12 September 2010 - 17:54
رمز الخبر: 2684
پ
رسا/تحلیل سیاسی- ما همّ به القس الأمریکی المغمور، فرصة للتداول فی استراتجیة إسلامیة منسّقة للردع، تحمی المقدسات الإسلامیة من أشکال الامتهان والتطاول باسم حریة زائفة، تجرّم حریة البحث العلمی فی واقعة الهلوکوست التاریخیة وتکرّم الإساءة للأدیان. بقلم عبد الرحیم التهامی.
المسلمون والمشهد المؤجل لحرق نسخ من القران الکریم


هل سیمضی القس المغمور تیری جونز فی مخططه بإحراق نسخ من القرآن الکریم أم أن الضغوط ستحمله على التراجع؟ کان هذا واحد من الکلشیهات التی طالعتنا بها وسائل الإعلام المرئیة والمکتوبة طیلة أیام فی ما یشبه وجبات من التعذیب الیومی، مع خلفیة مؤذیة لمشاعر المسلمین تظهر فیها شاحنة أمام کنیسته کتب علیها «الیوم العالمی لإحراق القرآن» ، وقد حرص بعض الإعلام على تصویر الموقف بأنه معزول وهامشی من خلال التأکید المتکرر بأن القس مغمور وکنیسته أکثر "مغموریة" منه لا یتجاوز أتباعها خمسین شخصا..وأنّ الرجل لا تحرّکه إلاّ دوافع الشهرة والأضواء.
وفی تأکید کهذا إسقاط لسیاق کامل من الحرب الملتبسة على الإرهاب والتی خاضتها أمریکا بقیادة جورج بوش الابن منذ واقعة11/9 بنیویورک، وهی الحرب التی وظفت فیها إمکانات إعلامیة واستخباراتیة هائلة لربط الإسلام بالعنف والإرهاب، حتى مع سعی الخطاب الرسمی الأمریکی المحتشم فی إقامة تمایز وفصل بین الإسلام کدین لأمة عتیدة وبین ما یسمى بالجهادیة الإسلامیة أو الرادیکالیة الإسلامیة التی تضطلع بها نخبة معزولة عن جمهور المسلمین تستغلّ الإسلام لخدمة رؤیة سیاسیة عنیفة عمادها التأسیس عن طریق الإرهاب والإنحراف والعصیان لإمبراطوریة شمولیة.. على حد توصیف جورج بوش نفسه.
هذا التمییز المخادع یفضحه انحسار ظاهرة التسامح فی المجتمع الأمریکی فی مقابل تنامی موجة العداء تجاه الإسلام والمسلمین والتمییز ضدهم الذی وجد له غطاءً فی حروب أمریکا فی کل من العراق وأفغانستان ، بل أنّ الاستراتجیة التی اعتمدتها الولایات المتحدة الأمریکیة والمتمثلة فی فرض صیاغات جدیدة لمناهج التعلیم الدینی فی العدید من الدول الإسلامیة والعمل –ضدا على مقتضیات السیادة- على بلورة سیاسات وتوجّهات وزارات الشؤون الدینیة فی أکثر من بلد إسلامی بما جعل القاسم المشترک فی معظم هذه السیاسات العمل على تأمیم المجال الدینی وضبط قنوات تصریف الخطاب الدینی والتشجیع على التصوف باعتباره عقیدة خلاصیة منکفئة على الذات ومن کونه نمط فی التدین تنعدم فیه ومعه أی تطلعات أو رهانات سیاسیة محلیة کانت أو عالمیة..کل هذه الإجراءات تؤکد أنّ المتهم فی الوعی الأمریکی الاستراتجی هو الإسلام کنصّ والإسلام کدین.
التلویح بإحراق نسخ من القران الکریم أعاد إلى الواجهة مسألة الحریة وقضیة الحقوق الدستوریة، حتى ولو کانت هذه الحریة على حساب مقدسات ملیار ونصف الملیار مسلم، فوزیرة الخارجیة الأمریکیة هیلاری کلینتون اکتفت بتعلیق بارد على الخطط الإجرامیة للقس الأمریکی وکأن کنیسته تقع فی جزیرة نائیة ولیس فی ولایة فلوریدا الأمریکیة، ورأت أنّ مجرد التعبیر عن حزنها یکفی لتأمین مصالح بلادها مع العالم الإسلامی، بل هی بدت فی تصریحا أکثر اغتماما لصورة أمریکا من أی شیء آخر، تقول: "إنه لأمر محزن أن یعلن قس فی کنیسة لا یزید عدد المنتمین إلیها عن خمسین شخصاً عن هذه الخطة المؤلمة والمقلقة والمخزیة والحصول على انتباه العالم، هذا الأمر لا یمثل بأی شکل من الأشکال أمریکا أو الأمریکیین"، إذا هی صورة أمریکا التی تُخدش من قبل قس لا یمثلّها، ولیس العدوان على مقدّس من مقدسات المسلمین؛ ومنهم مسلمی أمریکا نفسها؛ واستفزاز مشاعرهم بهذا الشکل المهین.
وفی تزامن مع الموقف الأمریکی الفاتر والمشبوه تجاه القس جونز ومحرقته، جاء تکریم المستشارة الألمانیة أنجیلا میرکل فی برلین لصاحب الرسوم الکاریکاتوریة المسیئة للنبی محمد(ص)، الدنمارکی کورت فیسترغارد بجائزة "میدیا 2010" تقدیرا له على «التزامه الراسخ بحریة الصحافة والرأی وشجاعته فی الدفاع عن القیم الدیمقراطیة، رغم التهدیدات بأعمال العنف والموت»!!
هذا التزامن فی المواقف المعادیة والمؤذیة لمشاعر المسلمین، ما کان لها لتحصل بمثل هذه الصلافة والاستهتار لو کانت الدول الإسلامیة تحرکت وبشکل حاسم وقوی ووظفت بعض -لا کل- أوراقها الاقتصادیة والسیاسیة فی الضغط لصیانة المقدسات الإسلامیة من مثل هذه التجاوزات وقد تکررت منذ الاحتضان البریطانی للمرتد سلمان رشدی، ویؤسفنا هنا أن نعطی مثالا بالصهاینة الذین حوّلوا الهلوکوست إلى أحد الطابوهات فی الغرب حیث أضحت المتابعة القضائیة تترب على کل من یشکک فی الروایة الصهیونیة، ولو من مدخل علمی تماشیا مع ما یقتضیه موضوع تاریخی من صرامة علمیة ومنهجیة تظل حقّا ثابتا من حق کل باحث ومؤرخ.
أما نحن المسلمون فکان علینا أن نعیش وطیلة أیام مشدودین إلى الشاشات نترقب ما سیؤول إلیه الأمر فی کنیسة مدینة جرنسفیلد بولایة فلوریدا، وأیدینا على قلوبنا. نعم تأجلت الکارثة وهی فرصة لیستیقظ فیها العالم الإسلامی على هول الإهانة التی لحقت به، فیکفی أنّ ما همّ به القس من حرق لنسخ من القرآن الکریم ظل قید التداول الإعلامی فی کل وسائل الإعلام العالمیة بما ألحق العار بأمة الملیار ونصف مسلم..هی فرصة أیضا للتداول فی استراتجیة إسلامیة منسّقة للردع تحمی المقدسات الإسلامیة من أشکال الامتهان والتطاول باسم حریة زائفة تجرّم حریة البحث العلمی فی واقعة الهلوکوست التاریخیة وتکرّم الإساءة للأدیان ورموزها کما حصل قبل أیام فی برلین وبرعایة أنجیلا میرکل.
وهی مناسبة کذلک لکی یعی المسلمون حجم الدمار التی ألحقته التیارات التکفیریة بصورة الإسلام العظیم، فهذه التیارات تتحمل مسؤولیة التطاول على الرموز الإسلامیة وهی بممارساتها تمثل أحد أسباب الهجمة الممنهجة على الجالیات الإسلامیة فی کل أرجاء العالم وخاصة فی أوربا وأمریکا.
هذه التیارات تغذیها عقائد مشوّهة ومحرفّة تقوم على فکرتی التکفیر والقتل، وهذه العقائد المنحرفة هیأت النماذج البشریة القابلة للاستخدام من قبل أجهزة المخابرات الإسرائیلیة والأمریکیة، لضرب الاستقرار فی البلدان الإسلامیة ولتقدیم صورة مظلمة عن الإسلام کدین یفرّخ القتلة والانتحاریین.
لقد آن الوقت لکشف هذا التیار أمام الأمة، ولكی یتعبأ المخلصون من علماء الأمة لفضح هذا التیار وعزله والبراءة منه.
ساعة الحقیقة دقت فهل نبادر لقطع دابر هذا الاستهتار بنا کأمّة وکمقدسات؟
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.