على هامش تظاهرة التضامن مع انتفاضات الشعوب
رسا/الرأی- حملت تظاهرة الحوزة العلمیة فی قم صباح امس رسالتین، الرسالة الاولى هی تصریف لموقف مبدئی من القضایا العادلة درجت علیه الحوزة فی کلّ تاریخها، والرسالة الثانیة کانت موجهة للطائفیین الذین دخلوا على خط هذه الانتفاضات لتمییعها مذهبیا، والرسالة تقول: إن الموقف الدینی والأخلاقی لا یقبل الازدواجیة. بقلم عبدالرحیم التهامی.

کما العهد منها لم تکن الحوزة العلمیة فی قم غائبة عن لحظتها التاریخیة، فمنذ انطلاق شرارة الانتفاضات العربیة کان للحوزة موقفها الداعم لهذا الحراک الشعبی ولمطالبه المشروعة، ولم تتردد فی إدانة القمع السلطوی الذی واجهت به الأنظمة الفاسدة انتفاضة الشعوب، بل یُسجّل للحوزة العلمیة فی قم؛ وهی الصانعة لواحدة من أعظم الثورات فی التاریخ المعاصر؛ أنها لم تکف عن تحریض الشعوب الإسلامیة ودعوتها لاستلهام النموذج الإیرانی فی التحرر من الطغیان والاستبداد وتقریر المصیر باجتراح فجر کرامتها المهدورة وعزّتها المغتالة.
ومع أنّ الحوزة العلمیة فی قم تجد نفسها فی قلب صراع مریر و مستدام مع قوى الاستکبار العالمی لتأمین منجزات ثورتها الإسلامیة أمام الهجمة الاستکباریة المتعددة الواجهات والاسالیب؛ فإن ذلک لم یثنها ولم یصرفها عن واجب الدفاع و النصرة لکل قضایا المستضعفین وفی طلیعتها قضیة الشعب الفلسطینی المظلوم.
ولم یحصل فی هذا الأداء الثوری والمبدئی للحوزة العلمیة فی قم أن تلبّس باعتبارات مذهبیة، أو حرّکته حسابات طائفیة، بل کان الإسلام الأصیل وقیّمه الکبرى هی منطلقه ورافعة انحیازه لقضایا المستضعفین؛ وذلک فی تجسید عملی للشعارات الکبرى التی رفعتها الثورة الإسلامیة وبنت علیها توجهاتها الإستراتجیة وعلاقاتها الخارجیة.
وبالأمس (الأربعاء) جدّدت الحوزة العلمیة بمراجعها وفضلائها وطلبتها -من خلال تظاهرتها الحاشدة- دعمها الثابت لحرکة الشعوب المنتفضة فی کل من البحرین والیمن ولیبیا، وأکد مراجعها وفی مقدمتهم سماحة آیة الله العظمى ناصر مکارم الشیرازی وسماحة آیة الله العظمى نوری الهمدانی دعمهما لانتفاضة الشعوب المسلمة وحق هذه الشعوب فی التحرر من أنظمة الطغیان والاستبداد، وأدانا جرائم القتل والتنکیل التی تقترفها هذه الأنظمة بحق المواطنین، واستهجنا النیل من ثورة الشعب البحرینی وأصالتها بتصوریها -عسفا- على أنها حرکة طائفیة.
ولم تغب المرارة فی تظاهرة أمس عمّا تعرض له الشعب البحرینی من قمع تورطت فیه قوات خلیجیة، ومن تغطیة دینیة لهذا القمع والاستباحة وفرته تصریحات رئیس التجمع العالمی لعلماء المسلمین، الذی لم یهتز له جفن أمام کل مظاهر التقتیل والاختطاف وانتهاک حرمة المساجد والحسینیات والتعدی على الأعراض، ولم یجد من حرج؛ على الرغم من موقعه الدینی؛ فی أن یغمض العین عن الانتهاکات الفظیعة التی استنکرها وشجبها أناس من غیر ملتنا.
وتبقى الحاجة الیوم إلى مواکبة إعلامیة فعّالة لمواقف الحوزة حتى تصل إلى کل العالم، کما لا تقل الحاجة إلى تعزیز مکاتب المراجع - حفظهم الله- بهیئات استشاریة وإعلامیة، فقد انطلقت فی عالم الإسلام سیرورة جدیدة ببرکة هذه الانتفاضات المجیدة؛ ومعها تعاظمت استحقاقات اللحظة التاریخیة وتحدیاتها سواء لجهة التصدی لمحاولات سرقة الثورات الظافرة وادعاء أبوتها من قبل بعض العلماء الطائفیین، أو لجهة مؤامرة عزل ثورات أخرى من منطلقات طائفیة والتحریض علیها کما فی حالة البحرین، أو بضرب أنظمة خیار المواجهة والمقاومة کما فی نموذج سوریا من خلال تحریف المطلب الشعبی بالإصلاح إلى حراک بأجندات طائفیة ومذهبیة.
فلیس مقبولا أن یکون صوت الفتنة وصوت المأجورین أبعد مدى من مواقف النصرة والدعم ومواقفٌ یرضاها الله ورسوله والمؤمنون.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.