05 October 2011 - 20:49
رمز الخبر: 3955
پ
رسا/الرأی- دأبت السلطات السعودیة على اتهام إیران بتقویض الأمن والاستقرار فی الخلیج، ما حصل فی بلدة العوامیة بمحافظة القطیف بدایة هذا الأسبوع واتهام إیران بالتحریض على الأحداث ما هو إلا تغطیة على خرق سافر لحقوق الإنسان، واستمراء لعبة الترهیب من إیران فی مزید من الاستجداء للحمایة والوصایة الأجنبیة.
أحداث" العوامیة" والهروب السعودی إلى الأمام


لیست هی المرة الأولى التی تلجأ فیها السلطات السعودیة للهروب إلى الأمام کلما حصلت مواجهات أمنیة فی المنطقة الشرقیة ذات الغالبیة الشیعیة، وذلک بتحمیل مسؤولیة ما یقع إلى جهة أجنبیة تکون تعبیرات بیانات داخلیتها تلمح دائما إلى إیران.
وقد تکرر الأمر نفسه على خلفیة ما شهدته بلدة العوامیة بمحافظة القطیف مساء أول أمس الاثنین حیث کانت السلطات اعتقلت یوم الأحد رجلین مسنین للضغط من أجل أن یسلم ابنیهما المطلوبین نفسهما للشرطة ما أدى إلى تدهور الوضع الصحی لأحدهما نتج عنه غضب الأهالی واحتجاجهم على تلکم الممارسات التعسفیة.
فی منطق السلطات السعودیة یعتبر أسلوب احتجاز الأهالی ولو کانوا طاعنین فی السن لإجبار المطلوبین أمنیا على - خلفیة نشاطات سیاسیة فی العادة- لتسلیم أنفسهم إجراءا عادیا، وغیر العادی بل الموجب للتشکیک فی الولاء للوطن والاتهام بالعمالة هو الاحتجاج على صلف السلطات أو إعلان الرفض لممارساتها العدوانیة والتمییزیة.
جاء فی تصریح مصدر مسؤول بوزارة الداخلیة السعودیة بأنّ" مثیری الفتنة والشقاق والشغب فی بلدة العوامیة ... شرعوا بمباشرة أعمالهم المخلة بالأمن وبإیعاز من دولة أجنبیة تسعى للمساس بأمن الوطن واستقراره مما یعتبر تدخلاً سافراً فی السیادة الوطنیة".. وزاد المصدر وهو یصف المحتجین بمن" أسلم إرادته لتعلیمات وأوامر الجهات الأجنبیة التی تسعى لمد نفوذها خارج دائرتها الضیقة" قبل ان یخیّرهم البیان بین" ولائهم لله ثم لوطنهم أو ولائهم لتلک الدولة ومرجعیتها".
هذا الشطط فی لغة البیان یراد منه طبعا تبریر القوة المفرطة التی واجهت بها السلطات المتظاهرین الذین هم فی العرف السیاسی و الامنی مصنفین کمواطنی أمر واقع لیس إلاّ، ولإیهام السلطة نفسها قبل أی رأی عام دولی أنها بمنأى عن أی توترات سیاسیة واجتماعیة؛ لانتفاء الأسباب؛ إلاّ ما تتسبب فیه الدولة الأجنبیة (إیران) المتربصة شرا ببلاد الحرمین الشریفین.
فالسلطات السعودیة ومن فرط حساسیتها الأمنیة صارت تحسب کل صیحة احتجاج مشروع بأنه بدایة لانسلاک القاطرة الشعبیة إلى مضمار ما یسمى بالربیع العربی الثوری، وهی ما کانت لترصد کل تلک الملاییر من الدولارات لزیادة الرواتب وتمویل مشاریع إسکانیة للشباب، وإعفاء قروض، وتقدیم منح مالیة وإعانات بطالة..لولا إدراکها أنّ ما حرّک الشارع العربی فی أکثر من قطر وأطاح بأنظمته الاستبدادیة؛ یوجد لدیها ما هو اسوأ منه وأکثر بشاعة.
لم یکتف النظام السعودی بأکبر عملیة رشوة للرأی العام الداخلی، بل تدخل عسکریا فی البحرین تحت غطاء "درع الجزیرة" لقمع انتفاضة الشعب البحرینی وسحق إرادة الحریة من أن تمتد فی منطقة الخلیج.. ثم انطلق بکل إمکاناته المالیة لإیقاف هدیر الثورات من أن ترسم حقائق جدیدة فی العالم العربی، وهکذا تدخل فی الیمن بدعم نظام الدیکتاتور علی عبدالله صالح، ودعّم التیارات السلفیة فی مصر لتمییع الثورة بممارساتها المخزیة لإخافة الناس فی مصر وفی غیرها من أن أفق کل ثورة لن یکون بالضرورة مشرقا محققا لتطلعات الشعوب. وأغدق على الأردن بمساعداته المالیة ومنحه إلى جانب المغرب بطاقة سخیة لأجل العضویة فی مجلس التعاون الخلیجی.
وبالعودة إلى مسالة الولاء للأوطان التی أضحت مطعنة على الکثیر من أبناء الخلیج.. فقد اکتشفت الجماهیر العربیة والإسلامیة أی معنىً صار للوطن مع الأنظمة الاستبدادیة حینما تحول "الوطن" کما فی النموذج التونسی أو المصری أو اللیبی إلى ضیعة بصکوک ملکیة خاصة للرئیس وأقاربه ومقربیه ، وذُهل الناس من حجم التحریف والمسخ اللذان طالا هذا المفهوم النبیل فی ظل الأنظمة التی کانت تزعم أنها أمینة على الوطن ومصلحته وسیادته وقراره وثرواته.. فإذا هی عبارة عن مافیات عائلیة استنزفته وهمّت بإحراقه على طریقة "نیرون" من أجل شهوة الحکم والتسلط.
إن هذا الکلام الوارد فی بیان مسؤول الداخلیة السعودی أشبه بقطعة خشب نخرها السوس وصار استعماله موضة قدیمة ومستهلکة، فالحکام وأزلامهم العابثون بمقدرات الأوطان وثرواتها، المفرطون فی سیادة الأوطان، الفاسدون حتى النخاع..هؤلاء هم من یُطعن علیهم فی ولاءهم للوطن وصدق انتسابهم إلیه، وینبغی أن یقدموا للمحاکم بتهم الفساد والخیانة العطمى.
إن جریمة الاعتداء على مسنَّین واحتجازهما دونما ذنب اقترفاه ودون مراعاة لظروفهما الصحیة وذلک للضغط على ابنیهما کی یسلما أنفسهما للسلطات الأمنیة بعدما تمت ملاحقتهما بتهمة التظاهر قبل اشهر؛ لهی جریمة یجب أن تدان من کلّ المواقع الحقوقیة، کما یجب وبمناسبة القمع الوحشی الذی جوبه به المحتجون أن یفتح ملف الحقوق السیاسیة والمدنیة للفئات المضطهدة بالمملکة.
أما التحرش بإیران بمناسبة ومن دونها، فهی اسطوانة مشروخة، فسجل إیران فی علاقتها بجوارها الإقلیمی قائمة على الاحترام وعدم التدخل فی شؤونها الداخلیة، وقد اقترحت لمرات عدة صیغا لضمان الأمن والاستقرار فی منطقة الخلیج من دون حاجة لأی تواجد عسکری أجنبی، ولم تلقى التجاوب المطلوب.
فالحریة حاجة إنسانیة مقومة لوجوده، فمنذ أن کان الإنسان وهو مجبول على کسر القیود والأغلال..لا فرق فی ذلک بین إنسان وإنسان، وجاء الدین لیحرر الإنسان من کل أشکال العبودیة.. فکیف یستکثر الطغاة أنفاس الحریة وأشواقها على أهلنا فی الخلیج..ولماذا کلما علت لهم صرخة عزّ من أجل الحریة والکرامة، أو انبعثت من وجدانهم الکسیر أنّةَ تظلّمٍ وقهرٍ سارعت أبواقهم واتهمت إیران بأنها وراء ذلک؟! واتُهم الأحرار فی وطنیتهم وولائهم وزاید علیهم فی ذلک کلّ فاسق وعمیل.
أما الموقف الثابت للجمهوریة الإسلامیة والذی تجاهر به فهی أنها مع حق الشعوب فی تقریر مصیرها وهی مع المضطهدین أینما کانوا على خارطة هذا العالم بمعزل عن عرقهم ودینهم ولغتهم، وهو موقف دینی وأخلاقی ونهج رسمته الثورة لنفسها منذ ملحمة انتصار المظلوم على الظالم فی ثورتها المجیدة.
وکما أنّ نور الشمس لا یحجبه الغربال، فکذلک هدیر الثورة القادم لن تنفع معه بیانات الافتئات ولا أکیاس الدولارات.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.