رسا / حوارات ـ أشار حجة الإسلام والمسلمین الشبیری الزنجانی إلى بعض الجهود الرامیة إلى بذر الاختلافات بین سماحة السید القائد ومراجع التقلید وقال : ذکر أخی (سماحة آیة الله الشبیری الزنجانی) قائلا : إننی أرى أن السید الخامنئی مجتهد وعادل . ثم أضاف : وأنا أرجحه على بعض العلماء المعروفین .

أفاد مراسل وکالة رسا للأنباء أن حجة الإسلام والمسلمین السید جعفر الشبیری الزنجانی أحد أساتذة الحوزة العلمیة تطرق فی لقاء له مع مجلة (باسدار اسلام) إلى بعض مذکراته عن الثورة الإسلامیة والإمام الخمینی (قدس سره) وسماحة السید قائد الثورة الإسلامیة . وفیما یلی نص حواره کاملا .
إشارة : الحدیث مع آیة الله الشبیری الزنجانی حدیث بمعنى الکلمة ، ولقاء تأسفنا لانتهائه ، دار أغلبه حول ذکریاته عن الإمام الخمینی (قدس سره) ، وعن قائد الثورة وعن أبیه الجلیل المرحوم آیة الله السید أحمد الزنجانی ، ذکریات لها عذوبتها وحلاوتها الخاصة ، کما وقف على السمات الشخصیة والأخلاقیة والعلمیة لسماحة آیة الله الخامنئی ، واستشهد بآراء بعض الأعلام کآیة الله العظمى السید الکلبایکانی وآیة الله مجتبى الطهرانی وآیة الله الشبیری الزنجانی فی القدرات العلمیة والمعنویة والأخلاقیة لسماحة قائد الثورة الإسلامیة .
شارکنا الحوار مع آیة الله الشبیری الزنجانی حجة الإسلام والمسلمین محمد حسین رحیمیان فی مکتبه بمؤسسة الشهید .
*هل کانت لوالدکم المرحوم آیة الله السید أحمد الزنجانی علاقة خاصة بالإمام ؟
- لاأعلم بدایة هذه العلاقة ، أخی - آیة الله السید موسى الشبیری الزنجانی- یعلم بذلک ، ولکننی أتذکر فی طفولتی تردد الإمام على منزلنا وتردد أبی على منزلهم ، کانا یتذاکران العلم فیما بینهما ، غیر أن صداقتهما قبل ذلک . نقل المرحوم مرتضى الحائری أنه اقترح أن یعقدوا مجلساً ودیاً لیلة فی کل أسبوع ، مجلساً شرعیاً ترفیهیاً ، فهم لیسوا ممن یغتاب الآخرین ولذلک کانوا یقیمون مثل تلک المجالس للترویح عن أنفسهم . فی تلک اللیلة أرادوا أن یتفقوا على من یحضر ذلک المجلس ، فتکلموا على عدة أشخاص ، وأظن أن المیرزا عبد الله المجتهدی ذکر اسم والدی وقال : من المستحسن أن یحضر السید أحمد الزنجانی . فقال الإمام : أرى أنه لیس من الصلاح ذلک لأن سنه أکبر منا ولن نرتاح فی حضوره . فأجابوه بأن الأمر لیس کما یتصور ، وأنه ممن یألفون ویؤلفون . فقبل الإمام ، ومن وقتها بدأت صداقتهما . وکانا یحثان الخطى صباحاً لتذاکر العلم فیلتقیان خارج المدینة إلى جانب نهر بعد جسر الصفائیة .
*وهل کان ذلک المکان صحراء ؟
- نعم کان صحراء ، وفی یوم وجدا سنبلة حنطة على الأرض فخافا أن تسحقها الأقدام ، فحملاها وزرعا الحنطة بالقرب من النهر الذی یذهبان إلیه ، وأخذا بسقیها کل یوم حتى نبتت واخضرت ، فکان یتمازحان بإطلاق اسم الحدیقة الخضراء على ذلک المکان .
*من أجل بضع حبات من الحنطة !؟
- نعم من أجل حبات الحنطة تلک ، فکانا یقولان : غداً نلتقی فی الحدیقة الخضراء ، فیظن من یسمعهما أنها حدیقة زاخرة بالنباتات .
*وهل سافرا معاً إلى مدینة مشهد عدة مرات ؟
- نعم وأخذا صوراً تذکاریة أیضاً ، ففی تلک السفرة کانت للمرحوم الحاج فقیهی آلة تصویر ، وهو نفسه حمّض الصور وهیّأها . لم أر تلک الصور لأعوام عدیدة ، ولا أتذکرها بدقة ولکن أظنها صور الإمام والسید محمد صادق اللواسانی والسید أحمد اللواسانی ووالدی ، وهی لدى أخی قدمها له السید الیثربی إمام جمعة کاشان ، واتصور أن المیرزا محمد حسین البروجردی کان موجوداً أیضاً .
*ویبدو أن لهم فی تلک السفرة قصصاً کثیرة ، منها : لقاؤهم الشیخ حسن علی النخودکی ؟
- نعم ، رأى المرحومان الإمام ووالدی الشیخ حسن علی عند رأس الإمام (علیه السلام) ، فاتجها نحوه لیتحدثا معه ، وکان مشغولا بقراءة الزیارة ، فأشار إلیهما أن اذهبا وانتظرانی أمام مدرسة الحاج الملا جعفر حتى أکمل زیارتی وآتی إلیکما . وظاهراً أن الإمام قال له عندما جاءهما : أقسم علیک بهذا الإمام الرضا (علیه السلام) هلا علمتنا علم الکیمیا ؟ فأجابه : لو حولتم کل جبال العالم إلى ذهب فهل انتم متأکدون من أنه لایساء استخدامه ؟ فقال الإمام : لا لسنا متأکدین . قال : إذن لماذا تصرون على تعلم شیء قد یجر إلى الخسران ؟ غیر أنی سأعلمکم شیئاً لاخسارة فیه ولا حاجة لکم معه إلى الآخرین . سمعت ذلک فیما بعد عن أخی وقصّه علی بأکمله .
*أی أخ ؟
- أخی الکبیر السید موسى المقیم فی قم حالیاً ، فقد قال : قال الشیخ : اقرؤا آیة الکرسی أولا ، ثم تسبیحات الزهراء (علیها السلام) ، بعدها سورة التوحید ثلاث مرات ، وصلوا على النبی وآله ثلاث مرات ، واقرؤا الآیتین 2و3 من سورة الطلاق : {ومن یتق الله یجعل له مخرجاً ویرزقه من حیث لایحتسب ومن یتوکل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لکل شیء قدراً} . کان والدی یقول : بعدها لم افتقر ابداً .
*نقلوا قصة أخرى وهی أن الإمام کان جالساً مع المرحوم والدک فقال : من یدق الباب الآن فسأقول من الطارق ؟
- نعم سمعت ذلک من أبی ، إما فی سفرتهم إلى مشهد وإما فی مکان آخر ، لا اتذکر ، ولکنهم قالوا بأن الإمام تفوه بتلک الکلمة ، فعندما طرقت الباب قال الإمام : من الطارق ؟ فقال أبی : المفروض أن تقول أنت من الطارق . فقال الإمام : لا ، انا قلت بأننی سأقول : من الطارق ؟ وقد قلتها الآن .
*نظیر ذلک ماروته السیدة مصطفوی بنت الإمام حیث قالت : کنا جالسین یوماً فی ساحة المنزل فقال الإمام : لو ضربت هذه الحجارة فی یدک بهذا الجدار لأعطیتک جائزة کبیرة . فرأیت أن رمی حجارة بجدار یبعد عنی مترین لایکلف شیئاً ، ولذلک لم أصدق ، فسألت الإمام : أحقاً ما تقول ؟ فقال : نعم أقول حقاً . فسألته : وستعطینی کل ما أطلبه ؟ فقال : سأعطیک أی شیء تطلبین . قالت : فرمیت الحجر وأصاب الجدار وقلت له : اعطنی الآن . فقال الإمام : لا إنک لم تضربی . قلت : کیف وحجارتی أصابت الجدار ؟ فقال الإمام : أنا قلت : اضربی الحجارة فی یدک بالجدار ، ولکن یدک متصلة بجسمک وأنت على بعد مترین لاتستطعین أن تضربی الجدار بیدک !
- نقل والدی أن المرحوم السید تیلی کان صدیقاً لأبی وللإمام وللمرحوم السید حسین القاضی والعلامة الطباطبائی . قال العلامة : کنا جماعة فی مجلس فقال السید تیلی : قال السید الزنجانی : کل من یصعد هذا الرف فسأنزله بثلاث صلوات على النبی . فقلت : یاسید أحمد ، لاتسخر منا ، فلسنا بأطفال ، کیف لک بثلاث صلوات أن تنزل شخصاً من الأعلى ؟ قال : أنا أفعل ذلک ، أنت اصعد وأنا أثبت ما أقول . فقال : فصعدت مسرعاً على الرف وقلت : الآن أرنا کیف تستطیع أن تنزلنی ؟ قال : فصلى على النبی مرة وقال : والثانیة غداً . قال : فلم یصل إلى الثانیة حتى نزلت سریعاً .
رحم الله السید تیلی کان رجلا ظریفاً جداً . کنت بمشهد فی حجرة حجزها لی السید آیة الله الخامنئی نفسه ، وعندما أذهب فی الصیف کان یشرفنا هناک یومیاً ، فی ذلک الیوم کنا جالسین فی ایوان تلک الحجرة فی الطبقة العلیا المشرفة على الساحة وإلى جانبی السید تیلی ، وکان السید الخامنئی حاضراً أیضاً ، وفی الخارج أخوه السید محمد الخامنئی ، ویبدو أن السید تیلی کلفه بأمر ولم ینجزه ، وحینما دخل الساحة بدأ بالعتاب علیه وهو لایعلم أنه أخو السید الخامنئی فقال لی بالترکیة : العجب من هؤلاء الناس المفتقرین للمعرفة . ثم دخل السید محمد إلى الغرفة وحضن أخاه وهو یقول : أخی ، کیف حالک ؟ فانتفض السید تیلی من مکانه فجأة وسأل السید الخامنئی : وهل تعرف الترکیة أیضاً ؟ فقال : بنحو کامل . فضحک الجمیع . بعد ذلک روى السید تیلی نفسه أنه ذهب إلى النجف لرؤیة السید الخوئی وما أن رآه السید حتى بادره بالقول : سید تیلی ، أنا أیضاً أعرف الترکیة بنحو کامل .
*نقلوا أنه عندما ذهب الإمام مع المرحوم والدک والآخرین إلى مشهد لزیارة الإمام الرضا (علیه السلام) ، کان الإمام یزور زیارة سریعة ثم یرجع إلى المنزل الذی استأجروه لیکنس الأرض ویرشها بالماء ویوقد السماور ویصنع الشای ، وحینما یرجع الآخرون من الزیارة یسألونه بتعجب : انت تزور بسرعة وتعود لتعد لنا الشای !؟ فقال الإمام : خدمة زوار الإمام الرضا (علیه السلام) لاتقل عن زیارته .
- أجل ، للإمام روحیة کهذه وکان یعتقد بأن خدمة الناس شیء عظیم ، کما یستفاد من بعض الروایات أن أفضل العبادة خدمة الناس وحل مشاکلهم ، حتى إنه بعد الطواف الرابع الذی لایجوز لأحد أن یخرج من المطاف إلا من أجل حل مشکلة أحد فیمکنه الخروج وانجاز ذلک العمل والعودة لإتمام بقیة الطواف .
*سمعت قصة عن المرحوم والدک - آیة الله الزنجانی - أنه عند تواجده فی زنجان کان الطلبة یرشون الماء على عامل المدرسة ...
- أنا سمعت ذلک من أبی ، وبعدها ظهرت تلک الرسالة .
*وهذا أیضاً أمر عجیب جداً فبعد عشرات السنین ظهرت تلک الرسالة فی قم ...
- بعد أربعین عاماً فی مسجد سلماسی .
*عجیب جداً أن تکتب رسالة فی زنجان وبعد أربعین عاماً تظهر فی قم !
- ظهرت بعد وفاة ذلک الشخص . حکى أبی أن تاجراً متدیناً له محل للبیع بالقرب من مدرسة السید التی کان یستریح فیها نهاراً . فی ذهنی أن والدی قال : تاجر ، والآن ترددت فی أنه ربما کان عامل المدرسة ، وعلى کل حال کان رجلا بسیطاً . قال بأنه أتاه شاکیاً وقال : یاسید ، أرجو أن تنصح هؤلاء الطلبة بأن یکفوا عنی ، فأین ما نمت یأتون ویحملون سریری لینقلونه من مکان إلى آخر . قلت : ربما لایسمعون کلامی . ثم قال : وفی یوم دخلت المدرسة ورأیت ذلک الرجل نائماً على السریر والطلبة قد أخذوا بأطرافه وهم ینقلونه من مکان إلى آخر ، وما أن رآنی حتى قال : أرأیت ! إنهم یحملوننی ! وفی یوم نفد صبره فجاءنی وقال : أرجوک أن تکتب لهم شیئاً . قلت : لعلهم لا یسمعون ما أقول . وأصر على ذلک قائلا : إنهم یحترمونک ویصغون إلى کلامک ، أرجوک اکتب لیکفوا عنی . قال : فأردت أن أتحرر من إصراره وأن أمزح معه فی نفس الوقت ، فکتبت : إن هذا الشخص رجل متدین وبسیط فلا تؤذه ، ودعوه أینما نام یستیقظ فی المکان نفسه ، ولا تفاجئوه وتلقوه فی الحوض . ولما قرأها الطلبة انتبهوا إلى أنهم یجب أن یلقوه فی الحوض أیضاً وقد نسوا أن یفعلوه من قبل . وفی یوم کانوا جالسین فی الساحة بین الحدیقة والحوض ، والرجل على حافته ففاجؤوه وألقوه فیه ، ثم أخرجوه ، وکان یغیر ملابسه عندما رآنی داخلا من باب المدرسة ، فتذکر الرسالة وصاح : آی ! لقد تبلل حکمی ! ومد یده بسرعة فی جیبه وأخرج حکمه وقد تبلل قلیلا ولم یتلف ، وقال لی : لا قصر الله ظلک عن رأسی ، لولا رسالتک لقتلنی هؤلاء الظلمون ! ولم ینتبه إلى أن الطلبة بهذه الرسالة قد اهتدوا إلى إلقائه فی الحوض . وبعد أربعین عاماً خرج السید الاثنا عشری من درس الإمام وقال لأخی : إننی قد عثرت على الرسالة . فنظر فیها أخی وقال : نعم إنه خط والدی الذی کتب فیها اسمه : أحمد الحسینی الدوسرانی . ودوسران إحدى قرى زنجان ، ثم قدم الرسالة لوالدی فقال : إنها هی ، ولکن أحدهم تصرف بدون ذوق وکتب لها ذیلا ، فلا تلقوه أیضاً من أعلى المئذنة !
*هل حضرت درس الإمام ؟
- نعم ، کنت أذهب مع السید الخامنئی إلى درسه فی مسجد سلماسی .
*منذ متى بدأت معرفتکم بسماحة قائد الثورة الإسلامیة ؟
- منذ سنة 1335ش . ففی شهر دی سنة 1334ش استشهد نواب الصفوی ، والسید الخامنئی کان قد رآه قبل ذلک فی مشهد سنة 1333ش .
*والسید فی أی سنة ولد ؟
- 1318ش .
*وانتم من موالید أی سنة ؟
- 1315ش ، أکبر من السید بثلاثة أعوام ، فعمره سنة 1335ش کان 17 عاماً ، وأنا 20 عاماُ ، وفی وقتها ذهبت إلى مشهد صیفاً قبل بضعة أشهر من شهادة نواب الصفوی ، فی تلک السنة کانت السینمات موجودة فی مشهد ولکنها تحت سیطرة فدائیی الإسلام فلا تتمکن من عرض أی فلم فی لیالی الشهادة ، کما تغلق کاملا فی شهر رمضان ومحرم وصفر ، فیکفی أن یتصل أحد فدائیی الإسلام هاتفیاً لیقول مثلا : هذه اللیلة شهادة الإمام الصادق ، لتغلق السینما على الفور . إن سلطة فدائیی الإسلام لم تکن نابعة من ذواتهم بل کان الجمیع یحسبون حساباً لنواب ، وبشهادته کسرت شوکة فدائیی الإسلام فی مشهد ، لقد کان منهم فی هذه المدینة أشخاص طیبون أیضاً . فی تلک السنة غیروا الحاکم ، فأرسلوا حاکم خراسان وهو باسم رام إلى فارس ، ورام رجل متدین ، وکان مع العلماء اسم على مسمى مطیع وأنیس لهم ، وحاکم فارس باسم فرّوخ شخص فظ غلیظ فرغ لتوه من قمع حرکة العشائر ، والجمیع یرهبونه ویقولون : إن سلاحه دائماً على منضدته ، نصبوه حاکماً لخراسان . لاأتذکر بدقة کیف ولکن فی السنة ذاتها تعرفت على شخص من أجل عمل مشترک عزمنا علیه ، وهو المرحوم عباس غله زادی من أصحاب نواب ویکتب مقالات فی مجلة نداء الحق ، رجل متدین وطیب جداً . لیس فی بالی أن السید غله زادی کان سبباً فی معرفتی بالسید الخامنئی ، أو کنت سبباً لمعرفة غله زادی بالسید ، ولکنی أتذکر أننا بدأنا عمالا مشترکاً منذ تلک السنة .
*فی ای مجال ؟
- فی هذا المجال وهو أنهم غیروا الحکام لعزمهم على فتح أبواب السینمات هذه السنة ، ففی کل عام یغلقون السینمات فی محرم وصفر . وأظن أنهم قرروا هذا التغییر فی عید الغدیر وشهر ذی الحجة وأرسلوا أوامرهم إلى الاثنین ، فذهب حاکم خراسان ولم یأت فرّوخ ، فقلنا : إنه یتعمد التأخیر لکی لا یتیح فرصة لأی نشاط ولا یتمکن أحد من أی عمل ، لذا قررنا أن نکتب مسبقاً مانرید أن نقدمه له من کتب وعرائض من الآن لأنه ربما لاتتوفر الفرصة المناسبة ، فبدأنا بالکتابة بخطوط وأسالیب مختلفة ، منها : ماکتبناه بید یسرى وبتعبیر رجل قلیل العلم فقلنا : یاسید فرّوخ ، یتحدث البعض عنک ویقول بأنک ستأتی لفتح السینمات ، ونحن لانصدق ذلک ، فأنت سید علوی ، ونستبعد أن تقدم على عمل لایرضى عنه جدکم ، ولکن لا قدر الله لو صح کلامهم فهذا یعنی أنک أعوج وسنقومک بالسیف . وهذا التعبیر یبین أن صاحبه من أهل السیوف وقلیل العلم . فبدأنا بکتابة أمثال هذه الرسائل وتحضیرها ، کنا مابین خمسة وستة أشخاص ، ولکننا کتبنا رسائل کثیرة فی بضعة أیام .
*من کانوا ؟
- أنا والسید الخامنئی والسید غله زادی والسید هادی عبد خدائی والسید وحید الدامغانی والسید ناصری الذی خلعت عنه ملابس رجل الدین فیما بعد ، ویبدو أنه کان لسوء تفاهم فی الأمر ، ومع ذلک لم یتکلم بشیء ضد السید الخامنئی ولا ضد النظام .
*خلعت عنه ملابس رجال الدین فی زمن الإمام ؟
- نعم ، بعد الثورة ولن ینبس ببنت شفة ، والانصاف أن ابنه قدم بعض الخدمات . السید ناصری کان من حملة القلم وأستاذ فی الجامعة ، وبعد خلع ملابسه أخرج من هناک أیضاً ، کان رجل دین حاد عصبی المزاج ولا یتلاءم معنا ، وأتذکر أنی قلت للسید الخامنئی فی ذلک الحین أنه لایتوافق مع جماعتنا ، لأننا أردنا أن نخطط لتشکیل مجامیع من عدة أفراد ، کل أربعة أو خمسة أشخاص یکونون مجموعة ، وشخص یکون حلقة الوصل ، ویجب أن لایعرف أعضاء هذه المجامیع بعضهم ، لکی إذا قبض على بعضهم لاینکشف أمر الجمیع . هیـّأنا الرسائل ، ولم یبق على محرم إلا یومان وقالوا : إن فرّوخ قد وصل مشهد . فبعثناها له بدون تأخیر من دوائر البرید لعدة مدن مختلفة ، فلما وصل فوجئ بانهمار الرسائل علیه . ولیس الأمر کذلک عادة فیما لو کان الناس منزعجین فسیکتب الجمیع شکاویهم ، فمن بین ألف شخص سیکتب واحد أو اثنان منهم .
*ولا أن یکتب شخصان ألف رسالة !
- لا أتذکر عددها بدقة ، ثلاثین أو أربعین لیست أکثر ، ولکنها انهالت علیه فی عدة أیام وأرعبته ، فجاءه أصحاب السینمات یسألونه : ماذا نفعل ؟ هل نفتح أبوابها ؟ ولایجیبهم ، فی حین أن أساس مجیئه هو لفتحها ، فکان یخشى الناس من جهة ، ولا یستطیع أن یقول لهم : افتحوها ، من جهة أخرى ، فأ جلهم إلى حین . وهکذا انقضت العشرة الأولى من محرم ، وعدت من مشهد إلى قم ، ثم کتب لی السید رسالة وأخبرنی أن السینمات أغلقت إلى الیوم السابع عشر ، ثم انتبه فرّوخ فی هذا الیوم وکتب إعلاناً فی صحیفة خراسان بأنهم کتبوا لی عدة رسائل بتواقیع مزورة ، وأنا لا أقیم لها وزناً ، ولا أخشى هذه الأمور ، وسأصنع ما أنا صانع . ففتح السینمات فی الیوم اللاحق. وفی الحقیقة إن قوله : لاأخشى شیئاً ، دلیل على عکس قوله ولذلک لم یفتحها . من هنا بدأت نشاطاتنا ، غیر أنی جئت إلى قم والسید بقی فی مشهد . وفی یوم من شهر جمادى الثانیة سنة 1336ش شرفنا السید الخامنئی مع والده وأخیه الصغیر السید حسن على طعام الغداء إلى منزلنا فی قم ، وکنت غارقاً فی أفکاری فقال لی السید : لماذا أنت قلق ؟ إذا کنت ترید الذهاب إلى زیارة العتبات المقدسة فسأعلمک ختماً جربت تأثیره عدة مرات . قلت : لا ، أفکر فی شیء آخر . ففاتنی أن أسأله عن ذلک الختم ، وعندما حضرت عندهم مجلس التعزیة کان فی نیتی أن أسأله ولکنی نسیت أیضاً ، فقال لی : هذه المرة التی ذهبت فیها إلى العتبات بدأت بقراءة هذا الختم ولمدة أربعین یوماً ، وفی الیوم الأخیر حینما تم الختم تحرکنا من مشهد باتجاه العتبات المقدسة .
کانت له روح معنویة عالیة حینما ألتقیه فی الصیف ، وأتذکر أن السنة الوحیدة التی قرأت فیها زیارة عاشوراء کل یوم من أیام العشرة الأولى من محرم هی سنة 1355ش ، فکنت أجلس مع السید یومیاً على سطح مدرسة نواب تطالعنا قبة ضریح الإمام الرضا (علیه السلام) ونقرأ زیارة عاشوراء ، بعدها نذهب لمجلس التعزیة ، مجلس أو مجلسین کنا نحضر تعزیتهما بمدینة مشهد : أحدهما فی منزل المرحوم القمی ، والآخر فی منزل المرحوم الشیخ .
*أی شیخ ؟
- هو معروف فی مشهد بهذا الاسم ، ومازالت تعزیته مستمرة بتاریخ یربو على مئة عام ، ویقولون عن تاریخها فی ذلک الوقت : إنه کان أکثر من أربعین عاماً . وکنا نذهب إلى الصحن الشریف مع السید الخامنئی الذی یواظب على الزیارة کل أسبوع بضع لیال ، وفی ذلک الوقت کانت له روح عبادیة عالیة ، وکانت مسیرته الدراسیة جیدة جداً . وعندما ذهب إلى العتبات المقدسة فی العراق ، اشتاقت نفسی کثیراً لزیارتها ، لم أکن أفکر فیها حتى ذلک الوقت ، ولما خطرت فی بالی تمنیتها خصوصاً مع السید لنذهب سویة . فی سنة 1335و1336ش کنا نذهب إلى الزیارة فی مشهد ، وهو رفیق سفر جید جداً فی سفراتنا حول مشهد .
والختم الذی واظبت على قراءته هو زیارة عاشوراء غیر المعروفة ، لأن المعروفة تتطلب وقتاً طویلا وکنت طالباً للعلوم الدینیة ولیست لدی فرصة کافیة لقراءتها کل یوم ، وزیارة عاشوراء غیر المعروفة جربتها عدة مرات وبعد یومین أو ثلاثة من قراءتها أرى النتیجة ، فقرأتها بهذه النیة : إلهی اکتب لی زیارة العتبات بعدة شروط ، الشرط الأول : أن لا تثقل مصاریفها کاهل والدی ووالدتی وأن لا یعلما بشدة شوقی للذهب کیلا یجبرا على الاقتراض لقلة مالهما ، الشرط الثانی : أرید أن أتشرف بالذهاب والسید لما یعد بعد لنزور معاً ، ولذلک قلت فی نفسی أن لا أسأله إلى متى یبقى ، ولکن کنا نعلم بأن من یذهب للزیارة فی ذلک الوقت فسیبقى إلى الثالث عشر من رجب ، ولذلک سألت الله أن أغادر قم قبل الخامس من رجب . لقد کنت طالباً شاباً ولم أسافر کثیراً ، لأن السفر صعب فی ذلک الوقت . الشرط الثالث : أن أعثر على رفقاء سفر مناسبین لا یتسببون فی أذیتی . الشرط الرابع : أن أکون فی النجف یوم الثالث عشر من رجب . ولا أدری إن کنت وضعت شروطاً أخرى أم لا ولکننی قلت لله : إلهی ، إننی بهذه الشروط أتسبب فی سد السبل أمامی ، فهذه التی طلبتها مستحیلات عادیة ، وعرفاً لایمکن أن أهیئ مصاریف السفر بدون أن أظهر رغبتی فیه ، وهذا فی مدة عشرة إلى اثنی عشر یوماً ، وأن تتهیأ کل الظروف وأغادر قم ، ولکنها لیست مستحیلات عقلیة ، کیف ستوفرها ؟ لاأعلم . بعد خمسة أیام من قراءتی لزیارة عاشوراء بدأت أحس بتحقق الأمر ولکن لا أعلم کیف . فی الیوم السادس صلیت الظهر والعصر فی مدرسة الفیضیة وعدت إلى البیت ، وما أن وصلت حتى قالت والدتی : أنت مدعو ؟ سألت : إلى أین ؟ قالت : أین یرید قلبک أن تکون ؟ فتبادر إلى ذهنی الأمر الذی کنت أنتظره فسألتها : فی قم أم خارجها ؟ ولأننا کنا مدعوین على الغداء فی مکان ما قالت والدتی : إلى أین یتمنى المرء أن یکون طوال عمره ؟ قلت : فهمت ، العتبات المقدسة . قالت : نعم ، رأت السیدة بشارتی رؤیا وهی ترید أن ترسلک . سألتها : متى . قالت : کلما أسرعت فهو الأفضل ، فقد أعطتنی مصاریفها وهی الآن عندی . والسیدة بشارتی امرأة متدینة ووالدة السید بشارتی مسؤول المناطق الفقیرة .
فی الغد ذهبت وعلمت أن لاحاجة إلى جواز سفر ، وکانوا یبیعون دفاتر سفر صغیرة بخمسة عشر توماناً , ولأنه الخمیس وینتهی العمل فی الساعة الثانیة عشرة فقد تأجل الأمر إلى السبت ، وأردت أن أشتری بطاقة السفر فی ذلک الیوم ، ولکن أبی قال بکراهة السفر یوم السبت ، فی الغد وما بعده لم اتمکن أیضاً فاشتریت بطاقة یوم الرابع من رجب ، وفی صباحه ذهبت لأرکب السیارة فقالوا : بعد الظهر . رجعت فی الوقت المحدد ورأیت هناک مجموعة أصدقاء منهم : الشیخ الرفسنجانی والشیخ محمد هاشمیان والمرحوم ربانی الأملشی ، فکنا ستة طلاب مع والد ووالدة أحدهما ، وثلاثة آخرون غیرنا . وتأخرنا إلى المغرب لعل السیارة تمتلئ بالرکاب ثم اضطر السائق إلى الحرکة لما یأس من ذلک ، غادرنا المرأب وتناهى إلى سمعی صوت الأذان فتبادر إلى ذهنی أنی أردت أن أکون فی العتبات المقدسة یوم الخامس من رجب ، وکأن الله تعالى قال : إن هذا الأمر ممکن فی خمسة أیام ، فأنت طلبت عشرة أو اثنی عشر یوماً ، وهذا مافعلناه ، الأصل أننا دبرنا الأمر فی خمسة أیام ، وماتبقى منها تأخر کل یوم لعذر معین . فبقیت حتى آخر دقیقة للرابع من رجب عندها غادرنا المکان .
وعلى أی حال فقد وصلنا کربلاء ، وتعجب السید الخامنئی لما رآنی ، إذ قبل أسبوعین لم یکن هناک أی کلام عن زیارة العتبات أصلا ! قلت : جئت مع عدة أصدقاء من قم ولابأس فی أن تتعرف علیهم . وعندما نقلت له هذه القصة فی دورة رئاسته للجمهوریة قال لی : تکلمت لی عن جمیع أحداث حیاتک إلا هذه ، وهی جمیلة جداً ولها أثر کبیر فی إیمان الإنسان . ثم قال : هل تعلم أنک کنت السبب فی تعرفی بالشیخ الرفسنجانی ؟ وأضاف قائلا : عندما رأیته لأول وهلة فی کربلاء لم أستأنس به ، وقد جربت أن من لم أستأنس به لأول نظرة ثم نصبح أصدقاء فصداقتنا یطول أمدها ، وأنت أحد هذه المصادیق ، إذ لم أستأنس بک عندما رأیتک لأول مرة . ولکن الشیخ الهاشمی سجل هذا خطأ فی مذکراته ، وقلت له الشهر الماضی حینما رأیته : سجلت هذه الحاثة سنة 1340ش فی حین أنها وقعت سنة 1336ش ، لأنه لم یکن جواز سفر فی ذلک الوقت وکنا نذهب بدفتر صغیر للسفر بقیمة خمسة عشر توماناً ، ثم وقعت ثورة عبد الکریم قاسم سنة 1337ش وذهب النظام الملکی وطالبوا بجواز السفر . فقال : صحیح ماتقول .
*إذن معرفة السید الخامنئی بالشیخ الرفسنجانی فی کربلاء ؟
- بدایتها فی کربلاء ، أما صداقتهما فبدأت منذ سنة 1338ش . شاهدا بعضهما فی شتاء سنة 1336ش , ثم قدم السید إلى قم سنة 1338ش وتعرف على الشیخ الرفسنجانی فی درس المرحوم آیة الله الداماد , وأظن أنهما کانا زملاء بحث یتذاکران فیه درس السید الداماد ، ومن هنا استمرت صداقتهما . انتقل السید إلى قم سنة 1338ش ، ثم أخبر سنة 1343ش عن ضعف عینی والده وعدم تکمنه من الرؤیة بنحو سلیم ویحتاج إلى مساعدته ، والانصاف أنه کان یهتم کثیراً بوالده ، فعلى الرغم من علاقته الشدیدة بدرس الإمام والسید الداماد والسید الحائری إلا أنه ترکها وتوجه إلى مشهد إرضاء لله ، ومن هنا وفر له سبحانه تعالى أرضیة رقیه وتطوره , ومن هنا بنظری کان أساس عمله حیث آثار ترک دروسه فی قم بالرغم من إرادته وحبه لها وعاد إلى مشهد ، وفیها حضر دروس السید المیلانی . ومن تلک الأیام أخذ بعقد جلسات للشباب فی مسجد الکرامة المشهور ، ولما أغلقوه انتقل إلى مکان آخر والجماعة تذهب إلى آخر سوق (سرشور) ، ومن هناک بدأت الأنظار تتجه نحوه .
أتذکر أن السید عبد خدائی جاء قبل الثورة وقال لی : إن مشهد بین یدی شخصین : مرجع تقلید کبیر فی السن هو السید المیلانی ، وطالب دینی شاب هو السید علی الخامنئی ، جمیع الناس یحبونهما . نفس هذه الأرضیة تهیأت قبیل قیام الثورة حیث بعث الشهید بهشتی رسالة إلى مشهد دعاه فیها للمجیء إلى طهران والتنسیق معهم . هذه فی الحقیقة أسس الثورة ، وأرضیتها فی رأیی مجیئه إلى أبیه للعنایة به فاعتنى به الله تعالى .
کنا نحضر فی درس خاص لدى المرحوم آیة الله مرتضى الحائری ، وقبل وفاته بعدة أشهر أثنى على السید الخامنئی وقال : حینما کان لی معه بحث علمی کانت سرعة فهمه للمطالب وانتقاله بینها عالیة جداً.
*کنت تتحدث فی موضوع تنقله عن أخیک السید موسى الزنجانی ؟
- کنت عنده قبل بضعة أشهر . أوحى الکثیر بأن أخاک لایرتضی السید ، ولکن أخی قال : إننی أرى السید الخامنئی مجتهداً وعادلا ً . ثم قال : وأنا أرجحه على بعض العلماء المعروفین . ولم یذکر بالطبع أسماءهم ، ولکننی أحدس من هم .
*ذکرت ذات مرة أنک أردت منه أن یعهد إلیک بمسؤولیة أحد الأعمال...
- قلت له مرة : أی عمل صعب وخطر ویتسبب بمشاکل للقائمین علیه فأوکل إلی بمسؤولیته لأستشهد فی سبیله ، اتمنى أن تکون لی مسؤولیة کهذه . فدعا لی وألطف فی الرد . وکان رأیی هو أنه حینما یستشهد أخو مرجع تقلید فی سبیل إجراء قانون السید فهذا یحمل الکثیر من المعانی فی طیاته . هذا مورد کنت أرید أن استشهد فیه ، ومن الموارد الأخرى : عرضت على السید أننی أتمنى أن أستشهد فی الحادثة الفلانیة . وقد حلت تلک المسألة بدون شهادتی ، ولکنی کنت اعتقد بأننی لو استشهدت فسیکون ذلک أفضل بکثیر . فضحک السید وقال : ولیس الأمر متأخراً الآن أیضاً . فقلت له : إننی مستعد .
*هل لدیک بعض الذکریات عن زمن انتخاب سماحة آیة الله الخامنئی قائداً للثورة الإسلامیة ؟
- فی ذلک الوقت کان آیة الله الموسوی الأردبیلی رئیساً للمجلس القضائی الأعلى وللمحکمة العلیا فی البلاد ، والسید خوئینها مدعیاً عاماً ، فدعانا السید الأردبیلی جمیعنا إلى قاعة اجتماعات المحکمة ، واجتمع کل قضاة المحکمة العلیا فقال : نرید أن نذهب إلى القائد لتجدید البیعة معه ولتعزیته بوفاة الإمام . کان له هذا التعبیر بعد وفاة الإمام بشهرین تقریباً ، وقال : فی یوم وفاة الإمام عقد مجلس الخبراء اجتماعاً لانتخاب القائد دار فیه کلام کثیر ، وقررنا أن ننتخب بسرعة فائقةً من یسد الثغرة ، فاخترناه سریعاً ، ومن ألطاف الله تعالى على هذا النظام والثورة هو أننی کلما أفکر فی هذا الوقت وبعد مضی شهرین لاأرى أحداً أکثر منه لیاقة , وقد أحضر الله فی أذهاننا شخصاً أکثر جدارة من الجمیع . وکان یعتبر هذا أیضاً من ألطافه تعالى . فتوجهنا من هناک إلى السید . وقد سمع هذا الکلام جمیع قضاة المحکمة العلیا الحاضرون آنذاک .
الأمر الآخر مانقله لی السید آل إسحاق ، ففی الیوم الذی انتخب فیه السید الخامنئی قال السید خوئینها وقد خرج لتوه من الاجتماع : انتخب أفضل شخص ، ولیس لدینا أحد أجدر منه ، ولکننا قلقون فقط من أن ترتبط البلاد بأمیرکا . وما قیل من کلمات أوتعابیر بحث آخ ، الأخوة کانوا یرددون شعارات کثیرة ضد أمیرکا غیر أن تعابیر السید لم تکن واضحة جداً وظن الأخوة أنه ربما یتساهل معها ، وهذا ماقالوه : قلقنا الوحید من أن ترتبط البلاد بأمیرکا ، فی حین أن الشخص الوحید الذی وقف بصمود وثبات فی وجه أمیرکا هو السید الخامنئی ، ولولا وجوده إلى الوقت الحاضر ربما لانهارت البلاد فی کثیر من الجوانب .
*نظراً إلى التعقیدات والصعوبات الاستثنائیة التی أوجدتها الهجمات العالمیة والمؤمرات الاقتصادیة والثقافیة للأعداء والظروف التی غدت أکثر صعوبة بمرات عدیدة من العقد الأول للثورة ، کیف ترى بنحو کلی دور سماحة قائد الثورة فی العالم الإسلامی والثورة ونظام الجمهوریة الإسلامیة وکذلک إبراز دور إیران فی لبنان وفلسطین والدول الإسلامیة التی طرحت الإسلام للوقوف بوجه القوى العالمیة؟
- لا أتذکر الآن هل کان من الأجانب أم من الإیرانیین المقیمیین فی خارج إیران ، ولکن فی ذهنی أن أحد الأجانب له تعبیر جمیل عن الإمام وأرى أنه یصدق على سماحة قائد الثورة . قال : لاتدرک عظمة الجبل وأنت تنظر إلى أسفله ، ولکن عندما تبتعد عنه فستراه جیداً . کان یقول : إنکم فی إیران لاترون عظمة الإمام . وأرى أنه لو أردنا أن نعرف دور السید الخامنئی یجب أن نذهب إلى لبنان والعراق ، یجب أن نسأل آیة الله السید السیستانی الذی یسکن فی وسط مشاکل العراق . إن دور السید یمکن ملاحظته بنحو أکثر من الآثار الخارجیة . والاستشکال سهل جداً , أحدهم کتب مقالة بأنه لو أردنا لاستشکلنا على أمیر المؤمنین (علیه السلام) ، وتصرف بدون ذوق فعنونها بأخطاء أمیر المؤمنین (علیه السلام) ، أراد أن یدافع عنه بالطبع . الاستشکال سهل ولکن على الإنسان أن یرى النتیجة لأنها من تشخص أی عمل وطریق هو الصحیح . إنهم یستشکلون فی کل زمان ، ففی وقت الهجوم على الکویت ، وکانت خطة خطرة جداً ، هنا قال بعض ممن یظن نفسه أنه على مستوى عال فی علم السیاسة : إن أمیرکا هی عدونا الأول ، وبناء علیه فإن لصدام الآن حکم خالد بن الولید ویجب أن نقدم له المساعدة ، فی حین أن هنا جانبین خطرین : أنه لایمکن الاعتماد على صدام ، ولیس من الصحیح أن تقدم المساعدة له ، لأنه لوعادت إلیه قوته لغدا نفس الحیوان الذی کان علیه ، و من جانب آخر فإن مساعدة الکویت والوقوف بوجه صدام یقدم عذراً جاهزاً لتدخل أمیرکا بنحو مباشر فی شؤون إیران وإیجاد متاعب جدیدة ، وواحدة أواثنان أمثال ذلک . واستطاع السید أن یخرج من الأزمة بأحسن نحو .
*فی نفس قضیة الفتنة ...
- نعم ، هذه القضیة أقلقت الجمیع ، والسید أدار البلاد بأحسن وجه ، ومایؤیده جمیع العلماء الأعلام أنه لم یستطع أحد أن یدیر دفة هذه الأزمة بهذا النحو ، حتى سمعت أن للمرحوم آیة الله الکلبایکانی تصریحاً بشأنه ، لأن الکثیر کان ینتظر منه ذلک لعلاقته بالإمام ومنزلته ومرجعیته ، فتوجهت أنظار الجمیع إلیه . سمعت أنه قال : لو انتخبونی أنا أیضاً فلیس هذا عملی ولأوکلت الأمر إلیه وقلت : أدر أنت شؤون البلاد .
*ماهو سر هذا التوفیق کما تراه ؟
- الروح المعنویة والاحساس بمسؤولیة أداء الواجب ، فخطوته الأولى خطاها فی طریق أداء الواجب ، حیث رأى نواب الصفوی فی الثالثة والرابعة عشرة من عمره ومن ذلک الوقت أحس بتکلیفه وسار فی طریق النضال والجهاد ، وقدم کل ما باستطاعته فی هذا السبیل ، ومن یحس بمسؤولیة أداء الواجب یسیطر على أهواء نفسه ویسعى فی هذا السبیل وسیکون التوفیق نصیبه . قال الإمام : لاقدّر الله لإنسان لم یبن نفسه ویؤل الحکم إلیه . والسید الخامنئی بنى ذاته ویسعى دائماً فی بنائها .
أتذکر أنه بعد أن أصبح رئیساً للجمهوریة وقعت حادثة فی مسجد أبی ذر ، ولم أره حتى جاء السید میر محمدی (مدیر مکتب رئاسة الجمهوریة فی ذلک الوقت) وقال : السید یرغب فی رؤیتک . فاتصلت به هاتفیاً فقال : لم تعد تسأل عنی ؟ قلت : کیف یمکن لی أن لا أسأل عنک ؟ أنت متعلق بکل الشعب ، وخیانة لو أردت أن آخذ وقتک . قال : لا ، أنا لست بشیء . وعلى کل حال فقد ذهبت لزیارته ورأیت تعامله فشاهدت فیه تواضعه الدائم ، وأخذت یدیه لأقبلهما فسحبهما . فی الشهر التالی التقیت السید مجتبى الطهرانی الذی کان قد ذهب لرؤیته فحدثنی قائلا : ازداد حبی للسید الخامنئی عشرة أضعاف ، ذهبت إلیه ورأیته لم یفقد نفسه . فاتصلت به هاتفیاً وقلت له : إن السید مجتبى قال هذا عنک , وأنا کذلک محبکم الدائم . فقال : أنا لست بشیء . قلت له : لاتظن أننی فی ذلک الیوم الذی هممت فیه بتقبیل یدک أنه کان إجلالا فی مقابل السلطة ، فقد رأیتک رئیساً للجمهوریة ولم تخسر نفسک وبقیت ذلک السید الخامنئی فی مدرسة النواب ، لهذا أردت أن أقبل یدیک ، فاشکر الله على هذه النعمة الکبیرة فی أن لک هذه الخصلة واسأله أن لایسلبها منک . ولحسن الحظ سعى دائماً بعد ذلک فی بناء ذاته ولم یخسرها .
المسألة الأساسیة والمهمة فی هذا التوفیق هو هذا الأمر ، إضافة إلى العلم والحصافة وانسجام الفکر والانصاف والاستقامة والرحمة و... کلها عوامل سطرت توفیقه {ولو کنت فظاً غلیظ القلب لانفضوا من حولک} . وهو فی قمة الشجاعة ، ففی الوقت الذی یرى نفسه فی صلاة الجمعة وقد ألقاه انفجار القنبلة إلى جانب المنصة - ذلک الیوم الذی هدد فیه صدام بقصف صلاة الجمعة وجاءت الطائرات- عاد بلا تأخیر وبدون أیة لکنة فی لسانه لمواصل خطبته قائلا : هذا هو عملکم . أنتم لاتملکون شیئاً . هذه هی السیطرة على النفس , وکلها من عوامل النصر .
*نقدم لکم شکرنا الجزیل على إفاضاتکم المفیدة .
- کان لقاء طیباً وقد أنست به .
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.