15 January 2012 - 18:49
رمز الخبر: 4235
پ
رسا/آفاق- مع نهایة مراسم أربعینیة الإمام الحسین(ع) هناک الکثیر من الأسئلة التی تفرض نفسها..وذلک فی سیاق الحاجة لإخضاع کل مظاهر الإحیاء العاشورائی للنقد والمراجعة..فی أفق إحیاءٍ عاشورائیٍّ یضخ فی حیاتنا کل القیم التی من أجلها کان کل ذلک العطاء. بقلم عبد الرحیم التهامی.
عاشوراء وأسئلة ما بعد المشهد العاشورائی<BR>

مع أربعین الإمام الحسین علیه السلام فی العشرین من صفر یوم تجدد الحزن على الحسین وآل بیته وأصحابه..یختتم المشهد العاشورائی فی التقلید الشیعی، دون أن یعنی ذلک انحصار ذکر الحسین علیه السلام واستحضاره واستحضار عاشوراء ثورته ونهضته فی شهری محرم وصفر.
الحسین علیه السلام إمام للمسلمین، وقوله وفعله فی سیرته وتاریخه حجة إلا ما خضع لخصوصیة الظرف التاریخی ووقف عند تخومه، ومع ذلک فهو لا یعدم الإضاءة على المنهج والسلوک وطبیعة شخصیة الإمام التی تجسد أنموذج الإنسان الکامل.
وباختتام المشهد العاشورائی تطرح الکثیر من التساؤلات فی الواقع الإسلامی العام وتتأکد بعض الأسئلة خاصة بحکم ان السیاق العام للأمة هو سیاق حراک ثوری وصحوة همم وإرادات تمکنت من إسقاط رموز الاستبداد فی أکثر من بلد ولا زال بعضها یواصل نضاله أو یتربص بلحظة الانخراط والانضمام لزمن الثورات.
من بین الأسئلة الملحة سؤال جوهری، وهو کیف نرقى بالإحیاء العاشورائی بما یجاوز العتبة المذهبیة؟ فیتحرر من الطقسنة المسرفة، ومن قوالب العرض المذهبیة کی ینسلک وبالنتیجة فی إطار التراث الإنسانی المناهض للظلم والاستبداد، وعوض أیقونة مشهد التطبیر التی حولها الإعلام؛ کما الممارسة؛ إلى المعبّر الرمزی والدلالی عن واقعة عاشوراء،یجب أن یغدو - من باب المثال لا أکثر- شعار "هیهات منّا الذلة" على رایة یحملها فارس، هی الإیقونة الرمزیة المعبرة دلالیا عن عاشوراء.
والحقیقة ان هناک تقصّد لدى الکثیرین فی مقاربة عاشوراء من زاویة تعبیراتها الشعبیة والتی قد تعبر عن نمط من التمثلات المترسبة فی الوعی الجمعی عبر التاریخ، وعن أشکال من التفاعل الرمزی خضع للعدید من الإکراهات والتکییفات دون أن یعنی ذلک بالضرورة أن الثقافة الشعبیة هی الإطار الأنسب لفهم عاشوراء أو غیرها من القضایا التی تأخذ حیزا لافتا فی هذا النمط من الثقافة.
فنحن لا نفهم مثلا کیف أن الکثیر من أبناء الحرکة الإسلامیة فی العالم العربی والإسلامی لا یزالون یتحدثون عن عاشوراء من خلال بعض مظاهر التطبیر المستهجنة والتی لا یجوّزها الکثیر من مراجع الشیعة، وکأن کتب التاریخ لم یرد فیها شیء عن واقعة عاشوراء أو کأن الإمام الحسین سبط النبی الأکرم لم یخرج طلبا للإصلاح فی أمة جده (ص)، ما یعنی أن هناک انحرافا خطیرا تهدد الإسلام اقتضى من الإمام الخروج إلى الکوفة بعدما قامت الحجة برسائل البیعة الکثیرة، وتقدیم کل تلک التضحیات.
ولیست المشکلة فی تلبیسات الثقافة الشعبیة وتلبّساتها فحسب، آو فی الذین ینطلقون بسبب من کسلهم الذهنی من تعبیراتها للحکم على عاشوراء، بل المشکلة الجوهریة تکمن فی النزعة المذهبیة التی تسربت إلى الثقافة العالمة، والتی تقدم عاشوراء بلغة مذهبیة تخاطب الوجدان الشیعی معمقة فیه الشعور بالمظلومیة وبالتمایز الذی قد یغدو استئثارا بالحسین وهو إمام لکل المسلمین یحبه المسلمون قاطبة ویعظمونه باستثناء شرذمة من الشواذ منحرفی العقیدة.
وبدل أن تکون عاشوراء مناسبة لتعریف المسلمین بل والناس أجمعین بالحسین وثورته فإنها تغدو لحظة مذهبیة تفاقم من مفارقة الواقع الإسلامی بین إفراط فی طقسنة الحزن وتفریط فی واجب مواساة رسول الله فی ریحانته الإمام الحسین علیه السلام عملا بأحادیث أمویة الصناعة تزعم کرامات لهذا الیوم وتحث على التوسعة فیه على العیال!
وفی مثل هذا الجو الذی یتلبس بکل مظاهر الحزن فی الواقع الشیعی من جهة، وإبداء التنفر من بعض التعبیرات الشعبیة العاشورائیة فی بعض الوسط السنی من جهة أخرى تضمر العناوین الکبرى لثورة الإمام الحسین علیه السلام ونهضته، ومفاعیل تضحیته فی التاریخ.
وهکذا تهدر فرص عولمة عاشوراء کنهضة من أجل قیم العدل والحق والحریة والدین الحق، کما تغیّب معها صورة الإمام الحسین(ع) بما هو تجسید للکمال الإنسانی فی کل أبعاده، الکمال الذی أضفى علیه الفداء الحسینی کل شروط التمحور البشری حول ملحمته العاشورائیة.
فلو زالت الحجب عن عاشوراء وأبعد عنها الضجیج الغیر موصول بمعانیها بأیة وشیجة، وتوازنت فی إحیاءها معالم النهج بالوجدان المتفجع، والتقط الإبداع الأدبی والسینمائی قضیتها لسلکت عاشوراء إلى العالمین عبر مسارات العولمة المشرعة أمامنا ولجاء الحصاد غنیا ببرکة المبادرة الرسالیة (..ادخلوا علیهم الباب فإذا دخلتموه فأنکم غالبون..).
بعد المشهد العاشورائی الممتد لحوالی شهرین یطرح سؤال جوهری آخر، أین نحن من قضیة نهضة الإمام الحسین(ع)؟ وبتعبیر آخر فی أی موقع نکون عند المِحکّات التی تجعلنا أمام مسؤولیات کبرى کلما انکشف أمامنا تعدیا على الدین أو تحدیا یفرضه الأعداء؟
ومن هنا یکون الإحیاء العاشورائی فی فلسفته تجدید عهدٍ لأبی الأحرار وسیّد الشهداء الإمام الحسین(ع)، ویترسخ الانتصار للمبدأ على کل مساومة قد یضیع معها الحق أو بعض الحق، وإلا فالعَبرة وإن أریقت مواساة لرسول الله (ص) فلا قیمة لها من دون اقتداء..فالحسین (ع) کان یدرک ما هو مقبل علیه من تضحیات فقام بواجبه وامتثل للتکلیف برضى وإیمان "اللهم إن کان هذا یرضیک فخذ حتى ترضى" هکذا تکلم الإمام الحسین وهو یرفع دمه إلى السماء فی ساحة المعرکة.."ما رأیت إلا جمیلا..أولئک قوم کتب علیهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم" هکذا ردت السیدة زینب فی عنفوان وتحد على ابن زیاد حین أراد الشماتة بها.
ما فعله الإمام الحسین انه نفض عن الأمة ثوب الذلة والخنوع والاستسلام للمخنثین والفجار والفساق والطغاة کلما تسللوا فی لحظة ضعف من الأمة إلى مواقع القرار فیها، بل إن حرکته فیها تنبیه للحظات الضعف هذه والتی تسلل منها الباغون لمواقع القیادة فی الأمة لیتجاوزوا على دینها ویمتهنون کرامتها. فلولا التخاذل والجبن لما ابتلیت الأمة براع مثل یزید.
الإمام الحسین مدرسة فی الحریة " فإنّی لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحیاة مع الظالمین إلاّ برما"، أی بیان یمکن أن یرقى إلى هذه المعانی التی تأخذ بالألباب..إنه شعار یحصن الحیاة کل الحیاة من لوثة الفساد والظلم ویضع معادلة التنافی بین الحیاة الحرة والظلم..قولة تتکشف بعض معانیها فی قوله تعالى (.. ولتجدنهم أحرص الناس علی حیاة)، فقد ذم الله قوما حرصوا على حیاة - وردت بالتنکیر- أی حیاة رخیصة مفقرة تافهة، والحریص یتوسل بالذلة ویرضى بالمهانة، ذاهلا عن العرض الإلهی السخی ( إنّ الله اشتری من المؤمنین أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة یقاتلون فی سبیل الله فیقتلون ویقتلون وعدا علیه حقا فی التوراة والانجیل والقرآن ومن أوفی بعهده من الله فاستبشروا ببیعکم الذی بایعتم به وذلک هو الفوز العظیم).
إن عاشوراء مدرسة عظیمة زاخرة بالمعانی المتسامیة..عاشوراء نهج للأحرار..عاشوراء أعظم مشروع إصلاح فی الأمة..عاشوراء تجلیّ قرآنی..عاشوراء أنوار النبوة والولایة..عاشوراء محراب عروج العاشقین..عاشوراء انتصار الدم على السیف..عاشوراء کل هذا وأکثر..فما بالنا نختزل الکثیر من مظاهر إحیاءها فی مجرد طقس تفجّعیّ؟!
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.