30 January 2013 - 15:04
رمز الخبر: 5887
پ
رسا/آفاق- فی ذکرى المولد النبوی الشریف، نستعید الذکرى العطرة بکل معانیها الروحیة والرمزیة، وتکون الذکرى بل ویجدر بها أن تکون مناسبة لتقوم الأمة بعمیلة جرد حساب مع نفسها..لترى فی أی موقع تقف من الرسالة وصاحب الرسالة..بقلم عبدالرحیم التهامی.
فی ذکرى المولد النبوی الشریف..الأمة أمام مرآة الذات

فی تاریخین متقاربین؛ 12 و17 من ربیع الأول تعیش الأمة ذکرى ولادة خیر البشر؛ ولادة الرسول الأکرم الذی أرسله الله رحمة للعالمین.. وهی بلا ریب لحظة مفصلیة فی تاریخ الإنسانیة، فمحمد بن عبد الله (ص) الموحى إلیه من الله، هو خاتم الرسل والأنبیاء، ورسالته التی بُعث بها إلى الناس کافة هی خاتمة الرسالات.

هنا لا مجال للخوض فی أی من التاریخین أرجح وأدق، فقد جسّر الإمام الخمینی(رض) الفجوة بجعل التاریخین أسبوعا للوحدة الإسلامیة..کی تنظر الأمة الى واقعها فی ظل معطیات الوحی و الرسالة، وتقیس حقیقة إسلامها على الهدی النبوی الشریف..فترى کیف حفظت الرسول والرسالة من خلال الکتاب الذی نزل على النبی(ص)؛ والهدی الذی بینه النبی(ص)، والسنة التی ترکها النبی(ص)، والوصیة التی ترکها لنا من موقع مسؤولیته فی الأمة وعلى الأمة کی لا تضل ولا تزیغ ولا تتنکب عن الصراط ولاتتنازع ولا یکفّر بعضها بعضا..

الذکرى العطرة تفتح أمامنا أفقا واسعا للتأمل والتفکر؛ التفکر فی حکمة الخالق سبحانه، وفی ألطافه الغامرة، فی الرسول الأکرم (ص)؛ ذلک الإنسان الأکمل فی خلقه، کما فی بلاغه وبیانه، وفی صبره وجهاده.. فی نهجه وسیرته، فی البشریة وهی أسیرة الأغلال والظلمات لحظة تنزّل الوحی، وفی قابلیات الترقی التی صاغها الوحی أمام ممکناتها لتعرج عبر مسالک الهدى إلى کمالها المتیسر. التأمل فی الأمة ومرتبة الخیریّة بین الناس، حیث تتفاضل بإیمانها بالله، وتمارس فاعلیتها فی التاریخ على مقتضى فریضة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر.

هی ذکرى موجبة لشکر الله على نعمة التشریف والهدایة، والاستنقاذ من الغی والضلالة، وشکر الأمة لنبیّها على وفق ما نزل به الوحی (قل لا أسألکم علیه أجرا إلاّ المودة فی القربى)، الأجر الذی یکون عائده على الأمة نفسها کلما استرشدت برایة الحق، واهتدت بأنجم الهدى من آل محمد (ص) فهم وکما قال الإمام علی(ع):«..دعائم الإسلام، وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق إلى نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدین عقل وعایة ورعایة، لا عقل سماع وروایة، فإن رواة العلم کثیر،ورعاته قلیل..». ذکرى مولده الشریف هی أیضا مناسبة لإخضاع تدیننا - کأمة- للبحث ولشیء من التأمل،لن نختلف فی کون التجربة التاریخیة للأمة قد فتحت على لحظات عصیبة، کان الصراع فیها على التأویل، قبل أن یتطور الأمر إلى صراع على مصیر الإسلام نفسه، ومعالم الدین منه، کما فی واقعة کربلاء، والتی تطلبت کل ذلک الفداء الحسینی على مذبح الطف؛ حفظا لاستقامته من تطاول الأدعیاء، وصونا لماهیته من عبث العابثین، ورغم أن الإسلام قد نجح فی تخطی الکثیر من تلکم التحدیات، فإن للتجربة التاریخیة رواسبها فی الواقع وامتداداتها فیه، کما لها مختزناتها فی الذاکرة، وهنا سنحصر الحدیث - باختصار- على ثلاثة تحدیات نقدّر أنها تمس حقیقة التدین الأصیل، وتؤثر على صورته، بل وتؤخر لحظة صیرورته دینا کونیا باستیعابه للاحتیاجات الرمزیة والمعنویة للبشریة جمعاء.

1 - التحدی الأول یتمثل فی تفشی ظاهرة التکفیر إلى واقع أمتنا، سواء من قبیل تکفیر بعض الجماعات المتطرفة لمجتمعاتها المسلمة، والتصرف اتجاهها على أساس هذا التکفیر بما یعرّضها لکل الاستباحات، أو تکفیر الغیر على أساس الاختلاف فی المذهب. ولأن نزعة التکفیر تحتاج إلى أن تشرعن نفسها من داخل الدین؛ فمن الطبیعی أن نجدها تقتات على مادة تراثیة سامة توفرها بعض کتب الملل والنحل، وعلى مصادر معرفیة صیغت بروح التعصب وبعیدا عن مقتضیات النزاهة والموضوعیة.
2- التحدی الثانی، هو فی التسیب والفوضى الذی انتهى إلیه واقع الفتوى، فقد أدى إضعاف المراکز العلمیة العتیدة کالأزهر الشریف، والقرویین وجامعة الزیتونة، واستلحاق السلطة السیاسیة للمؤسسة الدینیة فی العالم الاسلامی؛ إلى تراجع فی وظیفتها التأطیریة، وکنتیجة لذلک دخل على خط الإفتاء التیار المتشدد والمفرط فی نصوصیته، وانتهز الوضع أدعیاء الفقاهة ممن لم یتخرجوا من أیة مدرسة دینیة، لیتصدوا للفتوى ولصیاغة وعی دینی شکلانی ومشوّه.

3 - أما التحدی الثالث فهو تنامی النزعة «الجهادیة» الزائفة، والتی بقدر ما کانت کاشفة عن انسدادات فی الواقع السیاسی للأمة هنا أوهناک، بقدر ما جاءت معبّرة عن بؤس فی الوعی الدینی لدى قطاع واسع من «الجهادیین» الذین جعلوا أوطانهم مجالا لهذه الممارسة الجهادیة، فالاستبداد الذی یحتاج إلى مشروع سیاسی لمواجهته، وإلى حالة نضالیة جماهیریة ضاغطة علیه، تحوّل إلى قضیة تکفیر طال المجتمع نفسه، وانتهى إلى عنف غیر شرعی وغیر مبرر لم ینتج إلاّ الفتنة. والمعرکة التی اقتضت بناء الجبهة الداخلیة وتأهیلها للمواجهة السیاسیة والثقافیة مع قوى الهیمنة والتسلط، تحولّت إلى استهدافات عُـنفیّة، عبثیة ولا أخلاقیة لبعض مصالح هذه القوى، کان بها الضرر رهیبا على الإسلام وصورته فی العالم.
 
وتبقى الحاجة ملحة لبلورة وعی دینی أصیل فی الأمة، وتخلیصها من موروثات الانحطاط الدینی، وفتحها على صورة جدیدة لهویتها الدینیة قائمة على التعدد والتنوع والتکامل، کی تسلک عبر کل هذا إلى نهضتها المنشودة.

فی ذکرى مولدک یا رسول الله یأبون علینا الاحتفال بمولدک..تخلیدا لتلک اللحظة التاریخیة العظمى التی کانت مصداقا لأعظم الالطاف الإلهیة؛ ولادة النور الذی صنع على عین الله قبل أن یبعثه رحمة للعالمین..

نبارک للأمة عید مولد نبیها الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم
أما خوارج العصر فقد خرجوا عن إجماع الأمة جیلا بعد جیل ویصدق علیهم قوله تعالى (الَّذِینَ ضَلَّ سَعْیُهُمْ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَهُمْ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعًا).

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.