
س- ما هو موقف الإسلام فی موضوع تحدید النسل أو زیادته ؟
ینبغی أن أذکر فی البدایة بالفرق بین حفظ النسل وتكثیره، فالأول واجب کفائی مؤکد على المسلمین ، وأی نوع من السیاسة یهدد أجیال المسلمین ویعرضهم لخطر الانقراض مرفوض بشكل قطعی.
أما مسألة تكثیر النسل أو زیادة السكان فلیست واجبة على الرغم مما قد یمکن أن یتصور ظهور الوجوب فیه من بعض الروایات الواردة فی هذا الباب لاستفادتها من صیغة الأمر أو أمثال ذلك ولكن الإجماع والقرائن الموجودة فی هذه الأخبار تحول دون ذلك الظهور.
کما أنه لا دلیل على حرمة تحدید النسل، وبناء على ذلك فمسألة تكثیر الموالید أو تحدیدها ــ وفقاً لتعبیر بعض الفقهاء ــ تعد من مناطق الفراغ ، وید الفقیه مطلقة فیها لیصدر حكماً ثانویاً بناء على مقتضیات الزمان والمكان وفقاً لمصالح المسلمین الحالیة.
وبغض النظر عن الحكم الثانوی لتكثیر النسل فهناك أصناف عدیدة من الروایات تدل بنحو مباشر أو غیر مباشر على استحباب التكاثر بعنوان الحكم الأوّلی.
س- نرجو بیان هذه الأدلة إذا أمكن ذلك؟
تمكن الإشارة الإجمالیة إلى عدة أقسام من هذه الروایات : الروایات التی تشجع المسلمین على الزواج ، وفلسفتها هی ولادة الأبناء : ( تناكحوا تناسلوا ..) ، واعتبرت بعض الروایات المرأة الولود من الممیزات الحسنة فی النساء : ( خیر النساء الولود الودود ) ، ونهت عن الزواج بالنساء العقیمات : ( اجتنب العقیم من النساء وإن كانت حسناء جمیلة المنظر).
کما خصص ثواب عجیب لمن یسعى فی زواج شخصین : (من عمل فی تزویج حلال حتى یجمع الله بینهما زوّجه الله من الحور العین و كان له بكل خطوة خطاها وكلمة تكلم بِها عبادة سنة).
وشجعت مجموعة من الروایات المسلمین لزیادة العلاقات الزوجیة المحللة التی تعد مقدمة للتكاثر والإنجاب : (.. من خصال الأنبیاء .. کثرة الطروقة ) ، وذكرت مجموعة أخرى ثواباً عظیماً للأم فی مرحلة الحمل والرضاع وتربیة الأبناء ، ووصفت لها مقاماً سامیاً لا یضاهى حینما قالت : ( الجنة تحت أقدام الأمهات).
قسم آخر من الروایات اعتبرت سعی الوالد لتوفیر لقمة العیش الحلال لأسرته کالجهاد فی سبیل الله : ( من طلب هذا الرزق من حله لیعود به على عیاله ونفسه كان كالمجاهد فی سبیل الله).
فی حین صرحت روایات نبویة متواترة من طریق السنة والشیعة بالحث والتشجیع على تكثیر الأبناء وعدتهم مدعاة لفخر رسول الله ( صلى الله علیه وآله) یوم القیامة على سائر الأنبیاء والأمم : ( أکثروا الولد أکاثر بكم غداً ) أو ( تناكحوا تناسلوا تكثــّروا فإنی أباهی بكم الأمم یوم القیامة ولو بالسقط ) . إن مجموع هذه الروایات یدل بوضوح على استحباب التكاثر وزیادة الأولاد.
س- ما هو أثر مجموع هذه الروایات وما هی مفاعیلها؟
لمعرفة أن تكثیر الأبناء مستحب بنحو مطلق أم مقید بشرط أو عدة شروط یجب الرجوع مجدداً إلى الأدلة الشرعیة، وبمراجعة مجموعة أخرى من الروایات یمكن استنباط أن الاستحباب لیس مطلقاً بل مقید بالحفاظ على النوعیة.
فمن مجموع الروایات المشجعة على التكاثر والتناسل و من بقیة الروایات نرى أن الإسلام قد أخذ بنظر اعتباره الجانب النوعی ــ سواء كان من الناحیة الجسمیة أو المعنویة والروحیة ــ إلى جانب الزیادة العددیة ، والمستحب فی الحقیقة هو النسل السالم الصالح.
والروایات التی تدل على ذینك الشرطین كثیرة جداً، وسنشیر هنا إلى عدة أقسام منها لنثبت أن الإسلام لا یسعى وراء مجرد زیادة النفوس بدون التركیز على نوعیتها:
- الأدلة التی تبین أن الإسلام یطالب بالولد فی إطار الشرع ، ومن عقدت نطفته فی أثناء الدورة الشهریة أو نتیجة لعلاقة غیر مشروعة فالإسلام لا یرغب فیه.
- الروایات التی توضح أن فلسفة الزواج هی ملء الأرض من المسبّحین والمهللین : ( ما یمنع المؤمن أن یتخذ أهلاً لعلّ الله یرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلا الله).
- الروایات التی تؤكد على اختیار زوجة صالحة من أسرة جیدة : (انظر فی أی شیء تضع ولدك فإن العرق دسّاس).
- ثم الإرشادات الوافرة الدقیقة فی اختیار الزمان والمكان والأسلوب السلیم لمواقعة الزوجة من أجل ضمان سلامة جسمیة وروحیة للطفل، أو الأخبار الكثیرة التی تذکر الآباء بأهمیة اللقمة الحلال وتأثیرها فی السلامة الروحیة وحسن العاقبة للأبناء.
- الوصایا المتزایدة للأمهات فی مرحلة الحمل والرضاع ، فمثلا ورد فی القرآن الكریم أن مدة الرضاع أربعة وعشرون شهراً كاملة : { وَالْوالِداتُ یُرْضِعْنَ أَوْلادَهُن حَوْلَیْنِ کامِلَیْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ یُتِم الرضاع } ــ البقرة / 233 ، ولقمان /14 ــ ومع الأخذ بنظر الاعتبار أن مرحلة الحمل المتعارفة تسعة أشهر، وأن الرضاعة غیر ممكنة أو غیر مرغوب فیها خلال وقت الحمل، فیمكن الاهتداء من الآیة إلى أن أفضل مدة فاصلة بین مولودین هی ثلاثة وثلاثون شهراً على أقل تقدیر، وهذا من الإرشادات القرآنیة فی باب تنظیم النسل.
- إضافة إلى أنّ ما مر من عنوان (الولد الصالح) أو (النسل الصالح) له منزلة خاصة فی النصوص الدینیة : (الولد الصالح ریحانة من الله) ، ومن هنا اعتبر الله تعالى أن الأرض إرث للصالحین :{.. أَن الأرْضَ یَرِثُها عِبادِی الصالِحُونَ} الأنبیاء/105
وحتى لو اکتفینا بعمدة دلیل استحباب التكاثر وهی الأخبار الدالة على افتخار الرسول ( صلى الله علیه وآله) بكثرة أبناء أمته فسیؤدی بنا إلى المعنى المذكور، لأن الأمة غیر الصالحة لیست مدعاة للفخر مهما کثر عددها.
مجموع هذه الآیات والروایات یشیر إلى أن الله تعالى یعنی الولد السالم روحیاً وجسدیاً لا مجرد زیادة أعداد الموالید بدون نوعیتها، وبناء علیه فاستحباب الإكثار من الأبناء مناط بالحفاظ على نوعیتهم الجیدة، وهذا قد یناط أحیاناً بتحدید الإنجاب وعدم الإكثار منهم بدون تنظیم.
س- ما هو رأی الإسلام فی تحدید النسل وتنظیم الأسرة ؟
تنظیم النسل سیاسة اجتماعیة عالمیة تجیز للوالدین ــ تطوعاً ووفقاً لاستطاعتهما ورغبتهما ــ اتخاذ قرار بمنع الحمل والاستفادة من وسائله الخاصة لرفع المستوى الصحی والمعیشی لأبنائهما.
إذا نظرنا إلى هذه المقولة من زاویة الفقه الإسلامی فعلینا أن نراجع روایات كثیرة فی جواز العزل ، منها : (لا بأس بالعزل عن المرأة) . وهو فی رأی الیهود بمنزلة الوأد ، ولكنه جائز فی الإسلام وفقاً لهذه الروایات وباتفاق علماء الشیعة والسنة ، وأكثر الفقهاء تشدداً فقط هم من اعتبر جوازه فی الزواج الدائم مشروطاً برضا المرأة ، أو اشترطه فی ضمن العقد.
وربما یقصد من العزل مطلق منع الحمل، إذ كان طریقه الوحید هو الاتصال غیر الكامل بمنع إراقة منی الرجل فی رحم المرأة، ولكن التقدم التكنولوجی والطبی فی الوقت الحاضر وفر وسائل متطورة لهذا الغرض.
ولو اعتبرنا العزل بمعنى الاتصال غیر الكامل فیمكن أیضاً الاستدلال بفحوى روایات العزل على جواز الطرق الحدیثة لمنع الحمل، لأنه إذا كان العزل جائزاً بالطرق القدیمة على ما فیها من نتائج روحیة ونفسیة سیئة للطرفین وخصوصاً على المرأة، فالطرق الحدیثة جائزة بطریق أولى لافتقارها إلى تلك النتائج أو انخفاض نسبة وقوعها، على الرغم من كفایة أصل الإباحة والحلیة على الحكم بجواز منع الحمل.
ومن الطبیعی أن لا تجوّز بعض الأسالیب المستلزمة للعقم الدائم أو لنظر الغریب نظراً محرماً إلى الجهاز التناسلی.
إن إطلاق أدلة جواز العزل وعدم ورود حدّ بشأنها تمنح الأسرة إجازة الامتناع عن الإنجاب إلى آخر عمرها.
هذا وقد عقد العلامة المجلسی فی موسوعته العظیمة بحار الأنوار باباً باسم «فضل التوسعة على العیال ومدح قلة العیال»، وبعض روایات هذا الباب أثنت على الأسرة الصغیرة، وهی بالدلالة الالتزامیة شاهد على جواز منع الحمل والتحكم بالموالید.
س- هل یمكن للحكومة أن تروّج لثقافة تحدید النسل ؟
الأصل الأوّلی أن تشجع الحكومة الإسلامیة الإنجاب وتكثیر النسل وفقاً للأدلة المبینة مع الحفاظ على النوعیة، ولأنّ الإسلام دین العقل والنّظم والتوازن والتعادل فهو یأخذ بنظر الاعتبار المصالح الكلیة للمجتمع الإسلامی، وبناء علیه؛ إذا قام أهل الخبرة بدراسة دقیقة وتوصلوا إلى أنّ مستوى زیادة النسل لا یتلاءم مع مخزون المیاه أو الثروات الطبیعیة والبیئة أو أنّه یتسبب فی المشاكل الغذائیة والصحیة والتعلیمیة والسكنیة وتوفیر فرص العمل ، وهذا یضطر الحكومة إلى اتخاذ سیاسات التحكم فی النسل وتقلیلها، فالإسلام یرى جواز ذلك بنحو مؤقت ومحدد.
وینبغی التنبیه على عدم الترویج لهذه السیاسات بأسالیب كلیة عمیاء، بل یروج لها بنحو ذكی یراعی خصوصیات المنطقة وظروفها.