20 June 2010 - 17:01
رمز الخبر: 2362
پ
على هامش دعوة الغامدی لـ"الأزهر" بسحب الاعتراف بالمذهب الشیعی.
رسا/آفاق- کانت رسالة الأزهر واضحة؛ وهی أنّه وحده المؤسسة المرجعیة فی العالم السنّی، وأنّ لغة الإملاءات تضلّ طریقها ولا تصل إلیه، وأنّ ما یُکتب فی الظلمة بمداد التعصّب یتعثر فی طریقه..وأنّ الأمّة بجناحیها –سنّة وشیعة- تثوق إلى عصر أنوار جدید. بقلم عبد الرحیم التهامی.
 "الأزهر" یؤکد مرجعیته فی العالم السنّی.



فی کل هذا الجو من التعبئة الإنسانیة الذی أعقب واقعة الاعتداء الدموی على أسطول الحریة الذی کان یسعى لکسر الحصار عن جزء من الشعب الفلسطینی المحاصر والمجوّع فی قطاع غزة..وبینما تتعبأ الإرادات الحرة والإنسانیة عبر العالم لإعداد سفن وقوافل أخرى لرفع الصوت عالیا بوجه الکیان الصهیونی؛ بأنّ العالم ومن خلال حرکاته الأهلیة ومنظماته المدنیة والإنسانیة لن یتواطأ بصمته أمام واحدة من أفظع جرائم التاریخ المعاصر المعنونة بـ"الحصار"، وفی الوقت الذی تتحرک فیه المؤسسات الثقافیة والجامعات والهیآت المدنیة لفرض المقاطعة الثقافیة والاقتصادیة على (إسرائیل)..فی هذا السیاق الذی وحّد بین أحرار العالم على اختلاف أدیانهم وثقافاتهم وجنسیاتهم على قاعدة وحدة القیّم الإنسانیة فی الحریة ورفض الظلم وإغاثة المستضعفین فی الأرض، وکسر الحصار عن الفلسطینیین.. کان الصوت النشاز -کالعادة- یصدر عن المؤسسة الدینیة الوهابیة؛ والتی تبدو أنها منشغلة بأجندة خاصة بها؛ فقد وجّه الشیخ الدکتور أحمد بن سعد بن حمدان الغامدی، أستاذ الدراسات العلیا بقسم العقیدة بجامعة أم القرى بمکة المکرمة، رسالة إلى علماء الأزهر الشریف یستنکر فیها الاعتراف بالمذهب الشیعی الإثنا عشری، مستهجنا التوجه الوحدوی للأزهر بقوله:" الذی یدعو إلى الأسى أن الدین(یقصد التشیّع) الذی أخرجه القائد صلاح الدین الأیوبی من الباب رجع إلى مصر من النافذة، وافتُتح له دار سمیت "دار التقریب" مکرا وخداعا"، وبعد زعمه أن الشیعة (الإثنا عشریة) قد استحدثت "اثنا عشر مصدرًا" بجوار القرآن الکریم والسُّنة النبویة المطهرة، منها تؤخذ العقیدة، ومنها تؤخذ الشریعة"، احتج مستنکرا على الأزهر "کیف یقبل مذهب "الاثنا عشریة "ویساویه بالإسلام ویجعله مذهبا فقهیا کبقیة مذاهب الأمة؛ فیأذن له فی أرضه ویفتی بعض علمائه بشرعیة فقهه"..
لعلّ هذا الموقف لا یحمل جدیدا، فقد دأبت هذه المؤسسة على تکفیر المسلمین، ولها تراث ضارب من المواقف والفتاوى التی کانت سببا مباشرا فی إراقة أنهر من دماء المسلمین، وحتما سیقول التاریخ کلمته فی کل ذلک. لکن لا یمکن فهم هذه الدعوة الموجّهة إلى الأزهر لإحراجه والضغط علیه، بل والتألیب علیه؛ بمعزل عن الاختراق الوهّابی لمصر والذی تعزز فی عهد الرئیس مبارک، وبلغ ذروته منذ أن انتصر "حزب الله" فی حرب تموز، لأنّ الانتصار الذی مثّـل هزیمة لـ(إسرائیل) کان فی الآن نفسه هزیمة وفضیحة لمحور "الأحزاب" فی الأمة، وهی الهزیمة التی تبلورت فی إثرها إستراتجیة منسقة أمریکیا وصهیونیا للنیل من صورة "حزب الله" وإیران و مجمل خیار المقاومة، وذلک بالاعتماد على التحریض المذهبی والوصول بهذه الإستراتجیة إلى مداها وهی مرحلة الاغتیال الرمزی والمعنوی للتشیع وللحزب وللمقاومة ولإیران.
لذلک لم یکن غریبا أن تنطلق من القاهرة التی شهدت تأسیس دار التقریب فی أربعینات القرن الماضی، وضدا على إرادة أزهره الشریف؛ قناة فضائیة تمارس التکفیر وتحرّض على الکراهیة وتؤجج الفتنة، وتتطاول على رموز الشیعة ومقدساتهم، وهی فی رسالتها الهدّامة تقف على النقیض تماما من کل بنود میثاق الشرف الإعلامی العربی الذی کانت مصر من أکبر رعاته، والذی تقول الفقرة السادسة منه:" تحرص وسائل الإعلام العربیة على رفض مبادئ التمییز العنصری، والعصبیة الدینیة، والتعصب بجمیع أشکاله..".
هذا الانخراط المصری الرسمی فی استراتجیة التحریض المذهبی؛ والذی تجلّى بشکل سافر على خلفیة ما سُمی بخلیة "حزب الله" وکل الردح الإعلامی الذی رافق ذلک، حیث حوّلت السلطات عمل إسنادی للمقاومة بنقل أسلحة للمقاومین فی قطاع غزة إلى مشروع تحضیر لأعمال تخریب فی مصر ونشر التشیع فی البلاد؛ هذا الانخراط هو الذی صورّ للمؤسسة الوهابیة فی شخص الغامدی أن الأزهر حائط قصیر، یمکن من خلال رسالة تکفیر وافتراء على الشیعة، حشره فی الزاویة الضیّقة، وتعریضه لضغط المؤسسة السیاسیة حتى یتنکب عن رسالته وتوجّهه التقریبی والوحدوی.
لکن رد شیخ الأزهر د.أحمد الطیب لم یتأخر کثیرا، بل جاء حاسما کما أشرّت على ذلک کل تصریحاته ومواقفه فی الموضوع المذهبی منذ أن وصل إلى مشیخة الأزهر قبل أشهر قلیلة، فقد وصف فضیلته دعوة الغامدی للأزهر بأن یسحب اعترافه بالمذهب الشیعی «الإثنا عشری» بأنها مرفوضة ولا یمکن لأحد أن یقبلها، مشیرا إلى أن موقف الأزهر الثابت هو تحقیق الوحدة بین المسلمین، ومؤکدا على أنّ الأزهر یسیر ویتمسک بدعوة التقریب بین السنّة والشیعة التی قادها شیخ الأزهر الراحل محمود شلتوت مع المرحوم الشیخ تقی القمی عندما أسسا دار التقریب بین المذاهب الإسلامیة، وأضاف د.أحمد الطیب فی تصریحات خاصة لـ «الوطن» الکویتیة أنّ السنّة والشیعة هما جناحا الأمة الإسلامیة.. وأنه عبر أربعة عشر قرنا؛ هی عمر الإسلام؛ لم یحدث أن اقتتل السنّة والشیعة، لافتا إلى أن ما یحدث بینهما الآن هو محاولة للنیل من المسلمین عبر سلاح التقاتل المذهبی. وفی رد صارم على الموقف التکفیری الذی قامت علیه دعوى الشیخ الوهّابی، ومحاولته ثنی الأزهر الشریف عن رسالته، أوضح شیخ الأزهر أنّ الاختلاف بین السنّة والشیعة فی الفروع فقط ولیس فی الأسس والثوابت التی یقوم علیها الدین مؤکدا أنّ التقریب بین المذاهب الإسلامیة أحد أهم اهتمامات الأزهر الشریف خلال الفترة المقبلة.
لکن الموقف الذی سیجعل الغامدی یتصاغر أمام نفسه وأمام التاریخ هو ما أعلنه فضیلة الشیخ الدکتور أحمد الطیب من کون الأزهر یرحّب بالطلاب الشیعة من إیران ومن أنحاء العالم المختلفة للدراسة فیه.
لن تکون دعوة الغامدی مجرد دعوة یطویها النسیان، إنها شهادة تاریخیة عن الحقد والکراهیة والتعصب، وهی عار تاریخی لیس على الرجل وحده بل على هذا النمط من التدین المنحرف واللاإنسانی الذی ترعاه المؤسسة الوهّابیة. کما أن رد شیخ الأزهر هو موقف أصیل وشجاع؛ إذا استحضرنا معاکسته للسلطة السیاسیة المتغلّبة؛ موقف ذکّرنا ببعض مواقف العزّ صدرت عن هذه المؤسسة الرائدة. هو موقف بدّد أوهام الموتورین والمتعصبین والظلامیین، وذکرهم بأنّ الموقف الدینی الفصل فی العالم السنّی یصدر عن الأزهر ولیس عن أی جهة غیره.
(..فأما الزبد فیذهب جفاء وأما ما ینفع الناس فیمکث فی الأرض کذلک یضرب الله الأمثال).
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.