من وحی 9دی
رسا/تحلیل سیاسی- لقد کان ال9 من شهر دی (الشهر العاشر الإیرانی) یوما من أیام الملحمة الثوریة فی إیران، فهو الیوم الذی قالت فیه الجماهیر کلمتها، وأکدت على التفافها حول القیادة..إنه الیوم الذی حسم وهم الموجة الخضراء فجعلها جفاءً. بقلم عبدالرحیم التهامی

قصة إیران مع التدخل الخارجی فی الأوضاع الداخلیة لإیران لیس جدیدا، فقد دخل هذا التدخل فصولا جدیدة منذ انتصار الثورة الإسلامیة یمکن وصفه بالتآمر المتعدد الأبعاد والمستویات، إلى أن بلغ ذروته مع الانتخابات الرئاسیة قبل أقل من اربع سنوات، مع العلم أن بعض الأبعاد الخطیرة لهذا التدخل لم تتکشف إلى الآن، فاللحظة السیاسیة التی أعقبت الإعلان عن نتائج الانتخابات أکدت بما لا یدع مجالا للشک أنّ مخططا متکاملا کان قد أعد لإیران فی حالة ما إذا جاءت نتائج الانتخابات لغیر صالح ما یسمى ب(التیار الإصلاحی)، دون أن یعنی ذلک -على الأقل بالنسبة لی- وجود تنسیق مباشر بین کل قیادات (الإصلاحیین) وبعض الجهات الغربیة، وأیضا لیس للحد الذی ینزّه هذا الفریق بأجمعه عن أخطاء فاحشة تضعه فی خانة التآمر على الأمن القومی لإیران، وسأعود لتوضیح ذلک لاحقا.
وبالعودة إلى مسالة التدخل الأجنبی لا أرید أن أتحدث عن المیزانیات والقرارات التی یعتمدها الکونغرس الأمریکی فی کل حین، لزعزعة الاستقرار فی إیران، ولا عن الدور التحریضی للقنوات التلفزیونیة التی تبث من بعض الولایات الأمریکیة، ولا حتى عن خدمات الانترنت المتطورة التی اجتهدت الدوائر الاستخباراتیة فی جعلها الواجهة الإعلامیة لثورة مضادة، أملّت النفس بها، کما ولن أتحدث عن ملابسات إطلاق قناة البی بی سی البریطانیة شهورا قلیلة قبل الاستحقاق الانتخابی فی إیران..لکنی فی المقابل أرید أن أشد انتباه القارئ إلى مسألة ذات طبیعة إستراتیجیة، أذکر أنه بعد احتلال القوات الأمریکیة للعراق، کتب ولیام کریستول - وکان فی حینه من أکثر الکتّاب المعبرین عن وجهة نظر صقور المحافظین الجدد فی وسائل الإعلام الأمریکیة - مقالا تحت عنوان"نهایة البدایة" جاء فیه :"تحریر العراق کان أکبر المعارک الکبرى من أجل مستقبل الشرق الأوسط ... ولکن المعرکة الکبرى القادمة - ونتمنى ألاّ تکون معرکة عسکریة - سوف تکون من أجل إیران"، فاللافت فی هذا الکلام هو طبیعة المعرکة الکبرى، والتی یراهن الکاتب؛ وهو هنا لیس إلا معبّرا عن مخططات المحافظین الجدد؛ على أن لا تکون عسکریة، بمعنى تحقیق نفس أهداف غزو العراق لکن بأدوات ثقافیة وسیاسیة وإعلامیة، وبالاعتماد على أطراف داخلیة، وهذا ما یسمى بالثورة المخملیة، وهو نفس ما أفصح عنه کریستول فی نفس المقال حیث کتب:" ینبغی علینا أیضا أن ننقل المعرکة إلى إیران مستخدمین أدوات تتراوح بین الدبلوماسیة الشعبیة والعملیات السریة"، فالساسة الأمریکیون کما خبراء مراکز الأبحاث والدراسات یؤکدون على أن - ما یسمونه- بالتحول الدیمقراطی فی إیران بحاجة إلى دفعة من الخارج، وهم یتصورون أنّ النظام الإیرانی مثله مثل النظام السوفیتی قابل للانهیار، ولکن الانهیار یحتاج لمساعدة من الخارج، لذلک اعتقدوا أنهم فی الموعد الدقیق حین دخلوا على خط أزمة الانتخابات الرئاسیة المفتعلة، لکن الله لطف، فکان الشعب یقظا، وکان الحزم الذی أظهرته القیادة الرشیدة بقراراتها الحکیمة بما فتح على أفق لتخطی مخطط التآمر، کما تجلى ذلک فی خطبة الجمعة التاریخیة التی أعقبت الاضطرابات.
ولا یخفى على أحد أن ثمة مساع جبارة ومتواصلة لشطب الدور الإقلیمی لإیران، هذا طبعا بعدما یئس العدو من أی رهان على التغییر، وعندما بدا للأعداء أن مخططاتهم لزعزعة الأوضاع الداخلیة قد أعطت بعض مؤشراتها، دخلوا بشکل مفضوح وغیر محسوب على خط الأحداث.
والمثیر أن التدخل الغربی الواضح والعلنی فی الحدث الإیرانی والذی وصل حدا من الصلافة فی فتنة الانتخابات، لم یحمل قوى (الإصلاح) الزعومة على مراجعة مواقفها، ولم تـثنها المؤامرة على أن تنأى بنفسها بعیدا عن لحظة التقاطع مع المخطط الغربی فی منتصف الطریق، بل اندفعت بغباء إلى الدرجة التی تداخلت فیها مصالحها الضیقة مع المراهنات الغربیة، ولعل عنصر الغوایة فی اندفاعتها هاته مثلتها اللحظة الأوبامیة المغریة، والموهمة بالید الممدودة، وبوعود الحوار الکاذبة.
وبالعودة إلى مسالة التدخل الأجنبی لا أرید أن أتحدث عن المیزانیات والقرارات التی یعتمدها الکونغرس الأمریکی فی کل حین، لزعزعة الاستقرار فی إیران، ولا عن الدور التحریضی للقنوات التلفزیونیة التی تبث من بعض الولایات الأمریکیة، ولا حتى عن خدمات الانترنت المتطورة التی اجتهدت الدوائر الاستخباراتیة فی جعلها الواجهة الإعلامیة لثورة مضادة، أملّت النفس بها، کما ولن أتحدث عن ملابسات إطلاق قناة البی بی سی البریطانیة شهورا قلیلة قبل الاستحقاق الانتخابی فی إیران..لکنی فی المقابل أرید أن أشد انتباه القارئ إلى مسألة ذات طبیعة إستراتیجیة، أذکر أنه بعد احتلال القوات الأمریکیة للعراق، کتب ولیام کریستول - وکان فی حینه من أکثر الکتّاب المعبرین عن وجهة نظر صقور المحافظین الجدد فی وسائل الإعلام الأمریکیة - مقالا تحت عنوان"نهایة البدایة" جاء فیه :"تحریر العراق کان أکبر المعارک الکبرى من أجل مستقبل الشرق الأوسط ... ولکن المعرکة الکبرى القادمة - ونتمنى ألاّ تکون معرکة عسکریة - سوف تکون من أجل إیران"، فاللافت فی هذا الکلام هو طبیعة المعرکة الکبرى، والتی یراهن الکاتب؛ وهو هنا لیس إلا معبّرا عن مخططات المحافظین الجدد؛ على أن لا تکون عسکریة، بمعنى تحقیق نفس أهداف غزو العراق لکن بأدوات ثقافیة وسیاسیة وإعلامیة، وبالاعتماد على أطراف داخلیة، وهذا ما یسمى بالثورة المخملیة، وهو نفس ما أفصح عنه کریستول فی نفس المقال حیث کتب:" ینبغی علینا أیضا أن ننقل المعرکة إلى إیران مستخدمین أدوات تتراوح بین الدبلوماسیة الشعبیة والعملیات السریة"، فالساسة الأمریکیون کما خبراء مراکز الأبحاث والدراسات یؤکدون على أن - ما یسمونه- بالتحول الدیمقراطی فی إیران بحاجة إلى دفعة من الخارج، وهم یتصورون أنّ النظام الإیرانی مثله مثل النظام السوفیتی قابل للانهیار، ولکن الانهیار یحتاج لمساعدة من الخارج، لذلک اعتقدوا أنهم فی الموعد الدقیق حین دخلوا على خط أزمة الانتخابات الرئاسیة المفتعلة، لکن الله لطف، فکان الشعب یقظا، وکان الحزم الذی أظهرته القیادة الرشیدة بقراراتها الحکیمة بما فتح على أفق لتخطی مخطط التآمر، کما تجلى ذلک فی خطبة الجمعة التاریخیة التی أعقبت الاضطرابات.
ولا یخفى على أحد أن ثمة مساع جبارة ومتواصلة لشطب الدور الإقلیمی لإیران، هذا طبعا بعدما یئس العدو من أی رهان على التغییر، وعندما بدا للأعداء أن مخططاتهم لزعزعة الأوضاع الداخلیة قد أعطت بعض مؤشراتها، دخلوا بشکل مفضوح وغیر محسوب على خط الأحداث.
والمثیر أن التدخل الغربی الواضح والعلنی فی الحدث الإیرانی والذی وصل حدا من الصلافة فی فتنة الانتخابات، لم یحمل قوى (الإصلاح) الزعومة على مراجعة مواقفها، ولم تـثنها المؤامرة على أن تنأى بنفسها بعیدا عن لحظة التقاطع مع المخطط الغربی فی منتصف الطریق، بل اندفعت بغباء إلى الدرجة التی تداخلت فیها مصالحها الضیقة مع المراهنات الغربیة، ولعل عنصر الغوایة فی اندفاعتها هاته مثلتها اللحظة الأوبامیة المغریة، والموهمة بالید الممدودة، وبوعود الحوار الکاذبة.
لا یشک متابع منصف تابع تلک الأحداث التی تفجرت فی الیوم الانتخابی أن الأزمة کانت مفتعلة، فالفریق الخاسر لم یتقبل نتائج الانتخابات، وبادر إلى تضلیل الرأی العام، ورفع شعار التزویر، وغامر سیاسیا بإدخال إیران فی نفق خطیر. ورغم کل الضجیج الإعلامی فلم یقدّم الفریق الخاسر أدلة مقنعة عن عملیات التزویر الواسعة کما یزعم، ولم یقبل کما هی- الأعراف الدیمقراطیة- بقواعد اللعبة، ولا بنتائج افتحاص الطعون التی أشرف علیها مجلس صیانة الدستور، وعمل على التمسک ببدعة إعادة الانتخابات متجنیا بذلک على تقالید النزاهة التی طبعت مسلسل الانتخابات والاستفتاءات طوال مسیرة الثورة.
ولعل الخطیئة العظمى ل(لإصلاحیین) هی أنهم تصرفوا على أساس أنهم یمثلون مصلحة غربیة إلى جانب کونهم یمثلون مطالب بعض الشرائح فی المجتمع الإیرانی. ولا أرید هنا أن أحاکم هذا الفریق سیاسیا، لکنی أتساءل؛ من منطلق أن کل موقف سیاسی لا یمکن تقییمه بمعزل عن السیاق العام؛ فهل إیران التی تواجه کل هذا التآمر وهذا الاصطفاف الدولی والإقلیمی، یحتمل وضعها تخریب العملیة الانتخابیة، وتهییج الشارع تبعا لذلک، ورفع الصوت عالیا فوق صوت المصلحة الوطنیة وفوق متطلبات حمایة الثورة ومکتسباتها ؟!
وللأسف فقد مست الفتنة التی حصلت بصورة الجمهوریة الإسلامیة، وهنا لا مجال للمجاملة، فالفتنة التی احتطب لها البعض البدع السیاسیة والاتهامات الخطیرة، وألوان من الافتراءات والإشاعات المغرضة، وفّـرت مادة دسمة لوسائل الإعلام المعادیة ومن بینها وسائل إعلام الرجعیات العربیة فی المنطقة لتمارس تضلیلها على المواطن العربی، بل ولتصویر إیران وکأنها صورة طبق الأصل عن دیکتاتوریات أمریکا اللاتینیة فی سبعینات القرن الماضی، حیث العبث بالإرادة الشعبیة والانتهاکات الفظیعة لحقوق الإنسان.
إن ما حصل کاد یخدش فی صورة الجمهوریة الإسلامیة، و شوّش موقفها فی أوساط المحبین والمناصرین، فماذا تتوقع من أحدهم وهو یسمع لإتهامات خطیرة تتصل بلسطات السجون وعن فظاعات یطلقها شیخ معمّم کان ذات زمان رئیسا لمجلس الشورى الإسلامی؟!
أما عن إدارة الأزمة، فالعبرة بالنتائج، فقد جمعت القیادة بین أسلوبی الحزم والمرونة فی تدبیر الأزمة، مما یؤکد عن إدراکها لأبعاد المؤامرة، ووعیها بالتوازنات الدقیقة، وها نحن نشهد تجاوزا فعلیا للمفصل الخطیر من المؤامرة الأخطر فی تاریخ الجمهوریة الإسلامیة فی إیران، برغم أن بعضا من تفاعلاتها لازالت مستمرة إلى الآن، وهذا أمر طبیعی.
لا یجادل منصف فی أن تجربة الثورة الإسلامیة هی من التجارب الراقیة فیما یتعلق بصون وتنمیة الإرادة الشعبیة، فنظام الجمهوریة الإسلامیة هو فی الأصل ثمرة اختیار شعبی من خلال استفتاء حر ونزیه، وبمشارکة شعبیة عالیة جدا، فالإرادة الشعبیة لصیقة بعمل المؤسسات الدستوریة إن بشکل مباشر أو غیر مباشر.
وقد شکلت نسبة المشارکة فی الانتخابات الرئاسیة الأخیرة ملحمة شعبیة، تخطت کل أرقام ومؤشرات المشارکة الشعبیة فی أی دیمقراطیة أخرى. والإقبال الواسع والمشارکة العالیة لا تتحقق إلا فی نظام سیاسی تتوفر فیه کل عناصر الشرعیة والمصداقیة، وفی نظام تنفتح آلیاته أمام الإرادة الشعبیة لتمارس اختیارها وتعبّر عن توجهاتها، وهو فی التجربة الإسلامیة تعبیر عن نجاح النظام الإسلامی، ودلالة على قدرة هذا النظام على استیعاب المطالب المتجددة للناخب الإیرانی، وتعبیر على أنه یختزن من القابلیات والامکانیات بما یسمح للتجربة الإسلامیة أن تأخذ موقع الریادة على الصعید الدولی.
أما المواقف الناقدة للتجربة السیاسیة فی إیران فبعضها یفتقر إلى الفهم الدقیق لخصوصیة النظام الإسلامی، وبعضها یقاربها بمقاربة خاطئة من الناحیة المنهجیة؛ یعتمد فیها النموذج الدیمقراطی الغربی کحالة معیاریة ونموذجیة. ومن المفارقات الصارخة أن بعض الخائضین فی مناقشة النظام السیاسی الإسلامی فی إیران من دون علم، کثیرا ما کانوا یرددون أن ولایة الفقیه بسلطاتها المطلقة لا تسمح بانبثاق ممارسة فعلیة للسلطة على صعید مؤسسة الرئاسة، لکن وبعد نتائج الانتخابات وجدناهم یذهبون إلى أقصى درجات الخیبة لأن الفریق (الإصلاحی) الذی راهنوا علیه؛ خسر الانتخابات -تزویرا- حسب زعمهم، وبالتالی فالمشروع الإصلاحی خسر فرصته التاریخیة، ومنطوق هذا الکلام لا یحتمل إلا معنًى واحدا وهو أن مؤسسة الرئاسة فاعلة وذات سلطة تنفیذیة حقیقیة، وإلا لکانوا وفّروا خیبتهم.
وثمة مشهد سریالی آخر لا یقل مفارقة، فبعض الدول المغرقة فی الاستبداد والقمع، والتی لا تکاد تعثر فیها على هامش دیمقراطی بالملیمترات؛ یتجسد فیه شیء من إرادة شعوبها؛ فبالأحرى أن تتوفر على مؤسسات دستوریة منتخبة، هی من تجندت واستنفرت إعلامیا، ورکبت موجة النحیب على الدیمقراطیة الممتهنة فی إیران!
وبکلمة فإیران تعدّ الیوم المظهر الأکثر تجسیدا واحتراما للإرادة الشعبیة، ومنسوب الشرعیة فی نظامها السیاسی لا یضاهیه أی منسوب فی تجربة دیمقراطیة أخرى، ونظامها السیاسی یجدد شرعیته باستمرار مع کل استحقاق انتخابی، وإن شئنا القول فهی أیضا على شرط الدیمقراطیة؛ کما هو منصوص علیها فی الفکر السیاسی الغربی؛ أکثر دیمقراطیة من التجارب الغربیة نفسها.
مما یتیحه استقراء واقع الثورات أن هذه الأخیرةلا تتطور إلاّ على شرط أخذ الحقیقة کمعطى فی البناء والتکامل، بمعنى أن لحظات التجلّی لحقیقة الثورة أمام نفسها، وانکشاف شرطها التاریخی فی کل أبعاده أو فی معظمها، هو مادة التطور والمحفز على القطیعات الضروریة فی بعض مستویات تجربتها.
,لعلّ هذا الکلام یحتاج إلى بعض التوضیح، فأقول: لقد وضعت الأزمة؛ وبمعزل عن أسبابها ومراهنات البعض منها؛ إیران على محک تاریخی غیر مسبوق، حصلت معها حالة انکشاف قصوى، والمقصود بالانکشاف هنا أننا أصبحنا أمام حقیقة الاتجاهات والشخصیات، أمام کتل شعبیة بمطالبها المعلنة، الموحدة والمتباینة، بتطلعاتها التی تتلاقى تحت خیمة النظام، وتتباین فی نفس الوقت على صعید الطموحات والتطلعات، کانت الثورة أمام اختبار لفاعلیة المؤسسات الدستوریة فی طریقة تدبیرها للأزمة، كما كانت أمام معادلة صعبة بین صیانة مبدأ الحریات والمقتضیات الأمنیة، کانت إیران أمام حالة فرز واضح فی معسکر الحلفاء ومعسکر الأعداء، ولعلها استطاعت أن تقیس بشکل شفاف حجم الاستهداف والتربص بثورتها، وحجم الاختراق المعادی فی بنیتها الثقافیة والسیاسیة..کانت الثورة أیضا أمام حقیقة بعض إخفاقاتها؛ والحقیقة دائما ثوریة؛ ومن بین أهم هذه الإخفاقات، ما تبدى فی کون شرائح من الشباب بدا وکأنه على قطیعة مع الخط العقائدی للثورة، وغیر مستأنس بمبادئها، مما سهل استدراجه إلى مشاریع معادیة لوطنه وثورته.. وهذا یضع علامة استفهام کبیرة أمام مؤسسات التنشئة الاجتماعیة کالأسرة والمدرسة والمسجد والإعلام.
وفی تقدیری المتواضع لم تکن أزمة الانتخابات المفتعلة فی الواقع قبل اکثر من ثلاثة سنوات، إلاّ ذلک الصاعق الذی احتاجته حالة الاحتقان الاجتماعی فی أوساط شرائح من الشباب المتعلم، وفی وسط بعض الفئات الاجتماعیة التی لم تستطع مشاریع الثورة الثقافیة فی استیعابها لعوامل وأسباب لا یتسع لها المجال هنا، وهذا لیس منقصة فی الثورة، بل یندرج فی إطار تحدیات البناء، وفی منطق التحولات والسیرورات الثقافیة التی تحتاج من الوقت أکثر مما تحتاجه التحولات السیاسیة.
فنحن أمام حالة ضاغطة تمثلها تطلعات بعض الشرائح الشبابیة التی ترغب فی صورة مختلفة لبلدها، وهی مدفوعة بطموحات کبیرة فی رفع القیود والإفلات من وصایة القیم والقوانین الدینیة، دون أن یصل بها الأمر-على وجه العموم- إلى قطیعة جذریة مع النظام، وهذا ما یسمى بتوترات الشرعیة، والتی تفرض منطقا فی التعاطی قائم على الاستجابة الممکنة والحوار فی أفق الاستیعاب.
ولعلّ الخیر فیما وقع، فقد أسهمت فتنة 1388 بالتقویم الفارسی فی بلورة ما یمکن أن یرقى إلى استحقاقات العُشریة القادمة من عمر الثورة، والتی لن تعدو أن تکون إلا سیاسیة لجهة ضبط جدلی أرقى فی معادلة «الجمهوریة»و«الإسلامیة»، وثقافیة، من خلال تجدیر الهویة الدینیة للمجتمع، وتحویل الحریة إلى قیمة فاعلة مع استنفاذ دلالاتها الرمزیة والواقعیة على کل صعید من أجل الانتقال إلى أفق تاریخی جدید فی مسیرة الثورة.
لقد کان ال9 من شهر دی الإیرانی(الشهر العاشر الإیرانی)بحق یوما من أیام الملحمة الثوریة فی إیران، فهو الیوم الذی قالت فیه الجماهیر کلمتها، وأکدت على التفافها حول القیادة..إنه الیوم الذی حسم فی ما سُمی بالموجة الخضراء فجعلها جفاءً، أما ما ینفع الإیرانیین فی حاضرهم ومستقبلهم فقد حملته رسالة 9دی للعالم..وهی أن هویة إیران إسلامیة، وأن الاستکبار هو الإستکبار وأن الجماهیر ومنذ ثورتها المبارکة هی الجماهیر صدقت ما عاهدت علیه الله والإمام والشهداء.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.