29 January 2012 - 12:25
رمز الخبر: 4274
پ
مع انطلاق اعمال مؤتمر الشباب والصحوة الاسلامیة العالمی
رسا/الحدث- إنه التزامن المدهش والموحی فی نفس الوقت بین انطلاق أعمال مؤتمر الشباب والصحوة الإسلامیة العالمی وتهیأ طهران لعشرة الفجر؛ ذکرى33 لانتصار ثورتها المبارکة، حیث فی مقدور طهران أن تحدد المعیار الثوری فی قراءة المشهد وأن تعطی الدروس من واقع تجربتها الغنیة. بقلم عبد الرحیم التهامی.
هنا طهران..هنا عاصمة الثورة

من جمیل الصدف أن ینعقد فی طهران مؤتمر الشباب والصحوة الإسلامیة العالمی بهذا التاریخ، ففی مثل هذه الأیام من مطلع شهر شباط عام 1979 کانت طهران تستعد لاستقبال قائدها ومفجّر ثورتها الإمام الخمینی (رض) لتستکمل معه آخر فصول ثورتها المجیدة فیما صار یعرف فی أدبیات الثورة الإسلامیة بعشرة الفجر المبارکة.
فبعد أربع عشرة سنة من المنفى لم ینقطع فیها الإمام عن شعبه، عاد الإمام ظافرا بعدما هیأت له سلطة الشعب المنبثقة عن إرادته الثوریة المجال لیحط بطائرته فوق مطار طهران برغم أنف حکومة شاهبور بختیار.
وقد کان الإمام رحمه الله حازما منذ خطابه الأول فی مقبرة الشهداء إذ أعلن بأنه سیقوم مدعوما من الشعب بتشکیل الحکومة، مطوّحا بحکومة العمیل بختیار وفارضا للحقیقة الثوریة على الأرض؛ الحقیقة التی ستتکامل مع بزوغ فجر الحادی عشر من شباط بالنقلة الکبرى التی أنجزتها إیران نحو الانتصار والحریة وبناء جمهوریتها الإسلامیة.
ومع فجر طهران الجدید انبلج العهد الثوری واستعاد الإسلام وهجه ووظائفه بعد طول استعمال وتوظیف فی شرعنة الاستبداد والخیانة (اتفاقیة کامب دیفید نموذجا)..وبعد طول أسر فی الأطر الفقهیة الضیقة کأحکام الطهارة وتجهیز المیت.. عاد الإسلام لیقود الحیاة ویؤطر الصراع مع قوى الاستکبار العالمی على وفق قیم العدل والحریة والکرامة..
کان هدیر الثورة قویا..بل کان زمنها جدیدا ومختلفا.. کان الزمن زمن المفاصلة مع أمریکا التی خلعت علیها الثورة تسمیة "الشیطان الأکبر" من قاموس مفاهیمها الأصیل بما یلیق بحقیقتها وتاریخها؛ زمن إذلالها بسیطرة الطلبة السائرون على نهج الإمام على وکرها التجسسی ..وکانت (إسرائیل) الغدة السرطانیة التی یجب استئصالها کی تعود للشعب الفلسطینی کامل حقوقه وکی یکتمل للثورة الإسلامیة معنى انتصارها. وکان أن أهدت الثورة سفارة العدو للشعب الفلسطینی لیرفف فوق ساریتها أول علم على سفارة لفلسطین، ومعها کل الدعم المفتوح وغیر المشروط لنضال الشعب الفلسطینی..وکان خطاب الوحدة موجها لکل الأمة ومعه دعوة لاتحاد کل المستضعفین فی العالم..
کانت الجماهیر وفی یومیات ثورتها المجیدة تصدح بشعار "لا شرقیة ولا غربیة..جمهوریة إسلامیة"، ولم یکن الإمام الخمینی(رض) یفکر بالاستفادة من صراع القطبین العالمیین فیداهن المعسکر الشرقی لیتخفف من أعباء الاشتباک وکلفته على الواجهات الأخرى، وقد کانت متعددة..ولم یحیّد جبهة عدو من منطلق تکتیکی، ولم یکن یقیس المواقف بحسابات الربح والخسارة..بل کانت المبدئیة هی الأساس والتکلیف الشرعی هو الموجه لکل المواقف والتوجهات.
أیقن الإمام الخمینی(رض) ومعه الشعب الإیرانی أن هذه المواقف سیکون لها ثمنها وأن جبهة الاستکبار وعملائها فی المنطقة سترد وستحاول ضرب الثورة وتدفیعها ثمن مواقفها المبدئیة، ومع ذلک لم یتردد الإمام ولم یتراجع فی إدامة الحالة الثوریة، من جهتها عبّرت الجماهیر أنها مع إمامها وقائدها وأن التضحیات والتوکل على الله هو السبیل لتأمین ثورتها والسیر بها إلى الأمام وفرض معادلتها فی الساحة الدولیة.
وحین شن صدام المقبور حربه على الجمهوریة الإسلامیة الناشئة، قال الإمام(رض): "هذه أمریکا وقد خرجت علینا من أکمام صدام"، وبرغم اختلال موازین القوى العسکریة فی حینه فقد قال الإمام قولته التی حیرت البعض: "الخیر فی ما وقع"، ولا یجادل -الآن- مؤرخ لوقائع الثورة الإسلامیة فی أن الحرب المفروضة کانت برکاتها عظیمة على الثورة لیس بالحساب الاستراتجی العسکری فحسب بل طالت تأثیراتها الایجابیة مختلف الأبعاد والمجالات. وها هی الحرب المفروضة أو ملحمة الدفاع المقدس قد تحولت إلى مکوّن أساسی من ذاکرتها وآدابها وفنونها.
وبالمعاییر الثوریة فقد امتلکت الثورة الإسلامیة قدرة القطع والافتتاح التی هی شرطیة کل ثورة بما هی فعل جذری فی التاریخ، وهکذا قطعت الثورة الإسلامیة مع نظام سیاسی وبنیات ثقافیة ونمط علاقات وادوار دولیة.. وافتتحت زمنها الخاص وطبعته بقیمها ومفاهیمها وتوجهاتها وبنت نظامها على أساس من الشرعیة الدینیة والمشروعیة الثوریة والجماهیریة، وانتحتت لها هویتها الخاصة من خلال ذلک الجمع الخلاق والجدلی بین بُعدی الثورة والدولة، وفرضت معادلتها السیاسیة على الساحة الدولیة، وافتکّت لها أدوارا إقلیمیة ودولیة متناسبة مع قوتها ومع توجهاتها الاستراتجیة والثابتة فی دعم کفاح کل الشعوب المستضعفة فی العالم.
کانت هذه المقدمة؛ والتی استبطنت مفهوم الثورة من خلال الأنموذج الإیرانی؛ ضروریة للإطلالة على ما أصبح یسمى بالربیع العربی مع التحفظ الشدید عن التسمیة لجهة المنشأ والبعد الدلالی، الإطلالة التی تروم التحذیر من أی مبالغات فی قراءة المشهد العربی بعد حوالی عام من انطلاق شرارته الثوریة .
لا شک أن الحراک العربی ابتدع دینامیته المتجاوزة لکل توصیفات وأطر العمل الثوری وشروطه، وذلک فیما یشبه المعجزة، واستطاع من خلال ذلک الخروج من وضعیة المهانة الوجودیة التی أردته فیها أنظمة الاستبداد والعمالة. ولأن الجماهیر ثارت وأخذت زمام المبادرة وتقدمت إلى مربع الفعل الثوری بدافع یشبه غریزة البقاء نافضة عنها إصرها والأغلال التی کانت علیها؛ وأعظمها الخوف والاستکانة..فقد وجدت نفسها مضطرة وأمام استحقاق اللحظة الدیمقراطیة بأن تختار الأصلح والأوثق من بین العرض السیاسی المتاح أمامها، لتستکمل به مهمة بناء الدولة الوطنیة وتحقیق أهداف ثوراتها فی جو من التربص الغربی والأمریکی تحدیدا..وهکذا عبَرت قوى فی معظمها إسلامیة إلى مواقع السلطة من خلال الشرط الجدید الذی أوجدته الجماهیر ومن خلال تصویتها الحر.
المفارقة أنّ القوى التی منحتها الجماهیر ثقتها ما فتئت تفاجئنا وتحبطنا ویتحول الإحباط إلى ارتیاب کلما وقفنا على مواقف هذه القوى من قضیة الأمة المرکزیة؛ القضیة الفلسطینیة.
فآخر مواقف "جماعة الإخوان المسلمین" الملتبسة والمتقلبة هو ما عبرعنه قبل أیام نائب المرشد العام للجماعة فی مصر خیرت الشاطر،حیث أکد إلتزام الحرکة وحزبها (الحریة والعدالة) الحائز على الأغلبیة النیابیة بمعاهدة السلام المصریة – الإسرائیلیة، کما کان صادما فی المبدأ ومضمون ما صرح به زعیم حرکة النهضة الشیخ راشد الغنوشی ورئیس الحکومة المغربیة عبد الإله بن کیران(أمین عام حزب العدالة والتنمیة) على هامش المنتدى الاقتصادی العالمی فی دافوس لمحطة "صوت (إسرائیل)" للقول بأن مستقبل علاقات حکومتیهما مع الدولة العبریة «یحکمه التوصل إلى حلّ للقضیة الفلسطینیة»!
إنّ توافد شباب الصحوة الإسلامیة على طهران فی مؤتمرهم الأول سیکون فرصة لإعادة تمثل مفهوم الثورة والتقاط أبعاد القطع والافتتاح المتقوّمة بها؛ والتی اشرنا إلیها آنفا؛ إنها فرصة لتصویب المسارات وفرض رقابة شعبیة على الحکومات التی تعثرت سریعا فی ترجمة النهضة الثوریة للأمة، حتى کدنا وأمام المفارقات الصارخة بین موعود الربیع العربی وحصاده أن نتساءل وبمرارة: هل اکتلنا حصرما؟! وإلاّ فأفتونی کیف یعقل أن تستقبل تونس الثورة مؤتمر ما یسمى بـ ( المجلس الوطنی السوری) المعروف بالمجلس الاسطنبولی کإحدى حلقات التآمر على سوریا ودورها المقاوم؟!
کل الأمل أن یسهم المؤتمر فی خلق حالة وعی وتعبئة تحمی الثورات وتحترم دماء الشهداء.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.