رسا/الرأی- تدخل مصر الیوم محطة حاسمة فی تاریخ ثورتها..وبمعزل عن العرض السیاسی والمشاریع الانتخابیة، فإن المرحلة القادمة لن تکون مرحلة الخیارات الحاسمة بالمعنى الاستراتیجی للکلمة، بل هی مرحلة بأولویتین..استعادة الأمن والاسقرار الداخلی، وتحقیق الفرز السیاسی فی المشهد المصری لما بعد 25 ینایر.

ها هی مصر الیوم وبعد طول مصادرة وإلغاء وتهمیش وتقزیم لدورها ومکانتها تحاول أن تعود، وهی إذ تعبر الیوم من مخاض الانتخابات الرئاسیة فهی ترید ان تؤکد لنفسها ان ثورتها تسیر بها نحو الافق الذی تستحقه مصر على الصعیدین العربی والاسلامی. وأن تحدی الثورة المضادة بدأت تتبخر أخر حلقاته.
ما عاشته مصر وعلى مدى اربعة عقود تقریبا کان تزییفا لهویتها ومصادرة دراماتیکیة لدورها الطلیعی والجیواستراتیجی، وهی المصادرة التی غیرت المعادلات فی المنطقة وارست واقعا استفادت منه (إسرائیل) لفرض هیمنتها على المنطقة ومواصلة مشاریعها الاستطانیة وتهوید القدس وتحویل قضیة الشعب الفلسطینی الى قضیة انسانیة ومساعدات اغاثة.
وکان من نتائج تقزیم مصر عربیا واسلامیا وافریقیا ان ملأت قوى صغیرة فی المنطقة الفراغ وتحولت الى عراب للمشاریع الامریکیة والصهیونیة فی المنطقة..بل انتهت مصر لتواجه بفعل انکماشها وتحول رئیسها المخلوع الى کنز استراتجی ل(إسرائیل)، أزمة وجودیة حینما اخترق الصهاینة عمقها الافریقی فی دول حوض النیل لیهددوا حصتها من میاء النیل شیران الحیاة لمصر وشعبها.
هذه المهانة التاریخیة هی التی کانت وقودا للثورة المصریة، فکان الشعب المصری على موعد مع التاریخ، ورحل "المخلوع" إلى مزبلة التاریخ..وبقیت مصر، لکن کان على مصر التی حاول المخلوع صیاغتها على وفق ادوار السخرة ل(إسرائیل) والادارة الأمریکیة فی مقابل ثمن بخس اسمه المساعدات الامریکیة، أن تعیش مخاضات صعبة واحداث مفجعة، وأن تلجأ فی أکثر من محطة إلى میدان التحریر لتؤمن ثورتها وتسلک بها نحو الاهداف الکبرى.
وکان من الطبیعی ان تبرز قوى من الهامش والظلام وتندفع بهوس فی سباق على مواقع النفود والسلطة، وتتصرف وکأنها هی من فجّرالثورة وقادها. فکل هذا المشهد السیاسی المصری یمکن اعتباره وضعا انتقالیا، فالثورة احدثت قطیعة جوهریة وأساسیة فی الموقف الجماهیری، فلم تعد هناک الیوم تحت شمس مصر جماهیر تُقاد کالنعاج، أو جماهیر تغرق فی صمت المهانة خوفا من قمع او ترهیب..أصبحت الجماهیر حاضرة وشاهدة على واقعه وفی عنقها عهد وفاء لشهداء الثورة ودماء حماتها على مدى ثلاثة عشر شهرا من انتصارها. ولحظة الفرز قادمة لا محالة.
فانتخابات الرئاسة الیوم هی خطوة فی طریق تأمین الثورة، وإغلاق الباب أمام مخاطر الثورة المضادة..وکل القوى السیاسیة الآن فی الساحة یتم التأمل فی عروضها السیاسیة، ولن یسلم الشعب المصری مشعل الثورة إلا لمن یکون أمینا على أهدافها وتطلعاتها.
ومن خلال التأمل فی الکل هذا العرض الإنتخابی، وأصحاب هذه العروض و(المشاریع) من قوى وأحزاب یمکن القول أن ثمة انتهازیة سیاسیة واضحة، فالظاهر إلى الآن من مواقف بعض القوى السیاسیة وتوافقاتها مع الإدارة الامریکیة تجعلها بعیدة کل البعد عن روح الثورة وأهدافها، وهذا الکلام لا یخص –موضوعا- المرشحین الذین لا حزب لهم. هذا دون الحدیث عن الأجواء التی شابت "البزار" الانتخابی الذی لم یعرف کیف ینسجم مع عرض انتخابی فی سیاق ثورة بقدر ما انتشى بأجواء الحریة فی أول استحقاق رئاسی تحت مظلة الثورة، فاحتمل السباق الانتخابی الکثیر من مظاهر العبث واستعمال سلاح الفتوى وتوظیف المقدس، وتسلل بعض المال الخلیجی دعما لبعض المرشحین.
لکن یبقى ان تجربة مجلس الشعب قد علمت الناخب المصری دروسا بلیغة، لذلک نتوقع منه حذرا اکبر، وتصویتا للمرشح الأقدر على تأمین الاستقرار، واسترجاع الامن، وتهیئة المناخات المناسبة لتطویر الممارسة السیاسیة وتحریرها من لغة الوعود والنوایا الحسنة الى ممارسة وتنافس بین قوى تحمل برامج وتتنافس على إعادة مصر الى توازنها الداخلی والى ادوراها المنتظرة على صعید الأمة.
انه منطق الثورات، فکل ثورة تمر من مخاضات، وتعبر عبر منعطفات حادة لیتطایر العالقون على سطحها انتهازا لممکناتها، فتتمایز صفوفها ویصفو خیارها، وتسقتر على أرض صلبة لا مجال فیها للوصولیین والانتهازیین والمقنعین من المفسدین.
کل الأمل فی أن تنجح مصر فی هذا الاستحقاق الانتخابی، فتعبر بثورتها إلى أشواط أکثر أمانا، تُحبِـط معها إرادة الشعب المصری کل محاولات تقزیم مصر سواء بإستدراجها إلى عناوین اقلیمیة متأمرکة باسم العروبة، او عبر جرها إلى معرکة یستهلک فیها الصغار اسمها المواجهة "السنیة- الشیعیة".
وکل الأمل ان یستدرک أحرار مصر على کل هذا الفراغ الذی تسبب فیه "المخلوع"، وکما فی ملحمة العبور فی حرب 73..تعبر مصر إلى محور المقاومة، الانسب مع تاریخها وتضحیات شهداءها.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.