رسا/الرأی- فی موقف غریب ومستهجن أصدرت وزارة الأوقاف المصریة بیانا لئیما حذرت فیه الائمة والدعاة من مغبة التجاوب مع الدعوات لزیارة إیران، واصفة تلک الدعوات بالمشبوهة. وبمعزل عن کلّ السیاق الذی یطفح بمعطیات الارتداد عن مکتسبات الثورة المصریة، فإن بیانا کهذا لوحده یمکن اعتباره مقیاسا لحجم الردة عن واقعة الثورة التی انجزها الشعب المصری البطل.

دعت وزارة الأوقاف المصریة، مساء الخمیس، الأئمة والدعاة إلى رفض زیارة إیران إستجابة لدعوات وصفتها بـ(المشبوهة). وحذَّرت وزارة الأوقاف، فی بیان أصدرته الخمیس، الأئمة والدعاة من قبول دعوات لزیارة ایران محذِّرة من أن تلک الدعوات "یُراد بها بلبلة عقیدة الأمة وإثارة الفتن فی کیانها".
وحثت الوزارة على الإبلاغ فوراً عن أیة دعوات من هذا النوع، مؤکدة أن الوزارة سوف تتخذ اجراءاتها بکل شدة وحزم ضد من یستجیب لتلک الدعوات أومن یروِّج لها.
لو صدر هذا البیان قبل 25 ینایر2011 تاریخ الثورة المصریة لقلنا أن هذه وزارة لئیمة تخدم مخطط الرئیس المخلوع مبارک فی ترسیم العداء مع الجمهوریة الإسلامیة فی إیران والدعوة إلى التطبیع مع الکیان الصیونی، ونحن هنا لا نتجنى على الوزارة التی یبدو أن میاه الثورة لم تجری تحت بنایتها، فقد أصدرت الوزارة قبل سنتین (یونیو2010) بیانا طالبت فیه الأئمة والخطباء فی المساجد المصریة بالحدیث عن التطبیع مع العدو الصهیونی والتمهید له فی خطبهم الأسبوعیة، والحدیث عن العدو الصهیونی بصفته جارا لمصر بحسب تعلیمات وزارة الأوقاف.
وقالت مصادر إعلامیة فی حینه أن الوزارة العتیدة أدخلت على منهاج الدورات الثقافیة التی تقوم بتنظیمها للأئمة والخطباء الجدد، مادة العلاقة مع دول الجوار وخاصة کیان العدو الصهیونی حیث یتم تدریس هذه المادة فی محاضرتین. وکان الشیخ سلامة إبراهیم احد الأئمة الجدد، قد فضح هذا المنهاج التعلیمی حین صرّح لوسائل إعلامیة أن المدرسین "یقولون لنا ان الإسلام دین السماحة والسلام والتسامح، ولذلک فمهما فعل کیان العدو الصهیونی فانه یبقى جار لنا، والنبی أوصى بالجار. وبالنسبة لمسألة تحریر القدس فانه قادم لا محالة ولکن علینا ان نحترم الجیران وان نقنع الناس بذلک لأنها وصیة الإسلام وممنوع الحدیث عن الجهاد أو الحرب مع الیهود لأننا أقمنا معهم معاهدة سلام ولذلک فلا یجوز نقض العهد ویجب ان تقوم بیننا وبینهم علاقات متبادلة قائمة على الصدق والمحبة والسلام لقول النبی (صلى الله علیه وسلم) ما زال جبریل یوصینی بالجار حتى ظننت انه سیورثه. وکذلک اعتبر النبی (صلى الله علیه وسلم) ان من یؤذی جیرانه فهو غیر مؤمن بالله ولا بالیوم الآخر ویجب ان نکون قدوة فی السلام والمحبة والعدالة واحترام الجیران"!
فی زمن الثورة؛ (إسرائیل) لا تمثل مشکلة فی نظر القیمین على الأوقاف، بل هی کانت جارا ولا تزال، وفی زمن الثورة أیضا الجمهوریة الإسلامیة فی إیران هی العدو، وتوصف دعوات بعض مؤسساتها لشخصیات مصریة قصد زیارة إیران فی إطار ما سمته إیران بتفعیل الدبلوماسیة الشعبیة لتعزیز الروابط الأخویة بین الشعبین المسلمین وتکسیر الحواجز التی أقامها نظام المخلوع ..بأنها دعوات مشبوهة تندرج فی إطار مشروع الفتنة وبلبلة عقیدة الأمة".
ولا ندری عن ایة عقیدة یتحدث بیان هؤلاء الذین جعلوا من انفسهم اوصیاء على عقیدة المسلمین، وهل من صحة العقیدة وسلامتها توظیف الدین وتسخیره لخدمة مخططات الاعداء فی التمکین للفرقة بین المسلمین وزرع الشکوک فیما بینهم؟!..هل من العقیدة فی شیء التحریض على المسلمین فی إیران فقط لأنهم من شیعة أهل البیت، وإعلان المودة للصهاینة المغتصبین لفلسطین والقدس واعتبارهم جارا أوصى الرسول به خیرا؟!
وها نحن فی زمن الثورة نشهد نفس العبث بالدین بقلب معاییره وأحکامه، وتضلیل الناس على حساب بدیهیات الدین فی ثبات الأخوة الإسلامیة، وأن المسلمین ید واحدة على من عداهم.. ما یجعلنا نعتبر أن هذا البیان التحریضی ضد الجمهوریة الإسلامیة فی إیران یعدّ مؤشرا خطیرا على أن التوجهات المتصهینة لنظام المخلوع (مبارک) لازالت قائمة وفاعلة، بل هی تسمح بالاستنتاج أن الکلمة الفصل هی من مدخرات "الکنز الاستراتیجی" على حد التعبیر الصهیونی عن المخلوع اللامبارک ونظامه، والذی یبدو أنه یختزن الکثیر من الطاقة لیعاکس بها أجواء الثورة.
لم تکن إیران إلا ذخرا للأمة وأحد أهم تعبیرات العزة والکرامة فیها، وهی التی دعمت وضحت من أجل القضایا المصیریة للأمة وعلى رأسها القضیة الفلسطینیة، ولم تبخل فی دعم مشروع النهضة فی الأمة وهی التی جعلت کل خبراتها العلمیة بما فیها النوویة فی خدمة المسلمین من دون استثناء. ودعت ولا زالت تدعو إلى تحقیق الامن والرفاه الإقتصادی عبر التعاون والاعتماد على مقدرات شعوب المنطقة وجعل المنطقة خالیة من ای تواجد عسکری أجنبی.
أما زیارة مصر أو دعوة النخب والدعاة لزیارة إیران، فهذا وضع طبیعی بین دولتین شقیقتین، والمنطلق العقائدی الذی قامت علیه الجمهوریة الإسلامیة هو الذی یدفع نحو ترسیخ قیم الانفتاح والتعاون مع کل الاشقاء، بل وإلى وضع کل رصید الخبرة الإیرانیة فی المجالات کافة فی خدمة الشعوب الثائرة وفی مقدمتها الشعب المصری الشقیق.
نهمس لوزارة الأوقاف المصریة ونقول لها.. بأن ثورة الشعب المصری لم تمت، ولن یفلح بیان بئیس؛ یبدو وکأنه صادر بإیعاز من المخلوع؛ فی التأثیر على العلاقة الروحیة والتاریخیة بین الشعبین المصری والإیرانی، فالذین خططوا قبل سنتین لإدراج برنامج "التطبیع مع (إسرائیل)" ضمن برامج إعداد الخطباء أولى لهم أن یخرسوا، ولا یتکلموا کأوصیاء على شعب مصر العظیم.
سیسجل التاریخ ان بیانا بهذه الدرجة من الخزی قد صدر عن وزارة الأوقاف المصریة بتاریخ 21یونیو /حزیران2012، أی بعد عام ونصف من إطاحة الثورة المصریة بنظام مبارک.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.