03 November 2011 - 18:34
رمز الخبر: 4040
پ
رسا/تحلیل سیاسی- لازلنا نعیش نشوة فوز حرکة النهضة فی تونس فی انتخابات المجلس التأسیسی، ومعها تراودنا آمال عریضة فی نجاح التجربة والانتقال بتونس إلى أهداف ثورتها المجیدة. هذا حدیث یعبر عن بعض القلق الطبیعی فی مثل هده المخاضات. بقلم عبدالرحیم التهامی.
حدیث فی فوز "النهضة" بتونس



لا زال للفوز الذی حققته حرکة النهضة التونسیة فی انتخابات المجلس التأسیسی فى 23 أکتوبر الماضی الکثیر من الارتدادات حتى وإن کان هذا الفوز لم یکن مفاجئا لمتتبعی الشان السیاسی التونسی.
والاهتمام بالحدث التونسی أو بالأحرى بحرکة النهضة التی یتزعمها الشیخ راشد الغنوشی لیس ناشئا فقط من الموقع السیاسی الذی أتاحه فوز الحرکة بأکبر نسبة من الأصوات (أکثر من 40٪) فی انتخابات المجلس التأسیسی، ولیس فقط من کون المجلس التأسیسی تتجاوز اختصاصاته صیاغة دستور جدید للبلاد، من حیث أنه یجمع الى جانب ذلک مهمة تشکیل الحکومة، وتعیین رئیس الدولة، وممارسة المجلس حقه فى التشریع (أی مباشرة مهمات المجلس التشریعى کاملة) والرقابة على الحکومة.
بل إن هذا الاهتمام؛ وفی صلب ذلک کله؛ مدفوع أساسا برغبة قویة فی استکشاف واختبار مدى صلاحیة النموذج الإسلامی التونسی وتوائمه مع ما یعرف بالقیم السیاسیة الکونیة، وبتعبیر أوضح هناک محاولة لمعرفة اتجاهات المشروع الإسلامی فی تونس وهل ستتأسس على قیّم الحداثة السیاسیة بما یقرب بالتجربة من النموذج الترکی؟ أم أنها ستختط لها مسارا قد یوصلها لمنازعة الغرب –وتحدیدا فرنسا- سواء فی هیمنته على الشمال الإفریقی أو صولا بالاحتکاک معه لجهة معاییره السیاسیة والحقوقیة التی یرید فرضها على العالم، ویصطنع لها عنوان الکونیّة.
وإذا تجاوزنا الموقف الأمریکی البرغماتی من فوز "النهضة" وهو الذی لا یمانع فی أن تتولى التیارات والحرکات الإسلامیة -المصنفة معتدلة- الحکم فی العالم العربی، فی سیاق الحفاظ على المصالح الأمریکیة الاستراتیجیة فی المنطقة، من خلال تشجیع ودعم ما تسمیه الإدارة الأمریکیة ب"الإنتقال الدیمقراطی" فی العالم العربی، فإن الموقف الفرنسی جاء متشددا ومحکوما بإرثه الإستعماری؛ إذ أکد وزیر الخارجیة الفرنسی آلان جوبیه استعداد بلاده للانفتاح المشروط على «الإسلامیین المعتدلین»، أما رئیسه سارکوزی فقد أعلن وبوضوح أکبر أن فرنسا «ستکون متیقظة إلى احترام حقوق الإنسان والمبادئ الدیمقراطیة، خصوصا التنوع الثقافی والدینی، والمساواة بین الرجال والنساء».
والرئیس الفرنسی هنا لا یقوم إلا بمزایدة مفضوحة یقتضیها الخوف على الهیمنة الفرنسیة فی مقابل التسلل الامریکی الى منطقة المغرب العربی، وإلا فهو یدرک وبحکم ما تنجزه مراکز البحوث أن حرکة النهضة مختلفة عن الکثیر من الحرکات الإسلامیة، لجهة عمق فکرها السیاسی وکثرة تنظیرات زعیمها الشیخ راشد الغنوشی وکتاباته المتعددة حول الحریة والدیمقراطیة، بل یبدو أن الرئیس الفرنسی صم أذنیه عن رسائل الطمأنة التی أرسلها راشد الغنوشی لأکثر من جهة وکانت فرنسا معنیة بالتحدید بالعدید من هذه الإشارات..وإن کنا نود لو لم تکن هناک إشارات طمأنة لأحد، فالشعب التونسی انجز ثورته واختار من یمنحه ثقته وهو قادر ان یتحمل تبعات خیاره.
إن إشارات الطمأنة سواء تلک الداخلیة أوالخارجیة التی أطلقها راشد الغنوشی بدت وکأنها تقفزعلى سیاق الثورة وعن موجبات القطع فیها، وتجرد المشروع الإسلامی من هویته ومن بعض التزاماته، الالتزامات التی فی بعض منها تحتاج؛ على المستوى الداخلی؛ إلى الاقناع بها ومن ثم تحویلها إلى مطلب شعبی یثحسم بالآلیات الدیمقراطیة.
نعم ندرک أن حرکة النهضة لیست الفاعل الأوحد فی المرحلة القادمة وإن کانت مسؤولیتها أکبر بمنطق نسبة التمثیل فی المجلس الوطنی التأسیسی، وأن ثمة قوى أخرى فی الساحة، کما نجد فی تواضع "النهضة" وحرصها على مبدأ الشراکة السیاسیة مع الفرقاء النزیهین نضجا سیاسیا والتزاما جادا بمتطلبات الإنتقال التاریخی الذی تحتاجه تونس والذی یتجاوز فاعلا سیاسیا لوحده مهما کان من امکانیاته أو من حجم مشروعیته.
لا شک أن تجربة النهضة ستواجَه بالکثیر من الضغوطات، وستتعرض لمساومات عدیدة کی ترضخ للتدجین، وکی لا تتحول إلى نموذج على الصعید المغاربی ذی الخصوصیة الاستراتجیة الکبیرة، فالغرب کما الرجعیة فی الخلیج یدرکان أن النخبة التی تتوفر لحرکة النهضة مضمومة لقوى مناضلة وحیة، مؤهلة لبناء تجربة إسلامیة صلبة وقویة فی تونس تفضح وتحاصر النمط السلفی الوهابی.
لذلک سیخضع إسلامیو تونس لکثیر من الابتزاز کما سیکون محرم علیهم الانفتاح على إیران للافادة من تجربتها على مختلف الصعد وفی کل المجالات.
بقدر غبطتنا بالتفویض الشعبی الذی نالته الحرکة الإسلامیة فی تونس فإن خشیتنا على التجربة هناک کبیرة، ونخشى علیها أساسا من التشویش السلفی المتربص بها، ومن بعض المال الخلیجی الذی یستدرج المقایضات..أما عن البرامج الاقتصادیة والاجتماعیة فقد عرفنا "النهضة" عن قرب، ولنا کل الثقة فی قدراتها التنظیریة، کما أن أجواء التعبئة السائدة فی أوساط الشعب التونسی وقواه المناضلة الحریصة على إنجاح التحدی..تحدی الخروج من ترکة الاستبداد إلى تونس الولادة الجدیدة، تبقى باعثة على أکبر ارتیاح.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.