أعلن وزیر الداخلیة التونسی لطفی بن جدو الخمیس أن فتیات تونسیات سافرن الى سوریة تحت مسمى (جهاد النکاح)، ثم عدن إلى تونس حوامل من مقاتلین أجانب من دون تحدید عددهن.
وقال بن جدو خلال جلسة مساءلة أمام المجلس التأسیسی (البرلمان) إن التونسیات کان یتناوب علیهن جنسیاً "عشرون وثلاثون ومائة مقاتل، ویرجعن إلینا یحملن ثمرة الاتصالات الجنسیة باسم (جهاد النکاح)، ونحن ساکتون ومکتوفو الأیدی"!.
هذا التصریح الصادم الذی سنخضعه لقلیل من التحلیل والقراءة، له أولا وقبل کل شیء قیمة تاریخیة، فهو شهادة رسمیة تونسیة من داخل المجلس التأسیسی على حصول هذا الفجور الذی ابتدعه السلفیون التکفیریون تحت مسمى شیطانی یتداول بعنوان "جهاد النکاح"، والذی کان قد افتى به الدجال السعودی المدعو محمد العریفی. فنحن إذا أمام واقعة عودة عدد من الفتیات التونسیات وقد حملن سفاحا بعد أن قدمن خدمات جنسیة لأعداد لا حصر لها من التکفیریین من ذوی العقیدة السلفیة الوهابیة.
ومنشأ القیمة التاریخیة لشهادة وزیر الداخلیة التونسی أنها لا تترک مجالا للشک فی تعاطی التکفیریین لهذا النوع من الفجور تحت مسمى (جهاد النکاح)، ولن یجرؤ أحد بعد هذه الشهادة الموثقة من إنکار هذه الاقترافات التی تمس الأعراض، وتمارس باسم الدین من قبل سلفیین تکفیریین عاشوا عقودا متطاولة وهم یشنعون على الشیعة فی مسألة فقهیة خلافیة عنوانها زواج المتعة، مع أن هذا الزواج قد ثبت تشریعه على زمن رسول الله(ص)، واختلفت السنة والشیعة فی مسالة نسخه من عدمه، وهو عند الشیعة زواج شرعی له شروطه وأحکامه کما هو مدون ومفصل فی کتبهم الفقهیة.
وللحقیقة فلم یکن تصریح وزیر الداخلیة هو أول إقرار بهذا العار الذی لحق التونسیین من جراء إقدام فتیات مغرر بهن بمعاشرة المقاتلین التکفیریین بسوریة، فقد سبقه إلى ذلک مفتی الجمهوریة التونسیة السابق الشیخ عثمان بطیخ الذی اعلن فی 19 نیسان/ابریل 2013 ان 16 فتاة تونسیة "تم التغریر بهن وإرسالهن الى سوریة من أجل "جهاد النکاح.
واعتبر المفتی، الذی أقیل من مهامه بعد مدة وجیزة من هذه التصریحات، ان ما یسمى ب"جهاد النکاح" هو "بغاء" و"فساد أخلاقی" وأن "الأصل فی الأشیاء أن البنت التونسیة واعیة وعفیفة، تحافظ على شرفها وتجاهد النفس لکسب العلم والمعرفة".
وقبل أن تنفجر فضیحة العواهر باسم الجهاد المفترى علیه، کان التونسیون قد صدموا من الأعداد الکبیرة من الشباب التونسی الذین وجدوا الطریق سالکا إلى سوریة لکی یقاتلوا فی صفوف الجماعات المسلحة، وکان السؤال الذی طرحته الأسر المفجوعة فی أبناءها؛ ممن تقل اعمارهم عن عشرین سنة؛ هو: کیف سمحت لهم السلطات بالسفر إلى ترکیا وهی تعلم وجهتهم الأخیرة؟!
ولعل السؤال یتجه إلى حرکة النهضة التی تقود الإئتلاف الحاکم، فهی وبحکم ارتباطاتها الوثیقة بمشیخة قطر کان علیها ان تؤدی فاتورة الدعم المالی الذی تلقته فی المهجر وبعد ان وصلت الى السلطة، وهکذا انزلقت الى مواقف متسرعة ترضیة للقطریین، اغلقت السفارة السوریة فی تونس وطردت السفیر السوری، وکانت مواقفها فی الجامعة العربیة رجع صدى للموقف القطری، کما کانت سباقة لاستقبال مؤتمر ما یسمى ب"أصدقاء الشعب السوری".
هذه المواقف والسیاسات أوجدت البیئة المناسبة لنشاط واسع لشبکات تهجیر الشباب التونسی المتأثر بفکر القاعدة من أجل القتال فی سوریة، قبل ان ینتبه القیّمون على هذه الشبکات أن البیئة إیاها؛ والتی نضجتها السیاسات الرسمیة والدعاة السلفیین الذین کانوا یتوافدون على تونس بحریة تامة؛ قد تمنحهم فرصة أعظم وذلک بتصدیر "الجنس اللطیف" للقیام بخدمات التسریة عن المقاتلین، وما المانع والفتوى جاهزة (جهاد النکاح) فحیى على الجهاد!!
وبالعودة إلى تصریح وزیر الداخلیة التونسی وشهادته بعودة عدد من العواهر وهن حاملات سفاحا، فإن هذا التصریح یجب أن تترتب علیه مساءلة ومحاسبة صارمتین لکل من أوجد مقدمات هذه الفضیحة، ولکل من سهل بشکل مباشر أو غیر مباشر عملیة التغریر بالفتیات. کما یجب تحمیل المسؤولیة المعنویة للفکر السلفی التکفیری المضلل وترتیب الأثر القانونی على قنواته ورموزه ومشایخه، واعتباره فکرا منحرفا مضللا یهدد عقیدة المسلمین فی تونس، وبالتالی التنصیص على تجریم ترویجه والدعوة إلیه، وإتاحة الفرصة لمواجهته فکریا وثقافیا وإعلامیا.
وقد تبدو الفرصة التی اتاحهتا شهادة السید الوزیر کبیرة ومواتیة لإدانة جریمة الصمت والتواطؤ حول ما یحصل فی سوریة من اقترافات وانتهاکات تقوم بها الجماعات التکفیریة، وهی الجریمة المتلبس بها عدد لا یستهان به من الشخصیات الدینیة والمؤسسات الإسلامیة.
فکیف یسوغ السکوت عن نسبة الفجور إلى الدین (جهاد النکاح)،( قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَکُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ )، وکیف یفسر السکوت عن جرائم الذبح والقتل بلا استحقاق مع صیحات التکبیر، وکیف یکون الصمت هو الموقف إزاء عملیات السبی تتعرض لها مسلمات من أهل القبلة؟!!
لقد کشفت الحرب على سوریة مأساة إنسانیة هی من بین الأسوأ فی قساوتها وبشاعتها فی التاریخ المعاصر، والأکثر قساوة على المؤمنین أن المأساة الإنسانیة تضایفت مع مصیبة عظمى لحقت بالدین، وللمفارقة فالآتون من کهوف داحس والغبراء ممن نشروا الخراب، وهتکوا الاعراض، واوغلوا فی الدماء، وسبوا الحرائر، وذبحوا الأسرى، ونکلوا بالأطفال.. إذ فعلوا کل ذلک، یزعمون أنه باسم الله وفی سبیل الله!
وها هی تونس الأبیة وبعد مخاض العواهر؛ سیرکض فی أزقتها أطفال لیسوا کالأطفال..أطفال زنا من صنف خاص، ولا ندری کیف سینعثهم أقرانهم، ما نتمناه ان یتم تحیید کلمة جهاد فی نعتهم..لکن هذا العار قد استقر فی جبین "النهضة" التی سمحت لقطر بأن تورطها حتى العهر فی الملف السوری.
تقدست کلمة الجهاد کما شرعه الله..والخزی والعار لمن أفتى مجترءً على الله ولمن روّج للباطل وسعى فیه.. ولمن سمح للنخاسین العمل بحریة فی تونس والتغریر بالتونسیات.
..والمجد للشعب التونسی الأبی.