لَقد حَققت مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التُراث وعبر فروعها المُتعددة، حَققت كَثيرٌ مِنَ الإنجازات الكَبيرة في عِلم التَحقيق، بَل أنها أكتشفت طُرقٌ للتحقيق تَختلف عن الطُرق الكلاسيكية المُعتمدة، وهذا بدورهِ كانَ سبباً في تَخريج العديد مِن المؤلفات، بعدَ جهودٍ كبيرة يكرسها العاملين في المؤسسة، لترصين العمل والخروج بنتائج تليق معَ المؤلفات المهمة، التي تعمل المؤسسة على تحقيقها..
عَملٌ كبيرٌ ويستحق الإشادة بهِ، لكنهُ لا يخلو مِن الصعوبات الكبيرة أيضاً، فنحنُ هنا نتحدث عن كُتبٍ ورسائل، كُتبت قبل مِئات السنين، وضاعَ أشهرُها، وأُتلفَ أندرُها، ووزعت بعضها بينَ الدولِ والأوطان، لتجد المؤسسة نَفسها تتعامل معَ صُعوبات تتزايد.. معَ مرِّ الأيام!
وكالة رسا للأنباء زارت مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التُراث، وكانَ في استقبالنا مشكوراً سماحة الشيخ احسان الجواهري الأمين العام للمؤسسة، حديثٌ لم يخلو مِن التشويق، فقلبنا التأريخ سويةً، لنُسلط الضوء على جهود العاملين في المؤسسة، وهُم ينذرون أنفسهم أبتغاء مرضاة الله سبحانهُ وتعالى.
سماحة الشيخ احسان الجواهري أبتدأ حديثهُ واصفاً طبيعة عمل المؤسسة قائِلاً: "مؤسسة آل البيت مؤسسة ثقافية علمية تَعنى بشؤون تُراث أهل البيت (عليهم السلام)، وطريقة عمل المؤسسة والبرنامج الموضوع لها؛ هو التحقيق العِلمي للمخطوطات ذات الأهمية العلمية بالنسبة للحوزات العلمية والجامعات والنُخب الثقافية، كما أخذت المؤسسة على عاتقِها تربية الكوادر العلمية والإستفادة مِن ذوي الخِبرة والإختصاص في عالم التحقيق. بدايةً؛ تأسست المؤسسة عام ١٩٨٤، وأبتدأت عملها بابتكار طريقة جديدة في عالم التَحقيق، خِلافاً للطريقة الكلاسيكية التي كانت مُتبعة، الأمر الذي جَعلَ المؤسسة تتَقدم في هذا المجال، بحيث تم إعتماد هذه الطريقة في أكثر المؤسسات العلمية وبعض الجامعات الأكاديمية".
وتابعَ الشيخ احسان الجواهري مُفصِلاً الطريقة التي تتبعها المؤسسة في التحقيق العِلمي، قائلاً: "الطريقة التي كانت سائدة، هي ان أحد المُحققين بشخصهِ، يعمل على نُسخة خَطية واحِدة، من حيث الإختيار ومقابلة النَص والتخريج والتقويم، وحسب المراحل المَعلومة في عالم التحقيق، وهذا يعني إن شخصاً واحداً يقوم بكل ماذُكر، أما بالنسبة لمؤسسة آل البيت بمنهجيتها المُبتكرة، التي جاءت بها إلى عالم التَحقيق، وذلك قبلَ ثلاثين عاماً مِن الآن، وهذه الطريقة هي طريقة التحقيق الجماعي، أي أن يقوم بالتحقيق مجموعة مِن المحققين، بحيث كل مرحلة من التحقيق تكون هناك لجان علمية تَعمل على وفق مراحل التحقيق".
ومعَ البدأ بالحديث عن طريقة التحقيق الجماعي المُبتكرة في مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)، بدأ سماحة الشيخ احسان الجواهري بتوضيح ألية التحقيق والمراحل التي يَمرُ بها المؤلَف قبلَ إخراجهُ إلى العَلن: "هناكَ ستة مراحل من التحقيق، لا بُدَ أن تمر بها النُسخة المراد تحقيقها وهي كالتالي:
أولاً: مرحلة انتخاب النُسخة؛ هناكَ لجنة علمية متخصصة تعمل على انتخاب العمل المطلوب تحقيقه، وجمع النُسخ الموجودة عنهُ في مختلف دول العالم، وهذه اللجنة لديها معاييرها الخاصة وحسب الأحتياج للنِسخة الخطية.
ثانياً: مرحلة مُقابلة النُسخ؛ وهذه اللجنة وظيفتها أن تُقارن النُسخ المتوفرة، معَ النُسخة الأم التي يتم اختيارها وفق معايير علمية فكلما كانت قريبة من عصر المؤلف، كأن تكون بخط المؤلف أو قُرأت عليهِ أو على أحد تلامذتهِ، وهكذا يتم مقابلة باقي النُسخ، وهكذا يتم مقابلة باقي النُسخ، وتُقارن وتُثبت الإختلافات حتى لو كانت بمقدار حَرف واحِد فقط.
ثالثاً: مرحلة تخريج الأيات القرآنية والأحاديث الشَريفة؛ وهنا يتم تخريج الآيات القرآنية والاحاديث النبوية الشريفة واقوال الأئمة وبعض الوقائع المُهمة، وتُخرج من أمهات المَصادر فاذا كان الكتاب فقهياً يُرجع فيهِ إلى مصادر الفقه، وهكذا بالنسبة لكتب الأصول والتأريخ، معَ مراعاة المصطلحات العلمية المعروفة في عالم التحقيق والتخريج.
رابعاً: مرحلة صَف الكتاب؛ ويقصد بهِ صف الكتاب الكترونياً وطباعتهِ.
خامساً: مرحلة تقويم النَص؛ وهذه هي المرحلة الأهم في عالم التحقيق، حيثُ لا بد أن يكون مقوم النَص ضليع وخبير في موضوع ذلك الكتاب، حيثُ يجب أن يفهم النص فهماً جيداً، وقادِر على تصحيح الإختلافات الموجودة بسبب تعدد النُسخ، وبالطرق العلمية الصحيحة خاصةً إن اغلب النُسخ القديمة لم تُراعي أشتراطات البناء النصي، فهنا يأتي دور مُقوم النَص في تثبيت هذه الإختلافات في اماكنها الصحيحة لنحصل على عبارات صحيحة لغةً ومعنى.
سادساً: مرحلة القراءة الخارجية او الملاحظة النهائية؛ هذه المرحلة تعتمدها المؤسسة وذلك بالإستفادة ممن لديهم باعٌ طويل في موضوع تلكَ المخطوطة، بالإعتماد على فضلاء الحوزة العلمية وعلمائها المختصين في مجالات العلوم المختلفة، بالتالي سيعطينا وجهة نظر القارئ الخارجي.
وهذه هي أهم المراحل التي تعتمدها المؤسسة في التحقيق العلمي، والتي بدأت تُدرس في بعض الجامعات العلمية".
مِن خلال ما ذُكِر من مراحل كثيرة وكبيرة عن التحقيق، وبعدَ الحديث عن نوعية النُسخ المُحققة، كانَ لا بُدَ من معرفة فروع المؤسسة وأقسامها، والمصنفات التي أستطاعت المؤسسة تحقيقها، وفي هذا الصدد قال الشيخ الجواهري: "فروع المؤسسة عديدة، فمثلاً هناك المركز الرئيسي في قُم المُقدسة، وفي مشهد المقدسة، وفي النجف، وكربلاء، وكانت حصيلة هذه الفروع المائة عنوان تقريباً، أي بواقع تسعمائة مجلد، حيثُ كل كتاب يحتوي على عدة مجلدات، فمثلاً كتاب وسائل الشيعة ثلاثون مُجلداً، ومستدرك الوسائل معَ المُقدمة والفهارس ثلاثون مجلداً، وهكذا."
وفي الحديث عن المؤتمرات العلمية وإصدارات المؤسسة الخاصة، وضحَ الشيخ احسان الجواهري قائلاً: "هناكَ اجتماعات شهرية تجتمع ادارة المؤسسة للتداول في امور المؤسسة وحل مشاكلها، كما أن هناك مجلس علمي يُقام سنوياً، يحضر فيهِ كل العاملين في المؤسسة، وكثير من الفضلاء واصحاب الاختصاص والمتعاونين معها، ويجري فيهِ مراجعة جدية لعمل المؤسسة، وما قامت بهِ من إنجازات خلال العام المُنصرم، وأستضافت المؤسسة بعض المحققين من طلبة الجامعات، وأُقيمت ورش تدريبية لهم، وأيضاً هناكَ مجلة دورية فَصلية تَصدر عن المؤسسة بعنوان (تُراثنا)، وهي مجلة فيها عِدة أبواب مهمة، كلها تَصب في مصلحة التحقيق العلمي والمُشتغلين فيه".
وأضاف الشيخ الجواهري موضحاً أبواب وأقسام المجلة العلمية قائِلاً: "مجلة تُراثنا متخصصة في نشر المقالات التي تتعلق بتراث أهل البيت (عليهم السلام)، تأسست عام ١٩٨٦، وهي مجلة فصلية متخصصة بالتراث، تَصدر عن مركز المؤسسة في قُم، ومن أبوابها المهمة؛ باب (مِن ذخائر التُراث) حيثُ يُحقق في هذا الباب في كل عدد يَصدُر، رسالتين مخطوطة من التُراث، وهنا إذ نتكلم عن العدد (١٢٢) من المجلة فهذا يعني، إن هناك اكثر من (٢٠٠) رسالة قد حُققت، وهناك بابٌ آخر مهم هو (من أنباء التُراث)، وفي هذا الباب نستقصي عمل المؤسسات العلمية المهتمة بالتحقيق، وهناك باب (إصدارات محققة) وباب (إصدارات قيد التحقيق)، الغرض منهُما هو تظافر الجهود، بحيث تُعطى فكرة للمحققين والمؤسسات، بإن العنوان الفُلاني قَد حُقق أو قيد التحقيق، حتى لا يتم تحقيق الكتاب اكثر من مرة فتضيع الجهود".
ولا بدَّ من الإشارة إلى مقدمة التحقيق في كل عمل تستعرض فيهِ المؤسسة مراحل سير العمل المتبعة والإشكالات والصعوبات التي اعترت العمل مع الحفاظ على حقوق العاملين كافة.
إن تَجديد تُراث أهل البيت (عليهم السلام) لهُ أثرهُ البالغ في وجود الأمة الإسلامية، نحنُ بلا تُراث قادتنا أهل البيت في ضياعٍ كبير، وهذا الأمر تأخذهُ على عاتقها مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التُراث، فهذا الكم الهائل والمُشرف من الكُتب المُحققة، يؤثر في إعادة الروح للأمة الإسلامية، التي تتعرض منذ أمدٍ طويل إلى محاولات طمس هذا التُراث الإلهي، بغضاً وكرهاً بأهل بيت النبوه (عليهم الصلاة والسلام).