13 February 2013 - 22:49
رمز الخبر: 5923
پ
رسا/آفاق- عند التأمل فی التحویرات الکبرى التی طالت مواقف شرعیة تمیزت بها التیارات السلفیة فی موضوع السیاسة والخروج عن الحاکم، والقبول بالدیمقراطیة، لا یمکن ان نقتنع بأن ثمة تکییف شرعی أو تاصیل للمواقف والتوجهات الجدیدة قد تم بشکل علمی وانسلک فی مخاضه الطبیعی کشأن کل التحولات الفکریة والعقائدیة..عبدالرحیم التهامی
السلفیة فی مرحلة ما بعد الثورات


فی بعض تعریفات السلفیة یُنظر إلى السلفیة بإعتبارها أصولیة إسلامیة تقوم بإعادة تنشیط ماضی السلف قصد الإجابة على حاجیات وطموحات الحاضر، ویمکن أن نحدد قوامها الفکری فی قضیتین رئیستین متلازمتین: إبطال البدع والتقلید والعودة إلى جادة الدین، ومن ثم تعتبر السلفیة نفسها خطابا تجدیدیا یرید إعادة مجد الأمة المفقود بما صلح به أولها، وهو بث عقیدة التوحید کما وضعها القرآن وفهمها السلف، بحیث یکون السلفی من سلم من الشبهات فی الاعتقادات، خاصة فی مسائل الإیمان بالله وملائکته وکتبه ورسله والیوم الآخر، وکذلک فی مسائل القدر وفضائل الصحابة.
فجل ما کانت تطمح إلیه الحرکات السلفیة المعاصرة هو دور التأهیل التعبدی والشعائری ، إذ یمکن اعتبارها نزعة احتجاجیة على التطورات التی طرأت على واقع الامة ومست بحسب المنظور السلفی مستویین من المستویات الأساسیة للدین، وهی المستوى الفکری والتعبدی.

لکن حقائق ما یسمى بالربیع الإسلامی أسفر عن صعود قوى لهذه التیارات إلى واجهة الحدث، ضمن انقلاب فی الرؤى والمواقف والأحکام؛ فقد عرفت السلفیة - فی ما مضى - بأنها قوى منصرفة عن السیاسة والشأن العام، فالتیارات السلفیة باتت نشطة - على نطاق واسع - فی بلدان مثل تونس، ومصر، ولیبیا، والیمن، والمغرب . . إلخ
والمشکلة لیست فی أن هذه التیارات خرجت إلى الوجود بمعناه السیاسی؛ فهی کانت موجودة منذ زمن غیر یسیر؛ وإنما المشکلة فی أنها أعلنت انطلاقتها السیاسیة على نحو یثیر الکثیر من علامات الاستفهام حول خلفیات واسس هذا التحول ویمکن الإشارة هنا لمواقف فی الوسط السلفی الحرکی السعودی، کالشیخ سفر الحوالی الذی کان موقفه السابق من الدیمقراطیة وصفُها بأنها "کفر وشرک"، إلا أنه أبدى لغة متطورة تجاه الدیمقراطیة، وذلک فی خطابه الذی ألقاه بالنیابة عنه النائب السلفی الکویتی ولید الطبطبائی فی مؤتمر بتونس (15 دیسمبر2011)، قال فیه: "بینما معظم شعوب العالم تحولت إلى الحریة والدیمقراطیة، وحدها الدول العربیة باتت بعیدة عن ریاح الدیمقراطیة والحریة، وتحولت الجمهوریات إلى بلدان وراثیة ترث البلاد والعباد"، کما دعا بقیة الدول العربیة التی لم یزرها الربیع العربی إلى أخذ العبرة مما جرى، وأن تتصالح مع شعوبها، وأن تقوم بإصلاحات شاملة، وأن تفتح المجال لقیام أحزاب سیاسیة، ونقابات مهنیة، وأن تقیم انتخابات حرة نزیهة.

کما یمکن هنا الإشارة إلى مؤتمرین مهمَّین، للسلفیة الحرکیة (المعروفة اصطلاحاً بالسروریة نسبة للشیخ محمد سرور زین العابدین سوری) على العموم/، والخلیجیة على وجه الخصوص من تحولات ما بعد الثورات العربیة، الأول: مؤتمر "السلفیون وآفاق المستقبل" الذی عقد فی إسطنبول الترکیة فی أکتوبر 2011، أقامته مجلة البیان، والثانی: عقد فی العاصمة القطریة الدوحة فی 23 – 24 مایو 2012 لرابطة علماء المسلمین، حمل عنوان "أحکام النوازل السیاسیة"، وحضر المؤتمرین شخصیات سلفیة محسوبة على الخط الحرکی، ناهزت المائة وأربعین ، من العالمین العربی والإسلامی. فهناک قواسم مشترکة دفعت السلفیین لإقامة هذین المؤتمرین:

1- دفعت الثورات العربیة بالسلفیین إلى واجهة الأحداث، فانفتحت أمامهم السبل والمجالات بدرجة غیر مسبوقة، وقد استجاب السلفیون، وتمددت أنشطتهم إلى مسارات متنوعة، أحوجتهم إلى مزید من التأصیل، والدراسة، والبحث، لتقویم الممارسات، ورسم المسارات، وإزالة العقبات.

2- تأسیس عدد من الجماعات السلفیة أحزاباً سیاسیة فی بلدان الربیع العربی، وما یتبع ذلک من إشکالات فی ممارسة العمل السیاسی، خاصة أن تلک الأحزاب حدیثة عهد بالممارسة السیاسیة، والخشیة من کیفیة إدارة تلک العملیة، التی تتسم بتقدیم التنازلات فی الممارسة الدیمقراطیة.

3- مقارعة التحرکات والطروحات والفلسفات الإخوانیة، التی تصدرت المشهد السیاسی العربی، عبر رموزها، کأمثال الشیخ یوسف القرضاوی،والشیخ راشد الغنوشی رئیس حرکة النهضة بتونس، حیث أثارت آراؤهما تحدیداً الکثیر من الانتقادات من جانب السلفیین الحرکیین على وجه الخصوص.

4- سرعة إعطاء الرؤیة الشرعیة فی مصطلحات أضحت واقعاً على السلفیین، کالموقف من الدولة المدنیة، والخروج على ولی الأمر، وأحکام المشارکة السیاسیة للمرأة، ووسائل الاحتجاج المعاصرة، ووجوب تطبیق الشریعة، وأحکام التحالفات السیاسیة.

5- رغبة الشعوب العربیة فی النظام الدیمقراطی.

ومن بین تلک التطورات فی الخطاب السلفی قول بعض الأطیاف – ممن حضر المؤتمر- أنّ قیام الثورات الشعبیة السلمیة من أجل التغییر وإسقاط الأنظمة المستبدة أمر مشروع شرعاً ووضعاً، وأن تحول الاحتجاجات السلمیة فی بعض البلدان – کما فی حدث فی لیبیا والیمن وسوریا- إلى جهاد ومقاومة مسلحة، لا یخرجها عن المشروعیة؛ لکون بعض الحکام هنا أظهر کفراً بواحاً (القذافی، بشار الأسد)، أو من باب دفع العدو الصائل، کما حدث فی دفاع الجیش المنظم لحمایة الثورة الیمنیة.
ونذکر من التوصیات أهمها:

1- دعوة حکام المسلمین، وسائر الأمة، إلى ترسیخ تعظیم الشریعة، وتحکیمها، فی جمیع مناحی الحیاة، وتهیئة عموم الأمة للاعتصام بالکتاب والسنة.

2- التأکید على وجوب تحکیم الشریعة کاملة، وحمل الناس علیها، بما یحقق المصالح ویجمعها، ویدفع المفاسد ویقللها.

3- سیادة الشریعة فی بلاد المسلمین أصل لا خلاف فیه بین علماء الشریعة، وهو من المعلوم من الدین بالضرورة، وکل من یقضی بغیر ذلک فلیس من شرع الله.

4- ضرورة التفریق بین الحکم على الدیمقراطیة وبین المشارکة السیاسیة وفق الشروط الشرعیة، فی ظل أنظمة الحکم الدیمقراطیة، بما فی ذلک إنشاء الأحزاب السیاسیة الإسلامیة، لتحقیق المصالح ودرء المفاسد، مع ضرورة التأکید على أن الممارسة السیاسیة لیست بدیلاً عن الدعوة إلى الله وتعبید المجتمعات لله تعالى.

5- التأکید على أن التحالفات السیاسیة بین الأحزاب الإسلامیة مما یحقق اجتماع الکلمة، وأن التحالف مع غیر الإسلامیة یتوقف الحکم فیه على الموازنة بین المصالح والمفاسد، وفق الشروط الشرعیة، مع مراعاة عقیدة الولاء والبراء.

6- التأکید على منع تولی المرأة للولایات العامة، وأمَّا ما دون ذلک من المشارکة فی العمل السیاسی، فیخضع للشروط الشرعیة، والموازنة بین المصالح والمفاسد.

7- التأکید على أن منع الخروج المسلح على الحاکم المسلم الظالم لا یعنی السکوت عن نصحه، کما لا یعنی عدم الإنکار الشرعی علیه، أو موافقته على ظلمه، وطاعته فی المعصیة.

8- وسائل الاحتجاج والتعبیر السلمی المعاصرة، یدور حکمها مع الأحکام التکلیفیة الخمسة، ومرد ذلک إلى قواعد السیاسة الشرعیة، جمعاً للمصالح وتکثیرها، ودرء للمفاسد وتقلیلها.

9- ضرورة تمییز المصطلحات السیاسیة الوافدة، التی تحمل مضامین باطلة عن غیرها، مع تأکید إبقاء مصطلحات السیاسة الشرعیة، والإفادة من المصطلحات المعاصرة التی لا محظور فیها.
فقد تغیرموقف التیار السلفی فی عمومه و تطور تدریجیا بعد الثورة حیث ظهرت فی البدایة مشکلة منهجیة فیما یتعلق بمشروعیة المشارکة السیاسیة خاصة مع وجود تیار داخل السلفیة یحرم الدیمقراطیة، ثم تغیر الخطاب تماما وبدأ الحدیث عن دیمقراطیة بمرجعیة إسلامیة، ثم دیمقراطیة منزوعة العلمانیة، وأخرى مقننة تصل فی مفهومها إلى الشورى، وتلک کانت مقولات الشیخ عبد المنعم الشحات، والشیخ محمد عبد المقصود والکثیر من شیوخ السلفیة فی مصر.

فمفهوم المشارکة السیاسیة عند هذا التیار جاءت متسرعة فی شرعنتها وتبدو وکأنها تستدرک على انخراط سیاسی تم لدوافع غیر معلن عنها، أکثر مما هو تاصیل شرعی یجب ما قبله من مواقف شرعیة تحرم العمل السیاسی وتکفر بشیء اسمه الدیمقراطیة، وهکذا غدت المشارکة السیاسیة هی" الاهتمام بالشأن العام والانخراطَ فیه عبر المؤسسات السیاسیة المختلفة کالانتماء للأحزاب، کما تعنی المشارکة فی التصویت وفی النقابات المهنیة وفی النوادی والمشارکة فی جمعیاتها العمومیة التی تقرر مسیرتها واهتمامها وتوجهاتها، وتُعَد المشارکة السیاسیة فی التأصیل الشرعی السلفی هی التعبیر المعاصر عن مفهوم «الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر»؛ خاصة لو ذهبنا إلى أن ممارسة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر فی المفهوم المعاصر تتم من خلال المؤسسات ولیس عن طریق العمل الفردی.

بل إن رئیس حزب جبهة الاصلاح محمد خوجة وهو أول حزب سلفی فی تونس مصرح له قانونیا یصف جبهته بالقول: "نحن جبهة الاصلاح.. حزب سیاسی اساسه الاصلاح اعتمادا على منهج السنة والجماعة بمفهوم سلف الامة الصالح.. اقتنعنا بالدخول فی عالم السیاسة لاننا نعتقد ان السیاسة من بین المهام الموکلة للمسلمین وانها من بین العبادات"، بل وینتقض الموقف الشرعی للسلفیة فیما مضى بقوله:"هناک بعض التیارات الدینیة التی تقول بان السیاسة نجسة ولا تتفق مع الدین.. ونحن نقول هذا لیس صحیحا ولانتفق معهم ونقول إن الاسلام دین حریة ودیمقراطیة".

وعند التأمل فی هذه التحویرات الکبرى التی طالت مواقف شرعیة تمیزت بها التیارات السلفیة فی موضوع السیاسة والخروج عن الحاکم، والقبول بالدیمقراطیة وما تجسده من ارادة جماهیریة فی التقریر والحکم، لا یمکن ان نقتنع بأن ثمة تکییف شرعی أو تاصیل للمواقف والتوجهات الجدیدة قد تم بشکل علمی وانسلک فی مخاضه الطبیعی کشأن کل التحولات الفکریة والعقائدیة..لذلک نرى أن هذه التیارات اقحمت على الأوضاع المستجدة استجابة لحسابات سیاسیة واستراتجیة تتجاوزها، لیس بقصد الصراع على السلطة، لأن ذلک مرتبط ببرامج ورؤى تعجز عنها السلفیة بطبیعة فقرها الفکری والسیاسی، بل لعل الهدف هو تلغیم المشهد السیاسی لمرحلة ما بعد الثورات فی العالم العربی بنمط خطیر من التناقضات الحادة تنتقل بالاجتماع العربی من الاستقطاب السیاسی حول شؤون خلافیة إلى استقطاب دینی، یبنی على الإختلاف السیاسی أحکام الردة والکفر واستباحة الآخر.. لصیرورته عاملاً من عوامل تمزیق أواصرها ووشائجها وبالتالی فتح الاوضاع على المجهول، وهذا هو السیناریو الذی نراه الآن فی المشهدین المصری والتونسی.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.