10 March 2012 - 17:46
رمز الخبر: 4439
پ
رسا/تحلیل سیاسی- مرة أخرى یؤکد الشعب البحرینی حیویته، وتتأکد فی ضوء تجربته مقولة "انتصار الدم على السیف"..فبعد عام من محاولة وأد تحرکه الثوری من خلال "درع الجزیرة"، ها هو الشعب البحرینی وبتظاهرته الهادرة یربک الحسابات الاقلیمیة والدولیة.. یقترب من النصر بعزم، ویموضع نفسه فی قلب الحدث رغما عن الإعلام المأجور الذی حاصره. بقلم عبدالرحیم التهامی.
البحرین والربع الساعة الأخیر من عمر الاستبداد


هو الحشد الأضخم منذ اندلاع الإحتجاجات فی البحرین قبل أکثر من عام، هکذا وصفت وکالة «رویترز» تظاهرة "لبیک یا بحرین" والتی دعا إلیها آیة الله الشیخ عیسى قاسم یوم الجمعة الماضی،"لنبرهن للعالم هل هذه المعارضة عبارة عن شرذمة قلیلة، أم أنها حراک شعبی عریض"، وذلک ردا على ملک البحرین الذی زعم أن غالبیة شعب البحرین مع الحکم، وأن من یقفون ضد النظام ما هم إلا "شرذمة قلیلة".
لم یکن تصریح الملک خارجا عن منطق الطغاة فی تجبرهم وفی رؤیتهم للحقائق على طریقتهم الخاصة..فهم لا یتقبلون الحقائق ولا یمکن للشعوب إلا أن تکون فی صفهم مذعنه لقیادهم، مثنیة على سیاساتهم، فهو حین وصف الحراک المتصاعد منذ عام بأنه فعلُ شرذمةٍ، فلأنه لا یمکنه فعلا أن یتصور الأمر إلا على ذلک النحو، فالأمر فی الواقع یتعدى التصریح إلى السیکولوجیة المعقدة فی العادة للمستبد..المستبد الذی یرتفع - فجأة- من منطق المسلخ وأدواته إلى أفق الحکمة ولغة التحضر، فلا یجد تنافضا أو حرجا فی وصف شرذمة الأمس القریب؛ المقطوعة الولاء عن وطنها والمرتبطة بالاجندات الخارجیة؛ بالمواطنین الذین یستحقون الثناء لممارستهم الحضاریة فی التعبیر عن رأیهم.
وفی کلا الموقفین هو الاستبداد فی حالة سفور کامل، هم "شرذمة" والتعبیر –أیضا وبالمناسبة- هولازمة فی کل اللغة الإعلامیة التی تنتمی إلى الاعلام الحربی الحاکم الموجه بحق شعب ونضال شعب من أجل الحریة والکرامة، فضلا على حرب أخرى تدور فی الشوارع والقرى حیث تمتهن فیها الکرامات وینکل فیها بالحرائر. وهم، أی "الشردمة" وفی مقام الحکمة التی عرج إلیها الملک؛ أضحوا مواطنین یعبّرون عن مجرد رأی، وبتعبیر آخر کل هذه الجموع التی خرجت عن بکرة أبیها کما لم تخرج فی تاریخ البحرین..هی بشیبها وشبابها ونساءها وأطفالها لا تمثل إلاّ رأیا فی مقابل رأی آخر له فلسفته فی الحکم، وقسمته فی الثروة، بل وهو الأقدر؛ ومن موقع التجربة المتوراثة؛ على تشخیص الأصلح للشعب وهدایته إلى سبیل الرشاد.
عامٌ مر على البحرین استبیح فیه کل شیء، وبلغ فیه القمع المادی والرمزی مبلغ کل مدیاته، وجرّب"درع الجزیرة" العتید وعلى مدى شهور قدراته وکل فنونه الحربیة..وبرغم کل ذلک واصل الشعب مسیرته واستطاع أن یحافظ على سلمیة حراکه، وتمکن من أن یستوعب الإفراط استعمال القوة المشوب بالحقد الطائفی، ویحوّل القوة الغاشمة إلى أزمة أخلاقیة تربک النظام وإلى سجل إجرامی یحرجه أمام ما تبقى من ضمیر عالمی، وحکما سیطارده حتى بعد سقوطه.
من دلالات تظاهرة أمس الحاشدة، أنها وحدت کل قوى المعارضة على اختلاف توجهاتها السیاسیة وتبیاناتها الفکریة، وقد بدا ذلک واضحا لیس فقط فی مواقف التأیید لمبادرة الشیخ عیسى قاسم من قبل الرافضین لفکرة الإصلاح السیاسی المتدرج، وبعضهم فی السجون..بل وأیضا بالمشارکة الفعالة فی التحشید لیوم أرید له ان یکون فاصلا فی ثورة الشعب البحرینی.
التظاهرة وبالزخم الذی جسدته تمکنت من اختراق حالة الحصار المضروب على ثورة البحرین، وحتما ان تأثیرها السیاسی سیتجاوز غرفة الدیوان الملکی الصغیرة الى دوائر القرار الفعلی فی واشنطن والریاض.
فبعد القمع المستنفذ والذی وفر له الأمریکی غطاءا سمیکا لینتج مفعول الاستکانة المطلوبة، سیُدفع بالدیوان الملکی إلى حلبة المناورة السیاسیة للمساومة على المطالب السیاسیة للمعارضة، ولاستیعاب الوضع المقلق للجارة الکبرى -السعودیة- والتی تتحدث التقاریر عن احتمالات قویة لاتساع نطاق الاحتجاج الاجتماعی فیها خارج المنطقة الشرقیة وبعناوین الإصلاح السیاسی الشامل. خاصة وأن الاندفاعة السعودیة فی الملف السوری توفر سیاقا مناسبا لمثل هذا الحراک. وهاهی الأخبار (وأثناء کتابة هذا المقال ) تتحدث عن انتقال المواجهات الى منطقة عسیر وتوسعها فی المدارس الجامعات.
وأیضا یمکن القول أن رسالة التحدی التی وافقت الذکرى الأولى للتدخل الخلیجی القمعی فی البحرین عبر قواته الضاربة المسماة بـ"درع الجزیرة"، جاءت لتقول وبشکل هادر أربک کل الحسابات، أن إرادة الصمود تغلبت على القوة الغاشمة.. وأنّ قوات"درع الجزیرة" لم تحصد إلا الخزی والعار فی مواجهة ثوار کل سلاحهم هو إیمانهم بعدالة قضیتهم وإصرارهم بالتالی على تحقیق مطالبهم السیاسیة المشروعة. وهکذا حول صمود الثوار وثباتهم هذه القوات إلى عبئ على من استقدمها، على أن الخسارة السیاسیة ستتقاسمها کل الدولة المشارکة فی هذه القوات.
على صعید ذی صلة أکدت التظاهرة على العنوان السیاسی الجامع للحراک الثوری لکل الشعب البحرینی الذی انطلق قبل عام تقریبا، وقد تبدت أکذوبة النظام سافرة أمام حقیقة المطالب السیاسیة التی تهم البحرین وطنا وشعبا ومصیرا. ویمکن القول أن ورقة "الطائفیة" الذی وظفها النظام بخبث للافلات من استحقاقات اللحظة الثوریة قد احترقت..فقد بدا لکل المتتبعین أن التحرک الشعبی ینطلق من إرادة وطنیة خالصة تمثلها القوى والفعالیات السیاسیة والدینیة، وهو یمثل حلقة فی مسیرة طویلة من النضال تمتد لعقود من الزمن. کما أصبح جلیا أن الصراع یتمحور حول تحریر القرار السیاسی الذی تستأثر به أسرة حاکمة؛(فضلا عن الثروة)؛ دون البحرانیین سنّة وشیعة ، وبتعبیر آخر فجوهر الصراع فی البحرین سیاسی، ولا یخرج عن المواضعات الدیمقراطیة المعروفة فی الأدبیات السیاسیة من قبیل الشعب مصدر السلطات، والدستور، والمؤسسات التمثیلیة..
إن قوة الزخم فی تظاهرة أمس فرضت نفسها على المستوى الإعلامی، وأحرجت بعض الإعلام المنافق والموَجّه؛ الذی یخدم الأهداف الامریکیة فی المنطقة، بحیث یسهل لمن تعسر علیه ذلک من قبل انکشاف لعبة الإنهماک فی الشان السوری بدواعی دعم ثورات الشعوب، ومن کون أن لکل ثورة صداها فی الإعلام الحر!
وفی المحصلة النهائیة فقد قال الشعب البحرینی کلمته، وأبلغ رسائله إلى أکثر من جهة، ورسم متغیرا جوهریا فی المنطقة ستکون له ارتداداته السیاسیة على کل منطقة الخلیج، وبدرجة أقوى على السعودیة وقطر.
ومن المحتمل أن یتراجع العنف، لیفسح فی المجال أمام المکر السیاسی وتقطیع الوقت..لکن الشعب الذی قهر "درع الجزیرة"، لن تغالبه ألاعیب السیاسة وهو من خبرها، ثم وهو یدرک أنه على مفرق طرق تاریخی وحاسم لمصیره ولمستقبل الدیمقراطیة فی محیطه.


ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.