12 July 2013 - 23:36
رمز الخبر: 6408
پ
فی حوار مع مدیر المؤسسة الفقهیة للإدارة الإسلامیة:
رسا/ حوارات ـ مدیر المؤسسة الفقهیة للإدارة الإسلامیة من الباحثین المعتقدین بأن أکبر زلل هو نسبة علم الإدارة إلى الغرب، واقترح أن یستفاد مصطلح الإدارة الأکادیمیة والإدارة المتداول والإدارة الکلاسیکیة بدلاً من الإدارة الغربیة.
أکبر زلل: أن یعزى علم الإدارة إلى الغرب
عن مراسل وکالة رسا للأنباء:  حجة الإسلام السید صمصام الدین قوامی مدیر للمؤسسة الفقهیة للإدارة الإسلامیة، حاصل على امتیاز لإصدار مجلتین: فصلیة «نخل شهداد» المتخصصة فی الإدارة الإسلامیة، وشهریة «زیره کرمان»، ومدیر مسؤول لهما. أسس الجمعیة العلمیة للإدارة الإسلامیة سنة 2010م ، وهو حالیاً أحد أعضاء المجلس التأسیسی للمجمع العام لها.
هذا الباحث والمدرّس الحوزوی من المعتقدین بأن أکبر زلل هو أن نعزو علم الإدارة إلى الغرب، واقترح إبدال مصطلح الإدارة الغربیة بمصطلح الإدارة الأکادیمیة والإدارة المتداول والإدارة الکلاسیکیة، کما یعتقد بأن اختلاف الرؤیة بین الإسلام وغیره نهجان مفترقان فی مجال الإدارة، وأنه لایوجد تعریف خاص بالإدارة الإسلامیة بمعزل عن التعریف الاصطلاحی المتعارف، والمجتهدون هم وحدهم  القادرون على اکتشاف النموذج الإداری للدین الإسلامی .
حوارنا معه تضمن الأسئلة والأجوبة الآتیة :
رساـ بدءاً نشکرکم على هذا الوقت الذی خصصتموه بوکالة رسا للأنباء، ونشرع بتعریفکم للإدارة، وأی تعالیم یسعى فرع الإدارة الإسلامیة لبیانها؟
الإدارة ـ فی الحقیقة ـ علم یوظف القوى العاملة والموارد المادیة والمالیة یحدوها تخطیط وتنظیم وإشراف من أجل تحقیق أهداف المؤسسة، والإدارة هی فن التوظیف، أی وضع القدرات تحت تصرف شخص معین ومطالبته باعتمادها لتحقیق أهداف منظمة أو دائرة معینة .
لیس للإدارة الإسلامیة تعریف مستقل عن التعاریف المصطلحة، ولکن عندما تضاف إلیها لاحقة (الإسلامیة) فیعنی ما یشتمل علیه الإسلام من مفاهیم وتوصیات عنها. یقول الإمام الصادق (علیه السلام) بأنه کیف یستفاد من الإمکانیات المادیة والمالیة والإنسانیة فی النظم والتدبیر. فالإسلام لایغیر التعریف بهذا النحو، خلافاً لتصور بعض الاشخاص الذین یظنون بضرورة أن نقدم تعریفاً خاصاً بالإدارة الإسلامیة .
وعندما یقول العلماء الغربیون بکیفیة الاستفادة والتنظیم والإشراف، ونظیر قولهم یصدر عن القرآن والمعصوم والفقهاء، فهذا یعنی أن الجمیع متفقون على رأی واحد، والاختلاف هو فی النظرة إلى الإدارة بین الإسلام وغیره حیث تمثل نهجین لهذا التعریف، لا أنه تعریفان فی منهجین مختلفین، ولو تغیر التعریف فسیمحى علم الإدارة .
 
رساـ هل تعنی أن الإسلام لم یقدم تعریفاً مستقلاً عن التعاریف المصطلحة للإدارة ؟            
لایمکن أن نقول أبداً  بأن هذا هو تعریف الإسلام للإدارة. وهو مثل سؤلنا: ماهو تعریف الإسلام للمدینة التی هی ترکیبة حضاریة من مؤسسات الحضارة والتعلیم والقانون و... فالإسلام لم یعرض تعریفاً خاصاً بها، ولکن لو قیل: أی مدینة یقترحها الإسلام؟ فنقول: المدینة الفاضلة. وهذا شیء منفصل عن التعریف؛ وبناء علیه فتعریف الإدارة واحد فی کل المدارس، ولکن نقول بأن الإدارة تتطلب أعمالاً معینة من منظار الدین الإسلامی والقرآن والمعصومین والفقهاء والصالحین .
 
رساـ هل لدى الإسلام مایکفی من الآراء لیقدمها فی موضوع الإدارة ؟  
الإدارة قوام الإسلام؛ لأنه إنما قدم لیخرج الإنسان من الجاهلیة إلى الحضارة ومنها إلى الجنة، فیدیر دنیاه وآخرته معاً. والله سبحانه مدیر أصلاً، فهو خالق أولاً، ثم لم یتخلّ عن العالم بعد خلقه ویتولى إدارته. فعندما خلقه فهو خالق، وعندما یدیره فهو ربّ، والربّ رمز لإدارة الله تعالى .
وأنبیاء الله هم مدیرون أولاً وبالذات, فأحیاناً یصبحون مدیرین سیاسیین کرسول الله (صلى الله علیه وآله)، والنبی یوسف وموسى وسلیمان وداود (علیهم السلام)، وأحیاناً مدیرین ثقافیین کالنبی عیسى (علیه السلام)؛ لأن الحکم لم یکن بیده، ولا یقال: إنه لیس مدیراً، فالحواریون تولوا إدارة المجتمع المسیحی .
الإدارة وبخاصة بعد الرسول (صلى الله علیه وآله) لیست سوى إدارة الإسلام، فالله تعالى وخلیفته والصالحون بعد المعصومین مدیرون، وکذلک طالوت وذو القرنین وسلمان ومالک الأشتر وغیرهم ممن ذکرهم القرآن والتاریخ. فالإدارة بنیة الإسلام وقوامه، وما جاء إلا لیدیر شؤون البشر .
قال الإمام الخمینی (رحمه الله) بأن الفقه هو الرمز العملی للإسلام وإدارته من المهد إلى اللحد. فالإدارة تبدأ منذ الولادة بالرضاعة والرعایة حتى التسمیة والتعلیم والتربیة والتزکیة، ومن ثم الموت وتستمر إلى التکفین والدفن. وهنا ملاحظة بالغة الأهمیة وهی أن للدین الإسلامی نموذجه الإداری الخاص به, وینبغی إزاحة الستار عنه .
الکشف عن النموذج الإداری للدین مهمة المجتهدین، وعلى الآخرین مساعدتهم؛ لأنهم لایتمکنون بمفردهم، ویجب نقل علم الإدارة إلیهم، وعلى الحکومة أیضاً إحالة الاحتیاجات والأسئلة الإداریة إلى المجتهدین؛ لکی یتوصلوا إلى اکتشاف النموذج الإداری الإسلامی المنشود اعتماداً على ذلک العلم ووفقاً للاحتیاجات المذکورة .
إذن للإسلام إدارته, والکاشف عنها المجتهدون؛ لأن الاجتهاد ببیانه لأحکام الله وآراء المعصومین (علیهم السلام) إنما ینبع من قلب جوهره القرآن والحدیث والسنة. وللإسلام مجوهرات إداریة، ومحاولة الکشف عنها لیست عبثاً وإن لم تتم بنحو کامل حتى الوقت الحالی، وإلا فهذا الفقه نتاج الحوزات العلمیة خلال ألف سنة أدار المجتمع طیلة تلک الأعوام ومایزال یدیره .
 
رساـ کیف تتسنى إدارة هذا العالم المؤلف من سبعة ملیارد نسمة استناداً إلى النموذج الإداری الإسلامی المکتشف ؟
نحن نستقصی النظام الأحسن، وهذا النظام الحالی: ولایة الفقیه نظام حسن من منظار سیاسی، فأی إشکالیة فی أن نستخرج النموذج الإسلامی المقترح من تحت رکام الوثائق، وندیر المجتمع العالمی ذا السبعة ملیارد نسمة ؟
فسکان العالم إذا لم تتم إدارتهم سیتجهون نحو الجحیم، وإذا تولتها الدول الاستکباریة فستقودهم إلى الشقاء. والحل هو تشکیل جبهة مشترکة بین مجموعة قوامها کبار الخبراء من الفقهاء وعلماء الإدارة بإسناد المدیرین التنفیذیین للکشف عن نظریة الإسلام الإداریة وعرضها على الجمیع .
الإدارة الإسلامیة کنز خفی، موجود ومخفی، أثبتنا وجوده وقلنا: الهدایة من طبائع الإنسان، وهی من واجبات المدیر؛ ومخفی لأنه لم تطرح أسئلة إداریة بالمعنى الخاص لتخرجه من وراء الحجب إلى النور .
 
رساـ إلى أی مدى ترى ضرورة الاستفادة من المصادر الغربیة فی نقل علم الإدارة إلى المجتهدین والتوصل إلى الإدارة الإسلامیة ؟    
بدءاً أقول: إننی على خلاف مع (الإدارة الغربیة). وسوف أستفید مصطلح الإدارة المتداول فی هذا المجال، ولا ینبغی ذکر کلمة علم؛ لأننا لو نقول بأن إدارتنا لیست علماً، ولو قلنا: غربی، فسیعزى کل شیء إلى الغربیین فی حین أنهم توصلوا إلى الإدارة حدیثاً قبل مئتین عام، وإدارة فرعون أقوى بکثیر من إدارة أوباما .
الإدارة لاتنحصر بمؤسسة واحدة فتشمل الأسرة والتاریخ والمستقبل وکل شیء. ولاتتم إدارة المستقبل فی منظمة أو مؤسسة بالضرورة فیمکن أن تنجز من دون وجود إنسان. فالإدارة تتخطى حدود المؤسسة، غایته أن ما أعددناه من فهارس وما خططنا له من برامج لو کان ثراً فسیکفی المستقبل وتدبیر أموره. وعندما نقول: علم الإدارة فهی کلمة محایدة؛ وعلیه لاأرى من الصواب استخدام عبارة علم غربی، طبیعی من الممکن أن یکونوا قد تجمعوا فی عصر معین، ولکن الآن لدینا عالم فی الإدارة الأمیرکیة والانکلیزیة والمالیزیة وغیرها .
أحد الأخطاء الکبیرة أن نعزوا العلوم إلى الغرب، ویجب نسبتها إلى الإنسان، ولکنها دارت حتى وصلت إلى محطة الغرب، ولعلها ستصل فی محطتها التالیة إلى الصین. لقد تمکن الغربیون من تغلیب ثقافتهم، فالإدارة الأکادیمیة مصطلح جمیل، ولکن منذ متى أصبحت أکادیمیة وتبدلت إلى تخصص أو إلى هذا التخصص؟ لنا أن نقول: إن فریدریک وینسلو تایلور الذی ولد فی ولایة بنسیلفانیا الأمیرکیة سنة 1845م کان مهندساً میکانیکیاً ولیس مدیراً، بید أنه سعى إلى تحسین الکفاءة الصناعیة، فطرح آراء تحولت شیئاً فشیئاً إلى أصول للإدارة العملیة .
الإدارة الأکادیمیة والإدارة المتداولة والإدارة التقلیدیة مصطلحات جیدة، ولکن باستخدام لفظة (الغربیة) سنتعرض إلى مشکلة وعداء للإدارة؛ لأننا أعداء للغرب ونحسب أن جمیع الإداریین ملحدین، وهم لیسوا کذلک، فبعضهم من الملتزمین بالعبادات، وعلیه تجب الاستفادة من ألفاظ أخرى بدلاً من لفظة (الغربیة) .
المصطلحات المطروحة تمثل ضرباً من التطور والتصحیح والتنظیم للعلم الکلاسیکی. کنت أطالع کتاب ستیفن رابینز فی أسس السلوک الإداری بترجمة أبو القاسم کبیری، لم یستطع المؤلف أن یطرح فصله الأخیر فی الثقافة الإداریة کمحور مستقل ، وهذا یبین أن الإدارة فی المصطلح الغربی غیر مجدیة .
 
رساـ ماهی مصادر الإدارة الإسلامیة ؟      
ضم کتاب فقه الإدارة فصلاً للتعریف بالمصادر، وهی مصادر الاجتهاد ذاتها: القرآن والسنة والإجماع والعقل، وأضیفت إلیها سیرة العقلاء، مثل سیرتهم فی الصین والیابان؛ وسیرة المتشرعة کالفقهاء والمجتهدین ممن تولى مسؤولیة إداریة، کالشیخ البهائی والشیخ النائینی. والسیرة النظریة والعملیة التی تعد جزءاً من السنة هی مصادر الفقه، وقد استخرجت منها حتى الآن علوم أخرى، ونحن نرید أن نستخرج علم الإدارة، على أن المصادر تتسع لأن یستخرج منها علم الاجتماع والعلوم الإنسانیة أیضاً .
 
رساـ نشرتم کتاب «فقه ‌الإدارة» حدیثاً، تفضلوا بالحدیث عن هذا الکتاب، وعن علاقة فقه الإدارة بالإدارة الإسلامیة .      
إن شرح الثورة الإسلامیة وتطویرها للوصول إلى الحضارة الإسلامیة یتطلب علوماً تستند إلى المصادر الإلهیة، وإذا أرادت الحوزات العلمیة والجامعات أن یکون لها دور مؤثر فی توسیع الرقعة العالمیة للعلوم على الصعید التاریخی والآفاق التطوریة، فعلیها أولاً تأسیس علم یرتکن إلى المصادر الدینیة، ومن ثم بیانه ونشره والعمل به .
الإدارة من أهم العلوم وأکثرها ضروریة بصفته علماً تطبیقیاً مفیداً ومؤثراً فی المجال الاجتماعی، وذا موضوع تنظیمی ؛ ومن هنا وکعلم له حضور فی جمیع الشؤون الاجتماعیة للإنسان بحاجة إلى عملیة أسلمة له .
الکتاب المشار إلیه فی أول عدده یتولى تعریف فقه الإدارة وماهیته وبحوثه العامة ، وهو نتاج قسم من محاضراتی للبحث الخارج فی فقه الإدارة سنة (2006م)، دوّن فی إطار مشروع للبحث فی قسم الإدارة بمرکز الدراسات الحوزویة والجامعیة، واعتبر کتاباً دراسیاً مساعداً لطلبة الدکتوراه فی قسمی العلوم السیاسیة والإدارة .
أما العلاقة بین فقه الإدارة والإدارة الإسلامیة فتجرنا إلى الحدیث المهم الآتی: حاز بحث الإدارة الإسلامیة موقعاً فی جدول أعمال کثیر من الشخصیات الحقیقیة والاعتباریة ممن له اهتمام به طوال زمن الثورة الإسلامیة ومدة بعدها، واشتمل بنحو أساسی على مناهج قیمیة وأخلاقیة وفلسفیة، إلا أن انجازات تلک الجهود الوفیرة والثمینة لم تنل رضا المتطلعین إلیها، ولم تقنع المؤسسة الحوزویة والجامعیة والجهات التنفیذیة. وفی الحقیقة ما تم تولیده لم یتمکن من تعریف الإدارة الإسلامیة، ولم یحتل مکان الإدارة الغربیة، بل لم یقیّم على أنه أکثر جدوى منها.
فقه الإدارة یحث الخطى لتولید علم الإدارة الإسلامیة؛ ولأن الفقه معرّف للبعد التطبیقی للعلوم الإسلامیة، ویستفید من بقیة المعارف، ویتوافق أکثر مع الإدارة کعلم تطبیقی، نأمل منه أن یقدم عوناً أکبر للکشف عن الإدارة الإسلامیة، ویفسح سبیلاً أکثر آمناً للوصول إلى هذه الغایة المهمة .
جدیر بالإشارة إلى أن جهوداً جدیدة فی هذه الجبهة تأخذ طریقها إلى حیز التنفیذ، فتأسیس فرع الإدارة الإسلامیة على مستوى الماجستیر بل الدکتوراه خطوة مبارکة تتقدم فی مسیرتها بمعزل عن فقه الإدارة، ولکن یمکن استثمار مساهمتها لتتضافر جهود الجمیع على الصعید الحوزی والجامعی لکی تؤسس نظاماً إداریاً إسلامیاً، النظام الذی غدا فی الآونة الأخیرة طلباً لسماحة قائد الثورة الإسلامیة حیث أهاب بالمجتمع العلمی فی البلد لتحقیقه .
وعلى کل حال منهج فقه الإدارة لیس مانعاً ولا ناقداً لسائر المناهج الإسلامیة للبحث فی الإدارة، بل هو جهاد علمی مقدس إلى جانب المجاهدات الأخرى فی هذا الحقل، وبالتأکید ستتلاحم الجهود مع بعضها، ومن ثم سیفید النظام الإسلامی من الإدارة الإسلامیة .
 
رساـ نرجو مزیداً من التوضیح لفلسفة إنشاء المؤسسة الفقهیة للإدارة الإسلامیة، وکیف انقدحت فی ذهنکم فکرة إیجاد مؤسسة کهذه ؟                 
للمؤسسة الفقهیة للإدارة الإسلامیة جذور فی حرکة الإدارة الإسلامیة التی شرعت منذ سنوات عدیدة. أما کیف تبادر إلى ذهنی إیجاد مثل هذه المؤسسة فیجب أن أقول: إننی من خریجی الإدارة الصناعیة قبل الثورة، ودخلت أجواءها بهذا التخصص، فانضممت إلى الحوزة العلمیة وواصلت دراستی إلى أعلى مراحلها، وسعیت فی أثناء الدراسة إلى اکتساب القدرة على استنباط الأحکام الإسلامیة فیما یتعلق بالقضایا الإداریة .
وإلى جانب التحصیل العلمی الحوزی جربت الإدارة العملیة بأقسام مختلفة، وفی مواصلة مسیرتی وبعد الدراسة الأکادیمیة للإدارة والدراسة الحوزیة أصدرت فصلیة «نخل شهداد»التخصصیة فی الإدارة الإسلامیة بدافع من تلک الفکرة التی شغلتنی، ولاکتساب تجربة عملیة فی المجال الإداری، وبعد تحصیلها شرعت بتألیف کتاب «الإدارة من منظار الکتاب والسنة»الذی استغرق تسعة أعوام، وحاز عنوان أفضل دراسة دینیة .
بعد دراسة الإدارة الإسلامیة، ومجلة «نخل شهداد»، وکتاب «الإدارة من منظار الکتاب والسنة»، تولیت إدارة مدرسة المعصومیة لمدة أربعة أعوام، وهناک توفرت فرصة لتدریس الإدارة الإسلامیة، وتعرفت بأشخاص بعضهم الآن أعضاء فی المؤسسة الفقهیة للإدارة الإسلامیة .
فی آخر السنة الدراسیة ونهایة عملی کمدیر فی مدرسة المعصومیة، اقترح بعض الزملاء تشکیل مؤسسة یدرّس فیها فقه الإدارة بترکیز، وقد تعهدت هذه الفکرة فی ذهنی منذ سنة 1971م تقریباً، فوافقت على الأمر، وبعد عدة اجتماعات لاختیار عنوان لهذه المؤسسة توصلنا إلى اسم « المؤسسة الفقهیة للإدارة الإسلامیة» .
فی السنة الأولى لتدریس فقه الإدارة طرحنا بحوثاً عن التعریف بالفقه المذکور وماهیته وضرورته ومنهجیته وأولیات موضوعاته. فی السنة الثانیة تناولنا بحوث الإدارة للقوى العاملة ورکزنا جهودنا على مبحث الانتقاء والاختیار، ومع شروع السنة الدراسیة والإعلان عن وجود المؤسسة الفقهیة للإدارة الإسلامیة تم الاعتراف بها کمرکز علمی ودائرة منظمة. السنة الثالثة لتدریس فقه الإدارة (2009ـ2010م) شهدت تطوراً تصاعدیاً وانتقالیاً للمؤسسة فی منظومتها الفکریة وإمکانیاتها المادیة، حیث کان لها تقدم مُرضی .
فی هذه السنة أیضاً نظم ودوّن البرنامج الأساسی والقانون الداخلی للمؤسسة الفقهیة للإدارة الإسلامیة،  وتمت المصادقة علیه، حیث أعد نظام التعلیم والبحث العلمی والإدارة والمالیة والمراسلات بنحو بدیع مطابق للعلوم الإلهیة والإسلامیة، وطرحت الوحدات الدراسیة للدورة الاجتهادیة ودورة الإدارة ذات الستة أعوام ـ إلى مرحلة الدکتوراه فی الإدارة العملیة ـ بنحو أصلی تماماً .
نقطة مهمة تجدر الإشارة إلیها هی أن هذه المؤسسة حدیثة النشأة، ومن الطبیعی أن یکون لها کمثیلاتها تساقط وإنبات، فیتساقط الاشخاص الذین یظنون أن أهداف المؤسسة بعیدة المنال ولا یستطیعون الانسجام معها، وفی مقابلهم أشخاص یفکرون على العکس فینسجمون أکثر مع المؤسسة .
للمؤسسة الفقهیة للإدارة نشاطات رسمیة متعددة، منها: مجلتان رسمیتان حاصلتان على تصریح بالنشر من وزارة الثقافة والإرشاد، إحداهما فصلیة تخصصیة للإدارة فی الإسلام باسم «نخل شهداد»، والأخرى شهریة باسم «زیره کرمان» .
وقد خططنا لدروس خارج فقه وأصول الإدارة فی المؤسسة، ولدورة الإدارة العلمیة إلى مستوى الدکتوراه، وللدورة الاجتهادیة المهمة جداً بأن یمنح کل منها رواتب شهریة مختلفة ومتوازنة وفقاً لنظام المؤسسة فی تقسیم المخصصات .
هذه المؤسسة  تتقدم فی مدارج التطور والازدهار، وعلقت علیها آمال کثیرة، ویتطلع إلیها من أعلى منصب فی الحکم إلى الأوساط الجامعیة والعسکریة والحکومیة والأهلیة، ویعتبرون هذا المکان جذاباً وعذباً جداً؛ لأنه المکان الوحید الذی یجیب عن الإشکالیات الإداریة بمنهج فقهی هو المنهج الصحیح فی تولید علم الإدارة الإسلامیة، وهو فرید من نوعه تماماً من هذا المنظار .
 
رساـ ماهی المثل والأهداف الأصلیة للمؤسسة الفقهیة للإدارة الإسلامیة، وکم شخصاً أعدّت فی هذا المجال حتى الوقت الحاضر؟      
الأهداف الأصلیة للمؤسسة والمذکورة فی البرنامج الأساسی هی تحقیق الإدارة الإسلامیة فی العالم، مع تولید علم الإدارة الإسلامیة، وتقویة المجتهدین المنظّرین فی مجال الإدارة المشار إلیها، وإعداد أساتذة ومدیرین ومروّجین وباحثین .
ولأن إعداد المنظّرین هو هدف المؤسسة فلا معنى للزمان والعدد هنا، فنحن لانعد مدیراً لدائرة أو وزارة، بل منظّرین وکوادر لتولید علم الإدارة، فمثلاً عندما ترید جامعة إصفهان إنشاء فرع الإدارة الإسلامیة، فستبحث فی کیفیة تعلیمه .
المنظّرون فی الغرب کادر ذهبی، والتقنیون کادر فضی، أما فی إیران فمع الأسف على العکس! إذن لایمکن القول: کم عدد المتخصصین الذین أعددناهم؛ لأن إعداد منظّر یعنی إعداد مجتهد، والمنظّر لاینسجم مع العدد الکثیر .
المنظّر یعادل مابعد الدکتوراه، ومن هنا إذا أصبح عدد الأشخاص الذین یعملون فی المؤسسة ثلاثین شخصاً فهذا ممیّز؛ لأنهم مدیرون أیضاً من دون هذا العلم، فالمنظّرون یمکنهم تولید العلم وتألیف الکتب والتدریس، وهم رصیدنا فی میدان الإدارة .
 
رساـ أی مجموعة تدیر المؤسسة الفقهیة للإدارة الإسلامیة، وماهی أهدافها وخصائصها، وماذا أنجزت من نشاطات فی سبیل الوصول إلى تلک الأهداف، وماهی نتائج هذه النشاطات ؟ 
تدار المؤسسة من قبل أعضائها، وهی تستند على هذه الکوادر، فبعد قبول الأشخاص فیها والکشف عن استعداداتهم ینضمون إلى نسیجها وهیکلها الإداریین، وکل عام یتغیر طاقمها الإداری والتنفیذی. والمیزة لهذه السیاسة العملیة هی أن جمیع أعضاء المؤسسة یتعلمون الإدارة ویصبحون مدیرین، ولا یتخصصون فقط بالبحوث والنواحی العلمیة، وبهذه السیاسة یتم تحقیق أحد أهداف المؤسسة وهو إعداد المدیرین .
تسیر الإدارة فی المؤسسة وفقاً لقوانین الإدارة الإسلامیة التی أوجدتها المؤسسة نفسها؛ لذلک نحن لانتخذ أنموذجاً من مکان خارجی، بل نقدم نموذجاً إداریاً. وبعبارة أخرى: إننا نجرب منهجاً إداریاً حدیثاً فی المؤسسة. وبعدها نصوغ ونقدم هذه الخبرة التجریبیة المرتکنة إلى المبادئ العامة للإدارة الإسلامیة والرحمانیة والرشیدة .
فنحن نقدم نموذجاً فی أنظمة: الدفع، والقبول، وإیجاد الدوافع، والبحث، والإدارة، وتنظیم العمل، والإشراف، والثقافة الإداریة، وهذه من خصائص المؤسسة. وأول خطوة للوصول إلى هذه الخصائص هی تدوین بنیة موضوعیة وفقاً لعلم الإدارة .
یقول بعضهم: علیکم بکتابة الفقه غیر الإداری، فی حین أنه یمکن استخراج فقه الإدارة من فهرسها، نظیر قولنا: الطب الإسلامی، حیث إنه لا یصح إذا لم تکن لفهرسنا علاقة بالطب؛ وبناء علیه فأول خطوة تحمل سمة من الإدارة هو إعداد فهرسها .
البنیة الثانیة وهی بنیة المسائل؛ حیث تجمع وترتب موضوعیاً کل أسئلة الإنسان عن الإدارة، ثم تنظم على أساس المواضیع کل مجموعة أسئلة انتقت جانباً إداریاً، فیتعین الإطار الأصلی للموضوعات، وتسلسل الأسئلة من رقم واحد إلى الخمسة آلاف، وترتب وفقاً للبنیة الموضوعیة. وهکذا یتشکل هذا المنهج لعلم الإدارة مع ابتکار فی التصنیف .
والأسئلة توجه إلى مجموعتین، فأحیاناً یجیب عنها علماء الإدارة، وأحیاناً الفقهاء کمؤلف جواهر الکلام وغیره، ومرة یجیب عنها الإمام الصادق (علیه السلام) وهی أجوبتنا الذهبیة .
والسبب فی عدم اکتمال کتاب فقه الإدارة إلى الوقت الحاضر هو أنه لم یطرح سؤال عن هذا المنهج، فلم یوجد أحد لیسأل الإمام (علیه السلام) ـ عن کیفیة تکوین الدوافع، أو کیفیة اختیار المدیرمثلا ـ على نحو الأسئلة الأخرى؛ لکی نفهم أجوبة الأسئلة الإداریة .
المرحلة الثالثة نظام الأجوبة، فقد تعلمنا فی کل منهج علمی أن نحتفظ بآراء کبار علمائه، فقول آیة الله البروجردی أو الإمام الخمینی بصفتهما مجتهدین لیس حجة، بل الحجة هی قول المعصوم، والاجتهاد سبیل وأسلوب متفرّد للکشف عن جواب المعصوم، فطالب العلوم الدینیة یتعرّف مقدمات الاجتهاد بعد الدرس والبحث فی عشرة أعوام من دخوله الحوزة، وعشرة أخرى یحتاجها لکی یتمرّن، وبعد عقدین من الزمان یبدأ حدیثاً بتعلم کیفیة الوصول إلى قول المعصوم .
ویتعلم المجتهد فی فقه الإدارة کیف یصل إلى النظریة الإداریة للإسلام، ونتائح ذلک تألیف الکتب والموسوعات الإداریة؛ وبناء علیه یمکن لنتاج المؤسسة الفقهیة للإدارة الإسلامیة أن یکون العلاج المبرئ لکل هذا التحلل والاستبداد فی العالم، وأن یضفی انسجاماً أکثر على النظام الإسلامی، ویزید من تطوره وتوسیع نطاقه .   
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.