على هامش تفجیرات الأربعاء الدامی بالعراق
رسا/الرأی- هزت سلسلة من الإنفجارات صباح الأربعاء ثمان محافظات عراقیة بینها العاصمة بغداد، مما أدى إلى سقوط 42 شهیدا على الأقل، فیما أصیب العشرات بجروح فی حصیلة أولویة. وقد تزامنت النفجیرات الجبانة مع بدأ إحیاء ذکرى شهادة الإمام موسى الکاظم(ع)، والتی من المقرر أن تبلغ ذروتها السبت المقبل. وهذه قراءة فی سیاق ورهانات هذه التفجیرات الجبانة.

لیست هذه هی المرة الأولى التی تستهدف فیها التفجیرات الإرهابیة الحشود المؤمنة المتجهة إلى مراقد الأئمة الأطهار علیهم السلام، فللقتلة ومن وراءهم سجل دموی أسود فی هذا المجال.
البعد المذهبی والطائفی کخلفیة لهذه الإستهدافات الإرهابیة ثابت ومؤکد، لکن هذا لا یجب أن یحجب عنّا رهانات القوى الکبرى ومعها حسابات بعض دول الجوار الإقلیمی؛ والتی لا ترید للعراق أن یستعید دوره ومکانته فی المنطقة بعد الانسحاب العسکری الأمریکی، بل لعلّ القرار الآن ومنذ عودة التهدید الإرهابی للعراق منذ مدة وبشکل متصاعد؛ هو الضغط على العراق فی هذه المرحلة کجزء من مشروع الحرب على سوریة، بل وتدفیع العراق کلفة موقفه السیاسی والاقتصادی الداعم لسوریة والمعضّد لصمودها بوجه المؤامرة الدولیة.
لذلک واستثمارا لأجواء الإحتقان المذهبی البالغة الحدة فی کل المنطقة، مضافا إلیها عامل الإنقسام السیاسی المزمن فی العراق.. نرى أنه من غیر المستبعد أن نشهد تصاعدا مضطردا فی منسوب العمل الإرهابی، والذی –بالمناسبة- تحوّل إلى حاجة وأداة فی المشروع الأمریکی وإلى عنصر فعال فی حسابات بعض الدول الخلیجیة وفق توجه سیاسی مغرق فی مکیافلیته (الغایة تبرر الوسیلة). وقد رأینا کیف أن أمریکا التی تزعم قیادة الحرب على الإرهاب؛ تستفید من تغلغل القاعدة فی سوریة! وکیف أن المجامیع الإرهابیة المتسللة إلى سوریة تحضى بکل أشکال الدعم المادی والتسلیحی، بل وتسحب علیها صفة الجهاد، ویتم احتساب القتلة الإرهابیین والتکفیریین؛ فی وسائل الإعلام الهائلة، بوصفهم مجاهدین فی سبیل الله وطلائع جهادیة فی سبیل الحریة والکرامة!!
ولأن تطورات الوضع السوری بلغت المدى الذی یشجع أطرافا دولیة وأخرى إقلیمیة على تحویله من معركة على الإرهاب إلى حرب أهلیة، خاصة بعد أن صمد النظام مدعوما بقاعدته الجماهیریة أمام الحلقات السابقة من مشروع المؤامرة على سوریة ودورها المقاوم، فقد أغرت تلک الأوضاع الإدارة الأمریکیة بعودة قویة من بعد أن تعثر مشروعها الشرق أوسطی فی المنطقة، وتجرّب مرة أخرى إعادة صیاغة الخارطة الجیو سیاسیة للمنطقة، خاصة بعد ان استطاعت استیعاب تحولات ما یسمى بالربیع العربی ضمن سقوف سیاسیة واستراتجیة تؤمّن مصالحها وتضمن الحمایة والأمن لـ(إسرائیل).
ما یحصل فی سوریة الآن، ثم التطورات التی یشهدها لبنان خاصة فی مناطق الشمال؛ فی طرابلس ومحیطها، وما یحصل من ابتزاز استراتیجی لإیران، ومن تسییس مفرط لملفها النووی، وما یشهده العراق من توتیر مذهبی على خلفیة کل ملف من ملفاته الداخلیة؛ کالملف القانونی لطارق الهاشمی، أو الخلاف الإداری والقانونی بین الوقفین السنی والشیعی بخصوص تبعیة مقام الإمامین العسکریین(ع) فی سمراء..ثم ما یلحظه المتتبع من حالة سُعار طائفی أصابت بعض الفضائیات المشبوهة؛ وجعلتها تعمل على ضد میثاق العمل الإعلامی ومقتضیاته الأخلاقیة..کل هذه المعطیات تؤکد أن مشروعا للتفکیک والتقسیم الطائفی یحضّر للمنطقة، وأن العبث الأمریکی وصل حد المراهنة على تحویل یقظة الأمة وربیعها فی الحریة والکرامة إلى مقدمات للاصطفاف الطائفی والمذهبی.
وقد کان لافتا أن یستدرج الأزهر الشریف إلى هذا الجو الطائفی من خلال تحذیر مشیخته - وعبر بیان - من المد الشیعی فی مصر على خلفیة قضیة "الحسینیة"، فی الوقت الذی کان على الأزهر أن یعید تموقعه على أسس جدیدة تضمن استقلالیته وتعزز من دوره فی التصدی للمشاریع الوهابیة وللفکر التکفیری الذی یقحم الأمة فی فتن مظلمة ومهلکة.
سیوغل التکفریون فی المزید من دمنا..وقد وجدوا من بعد ضلالهم؛ أکثر من غطاء شرعی زائف وفّره لهم أئمة الضلالة، وسیتکرر مشهد الیوم الدامی فی العراق.. لأنّ القتلة أصبحوا حاجة أمریکیة استراتیجیة فی مشروع تفکیک المنطقة وإحلال الصراع المذهبی فی الأمة بدل صراعها الوجودی مع (إسرائیل)، کلّ ذلک کی ینعم الصهاینة بالأمن والأمان، بل وبالشراکة الحمیمة فی المرکب الواحد والمصیر الواحد..ألیس العدو المشترک الآن هی إیران؟! أولیس الخطر کلّ الخطر هم الشیعة والتشیّع..حتى وإن قاوموا، وأهدوا الأمة أعظم انتصار فی الزمن الردئ؛ زمن الهزیمة والإستلحاق والمهانة الوجودیة؟!
إن الرجعیة العربیة ومشیخاتها وأدواتها التکفیریة تتحمل مسؤولیة هذه الدماء المراقة، ومسؤولیة هذه المجازر..ومرة أخرى یتأکد دور القوى الحیّة والمخلصة فی الأمة؛ من علماء ومثقفین، لرفع الصوت عالیا إدانة لمشروع التقتیل والفتنة ومن یقف وراءه..ومرة أخرى تتأکد الحاجة إلى النهوض بمشروع الوحدة والتقریب فی الأمة لقطع دابر هذه الفتنة، ولعزل القتلة الدخلاء على دیننا وأمتنا.
الرحمة والمغفرة لشهداء الأربعاء الدامی فی العراق، شهداء الولاء والمحبة للإمام المظلوم موسى بن جعفر علیه السلام، الشفاء العاجل للجرحى والمصابین..
والخزی والعار والجحیم للقتلة الإرهابیین...
لأمریکا و(إسرائیل) والرجعیات العربیة..سنعض على الجراح، وسنکون أحرص على الوحدة..لن یمر مشروعکم ولو على أشلائنا.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.