01 February 2012 - 01:55
رمز الخبر: 4283
پ
رسا/تحلیل سیاسی- یمکن اعتبار خطاب الإمام السید علی الخامنئی فی جموع الشباب العربی الثوری بمناسبة مؤتمر الشباب والصحوة الإسلامیة، لحظة مفصلیة وتاریخیة لیس فقط على صعید فعالیات المؤتمر، بل على صعید مآلات واتجاهات المشهد الثوری فی المنطقة. بقلم عبد الرحیم التهامی.
قراءة فی خطاب الإمام الخامنئی أمام شباب الصحوة


لا یسوغ لقراءة سیاسیة دقیقة تتناول حدث احتضان طهران لمؤتمر الشباب والصحوة الإسلامیة أن تقف بنا عند حدود التوقیت ودلالاته، أی من کون المؤتمر ینعقد على أعتاب عشرة الفجر؛ ذکرى انتصار الثورة الإسلامیة، وبعد نحو عام من تفجّر الثورات فی العالم العربی، لتوکید الصلات الروحیة والمعنویة بین الثورة الإسلامیة و ما تطلق علیه إیران عنوان "الصحوة الإسلامیة". ففی الواقع هذا الاحتضان یتجاوز ذلک لینسلک فی دائرة صراع شرس؛ أصبحت تجلیاته واضحة؛ بین إرادة أمریکیة تعمل على تدجین حرکة الأمة وتفریغ ثوراتها من أی مضمون قد یشکل تهدیدا لمصالحها على المدى القریب أو البعید، وذلک عبر إخضاعها لما یسمى بخطط الانتقال الدیمقراطی باعتباره سقف الممکنات السیاسة المقبولة أمریکیا وإسرائیلیا..وبین إیران الثورة والتی تجد فی ثورات الشعوب عمقا إسلامیا یتناغم مع هویتها الدینیة وتطویحا بنظام عربی رسمی متأمرک تآمر علیها طیلة عقود وحوّلها إلى عدو، بل وشکّل حاجزا بین نموذجها الثوری والشعوب العربیة؛ نظام متأمرک عطل انبثاق الأمة الموحدة الشاهدة على عصرها والمنخرطة فی المعرکة ضد الاستکبار العالمی.
فبینما تجد إیران فی وقائع الصحوة الإسلامیة رافعة فی المعرکة ضد الاستکبار والصهیونیة، وتثمین لموازین القوى بما هو فی صالح الأمة، تراهن أمریکا على تحریف الثورات وحصرها فی حدود مجرد انتقال دیمقراطی قابل لأن یتعایش مع نزعتها فی الهیمنة بل ویتسالم مع حلیفتها (إسرائیل).
فی هذا الإطار یمکن وضع الخطاب الهام للإمام الخامنئی والذی مثلّ اللحظة المفصلیة الأکثر ثوریة فی فعالیات مؤتمر الشباب والصحوة بطهران.
وبتأمل فی خطاب الإمام الخامنئی، نجده - کالمعهود من سماحته- محکما فی بناءه المنهجی، متمیزا بتلک الإنسایبیة فی محاوره ومفاصله، متسما بالاستیعاب للحظة التاریخیة على وفق ثابت الصراع مع جبهة الاستکبار..وأهمیة الخطاب لیست نابعة فقط من لحظته الثوریة الجامعة بین قائد ثوری ومرشد لواحدة من أعظم الثورات فی التاریخ وبین طلائع ثوریة شبابیة خرجت من هامش الصمت والقهر، فغیّرت المعادلة السیاسیة فی عالمنا المعاصر والتی إلى حین کانت تبدو عصیة على الحلحلة. بل إن الأهمیة المضافة هی فی ما یقدمه الخطاب من قراءة فی المشهد الثوری تخرجه من التفصیلی والجزئی المشوِّش إلى حیز التجلی الواضح ضمن الأبعاد الجیواستراتجیة ومن منطلق رؤیة إسلامیة یتمحض فیها الإمام بحکم مکانته الفقهیة وزعامته السیاسیة والدینیة.
ابتدأ الخطاب من مدخل یتماهى فیه الماهوی بالتاریخی، فحرکة الشعوب هی انتفاضة ضد الدیکتاتوریات العمیلة وهی مجرد بدایة للتحرک ضد الدیکتاتوریة العالمیة لما سماه الإمام بـ "الشبکة الصهیونیة الخبیثة والفاسدة والاستکباریة"، منوها بدور الشباب فی هذه المهام التاریخیة الکبرى. ورأى سماحته فیما حصل مفصلا تاریخیا وانعطافة کبرى تضع البشریة على أعتاب تطور عظیم، تستکمل معه تجاوزها لمختلف المدارس والایدیولوجیات المادیة لتنفتح على الله وعلى معطیات الوحی. وفی هذا الطرح تقویض جذری لأطروحة الفیلسوف الأمریکی- الیابانی الأصل- فرنسیس فوکویاما صاحب فکرة نهایة التاریخ، والذی أکد على أن الدیمقراطیة اللیبرالیة هو الطریق الوحید الذی یجب سلوکه لدخول التاریخ الکونی، معتبرا أن کل المراحل السابقة على الدیمقراطیة اللیبرالیة مراحل ما قبل التاریخ، وبأن وبوصول المجتمعات البشریة إلى هذه المرحلة من التاریخ الکونی ینتهی التاریخ، متجاهلا فی کتابه المجتمعات الإسلامیة ودورها فی مستقبل الصراع العالمی وبناء المجتمع الدولی الجدید، حیث لم یورد عنها إلا معطیات هزیلة ومحدودة.
وبدل الاتجاه القهری للتاریخ الذی تخیله فوکویاماـ فإن الإمام الخامنئی یؤکد على دور الإرادة الإنسانیة فی حرکة التاریخ وفق السنن الإلهیة، لذلک نجده فی الموضعة التاریخیة یدرج انتفاضة شعوب المنطقة فی إطار الکفاح الإنسانی المتواصل للتحرر من الدیکتاتوریة العالمیة للصهانیة، ویرى "أن المجتمع البشری وباجتیازه لهذا المنعطف التاریخی الکبیر، سیتخلص من هیمنة هذه الدیکتاتوریات الخطیرة، کما أن هذا التطور العظیم سیفضی بالتالی إلى تحرر الشعوب وسیادة القیم المعنویة والإلهیة وفقا للوعد الالهی الصادق". وهذه العقبة أی اجتیاز هذا المنعطف الحاسم فی الصراع مع الدیکتاتوریات لا یمر علیه الإمام من دون بسطٍ للرؤیة، خاصة وأن السؤال الملح هو فی کیف یمکن تخطی هذه العقبة؟ هنا یستعین الإمام بنظریة الممکن والمستحیل فی التجارب التاریخیة، وهی ما لا یمکن إغفالها فی قراءة المشهد الثوری للشعوب، فقد عمدت المقاومة على کسر المستحیل کما فی تحریر جنوب لبنان عام 2000، وانکسر المستحیل ثانیة مع انتصار حزب الله فی حرب 2006 على (إسرائیل)، ثم تکسر ثالثا على أیدی المقاومة الفلسطینیة مع فشل أهداف العدوان فی الحرب على غزة أواخر 2008 وبدایة2008، وهذا الکسر للمستحیل تسلل إلى الوعی الجمعی للأمة، ومثّل أحد بواعث صحوتها وانتفاضتها المشهودة. من هنا یرى الإمام أنّ هذا الیقین فی تحویل المستحیل إلى ممکنات تاریخیة هو من تجلیات القوة الإلهیة بوجه الطغیان، مشددا على لزوم الأخذ بالأسباب حیث یقول:"إن الحضور الواعی للشعوب فی الساحة وصمودها، مهد الأرضیة لتحقیق النصرة الإلهیة".
وهی النصرة التی ستتوج الکفاح حتى نهایته مادام موصولا بالله ومشدودا إلى قیّم العدل والحریة، فالإمام یعتبر ما تحقق هو نتیجة الاتجاه الصحیح فی حرکة الأمة من حیث مبادرتها إلى التخلص من عوائق الطغیان فی طریقها، معتبرا أن ما تحقق من انتصارات هو مجرد بدایة، والقارئ للأوضاع فی البلدان التی أزاحت فیها الشعوب الحکام الطواغیت یتیقن من تعقیدات المرحلة الانتقالیة وتحدیاتها المتعددة وبالتالی فلا مجال للاسترخاء، یقول الإمام الخامنئی: " بل علینا مواصلة الکفاح ضد متغطرسی العالم وعملائهم من خلال المجاهدة والاعتماد على إرادة الشعوب والاتکال على الله تعالى والإیمان بنصرته"، وهی لعمری معادلة الخلاص من شرور الدیکتاتوریة والى الأبد.
ولأن الإنسان بحاجة إلى الحس لتعزیز قناعاته الإیمانیة، فقد عطف الإمام الخامنئی القول على تجربة إیران الإسلامیة والتی لم تبارح جبهة الاشتباک مع العدو وعلى کل الجبهات، واستطاعت برغم ما جمع لها العدو من إمکانات وتحالفات من أن تحقق الاختراق وتبنی نموذجها الإسلامی الحداثی وتحصنه بالخصوصیة والاستقلال..ولأن الثورة تحدّ وصراع ولا مجال فیها لمنطق التطمینات على غرار ما بادر إلیه الإسلامیون فی کل تونس ومصر والمغرب، فالإمام یقول: "إن الشباب المؤمن فی إیران الإسلامیة ورغم کافة العراقیل التی وضعها الأعداء أمامهم، حققوا انجازات یمکن أن تکون درسا وأنموذجا لشباب کافة الشعوب الإسلامیة"، ومن هنا فهو یؤکد على أهمیة الوعی وثقة الأمة فی قدراتها لإحباط مخطط العدو الذی یوحی للأمة بأنها غیر قادرة على التخلص من القوى المهیمنة على مقدرات الشعوب، واصفا القرن الحالی فی سیاق حرکة الوعی هذه؛ بأنه "قرن الإسلام والقیّم المعنویة"، محفزا الأمة على حسم المعرکة مع الدیکتاتوریات، لتنهض بمسؤولیاتها تجاه الشعوب الأخرى والارتقاء إلى أفق انتظاراتها، فالإسلام وکما یقول الإمام : "جاء إلى الشعوب بالعقلانیة والمعنویة والعدالة معا".
ولم یفت السید الخامنئی وعلى ضوء نقطة الضعف الکبرى فی انتفاضات الشعوب؛ والمتمثلة فی غیاب قیادات سیاسیة لهذا الحراک؛ ومن منطلق تجربة مدیدة مع جبهة الاستکبار الرافضة لمبدأ حریة الشعوب وسیادتها؛ أن ینبّه من مخاطر الاحتواء والسرقة والتمییع لهذه الثورات، وقد وجه کلامه بشکل خاص إلى الطلائع الشبابیة الثوریة صاحبة هذه الانجازات الثوریة، یقول:" إن العدو یخطط للتآمر ویجب على الشعوب المسلمة وخاصة شباب الأمة الإسلامیة الذین هم محرک الصحوة الإسلامیة أن لا یسمحوا لشبکة الاستبداد العالمیة من خطف ثوراتهم، والانحراف بها عن مسارها فی الحاضر والمستقبل".
کما نجد السید الخامنئی یحذر من خطة العدو فی تقسیم المشهد الثوری على أسس مذهبیة، فیتم تغییب ثورة شعب عن المشهد الإعلامی؛ وبمبارکة جهات علمائیة نافذة کما یعلم الجمیع، مع أنه یواجه نفس الأوضاع وله نفس الأهداف والتطلعات شأنه فی ذلک شأن الشعوب الثائرة، لا لشیء سوى أن المعطیات الدیمغرافیة تجعل من الشیعة أغلبیة شعب البحرین، وهنا یؤکد الإمام الخامنئی:" إن حرکة الصحوة الإسلامیة لا تمیز بین الشیعة والسنة، وأن أتباع جمیع المذاهب الإسلامیة حاضرون فی ساحة النضال بوحدة ووفاق".
وکانت إشارة دقیقة من الإمام الخامنئی حین شدد على ضرورة تثبیت التناقض الرئیسی مع العدو، فالاختلافات فی واقع الأمة متعددة ولا یجب أن تتحول هذه الاختلافات إلى عناوین اشتباک تستنزف قوى الأمة، منوها إلى أن " الأمر المهم هو أن الجمیع یعارض هیمنة الصهاینة والأمریکان ولا یطیقون وجود الغدة السرطانیة (إسرائیل)".
ولم یکن الخطاب بحکم شمولیته أن یقفز على الحدث السوری؛ على مع ما فیه من حساسیة بفعل التضلیل الإعلامی الممنهج والذی لعب على وحدة السیاق للتحریض على النظام السوری وشطب سوریا من محور المقاومة والممانعة خدمة لأمریکا و(إسرائیل)، نعم لم تتم الإشارة إلى سوریا بشکل مباشر، لکن عندما وضع السید الإمام معیارا لتحدید المواقف من التطورات فی المنطقة، فالأمر أصبح جلیا، یقول:" یجب توخی الحذر، فأینما یوجد نشاط ومخطط یصب بمصلحة (إسرائیل) وأمیرکا یجب عندها توخی الحذر، وأن نعتبرها حرکة غریبة ومعارضة لمصالح الشعوب. وأینما توجد حرکة إسلامیة معادیة للصهیونیة والاستکبار والاستبداد والفساد، فإن جمیع الشعوب المسلمة ستکون مؤیدة وداعمة لها".
وبالفعل فبرغم ان النظام السوری استجاب لمطلب الإصلاح وشرع فیه بجدیة، وبرغم دعوته المعارضة الداخلیة لمائدة الحوار کمدخل لتحصین سوریا وموقع سوریا ودورها فی الصراع، ولتنزیل مشروع الإصلاح، فإن المخطط الأمریکی الإسرائیلی العربی الرجعی تمکن من اختراق الحراک المطالب بالإصلاح، وهو یعمل الآن على قصم ظهر محور الممانعة، والأمر صار مکشوفا، خاصة بعد تصریح برهان غلیون رئیس "المجلس الاسطنبولی" الذی وضع تصوره لسوریا خارج سیاق محور الممانعة، ولا یخطئ فی قراءة الحدث السوری إلاّ من تعنت أو من أسلم نفسه لآلة التضلیل الإعلامی.
ولأن خطاب الإمام استیعابیّ للحظة التاریخیة وتحدیاتها، فقد جاء الحدیث عن الثورة المظلومة؛ ثورة شعب البحرین؛ مشوبا بالمرارة والألم، خاصة أنها لم تلقى الإهتمام المطلوب حتى من الثورات الظافرة، والتی على الثوار وشباب الصحوة أن ینصفوها، یقول الإمام:" إن وسائل الإعلام الغربیة أو تلک المرتبطة بالغرب ترید ومن خلال بث الخلافات، الإیحاء بأن قضیة البحرین هی قضیة الشیعة والسنة، والحقیقة أنه لا یوجد أی فرق بین حرکات الصحوة الإسلامیة فی مختلف الدول"، وهذا ما یلزم منه خلق فضاء ثوری قائم على التلاحم بین الثورات والتآزر فی ما بینها، فلن یتغیر شیء کبیر فی العالم العربی إن تمکن بعض الطغاة العملاء من الحفاظ على کراسیهم، لیستثمروا أموال الأمة فی شراء الوقت، وفی إثارة الفتن بین شعوب الأمة الواحدة.
وبلغة الواثق بربّه، وببصیرة المؤمن المنقطع إلى مولاه، المنتظر لوعده، وبخبرة القارئ للأحداث، المستشرف لاتجاهاتها على ضوء السنن الإلهیة، توقع الإمام الخامنئی أفقأ مشرقا لهذه الصحوة التی انبثقت فی العالم الإسلامی، مشددا على أن الاختلافات فی واقع الأمة هی تنوع فی إطار الوحدة؛ وحدة الأمة السائرة على هدی دینها، متوقعا أن یشهد هؤلاء الشباب الذین حجوا إلى عاصمة الثورة مرحلة مجد وعزة واقتدار الأمة الإسلامیة.
هو إذا خطاب تاریخی بامتیاز جاء فی مستوى تاریخیة ومصیریة التطورات التی تشهدها المنطقة، خطاب أعاد التذکیر بالعدید من تیمات الخطاب الإسلامی الثوری ومفاهیمه من قبیل: الصراع مع الاستکبار العالمی، الوحدة الإسلامیة، العزة والاستقلال، الصمود بوجه القوى المعادیة، متغطرسی العالم..وهی المفاهیم التی أنصت إلیها الشباب الثوری العربی بإرهاف، ومن دون شک بأنها ستجد طریقها إلى خطاب إسلامی ننتظر تبلوره على قاعدة ما تحقق من منجز ثوری؛ منجز یحتاج بالإضافة إلى الإرادة الثوریة لاستکماله، صرامة الخطاب وأصالته.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.