
ما شهدته مصر فی الأسبوعین الأخیرین یمکن وصفه بالزلزال الکبیر الذی لا زالت ارتداداته تهز المنطقة وخارطة أحلام الکثیر من الإسلامیین، واللافت أن الحدث وطریقة التفاعل معه فی الوسط الإسلامی الحرکی یکرس لتلک الحقیقة الکبرى التی تمیز "الإخوان" وهی غیاب حاسة النقد وتعطل ما یسمى بالنقد الذاتی.
لذلک وباستطلاع مختلف الآراء والتحالیل والمواقف التی صدرت عن الإسلامیین على امتداد جغرافیة العالم الإسلامی نجدها مطبوعة بالاختزال وخالیة من أی تعبیر عن التأمل، فما حصل لیس إلا انقلابا على الشرعیة وضربا للمشروع الإسلامی خططت له أمریکا ونفذته القوى العلمانیة والیساریة المعادیة لکل ما هو إسلامی!
أما لماذا ثارت کل تلک الملایین فی یوم 30 یونیو؛ والتی بحسب تقدیرات محایدة قد فاقت 32 ملیون مواطن ومواطنة من کل الأعمار ومن کل شرائح المجتمع المصری؛ فإن ذلک تجاهله الجمیع، وحتى القلة التی أقرت بالتحرک فقد نسبت قاعدتها الصلبة إلى فلول النظام السابق!
لم یسأل احدهم نفسه ماذا قدم الإخوان فی سنة من (المشروع الإسلامی)، نعم قد یکون السؤال صعبا لأنه لا أحد یمکن أن یتوقع إنجازات کبرى فی مدى سنة وفی ظل ترکة ثقیلة لنظام المخلوع المسمى قید حکمه ب"حسنی مبارک"، لکن سنة أیضا؛ هی مهلة کافیة للکشف عن التوجهات وعن القرارات الأساسیة التی توضح فلسفة الحکم ونمطه، کما أن سنة یمکن أن تتسع لبعض القرارات الثوریة سواء على الصعید الداخلی أو الخارجی بما یعزز الشرعیة الثوریة طالما أننا نتحدث عن حکومة جاءت فی سیاق ثورة عظیمة هی ثورة 25 ینایر.
قبل کل شیء یجب أن لا ننسى أن الإخوان لم یکونوا طلیعة فی الثورة ولم یکن لهم نصیب فی کل الحراک الثوری الذی سبق بأعوام الثورة الکبرى، بل کانوا تیار المساومة مع نظام مبارک فی حین کان غیرهم فی مواقع النضال من قبیل "حرکة کفایة"..هم لم یثقوا فی أی حراک ثوری ولم یؤمنوا به أبدا، بل کانوا یؤثرون السلامة ویهادنون طمعا فی أن یکون لهم تمثیل غیر مباشر فی مجلس الشعب وهذا ما أتاحه لهم بالفعل النظام البائد، وحین قامت قیامة الجماهیر فی 25 ینایر 2011 غاب عنها الإخوان فی أول الأمر حتى بادر شباب الإخوان بالإلتحاق بالثورة ومن غیر قرار رسمی.
وحتى عندما تنحى المخلوع "مبارک" لم یتخلى الإخوان عن نهجهم البراغماتی ففاوضوا المجلس العسکری سرا وعقدوا معه الصفقات، وفی هذه اللحظة نشطت قنوات اتصالهم بالأمریکان فتخلوا عن تعهدهم بعدم الترشح للانتخابات الرئاسیة بعد الظفر الذی حققوه فی انتخابات مجلس الشعب(برلمان)، وقصة الانتخابات نعرفها جمیعا حین انحسر السباق الانتخابی فی دورته الثانیة بین الدکتور محمد مرسی وبین أحمد شفیق الموسوم بأنه من فلول النظام السابق، فکان أن ترجحت الکفة لصالح مرسی من باب قطع الطریق على عودة النظام السابق من نافذة الشرعیة الانتخابیة.
لکن مجیء مرسی لسدة الرئاسة کان مخیبا لآمال المصریین فقد ضرب الرئیس بکل أهداف الثورة عرض الجدار، واستخف بالتحول الکبیر فی وعی المجتمع المصری مع ثورة 25 ینایر، وعمل على الاستئثار بالسلطة وقطع جسور التواصل مع القوى الثوریة والأحزاب التی شارکت فی الثورة.
لم یعد مرسی یعتبر نفسه مؤتمنا على تحقیق أهداف الثورة، وهو الغریب عنها تکوینا وسیاقا، خاصة وأنه فهم ومن خلال تفاهات الجماعة مع الإدارة الأمریکیة أن الإخوان فی مصر هم جزء من رؤیة أمریکیة لحکم المنطقة فی أفق تشکیل المحور السنی لمواجهة إیران وحزب الله. وهذا ما ترجم بالدعم الکبیر الذی قدمه الرئیس الامریکی أوباما شخصیا لجماعة الإخوان المسلمین خاصة وهو یکتشف فی الإخوان الطرف الأمین والمحامی الدینی عن المصالح الامریکیة فی المنطقة، والطرف المتلزم بمسؤولیة غیر مسبوقة فی کل ما یتعلق بأمن (إسرائیل). بل أن قادة الکیان ذهلوا کیف أن مرسی تحول فی وقت قیاسی إلى کنز استراتجی یفوق فی قیمته ما مثله المخلوع مبارک (خطاب سطاد القاهرة قیل أسبوعین من تنحیته أکبر دلیل على ذلک)!
وعلى هذا الأساس فقد اهتم مرسی فی سنته الأولى بخدمة المشروع الامریکی والصهیونی فدور مرسی وجناعته فی سحب "حماس" من محور المقاومة واضح وجلی، کما أن مرسی لعب دورا فی تثبیت هدنة مشبوهة مع العدو الصهیونی عقب معرکة غزة بمواصفات إسرائیلیة صرفة.کما تجاوز مرسی کل القواعد والأصول وأعلن عن قطع العلاقات مع سوریا فی خطاب حماسی وفتح باب الجهاد فی سوریا، وأراد توریط الجیش المصری فی معرکة لا تلزمه فی شیء وضد طبیعته القومیة.. واستفاد "الإخوان" من هذا الدور الذی تدرک الجماعة خطورته، فتوسعت فی مشروع "الأخونة"، ای بالعمل على السیطرة على السلطة والتغلغل فی مفاصلها الحیویة وفق أداء یؤشر إلى أن الجماعة لم تکن لتفرط فی السلطة بعد انتهاء المدة الدستوریة لحکم مرسی، کما امتدت بکل امکانتها الإعلامیة والخدماتیة لتربط المجتمع بمشروعها وفکرها.
وما یفضح هذا الدور الأمریکی الخطیر الذی تورط فیه الإخوان هو ما قام به عصام الحداد مستشار الرئیس للعلاقات الخارجیة و التعاون الدولی، من اتصالات تلیفونیة دولیة، مع عدد من الدول الغربیة منها الولایات المتحدة الامریکیة، لمطالبتهم بإرسال قوات اجنبیة لمصر لحمایة شرعیة محمد مرسى من الانقلاب العسکری الذى تقوم به القوات المسلحة، کما أن السفیرة الأمریکیة فی القاهرة، آن باترسون، دافعت عن الرئیس محمد مرسی قبیل ثورة 30 یونیو معتبرة أن مرسی یختلف عن سلفه حسنی مبارک، «ولا تصح المقارنة» بینهما، مشیرة إلى أن مرسی رئیس منتخب، وأن مبارک فی السلطة 30 عاما انتهت بخلعه، فیما لم یکمل مرسی عامه الأول، مؤکدة أن احتجاجات الشارع "لن تؤدی إلى الدیمقراطیة المستقرة، التی لن تتحقق سوى بالانتخابات".
وقد کان لافتا أن الغضب الشعبی فی ثورة 30 یونیو تمازج فیه ما هو بسبب الإخوان وسیاساتهم المدمرة وما استثارته تدخلات السفیرة المکروهة فی المحروسة من تدخلات سافرة فی أمر یتصل بالحق فی تقریر المصیر للشعب المصری.
ولذلک اعتبرت ثورة 30 یونیو ثورة السیادة والإستقلال فضلا على أنها ثورة لتصحیح المسار، ویستحق الفریق عبد الفتاح السیسی وزیر الدفاع کل التقدیر لأنه قاوم الضغوطات الأمریکیة ووقف بعزم وصرامة بوجه التهدیدات الأمریکیة منحازا لشعبه وللثوار الذین نسفوا المخطط الأمریکی للمنطقة.
الذی فشل هو مشروع الإخوان الذین سقط عنهم القناع، وتبدت حقیقتهم السیاسیة والأخلاقیة..أما المشروع الإسلامی فهو أشرف من أن تنسب إلیه عصبة فاشلة ومخادعة وخائنة لم تتردد فی أن تستظهر على الجیش المصری بقوات أجنبیة.
وها هم الإخوان یواصلون مشروع ضرب مصر باستنزاف جیشها وخلق الفتنة بین أبناء شعبها./9002