14 June 2010 - 23:52
رمز الخبر: 2340
پ
تحلیل سیاسی:
رسا/تحلیل سیاسی-بعد عام على ما اعتبر أخطر أزمة سیاسیة عاشتها إیران منذ انتصار الثورة الإسلامیة، نستعید الحدث ونتناوله فی ضوء ما تراکم من معطیات، محاولین فی الآن نفسه الاطلالة على راهن المشهد السیاسی الإیرانی وبعض اسئلته المفترضة. بقلم عبدالرحیم التهامی.
عام على الأزمة السیاسیة فی إیران..ونهایة الأوهام.

 

فی مثل هذه  الأیام من السنة الماضیة انفتح المشهد السیاسی الإیرانی على ما اعتبر بأنه اخطر أزمة مرّت منها التجربة الإسلامیة فی إیران، ولا أحد یجادل فی خطورة ما حصل، وإن كانت الخطورة هنا أمرا نسبیا عائدا إلى رؤیة كل طرف وبحسب ما یتوفر لدیه من معطیات ذات صلة بالأزمة التی تفجرت عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسیة، وعن أسبابها المتداخلة ودور العامل الخارجی فیها.

هناك سؤال لا بد من طرحه ونحن نحاول أن نفهم الحدث الإیرانی والإمساك ببؤرة الضوء الكاشفة فیه، هل الهامش الدیمقراطی -والذی یعد المجال الحیوی للحریات السیاسیة- لا یتأثر بالتحدیات الخارجیة خاصة؟ وبتعبیر أوضح ألا تدفع المخاطر الخارجیة المحدقة بأی بلد دیمقراطی إلى تقلیص الهامش الدیمقراطی إلى أقصى الحدود؟

والجواب واضح، وهو اتجاه السلطات فی أی بلد إلى تقلیص هذا الهامش حتى لا یستغل من طرف هذه الجهة أو تلك للإضرار بالجبهة الداخلیة وإضعافها أمام العدو المتربّص.

لكن؛ وللمفارقة؛ ففی إیران وباستحضار التاریخ، لم تمنع كل التحدیات بما فیها الحرب المفروضة بتضییق هذا الهامش المتأصل فی تجربتها الدیمقراطیة الخاصة والفریدة أمام تعبیرات الإرادة السیاسیة، وهكذا كان على زمن الانتخابات الرئاسیة صیف العام الماضی، فعلى رغم التهدیدات الأمریكیة والإسرائیلیة بأنّ الخیار العسكری مطروح كأحد الخیارات للتعاطی مع أزمة الملف النووی الإیرانی، وبرغم كل التهویل الاستكباری وتحرشات ملحقاته الإقلیمیة بإیران ودورها الإقلیمی.. لم تتأثر تجربتها الدیمقراطیة، وانطلقت الاستعدادات لتكون إیران على موعد مع التاریخ، ولتظهّر صورتها الدیمقراطیة بما یكون  درسا للعالم فی الدیمقراطیة ومقوماتها.

توفرت كل الضمانات الدستوریة فی الحملة الانتخابیة ومارس كل طرف حقه القانونی والدستوری فی التجمع والدعایة لبرنامجه، واعتمدت المناظرة المتوازنة كأسلوب متطور لإطلاع الكتل الناخبة عن الأفكار والبرامج، وكان المشهد فی مجمله قبیل الانتخابات ووفق المعاییر الدیمقراطیة التی یزاید بها الغرب، حیویا وناضجا ومنضبطا لقواعد المنافسة النزیهة والحرة، ولم یسجل أی طعن یمس الجهاز التنفیذی حتى وإن كان أحد المتنافسین هو رئیس السلطة التنفیذیة.

كان هذا مظهر الأشیاء، أما ما توضّح فی سیاق التطورات اللاحقة، فهو أن التیار الموسوم بالنزعة الإصلاحیة؛ التی لا نخاصمها من حیث المبدأ؛ والذی افتقر إلى هویة واضحة ومحددة، قدّم نفسه للخارج قبل الداخل؛ والمقصود بالداخل هنا القوى المناوئة للثورة ولمشروعها الإسلامی، بأنه حصان طروادة القادر على اختراق موانع الهویة والثوابت فی التجربة الإیرانیة، وإعادة تشكیل ملامحها بشكل یساعدها على التموضع فی المربع الدولی والتطبیع معه وفق مزاد سیاسی مفتوح على كل الممكنات. لقد تصور زعماء هذا الخط أنّ سابقتهم فی الثورة، توفّر لهم هذه الحظوظ لإنجاح هذا الرهان، وهذا ما اعتقدته القوى الغربیة وعلى رأسها الولایات الأمریكیة المتحدة.

الحرص وانعدام البصیرة، وتقمص الأدوار التاریخیة، والاغترار ببعض مظاهر التأیید التی تعمی عن النظر إلى مثیلاتها أو حتى ما یتقدم علیها فی یومیات الحملة الانتخابیة، والرسائل الإعلامیة الغربیة التی كانت تصرح بان الرهان هو على الحصان الأخضر، جعل قادة هذا الفریق یغفلون على أنهم فی سباق انتخابی مفتوح على الربح والخسارة، وأنّ ما یرجح هذه عن تلك هو محض الإرادة الحرة للناخب الإیرانی فی مختلف المحافظات، فالانتخابات هی احتكام لهذه الإرادة الوطنیة الجمعیة، ولقولها الفصل، ولیس لآمال الأطراف الدولیة ومصالحها ورهاناتها.

قدم الشعب الإیرانی مشهدا انتخابیا لا مثیل له حتى بالقیاس لما یسمى بأعرق الدیمقراطیات، وبلغت نسبة المشاركة ذروتها 84%، لكن الذین عاشوا على وهم أنهم رجال المرحلة خارجیا وداخلیا، وأن أمریكا التی غیرت لونها مع مجیء اوباما تناسبها إیران مختلفة منسلخة عن هویتها وملامحها بجراحة طارئة؛ إیران المنكفئة إلى داخلها اللاهثة وراء رفاه اجتماعی مزعوم تقایض به دم شهداءها ومبادئ ثورتها وعقودا من تاریخ نضالها وتضحیاتها..هؤلاء لم یرضوا، طعنوا فی النتائج، ورفضوا كل التدابیر القانونیة لتصریف هذا الرفض، وأرادوا-فقط- تحطیم المعبد على رؤوس الجمیع.

فی مسعى تحطیم المعبد اتضحت الصورة، وتكشفت أبعاد المؤامرة وخیوطها، واتضح عمى البصیرة، معطوفا على الغباء السیاسی..وحصلت حالة فرز امتدت بعیدا، انكشف معها الوصولیون والسذج سیاسیا الذین أرادوا الضغط من أجل تسویة مع الانحراف المشوب بغیر قلیل من الاستظهار بالخارج وأعداء الخارج، ولم یرتدعوا حتى عاینوا مشهد العبث بالمواكب العاشورائیة فی ذكرى شهادة الإمام الحسین (ع)، مع أنهم عبثوا وأمام أعینهم من قبل بمسیرات یوم القدس العالمی.

ولأنّ كلمة الفصل هی ما تقوله الجماهیر فقد قالت الجماهیر الإیرانیة كلمتها فی عید الثورة الواحد والثلاثین، وكان ذلك الیوم ثقیلا على الذین تصورا أنهم على شیء، فقد هتفت الجماهیر الملیونیة وبصوت واحد وموحد أنها وراء قائدها ومتمسكة بجمهوریتها الإسلامیة وبولایة الفقیه وبالقدس وبغزة وبدعم المقاومة فی فلسطین ولبنان.. وهنا فقط سقطت أدوات الجراحة القیصریة وبشكل متزامن فی الداخل والخارج معا.

وكأی أزمة مكلفة، كان لا بد من دفع الفاتورة، مع بعض الثمن المؤجل لاعتبارات تتصل بالأمن القومی لإیران، دفع الفریق الخاسر جزءا من الثمن، ثمن اندفاعه غیر المحسوب، وتُـرك لأخطاءه الأقل فداحة یعبّر من خلالها عن هویته وحقیقته، كما تُرك لتناقضاته الداخلیة تفعل فعلها بما یدخل الیأس على جمهوره، وللمفارقة فقد كان هذا التیار-شاطرا- على الجهتین.

لكن ثمة حقیقة كشفت عنها حیویة الحراك فی المشهد السیاسی الإیرانی، وهی الحاجة إلى حمایة التنوع والتعدد فی هذا المشهد وتأطیر تطلعاته على قاعدة الثوابت، فحاجة المشروع الإسلامی إلى التطور من خلال جدل الأفكار  أمر لا یرقى إلیه الشك، ومن ثمة فالمعارضة للبرنامج الحكومی أمر فی صالح التجربة، ویخدم الحراك السیاسی الذی علیه أن یتمحور حول هدف مركزی وهو الارتقاء بالنموذج الإسلامی إلى وضعه المثالی فی كل شوط تاریخی.

كما أن الجدل النظری المستمد من حیثیات الأزمة الأخیرة على صعید الفقه السیاسی، والمؤسسات الدستوریة للنظام الإسلامی، یجب أن یستمر ویتواصل فی أفق تمتین القاعدة النظریة والفقهیة التی تنهض علیها التجربة الإسلامیة فی إیران، ولعل هذا هو الوجه الایجابی التی یبقیه إعصار الأزمات الحادة بعد مروره.

وإذا كانت الأزمة السیاسیة قد عبرت، ومن دون تسویة مكلفة للسلطة فی إ یران، واستعاد المشهد السیاسی استقراره دونما جمود، فإن الوجه الثقافی والاجتماعی الذی كشفت عنه الأزمة یحتاج إلى معالجة خلاقة. فقد تبدى مع الأزمة أن شرائح من الشباب أخذت مسافة بعیدا عن الثورة وبعضها حتى عن التدین نفسه، وهذا یطرح سؤالا قویا على كل مؤسسات التثقیف والتأهیل الثقافی، بل وعلى الجهات المخوّل لها السهر على المشروع الثقافی للثورة، كما أنّ هذا النشوز یحاكم بعض أنماط الخطاب الدینی الموسوم بلهجته التفجعیة، الذی أخذ -للأسف- من مساحة كان یتألق فیها قبل عقود من الزمن خطاب حی ومتفاعل كما تجسد مع الشهید مطهری رحمه الله.

یبقى أخیرا أن اللغة المتشنجة التی عبّر عنها البعض المحسوب على الفریق الآخر، بحاجة إلى نقد وإلى تنبّه من مخاطرها التی قد ترتد على نفس مجالها ، فهذه اللغة السیاسیة لامست السقف العدمی، فهی لم ترفض مشروع الطرف الأخر، أو وقفت عند حد رفض الأخر ذاتا حینما تقاطعت حركته مع بعض الخارج، لكنّها فی تطرفها رفضت فكرة الإصلاح من أساسها، والتعدد فی الرأی من أصله، وهذه لغة لا تتناسب مع مشهد سیاسی إیرانی سمته الحراك والإبداع.

 

 

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.