أشار الباحث الاسلامي العراقي، الاستاذ محمد البخاري في حوار خاص مع وكالة رسا الى الثقافة الحسينية، مبينا أن "هناك ثمة رؤية لتعدد الحضارات كما هو موجود في تاريخ وروؤية الانسان، لكن نجد أن الموت كان مصير اغلب تلك الحضارات، ولاتبقى الا ضمن نصوص الكتب التاريخية ولا تتعدى اكثر من ذلك في حياة الانسان، لكن الناظر الى الحضارة الحسينية في كربلاء يجدها متنامية ومتناغمة مع السطوة الانسانية بغض النظر عن الاعتقادات والفكر الذب يلامسه الفكر الانساني المعاصر سواء كان وثنيا أو وجوديا أو متنوعا ".
وتابع أن "هذه الحضارة العظيمة نجدها ضمن نصوص مفكرين ومستشرقين او الرموز الدينية او المنظرين لهذه الحضارات، وكلها تشيد بالقضية الحسينية وهذه الإشادة بالتقدم الزمني والثقافي يدل على استمرارالقضية الحسينية وحيوية القضية الحسينية مع موت تلك الحضارات بسبب عدم تفاعل المجتمع الانساني مع منجزات تلك الحضارة في تلك الاونة او الافق او المقطع الزمني التي حاشتها تلك الحضارة، فبالتالي نستنتج أن لكربلاء حضور تام في طلب الانسانية أو عطش الانسانية لقيم كربلاء التي جسدها الامام الحسين عليه السلام وصحابته الكرام والنساء التي رافقن الامام وحتى الاطفال الحاضرون على ارض كربلاء".
وأوضح أن "هذه الدلالات تبين تنوع الوجود الانساني المرحلي الزمني وتظهر لنا أن لكربلاء حضور في كل العصور ولم تكن مختصة في شخص الامام الحسين أو عمره المبارك، في الحضارة الكربلائية يوجد الشاب والكهل والمرأة والطفل وهذه العناوين التي يتشكل منها المجتمع الانساني كانت كلها حاضرة في كربلاء وكلها أعطت الحياة ما تملك كي تسري وتعيش".
وحول تعاطي النخب الاجتماعية مع الحضارة والثقافة الحسينية، بين أن "الحركة النخبوية بدءت تكتب وتبدي رأيها حول القضية الحسينية بعد النهضة الاروبية في بداية القرن 19 وبعد ظهور وسائل النشر والاعلام الحديثة كالصحف والاذاعة والتلفاز تطورت الحركة النخبوية واصبحت ذات تأثير وصاحبة رأي بعدما كانت تنحصر القضية الحسينية بيد المراجع والعلماء والخطباء وبهذا وصل صوت النخب الى اقصى اصقاع الارض وفتحت طريقها بين شعوب العالم".
وتابع أن "هذه النخب بدأت تشخص بعض الأخطاء وتوجه الناس أو تبدي رأيها في بعض دلالات القضية الحسينية، لكن لم أجد من الناحية الانسانية تفاعل حقيقي في هذه النخب على ارض الواقع مع القضية الحسينية، لا وجود لشعارات واصلاحات بل أن الرؤية تقتصر على جانب التنظيري والجانب الكلامي فقط ومن خلال الكتب او الخطابات الاعلامية، لكن لم نجد في هذه الكتابات دور يجسد قيم الحسين الاصلاحية للمجتمع، وهذه مفارقة سلبية لهؤلاء المنظرين، ومن خلال قرائتي للواقع أجد أن الجمهور الحسيني ببساطة واعي رغم كل ما كتبته أقلام هذه النخب ونجدهم أنهم يجسدون مشروع الحسين عليه السلام رغم كل الازمات وإنشغال الأمة بالتالي نجد أن الوعي الفطري للجمهور الحسيني يفوق الطبقة النخبوية والثقافية في كتبهم حول كربلاء".
وحول الإنتقادات المطروحة من قبل النخب حول الشعائر الحسينية بين أن"اغلب النخب التي تكتب اليوم ولها حضور في الساحة هي نخنب مغتربة في أسسها المعرفية أي هي متأثرة بالفلسفة والمعرفة الغربية في صناعة وقراءة الاحداث، فبالتالي نفهم أن إرتكاز البعض على الشعائر هو إرتكاز مادي بحت، وهذا الامر يتباين مع الحضارة الاسلامية التي يمثل الغيب الجزء الكبير من حضارته، إذن يوجد ثمة خلل في قراءة النخب للقضية الحسينية حيث تقوم النخب بقراءات تعتمد على الذوق والعقل بينما للقضية الحسينية جانب اخر يعتمد على الغيب والشهادة، يعني يوجد هناك نصوص لا يمكن للعقل أن يدركها في كربلاء، مصادرة هذا الغيب يعطينا إنحراف حقيقيا بعيدا عن نتائج مرجوة لقراءة سليمة من النهضة الحسينية".
وتمنى الاستاذ محمد البخاري أن لا ترتكز نصوص النخب على الفكر الغربي وقال أنه "توجد هناك أدبيات للعقل الحسيني ومدرسته العظيمة من جده رسول الله وصولا الى ولده الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف تعتمد على الاسس المعرفية التي يجب الرجوع اليها كي نغادر الإفتراق ونقرء القضية الحسينية قراءة صحيحة في بعديها الغيبي والشهودي لكي تصح النصائح الحقيقية الشرقية الانسانية وإعطائها منهج سليم للنمو السليم وليس النمو الناقص في قلب الحقائق التي تجسدت في كربلاء".
وحول وعي الجمهور الحسيني الذي يمثل نبض الثقافة الحسينية وكيفية الارتقاء بالواقع الثقافي لهذا الجمهور أوضح أن "الجمهور الحسيني في القضية الحسينية يمثل أهم مرتكز في هذا المجال، نجد في النصوص أن أهل البيت عليهم السلام أصّلوا لها من خلال القراءة العامة، أي قراءة بناء الجمهور الحسيني بإتجاه معين، توجد هناك عدة نصوص من أهل البيت يوصون بها محبو وأتباع أهل البيت بالتواصل مع القضية الحسينية من عدة مظاهر، أولها مظهر الزيارة ومظهر البكاء ومظهر الحزن ومظهر المآتم والمجالس الحسينية، كل هذه الافعال الانتقائية تمثل التعدد الثقافي في التواصل مع القضية الحسينية".
وأوضح أن "لو درسنا القضية الحسينية منذ استشهاد الامام الحسين عليه السلام حتى عام 1900 سنرى أنه لا يوجد مفهوم الميديا والاعلام مثل اليوم الذي أذا اراد الشخص الوصول الى الخبر سيصل اليه خلال ثوان قليلة، الجمهور اليوم يفتح الانترنت ويشاهد التنوع الثقافي وكلمات الخطباء أو العلماء أو المثقفين او المراجع ويتلمسها بشكل بسيط جدا، لكن السؤال هو كيف نقلت القضية الحسينية الينا منذ استشهاد الامام الحسين وصولا الى سنة 1900، لا وجود للنخب الثقافية والمجتمعية في تلك الأيام، بل الجمهور الحسيني نقلها، فإذا لم يكن يوجد لدى الجمهور الحسيني كثيرا من المعرفة الدينية أو الثقافية العامة، أذن كيف نقل لنا كل هذه الحضارة والثقافة التي لازالت حاضرة الى اليوم في كل جوارح الجسد الإنساني؟، نحن لا نركز على الشعبوية بل نركز على الجانب الانساني كون أن القضية الحسينية قضية إنسانية عالمية".
وبين أننا "نفهم أن القضية الحسينية يمكن فهمها من قبل أبسط الناس بقدر ما يعيها أبلغ إنسان أو اذكى إنسان على الصعيد العلمي أو الثقافي، هذه الموازات بين العقل البسيط والعقل النخبوي في الانتماء الى كربلاء والتواصل مع ديمومة الحياة المطلقة الموجودة في كربلاء تجرنا الى أن للجمهور الحسيني الحضور الاسمى والاكبر في المحافظة على هوية كربلاء، ويقف هذا الجمهور امام التعاريف الخاطئة التي تحاول مسخ حقيقة واقعة الطف، وبهذا نلمس نقاء الجمهور الحسيني مقابل عدم حرية العقل النخبوي في التعاطي مع القضية الحسينية".
وختم الاستاذ محمد البخاري كلامه، قائلا أن "الانتقاء في القضية الحسينية هو إنتقاء منهجي وسسببه أهل البيت عليهم السلام، وذلك من خلال الرجوع الى مدرسة الامام الحسين عليه السلام من خلال موروث جده المصطفى وصولا الى ولده الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، فهناك ثمة توصيات مؤكدة على مواصلة قراءة الموروث الروائي لهم، كحديث: "من حفظ منا أربعين حديثا حشره الله يوم القيامة فقيها"، هذه القراءة تحمل في طياتها عنوانا كبيرا فبالتالي اتباع الموروث الروائي لمدرسة أهل البيت عليهم السلام هو الذي يعطينا الكثير من الحد من الاشكاليات ويعطينا الثبات في الهوية ويعطينا الوضوح في التواصل مع مدرسة الحسين في منهجها الثقافي وبالنتيجة سنربح على مستوى توسيع الوعي وهذا سيؤدي الى نقل القضية الحسينية الى جميع العالم وهذا ما نطلبه اليوم من جمهورنا ونخبنا بشكل واحد".