رسا/الرأی- منذ تدخلها فی الملف السوری بعد تراجع الدور الترکی کان منحى التدویل أقوى من مساعی الحلّ فی أسلوب الجامعة العربیة، وبدا واضحا أن ما فشل فیه المخطط الترکی بحکم أنّ جردة الحساب کانت مکلفة، سیُسند للطرف الذی لا یجید الحساب؛ والذی لیس له من حساب إلاّ الحساب الأمریکی.

فی اجتماعها أمس اتخذت جامعة الدول العربیة قرارها المفاجئ بتعلیق عضویة سوریا فی الجامعة وفی کل المجالس والهیئات المرتبطة بها، إعتباراً من 16 نوفمبر/ تشرین الثانی الجاری، ودعت الدول العربیة إلى سحب سفرائها من دمشق.
فی مقدمات القرار یبدو القرار مفاجئا وخارجا عن سیاقه وعن تطور الأحداث لجهة تجاوب سوریا مع مساعی الجامعة؛ وهی التی تدخلت فی الملف السوری حصرا؛ وبدت وکأنها تحرج النظام السوری من خلال طلبات محددة للتنفیذ وفی مهلة محددة، کل ذلک على سبیل احتواء الأزمة السوریة وتمهیدا للحوار مع المعارضة لإیجاد مخرج من الأزمة.
وأیضا فقد کان من المقرر أن توفد الجامعة اللجنة الوزاریة التی شُکلت للتعامل مع الأزمة إلى دمشق فی زیارة أخرى للوقوف على حقیقة الأوضاع؛ خاصة فی ضوء الهجمة الاعلامیة المعادیة والموجّهة والتی ظلت تصور أن الاوضاع تراوح مکانها وأن عدد القتلى لم یتراجع عن المعدل الیومی الذی دأبت على اعلانه فی مقدمة نشراتها، وتأکید الجانب السوری على أنه نفذ مجمل مطالب الجامعة العربیة، وأن المواجهات انحصرت مع المجموعات المسلحة التی رفعت من وثیرة اعتداءاتها لاستدراج الرد السوری ولارباک موقف سوریا أمام الجامعة العربیة.
من جهتها وعشیة الاجتماع الأخیر للجنة الوزاریة العربیة جددت سوریا ترحیبها ببعثات الجامعة ومن یرغب منها بالحضور إلى سوریا لمعاینة الواقع الیومی للأحداث فیها.
لکن السیناریو کان مکشوفا منذ البدایة، فبعد التراجع الترکی الواضح فی الملف السوری، وفشل مخطط الشریط العازل فی جسر الشغور إثر التحذیر الإیرانی الصارم، احتاجت الإدارة الأمریکیة إلى وکیل یقوم بدور المحلل کما حصل فی الملف اللیبی، فی أفق التدویل واختبار سیناریوهات التدخل العسکری او فی الحد الأدنى التلویح به .
أن تقدم الجامعة العربیة على هذا القرار الخطیر وفی هذا الظرف بالذات؛ وهی التی لم یتعود منها المواطن العربی غیر الغیاب وجریمة الصمت والتواطؤ کما فی عدوان2006 على لبنان، والحرب على غزة نهایة عام 2008، ثم ما کان من حصار ظالم جوّع شعب مناضل وراهن على إخضاعه أمام العدو الصهیونی..وما کان من تقسیم السودان.. هذا الإقدام ما هو فی الواقع الا محاولة لإعادة ترسیم للخارطة العربیة على أساس مفاصلة واضحة مع محور الممانعة، وفرض وقائع سیاسیة تملأ الفراغ الذی یمکن ان تتشکل ملامحه من تبلور التحولات التی یشهدها العالم العربی على صورتها النهائیة.
إن الجامعة العربیة ومن خلال المحور الرجعی المتأمرک فیها، لن ترقى لتکون شیئا فی المجال العربی وهی التی راکمت الخیبات والفشل بل والتآمر من خلال توفیر التغطیة للتدخلات الاجنبیة فی المنطقة العربیة، ولیس مثل هذا القرار المخزی؛ وهو فی الواقع إملاء أمریکی؛ من سیعید لها المکانة او الاعتبار.
الجامعة الآن وفضلا على موتها وشللها، هی على مشارف عهد یبدو أن الأمة ومن خلال هدا الحراک المبارک الذی نشهده بدأت تتجاوزه، ولیس هناک خزی یضاف الى خزی المواقف ومجمل الأداء، إلا ما سودت به الجامعة صفحتها الأخیرة بهذا القرار الأمریکی، فقد کان من المفروض ووفقا لمیثاق الجامعة ان یطرح القرار ویناقش على مستوى قمة عربیة ولیس على مستوى وزراء الخارجیة.
من المؤسف ان ینکشف هذا القاع من العمالة والخیانة على مستوى الجامعة العربیة فی سیاق نعده ثوریا وانتفاضیا، ومن العار أن یتم السکوت أمام هذا المخطط الذی یستهدف سوریا لتدفیعها ثمن المقاومة والممناعة، وکسرها على أعتاب الإنسحاب الامریکی المهزوم من العراق.
سیذهب هذا القرار المخزی جفاءا، وسیثار التساؤل عن هویة هذه الجامعة وعن المستوى الأمریکی الذی تتلقى منه التعلیمات، ولماذا صوبت الجامعة على سوریا دونما الیمن أو البحرین، والتدخل هناک أوجب وأقوى؟
ستسقط المؤامرة ومعها القرار السخیف، وسیتصدر المشهد الجموع من الجماهیر المحتشدة فی کل المحافظات تندیدا بقرارات الجامعة العربیة وتأییدا لمسیرة الإصلاح.
ستسقط المؤامرة وستستدرک سوریا ما فوتته من فرص فی الإصلاح، لتعید صیاغة نظامها السیاسی على قاعدة الدیمقراطیة والمقاومة، لتخرج أکثر قوة من هذا الإعصار الذی یرید رأسها، وترید معه حسابات الأعداء السافرین والمستترین ان یمهروا هذا الرأس ل(إسرائیل) وهی التی لا تنام على ثأر، وتمنی النفس أن تنام على وسادة بعد شطب سوریا من معادلة الصراع.
لیس إلاّ کلمة قد تشفی الغلیل مما حصل بالأمس باسم الشعوب العربیة..نقولها بل نصرخ بها أمام وجوهکم الکریهة: خسئـــــــــتم لن تکسبوا الجولة، وستنتصر المقاومة.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.