بمناسبة الولادات الشریفة..
رسا/آفاق- فی الثالث من هذا الشهر؛ شهر شعبان، نلتقی بذکرى ولادة الإمام الحسین بن علی(ع)، الذی ولد فی السنة الثالثة الهجریة، وفی الرابع منه، ذکرى ولادة أبی الفضل العباس(ع)، کما نلتقی فی الیوم الخامس منه، بذکرى ولادة الإمام علی بن الحسین زین العابدین(ع).وهنا نقف مع نافذة، مع العلامة السید حسین فضل الله(رض) تفتحنا على عظمة الذکرى.

ونحن أمام هذه الذکریات وهذه الأسماء المقدسة، لا بد لنا من أن نستوحی منها کیف یمکن لنا أن نفتح حیاتنا على ما انفتحوا علیه، فهناک ذکرى الإمام الحسین(ع)، الذی تربى فی طفولته فی کنف رسول الله(ص) وأحضان أمه فاطمة(ع) وأبیه علی(ع)، والذی عاش حیاته مع أبیه علی(ع)، حیث أخذ من علمه علماً، ومن عقله عقلاً، ومن روحه روحاً، ومن انطلاقته فی خط الجهاد انطلاقة جهادیة. ویقرأ المسلمون جمیعاً ما جاء عن رسول الله(ص): "الحسن والحسین سیدا شباب أهل الجنة"، وأیضاً: "الحسن والحسین إمامان قاما أو قعدا".
وهکذا تحرّک الإمام الحسین(ع) فی الواقع الإسلامی بعد وفاة أبیه ووفاة أخیه الإمام الحسن(ع)، لیربط الناس بالإسلام، ولیعلِّمهم الإسلام الأصیل، ولیفتح عقولهم على الله. وکانت الفترة التی عاشها(ع) فی المدینة هی المرحلة التی أخذ فیها بخطِّ جده رسول الله(ص)، فی إرشاد الناس وتعلیمهم وتوعیتهم، وفی الخطوط التی أراد للناس من خلالها أن یلتزموا رفض الظلم کله، والانفتاح على العدل کله. کان(ع) یرید أن یهیّىء المجتمع الإسلامی من أجل أن یبتعد عن خط الانحراف الذی أخذ به بنو أمیة، سواء ما أخذ به معاویة الذی اغتصب الخلافة من علی(ع)، أو ما أخذ به ولده یزید الذی أجبر المسلمین على بیعته، بالترغیب تارةً وبالترهیب أخرى.
شعارات الخطّ الحسینی
من هنا، انطلق الإمام الحسین(ع) من موقع إمامته التی کانت تفرض علیه أن یقوم بعملیة الإصلاح فی أمة جده، لأن الإسلام کان أمانة الله عنده. ولذلک عندما تهیأت له بعض الظروف للحرکة، تحرَّک من أجل الرسالة والقضیة، متمسّکاً بخطّ الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، وکانت کلمته الرائدة: "إنی لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح فی أمة جدی رسول الله، أرید أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنکر".
ووفق هذا المسار، کانت حرکة الإمام الحسین(ع) حرکة سلم لا حرکة عنف، وهو الذی قال: "فمن قبلنی بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ علیّ أصبر حتى یقضی الله بینی وبین القوم بالحق وهو خیر الحاکمین". ولکن القوم الذین عاشوا الضلال والانحراف، وخضعوا للظلم وأهله، فرضوا علیه العنف، وأرادوا له أن یخضع للحکم الضال، فکان ردّه علیهم بالکلمة الخالدة: "لا والله، لا أعطیکم بیدی إعطاء الذلیل، ولا أقرّ لکم إقرار العبید"، "ألا وإنَّ الدعیّ ابن الدعیّ قد رکز بین اثنتین؛ بین السلة والذلة، وهیهات منا الذلة، یأبى الله لنا ذلک ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمیّة، ونفوسٌ أبیّة، من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الکرام".
وفی المقابل، کان(ع) یستثیر الأمة، ویحاول أن یستفزّ مشاعرها ویرفع درجة حساسیتها إزاء قضایا الحقّ والباطل، لذلک خاطبها قائلاً: "ألا ترون إلى الحق لا یعمل به، وإلى الباطل لا یتناهى عنه، لیرغب المؤمن فی لقاء ربه محقاً، فإنی لا أرى الموت إلا سعادةً، والحیاة مع الظالمین إلا برماً".
ولم یکتفِ بذلک، بل کان خلال ثورته، یحاور القوم الذین واجهوه صباحاً ومساءً، ویدعوهم إلى الله، ویعمل على فتح عقولهم على الحق حتى یتراجعوا عن الباطل، ولکنهم کانوا قد أغلقوا عقولهم، فکان قول قائلهم: ما ندری ما تقول یابن فاطمة، ولکن انزل على حکم ابن عمک. ولکنّ الإمام الحسین(ع)، رفضاً للباطل والظلم، انطلق فی ثورته، لیقدّم المنهج التحرری للأمة کلها، راسماً لها خطّ مواجهة الظلم، والاستکبار أینما وُجدا. وسقط(ع) شهیداً فی أعلى مواقع الشهادة، مع أولاده وأصحابه وأطفاله، وکانت کلمته الرائعة: "هوّن ما نزل بی أنه بعین الله".
لقد استشهد الحسین(ع)، لکنّ ثورته، فی برنامجها وشعاراتها وأهدافها، سکنت فی وجدان کل الأجیال، لتتحوّل خلال مراحل التاریخ المختلفة إلى ثورات ومقاومات ضدّ کل ظالم ومستکبر، لتکون کلمة الله هی العلیا، وکلمة الظالمین هی السفلى.
وبذلک، بقی الحسین(ع) نوراً یستضاء به، یضیء العقول والقلوب والحیاة، ویدفع بالأمة إلى أن تکون قویة عزیزة حرّة صلبة فی مواجهة کل الظالمین والمستکبرین.
جهاد العبّاس ورسالة السجّاد(ع)
وإذا انطلقنا إلى العباس(ع)؛ نراه الرجل الذی کان یمثل الإیمان فی أعلى درجاته، والحق فی أعلى مواقعه، والشجاعة والتضحیة فی أصلب صورتهما، هذا الإنسان الذی وقف مع الحسین(ع)، لا من الناحیة الجسدیة، ولکن من الناحیة الإسلامیة الإیمانیة، ویذکر أنه عندما قطعت یمینه قال:
والله إن قطعتم یمینـی فإنی أحامی أبداً عن دینی
وعن إمامٍ صادق الیقین نجل النبیّ الطاهر الأمین
ولأهمیة مکانته ودوره، کان الإمام الصادق(ع) یقول عن العباس: "کان عمنا العباس نافذ البصیرة". کانت بصیرته بالله وبصیرته بالإسلام وبالحق، البصیرة النافذة التی استطاعت أن تؤکّد حرکتها فی عالم المواجهة وعالم الصراع بین الحق والباطل. ونحن نقرأ فی زیارته: "السلام علیک أیها العبد الصالح، المطیع لله ولرسوله ولأمیر المؤمنین وللحسن والحسین، فنعم الأخ المواسی".
وعندما نلتقی بالإمام علی بن الحسین زین العابدین(ع)، فإننا نلتقی بالإمام الذی ملأ المرحلة التی عاشها علماً وتقوى وحقاً وروحاً، وهو الذی انطلق فی أکثر من بعد من الأبعاد الإسلامیة الثقافیة، فکان فی جانب یعلِّم الناس مفاهیم الإسلام وشرائعه، وفی جانب آخر یربط الناس بالله من خلال أدعیته التی تمثل المنهج الروحی الثقافی. ونحن نقرأ معه: "اللهم إنی أخلصت بانقطاعی إلیک، وأقبلت بکلّی علیک، وصرفت وجهی عمن یحتاج إلى رفدک، وقلبت مسألتی عمّن لم یستغن عن فضلک، ورأیت أن طلب المحتاج إلى المحتاج سفه من رأیه، وضلة من عقله، فکم قد رأیت یا إلهی من أناس طلبوا العز بغیرک فذلوا، وراموا الثروة من سواک فافتقروا، وحاولوا الارتفاع فاتضعوا".
وکان(ع) یقول: "واعصمنی من أن أظنّ بذی عدم خساسة، أو أظن بصاحب ثروة فضلاً، فإن الشریف من شرّفته طاعتک، والعزیز من أعزَّته عبادتک".
وفی دعائه فی مکارم الأخلاق: "وسدِّدنی لأن أعارض من غشّنی بالنصح، وأجزی من هجرنی بالبرّ، وأثیب من حرمنی بالبذل، وأکافىء من قطعنی بالصلة، وأخالف من اغتابنی إلى حسن الذکر، وأن أشکر الحسنة وأغضی عن السیئة".
وکان(ع) یؤکِّد للناس المنهج الذی یتحرَّکون فیه، فی علاقاتهم الاجتماعیة والسیاسیة، فکان یقول: "إن العصبیة التی یأثم علیها صاحبها، أن یرى الرجل شرار قومه خیراً من خیار قوم آخرین، ولیس من العصبیة أن یحب الرجل قومه، ولکن أن یعین قومه على الظلم".
معنى ولایة الأئمة(ع)
إنّ أهل البیت(ع) هم الذین یمثِّلون الإمامة والرسالة وکل حرکة الحق، لذلک، فإنّ ولایتنا لهم إنّما تنطلق من الالتزام بقراءة کل تراثهم، وتعلّم کل علومهم، والانفتاح علیهم انفتاح العقل، لأنهم کانوا یریدون أن یرتفعوا بعقولنا إلى مستوى الانفتاح على الحقیقة. وقد أرادوا لنا أن نعیش المحبة والوحدة فیما بیننا، والتوازن والاستقامة على الخط. هذا هو معنى ولایة أهل البیت(ع). وقد ورد عن علی(ع): "إن ولیّ محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته، وإنّ عدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته".
وهکذا تکون الولایة انطلاقاً فی المنهج وفی الخط، لنکون مع أهل البیت الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهیراً.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.