27 October 2010 - 12:46
رمز الخبر: 2789
پ
رسا/تحلیل سیاسی- اشتمل خطاب قائد الثورة الإسلامیة سماحة السید علی الخامنئی أمام الطلبة غیر الإیرانیین على معطیات مهمة تتصل بالاحتضان الإیرانی والحوزوی تحدیدا لهؤلاء الطلبة، هذه قراءة فی أبعاد الخطاب ودلالاته. بقلم عبدالرحیم التهامی.
خطاب الإمام الخامنئی أمام الطلبة غیر الإیرانیین..الأبعاد والدلالات



یمکن اعتبار خطاب الإمام علی الخامنئی الذی ألقاه لدى استقباله للطلبة الأجانب فی قم؛ ومن ضمنهم الطلبة العرب؛ بأنه جاء خطابا حاسما لجهة رفع  الالتباس والتشویش الذی مارسته بعض الجهات الإعلامیة والسیاسیة المغرضة فیما یتعلق بالوجود العربی فی حوزة قم.
فقد درجت هذه الجهات على اتهام إیران بأنّها تقوم بإعداد الطلبة العـرب إعدادا طائفیا ومذهبیا، وتحوّلهم إلى أداة فی مشروعها المذهبی؛ والذی اجتهد أحدهم فی تسمیته بـ"التبشیر الشیعی"، بما تحمله الکلمة من دلالات الاختراق الدینی على غرار التبشیر المسیحی المرتبط بالغزو الاستعماری الأوربی لکثیر من البلدان فی إفریقیا وأمریکا الجنوبیة؛ استثارة للعصبیة واستدعاءً لمختزنات الذاکرة التاریخیة.
بل إن البعض لم یمل من تکرار تلک الاسطوانة المشروخة التی تتحدث عن تصدیر الثورة وکأنّ الثورة فُستق، متجاهلا أنّ الثورات تملک قوة إبهار ذاتیة؛ خاصة إذا ما قامت و تأسست هذه الثورات على القیّم الدینیة والإنسانیة، والحدیث الذی جرى فی بدایة الثورة عن "تصدیر الثورة" هو حدیث کان یرى فی حدث الثورة الإسلامیة نموذجا إسلامیا وإنسانیا یمثل النموذج للشعوب الرازحة تحت أنظمة الاستبداد، ولم تخفی الثورة رغبتها فی أن ترى قلاع الاستبداد المنتشرة فی العالم الإسلامی وهی تتهاوى من حولها بفعل حرکة الشعوب المسلمة لتحرّر إراداتها ولتمسک بزمام مصائرها.
فی مبتدأ الثورة کل ثورة وقبل أن تتحول الثورة إلى دولة کمآل تاریخی، أو تتواصل بموازاة الدولة کما فی التجربة الإیرانیة الفریدة؛ فإنّ اللحظة الثوریة الأولى ومن خلال الزخم الذی تختزنه تقوم بإسقاط کل الحدود أمامها، ولا تفکر إلاّ بمنطق القیّم الإنسانیة التی قامت لأجلها، وسبل تعمیم نموذجها، وهذا المنطق هو عین ما خضعت له الثورة على زمن بدایتها وذلک قبل أن تملی علیها التوجهات الاستراتجیة الکبرى ومتطلبات بناء دولة الثورة، سیاقا مختلفا فی المواجهة حافظ على نفس قیّم الثورة والتزاماتها الثوریة تجاه الشعوب المستضعفة؛ وهو الذی شهدنا فصولا منه فی الماضی ونشهد فصوله الآن تحت مسمیات الملف النووی الإیرانی والدور الإقلیمی لإیران.
وعلى صعید آخر کان من الطبیعی أن تتفاعل الشعوب الإسلامیة وغیرها مع الثورة، وأن یُلحظ فی الساحة الإسلامیة أنّ هناک من یستلهم من نموذجها، دون أن یعنی ذلک انخراطا إیرانیا سیاسیا أو أمنیا فی هذه المشاریع؛ على الأقل منذ العُشریّة الثانیة من عمر الثورة عندما استوى نصاب الدولة الناشئة على ذلک الجمع الخلاق بین منطق الدولة وضروراته ومنطق الثورة ومقتضیاته، وقد أشار الإمام الخامنئی فی خطابه أمام الطلبة الأجانب إلى جدل هذا التفاعل بالقول: "إن الثورة الإسلامیة کانت تنشد منذ البدایة تحرّر الأمة الإسلامیة من أیدی الاستکبار، ولهذا السبب فمع انتصار الثورة الإسلامیة فی إیران شعرت کافة الشعوب المسلمة فی شرق وغرب العالم بأن نسمة منعشة قد هبت فی حیاتها وأن طریقا جدیدة قد فتحت أمامها".
وعلى کلّ فقد خضعت الثورة لقانون الخطأ والصواب ونضّجت عبر هذه السیرورة مشروعها واستراتجیاتها، واستُبدلت المواجهة الشاملة بعد انتهاء الحرب المفروضة بالانفتاح على خلفیة حصر الصراع مع العدو الإسرائیلی والتصدّی لخطط الهیمنة الأمریکیة فی المنطقة، ویمکن فی هذا الإطار إدراج زیارة الرئیس أحمدی نجاد الأخیرة إلى لبنان کنموذج عن الأداء الإقلیمی الإیرانی، القائم على تعزیز التعاون الإقلیمی، والعمل على تشکیل محور أممی معادی للهیمنة الأمریکیة، وحشد التأیید الواسع لمطلب إعادة النظر فی عمل المؤسسات الدولیة وعلى رأسها هیئة الأمم المتحدة.
وبالعودة إلى خطاب القائد فنجد أنّه قد وضع الاحتضان الإیرانی - الحوزوی تحدیدا- للطلبة الأجانب خارج سیاق التجاذبات الإقلیمیة، أی بعیدا عن الاستثمار السیاسوی کما تروّج لذلک بعض الأبواق المشبوهة، یقول:" إن الهدف من هذا الحضور المبارک لیس تصدیر الثورة بمعناه السیاسی الرائج، لأنّ الثورة لیست -أصلا- ظاهرة یمکن تصدیرها من خلال الوسائل السیاسیة والعسکریة والأمنیة، لذلک فإن النظام الإسلامی رفض منذ البدایة الفهم الخاطئ لموضوع تصدیر الثورة".
وفی المقابل شدّد قائد الثورة الإسلامیة على الشرط العلمی المستقطب للطلبة الباحثین عن المعرفة والمتعطشین للعلوم الإسلامیة، ضمن وضع حوزوی استطاع الحفاظ على استقلالیته منذ أن تشکلت نواته الأولى قبل مئات السنین، ولم یغیّر قیام نظام إسلامی شیء فی هذه الاستقلالیة وإن کانت الحوزة قد استفادت من کل أشکال الدعم المادی الرسمی لتطویر بنیاتها ومؤسساتها ومدارسها، یقول:"هدف الطلبة والفضلاء غیر الإیرانیین فی قم هدف علمی وتربوی" وأضاف: "إن العلم والمعرفة أینما کانت فلها طلابها، وأنّ حضورکم فی هذه المدینة المقدسة یدل على قوة العلوم والمعارف الإسلامیة فی استقطاب القلوب التواقة".
وفی مقطع من خطابه وهو یلفت انتباه الطلاب إلى أهمیة التربیة والأخلاق أشار إلى مسالة حیویة، یقول: " فالأخلاق والمحبّة تجاه الناس هی الأسلوب الأفضل لنقل هذه المعارف المنجیة إلى الشعوب"، تحدث عن نقل المعارف ولیس الثورة، باعتبار أنّ الثورة لها متطلباتها الخاصة الناشئة من سیاقها السیاسی والاجتماعی والثقافی الخاص، بل نجده فی مورد آخر من خطابه یعتبر "حضور الطلبة من عشرات البلدان فی قم بأنه النواة الأولیة للمجتمع العلمی الإسلامی الدولی"، وهذا المتوقع من حاضنة علمیة تاریخیة وحیویة کالحوزة العلمیة فی قم، بأن تسهم وعلى صعید عالمی فی تطویر المعرفة الدینیة وربطها بأسئلة العصر وبجدل الدین والحیاة.
فعبر المفاصل الأساسیة فی خطاب الإمام الخامنئی یتحدد هدف هذا التواجد الطلابی ضمن الأطر العلمیة والمعرفیة الصرفة، وفی أفق توسیع مِروحة الإشعاع العلمی للحوزة العلمیة فی قم على العالم الإسلامی خدمة للعلم والمعرفة.
ومع ذلک سیستمر التشویش على هذا التواجد الطلابی لأنّ مشروع الشیطنة الذی ترعاه أمریکا یتطلب إدامة نفس البرنامج، لکن التضلیل تُبطل مفاعیله أمام الحقیقة وشفافیة القول، وقد کان خطاب الإمام الخامنئی طافحا بالحقائق.. واضحا صریحا وشفّافا.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.