ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به أمير المؤمنين(ع) عندما قال: "اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسئولون حتى عن البقاع والبهائم". فوصيته لنا ولكل محبيه وشيعته إلى أن يقوموا بمسؤوليتهم في حفظ البلاد والعباد وعدم التفريط بها، فالله سبحانه كما سيسألهم عندما يقفون بين يديه عن أدائهم الصلاة والحج والزكاة والخمس، هو سيسألهم عن عباده كيف قاموا بمسؤولياتهم تجاههم، هل كانوا بوجودهم أعزاء كرماء أحرار أم تركوهم عرضة للفاسدين والظالمين والطغاة، وسيسألون عن الأوطان بكل ما فيها ما الدور الذي قاموا به، هل حفظوها من كل ما يسيء إليها أم تركوها عرضة للعابثين بها والمحتلين والغزاة.
وعلى ممارسة هذه المسؤولية يتحدد موقع الإنسان عند الله، وتصان الأوطان ويحفظ العباد، وسيكون معها الإنسان أكثر قدرة على مواجهة التحديات..
والبداية من لبنان الذي عادت فيه أعداد المصابين بفيروس كورونا إلى الارتفاع ولو بشكل نسبي. ولذلك فإننا ندعو مجددا الوافدين والمقيمين إلى التقيد التام بالإجراءات المطلوبة، واعتبار ذلك وكما أكدنا أكثر من مرة واجبا شرعيا كبقية الواجبات الدينية ووطنيا وإنسانيا وأخلاقيا.
وفي الوقت نفسه، ندعو الدولة إلى عدم التهاون بالعقوبات الرادعة لضمان تقيد المواطنين بالإجراءات.
وعلى صعيد الوضع المعيشي تستمر معاناة اللبنانيين وقد بات واضحا أن السبب الأساس لها هو استمرار ارتفاع سعر الدولار بعد أن لم تنفع في لجمه الوعود التي نثرها أركان الدولة، ولا كل الإجراءات التي اتخذت ليبقى الدولار أسير السوق السوداء وما يجري فيه.
ومن هنا، فإننا نعيد دعوة الدولة اللبنانية إلى تحمل المسؤولية التي أخذتها على عاتقها لإيقاف هذا النزف المستمر على هذا الصعيد واستنفار كل أجهزتها والإسراع باتخاذ القرارات التي تساهم في التخفيف من حدة الأزمة المعيشية الضاغطة والتي يمكن أن تهدد بانفجار شعبي أو فوضى كبيرة لاسيما بعد أن باتت لقمة عيش المواطنين مهددة في ظل عجزهم عن تأمين احتياجاتهم الضرورية والأساسية، الأمر الذي سيؤثر على أمن الوطن واستقراره.
ونحن في هذا المجال، نجدد تأييدنا لكل دعوة إلى إعلان حالة طوارئ مالية لمواجهة هذا الانهيار ومعالجة أسبابه بعدما أصبح من الواضح أن له أسبابا داخلية وأخرى خارجية..
وإذا كانت الحكومة التي أخذت خيار صندوق النقد الدولي لعلاج أزمة السيولة النقدية، فإن عليها أن تكون جادة في هذا الخيار، بالإسراع بالإصلاحات لاستعادة منطق الدولة واستجابة للشروط الدولية للمساعدات، وإدارة المفاوضات بمنطق قوي وموحد على صعيد الأرقام أو على صعيد الوحدة الداخلية المطلوبة... وإن كنا لا نزال على موقفنا أن هذا الخيار لن يكون حلا في ظل واقع الدولة المترهل أو الشروط المطروحة.. وبعدما بات واضحا أن حل الأزمة النقدية أصبح مرتبطا ارتباطا وثيقا بالشروط السياسية وما يراد من هذا البلد في الداخل وفي العلاقة مع الخارج.
وعلى صعيد الحوار الذي حصل، والذي كنا نأمل مع كل اللبنانيين أن ينعقد مؤتمر الحوار الوطني بكل أطرافه لتبريد الأزمات إن لم يكن لحلها، لكن ما حدث من مقاطعة أظهر مدى الانقسام الحاصل في هذا البلد، والذي نخشى إن استمر أن يترك تداعياته عليه في وقت هو أحوج ما يكون فيه إلى توحيد الجهود والطاقات لإخراج البلد من النفق المظلم الذي يعاني منه على كل المستويات.
ومن هنا، فإننا نشدد على القوى السياسية أن ترأف بهذا البلد وبإنسانه وأن تخرج في مواقفها من كل الحسابات الخاصة أو الطائفية أو المذهبية لحسابات الوطن لضمان العودة إلى حوار جاد يساهم في تأمين موقف وطني موحد من كل القضايا المطروحة سواء منها الأزمة الاقتصادية والمعيشية أو التحديات الخارجية أو الخوف من الفتنة أو تداعيات قانون قيصر والتي تهم كل المواطنين.. فما يجري في البلد من أزمات لا يصيب فريقا سياسياً واحداً أو طائفة أو مذهباً، بل كل الأفرقاء السياسيين وكل الطوائف والمذاهب.. ولا يمكن الخروج منها إلا بتعاون الجميع..
وأخيرا، فإننا نجدد دعوتنا إلى كل من ينزلون إلى الشارع أن يحذروا من كل الذين يدخلون على خطهم لتحقيق أجنداتهم الداخلية والتي أساءت سابقا وتسيء إلى صورتهم، وندعو في الوقت نفسه القوى الأمنية إلى أن تقوم بواجباتها لحماية حرية التعبير عن المطالب المحقة مع الحرص على عدم السماح للعابثين بالأمن من تحقيق مآربهم المشبوهة..
ونؤكد في الوقت نفسه على وسائل الإعلام والتي نريد لها أن تبقى منابر حرة لكل الآراء والتعبيرات السياسية على تنوعاتها لتمارس دورها الوطني المنشود وأن تبعد عن منابرها كل لغة استفزازية تهدد السلم الأهلي وتدفع البلد إلى فتنة داخلية وتبعده عن قضاياه الأساسية والمعيشية".