسان الدولیة هی معاهدة حظر تصنیع الأسلحة الکیمیاویة وتخزینها واستخدامها ، فقد بذلت طوال التاریخ جهود کثیرة لمنع استخدام وسائل الحرب الکیمیاویة والبیولوجیة ، منها مابذل لعقد معاهدة لاهای سنة 1907م التی التزمت بعدة تعهدات من الناحیة القانونیة ، ولکنها لم تستطع الحیلولة دون وقوع اشتباکات کیمیاویة فی الحرب العالمیة الأولى ، أما معاهدة جنیف لحظر الأسلحة الکیمیاویة والبیولوجیة فی 17 حزیران سنة 1925م فقد منعت الدول من استخدام الأسلحة المذکورة ، غیر أنها لم تقف سداً فی وجه تصنیعها وتطویرها وتخزینها . وفی 16 کانون الأول سنة 1971م صادقت الجمعیة العامة للأمم المتحدة على المعاهدة التی أفرزتها لجنة جنیف لنزع الأسلحة وحظر السلاح الجرثومی والسمی ومنع صناعته وتطویره وخزنه ومن ثم تدمیره ، ثم صادقت الجمعیة العامة للأمم المتحدة فی 11 تشرین الثانی سنة 1987م على اتفاقیة تتعلق بالأسلحة الکیمیاویة .
وبعد عقدین من المذاکرات المکثفة وقعت اتفاقیة حظر الأسلحة الکیمیاویة فی باریس سنة 1993م وطبقت سنة 1997م حیث انضوى تحت لوائها مائة وسبعة وثمانون بلداً حتى الوقت الحاضر . تتکون هذه المعاهدة من مقدمة و24 مادة وثلاثة ملحقات ، وتکفلت بتطبیقها منظمة حظر الأسلحة الکیمیاویة (OPCW) ومقرها فی لاهای بهولندا . وفی الاجتماع العاشر للدول الأعضاء فی اتفاقیة حظر الأسلحة الکیمیاویة فی لاهای بهولندا اتخذ یوم 29 نیسان یوماً عالمیاً لإحیاء ذکرى ضحایا الأسلحة الکیمیاویة ، وهو الیوم الذی فرض فیه تنفیذ قوانین اتفاقیة حظر الأسلحة الکیمیاویة على الدول الأعضاء فیها وتعهدت بتطبیقها .
وإیران من جملة الضحایا الرئیسیین لهذا السلاح الفتاک ، حیث قدمت کثیراً من الشهداء والمعوقین بالغازات السامة على مدار الحرب مع العراق .
ففی یومی السابع والثامن من حزیران سنة 1987م قصفت الطائرات العراقیة أربعة مناطق مزدحمة بالسکان فی مدینة سردشت وأغرقوا الأطفال والنساء والصغار والکبار والناس الأبریاء بوابل من القنابل والغازات الکمیاویة السامة القاتلة ، ولذلک سمی هذا الیوم فی تقویم الجمهوریة الإسلامیة بیوم النضال ضد الأسلحة الکمیاویة والجرثومیة .
بهذا المناسبة التقینا حجة الإسلام المسلمین أحمد مبلغی الأستاذ الحوزوی والجامعی وعضو اللجنة العلمیة للأمانة الدولیة العامة للإسلام وحقوق الإنسان ، ودار بیننا حوار أکد فیه على مشروعیة حقوق الإنسان ، وصرح بأن التقلیل من شأنها والتغافل عنها یعنی الإجحاف بالفطرة والأخلاق ، وتوجیه ضربة قویة إلى الدین وتجریده من الفرص المتاحة له وإقصاءه بعیداً عن الساحة الدولیة .
وفیما یلی بقیة حوارنا مع حجة الإسلام والمسلمین أحمد مبلغی نقدمه لقرائنا الأعزاء :
رسا ــ بدایة نرجو أن تقدموا لنا تعریفاً لحقوق الإنسان فی الحرب نمهد به للبحث فی الموضوع .
ج- تسمى الحقوق الدولیة للإنسان بقوانین الحرب أیضاً ، وهی إحدى فروع القانون الدولی ، وتشتمل على معنیین أساسیین :
الأول : الإعلان عن أن الدول لیست مطلقة الیدین فی حق اختیار الطرق والأسلحة الحربیة عند نشوب اشتباکات مسلحة بینها ، ویمکنها فقط الاستفادة من الأسالیب والوسائل التی لاتسبب آلاماً فتاکة وغیر إنسانیة .
الثانی : الدفاع عن حیاة وسلامة وکرامة الأشخاص الذین لم یشترکوا فی المعارک ، أو الذین انسحبوا منها کالمدنیین وأسرى الحرب والجرحى والمرضى .
رسا ــ ماهو نظر الإسلام إلى حقوق الإنسان ، وهل تدعم الأدلة الشرعیة تعالیم تلک الحقوق ؟
ج- فیما یتعلق بالحجیة الشرعیة لحقوق الإنسان فیجب أن أجیب عنها بالإیجاب ، لأننا یمکن نقیم عدة أدلة على حجیتها :
الدلیل الأول : أن العلاقة بین الإسلام وحقوق الإنسان کالعلاقة بین کیان وإطار معین یجب أن یظهر فیه .
ویمکننا أن نسأل ماهی العلاقة بین الإسلام والشیعة ؟ العلاقة بین المذهب والدین هی العلاقة بین الکیان والإطار ، فداخل إطار الإسلام یتحقق کیان الشیعة ، وبدون هذا الإطار سیضمحل الکیان ویزول .
والعلاقة بین المذهب والإسلام تشابه العلاقة مابینه وبین مطلق الأدیان ، ولذلک فإن تضعیف الأدیان والفکر الدینی ونفی وجود الدین إنما هو تضعیف للإسلام بصفته واحداً من الأدیان .
وقد ذکر الله تعالى فی کتابه العزیز المعابد إلى جانب المساجد على حد واحد فی السیاق ، کما فتح باب الحوار على مصراعیه مع أهل الکتاب .
فحقوق الإنسان حقوق قائمة على أساس الفطرة الإنسانیة ، وهی القاسم المشترک بین جمیع البشر .
الإسلام فی هذا البحث استخلص أحکامه من الفطرة العامة للإنسان بسخاء منقطع النظیر، ویمکن القول بأن الدین الإسلامی لم یکن بأی مجال من المجالات بهذا السخاء والشمول ورفعة المستوى فی استخراج أحکامه من صمیم الفطرة والعقل العملی الإنسانی .
إن تضعیف حقوق الإنسان والصد عنها یعنی الإجحاف بالفطرة والأخلاق وتوجیه ضربة قویة إلى الدین وتجریده من الفرص المتاحة له وإقصاءه بعیداُ عن الساحة الدولیة .
ومن السذاجة لو أردنا التغاضی عن الفطرة والأخلاق والحقوق الدولیة وإسدال الستار على آراء الإسلام فی هذه الموضوعات .
الدلیل الثانی : إن دعم وتقویة حقوق الإنسان یعنی تقویة الکیان الذی توجد فیه الدول الإسلامیة ، وتوفیر عوامل حصانتها .
إن حقوق الإنسان تسعى لأن تتجاوب مع بعضها تلک الدول التی لها أدیان ومتطلبات مختلفة ، لکی تراعى القوانین والحقوق المشترکة فی أوضاع الحرب إذا ما نشبت بینها ، وبذلک یقل إلى أقصى حد ممکن إبادة الأبریاء والدمار الذی یلحق بالبیئة ومؤسسات البنى التحتیة .
إن طبیعة الحرب أن تقع فی منطقة تعد نقطة للتبادل الحضاری والدولی ، فهی ذات أبعاد دولیة وخارجة عن سیطرة بلد واحد .
وجاءت حقوق الإنسان من أجل أن تنشر نفوذها على المناطق الخارجة عن السیطرة بإثارة الدوافع الإنسانیة ، وتأسیس ثقافة بشریة وتوطید المواثیق ، وتشجیع الدول على التقلیل من آثار الدمار التی تخلفها الحروب ، ومن الطبیعی أن ینعم جمیع البشر بهذه القوانین .
ولکی تکون حقوق الإنسان مجدیة یجب أن تغدو الثروات الطبیعیة عامة مباحة للجمیع ، ومن ضمنهم الأمة الإسلامیة التی هی عضو من المجتمع الدولی .
الدلیل الثالث : إن حقوق الإنسان من الموارد التی تنطوی علیها التعالیم الإسلامیة کأهداف قصوى .
وهی أمر متطابق مع الفطرة الإنسانیة لا کالقوانین الأخلاقیة التی تتأثر أحیاناً بالنظرة الکونیة ، والإسلام لیس بعیداً عن هذه المفاهیم السامیة ، بل تشتمل تعالیمه أحیانأ على أسمى منها .
أحد الأصول التی تنطوی علیها حقوق الإنسان هو الفصل بین العسکریین وغیرهم ، کما یوجد نظیر ذلک فی العلوم الإسلامیة ، فمثلا آیة {لاتزر وازرة وزر أخرى} أصل أساسی فی الإسلام تصرح بأن من یرتکب جریمة یجب أن لایعاقب علیها الآخرون ولا تشملهم مردوداتها .
أصل آخر من حقوق الإنسان هو أصل حسن النیة ، ویمکن القول بأن الدین وضع على أساسها ، وقد ورد فی القرآن الکریم أنه لو رغب أحد الطرفین المتنازعین فی الصلح فکونوا معه واستفیدوا من هذه الفرصة لنشر الصلح والسلام .
والتلاؤم أحد الأصول الأساسیة فی الفقه الإسلامی ، وإذا ما حذف فستتغیر کثیر من الآلیات .
الملاحظة الأخیرة أن جمیع الأصول لحقوق الإنسان لها مبررات شرعیة ، لأن المنطق الفطری هو الحاکم على هذه الأصول .
وینبغی التأکید هنا أن مآسی الحروب والأسلحة الفتاکة والعملیات الوحشیة الرهیبة فی العصر الحالی وفی سیاق حقوق الإنسان هی خیر فرصة للسعی فی اجتثاث الآلام البشریة .
رسا ــ تحدثنا حتى الآن عن أصل مشروعیة حقوق الإنسان من منظار إسلامی ، وهنا سؤال یطرح نفسه وهو هل یمکن اعتبار حقوق الإنسان من وجهة نظر الدین الإسلامی أفضل من حقوق الإنسان المصطلح علیها والتی لها قوانین عالمیة مدونة ؟ وإذا کانت کذلک فما هی الأدلة علیه ؟
ج- لحقوق الإنسان الإسلامیة أصول تجب مراعاتها ، وقد أکد علیها الإسلام فی زمن الحرب والعملیات الحربیة وأبعادها المختلفة .
والنظام الفکری للإسلام فیما یتعلق بحقوق الإنسان له أصول وخصائص تتبوأ به منزلة الأفضلیة .
وما نعنیه من کلمة خصائص هی الممیزات الموجودة فی حقوق الإنسان الإسلامیة ولا وجود لها فی حقوق الإنسان الاصطلاحیة ، أو موجودة ولکنها لیست بهذا النحو .
فحقوق الإنسان الإسلامیة ـ أولاـ عامة شاملة ، فلو توقفنا على قوانین الحرب فی الإسلام فسنرى أنه وضع لها تنبیهات کثیرة جداً بنحو لایشتمل أی موضوع من موضوعات الفقه الإسلامی على هذا العدد منها .
ولو طالعنا حقوق الإنسان کما یراها الدین الإسلامی فسنعثر على قائمة عریضة تؤکد على احترامها وحفظها ، وتضم فقرات عدیدة منها : عدم الهجوم على النساء والشیوخ والهاربین ، ومن یسقط فی ساحة الحرب ولیست له القدرة على الفرار ، والأموات ، ومن یستعد للتسلیم ، ومن لیسوا فی ضمن المعرکة ، والأشجار والمیاه والطبیعة والحیوانات .
وثانیاً عمق ونوعیة القوانین الإسلامیة ، حیث أضفى الإسلام وجهاً إنسانیاً على حقوق البشر ، وطرح البحوث الإنسانیة بنظرة سامیة شاملة .
فالإمام علی (علیه السلام) لاینظر إلى اللحظة التی نشبت فیها الحرب فقط ، بل کان یرى أوضاع وشروط الحرب جزءاً منها ، ولذلک تقسم الحرب من وجهة نظره إلى أوضاع عامة وخاصة ، والأخیرة هی ماقبل تبادل إطلاق النار وقبل استخدام أی سلاح ، فعن هذه المرحلة یقول : لاتکونوا البادئین بالحرب .
ویذهب (علیه السلام) إلى أکثر من ذلک ویقول بأن عدم تعلق ارادتکم بالمبادرة إلى الحرب لایکفی بل علیکم أن لاتسیروا فی الحرب وشروطها العامة بنحو یتصور العدو أنکم تریدون البدء بها .
مثل هذه النظرة لاتطرح بحث تعلق الإرادة بالحرب فقط ، بل تعکس سلوکاً متسامحاً یشیر إلى أن على الإنسان أن یکون قریباً من العدو فی الأوضاع العامة ، وهو سلوک غایة فی الإنسانیة یسعى إلى السیطرة على الحرب .
واحدة أخرى من خصائص الفقه الإسلامی فی مجال حقوق الإنسان أنه یسعى إلى أبعد من الحقوق والقوانین ، إلى وصف وتوطید القیم الإنسانیة ، وهو غیر الحقوق .
فالثقافة عامل دائم لتوسیع وتمهید ونشر الرکائز الأساسیة والبنى التحتیة للقوانین والأحکام ، والإسلام أخذ فی نظر اعتباره ضمان تطبیق حقوق الإنسان کنشاط خاص له ، فلو طالعنا قسماً من آرائه لرأینا أن العقل والقانون لیسا من یتحکم بهذه القضیة فحسب ، بل الثقافة والقیم أیضاً ، وعلى العالم الیوم أن یتجه نحو ثقافة خاصة بقیم حقوق الإنسان .
ولترکیز البحث أکثر سنذکر مثالا على مبادئ الدین الإسلامی ، فالکل متفق على أن الحیلة والخدیعة قسم من الحرب ، وواحدة من آلیاتها ووسائلها وتقنیاتها هی استخدام الحیل والمؤامرات والحرب النفسیة والخداع . والإسلام لم یرد بسذاجة أن ینفی الخدیعة فی الحرب مطلقاً ، لأنه عمل لیس واقعیاً ، ولکنه سعى کثیراً لأن یوصل المکر والخدیعة والکذب فی الحرب إلى أقل حد ممکن ، فقد ذکر الإمام علی (علیه السلام) بعدة مواضع من خطبه فی باب الخدعة ضرورة الوفاء بالعهد ، وأکد على ذلک مراراً ، فهو أصل أساسی من الأصول الإنسانیة .
البعض یتکلم عن الصدق على أنه قلة تجربة وعدم معرفة بواقعیة الحرب ، ولکن الإمام علی (علیه السلام) أکد على الصدق والأمانة والوفاء بالعهد فی الحرب أکثر من تأکیده على المکر والخدیعة بنحو یُظن معه أن لیس لدیه تدبیر حربی .
رسا ــ نرجو أن تبینوا الأدلة الفقهیة فی حرمة استخدام أسلحة الإبادة الشاملة من ذریة وکیمیاویة وجرثومیة .
ج- هناک ثلاث قواعد فقهیة فی حرمة استخدام الأسلحة الذریة والکیمیاویة ، القاعدة الأولى الوزر المأخوذة من آیة {لاتزر وازرة وزر أخرى}، فالعقاب یجب أن لایشمل من لایستحقه ، وبعبارة أخرى : یجب أن لایتحمل أی شخص إثم ما ارتکبه الآخرون ، واستخدام أسلحة الدمار الشامل ینقض هذه القاعدة بنحو خطیر متکرر ، لأنها تبید على نطاق واسع مجامیع کثیرة من البشر بدون تمییز ورحمة .
القاعدة الثانیة قاعدة السعی فی الفساد ، وخلاصتها أن اتخاذ أی سبیل ینتهی إلى الفساد على الأرض یعتبر مصداقاً للسعی فی الفساد وموضوعاً لهذه القاعدة ، ومن ثم یحکم علیه بالحرمة .
القاعدة الثالثة قاعدة الإثم المأخوذة من آیة {إثمهما أکبر من نفعهما} ، إذ تحرم أی عمل یشتمل على إثم ومنکر وفساد أکثر من نفعه . وعلى الرغم من أن هذه الآیة نزلت فی الخمر والمیسر ولکنها قاعدة یمکن تطبیقها على کل مورد یحرز فیه کون إثمه أکبر من نفعه ، ففی مایخص الخمر أعلن الشارع المقدس نفسه أن إثمه أکبر ، وأما مایتعلق بالأسلحة الذریة والکیمیاویة فکل عقلاء العالم متفقون على فسادها وخطرها العظیم .
رسا ــ نشکرکم على هذا الحوار وعلى مامنحتمونا من وقتکم الثمین .
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.