10 April 2011 - 19:39
رمز الخبر: 3244
پ
رسا/ الرأی- یبدو المشهد الإعلامی فی بعض دول الخلیج وکأنه رقصة إغریقیة، تسعرّ لها طبول الحرب إیقاعا مجنونا، لکن من ینظر إلى هذا المشهد البئیس من خلال الزمن العربی الناهض لا یفهم لمن تدق کلّ هذه الطبول. بقلم عبدلرحیم التهامی
الحملة الإعلامیة على إیران أو مشهدیة صناعة الأوهام
تزایدت الحملة السیاسیة والإعلامیة على إیران فی المدة الأخیرة، وهی فی الواقع لا تهدأ إلا کی تُستأنف من جدید، ولعلّ الحملات المغرضة وبتعدد عناوینها تکاد تکون الثابت فی موقف وسلوک بعض دول الجوار الإقلیمی ولبعض الدول المشکلّة لما یعرف بدول الاعتدال التی انفرط عقدها بخروج مصر من مربع العمالة وعودتها المتدرجة إلى صفها الطبیعی المتناسب مع تاریخها وعمقها الحضاری.
والحملة على إیران هذه الأیام ترید أن تستدراک على حرکة التاریخ فی ما منحته هذه الحرکة من أوضاع ثوریة لا زالت متفاعلة حتى الآن؛ فکان من ثمراتها المبارکة الأولى ومُحصّلات دینامیاتها الهادرة سقوط نظامین فی مغرب العالم الإسلامی ومشرقه، حیث کان لسقوط الأخیر بالأخص وهو النظام المصری؛ الذی وصف بنیامین بن الیعازر رئیسه "مبارک" بأنه أعظم کنز استراتیجی ل(إسرائیل)؛ وقع الخسارة الفادحة على قادة أمریکا والکیان الصهیونی وزعماء الأنظمة العربیة الحلیفة.
سقوط نظام مبارک یعنی فی المیزان الاستراتجی کسبا إقلیمیا مضافا لإیران وخسارة مؤلمة للسعودیة التی انحسر دورها حتى أنها استشعرت الخطر على حدودها فبادرت إلى التدخل العسکری فی البحرین تحت غطاء ما یسمى بقوات درع الجزیرة لتحسم بالقوة العسکریة مشکلة سیاسیة -جوهرها إصلاحی- بین نظام آل خلیفة ومعارضة سیاسیة لم تحد عن أسالیب التحرک المدنی والسلمی فی المطالبة بتطویر النظام السیاسی ودمقرطته.
ولأن السعودیة کما نظام أل خلیفة؛ الذی وجد فی هذا التدخل العسکری استظهارا بالقوة على شعب مسالم لقهره ومصادرة حقه فی إقرار النظام الذی یحکمه؛ لن یستطیعا تبریر هذه "الغزوة" کما یرد فی أدبیات السلفیین إلا بافتعال رابط بین ما یجری فی البحرین من انتفاضة وبین إیران، وکأن الأوضاع السیاسیة والاقتصادیة وغیرها التی حملت شباب الثورة فی تونس ومصر وغیرها من البلاد على خوض رهانات التغییر لا یوجد لها نظائر فی مملکة البحرین إذا لم نقل ما هو أفظع منها ؟!
لکنه الاستبداد الغارق فی منطق القبیلة وأسالیبها یحسب کلّ موقف یصدر عن إیران دعما لحق الشعوب فی تقریر مصیرها، تدخلا فی الشأن الداخلی وإثارة للفتنة، وهو المنطق الذی یعیش خارج التاریخ إذ یقیم معادلة لا علاقة مباشرة بین طرفیها، فکلما ارتفع صوت للتندید بنظام الحکم فی دولة من دول الخلیج عدّ ذلک الصوت موجهّا بل ومموّلا من إیران، مع أن درس التاریخ البسیط یفید بأن الطغیان یصنع نقائضه فی مطالب الحریة والکرامة بموجب سنن التکوین.
فهذا الردح الإعلامی الخلیجی الذی نعیش على طنینه هذه الأیام والذی ینهل من أسالیب عقیمة فی الدعایة، ویرید أن یقحم المعرکة من أجل الحقوق والدیمقراطیة فی الإطار المذهبی بدا وکأن مهندسیه أدرکوا محدودیة مفاعیله.. لذلک اقتضى منهم الأمر اللجوء إلى خدمات وکیل کان إلى الأمس القریب یثیر الضحک والشفقة کلما کان یقرأ خطبة من خطبه المکتوبة، هذا الوکیل لیس سوى رئیس حکومة تصریف الأعمال الشیخ سعد الحریری والذی قرأ علینا نصّا لیس من تألیفه طبعا؛ وهذا لا یخفى على من یعرف ممکنات الرجل اللغویة، وحتى مضمونا فقد نطق الرجل بکلام مختلف عن هذا عند زیارته لإیران قبل أشهر، یقول هذا الوکیل:" لبنان والعدید من الدول العربیة، فی الخلیج وغیر الخلیج، تعانی سیاسیاً، واقتصادیاً وأمنیاً، من التدخل الإیرانی السافر فی الداخل العربی، بل إن أحد أکبر التحدیات التی تواجه المجتمعات العربیة، وبینها لبنان یتمثل فی الخروقات الإیرانیة المتمادیة للنسیج الإجتماعی للمنطقة العربیة.." إلى أن یقول:" ونحن فی لبنان، لا نرضى أن نکون محمیة إیرانیة"، لکن الذین لقنّوه هذا الکلام لم یفکروا إلاّ فی توسیع دائرة الهجمة على إیران، حتى تبدو وکأنها قضیة اقلیمیة ولیست قضیة محور اسرائیلی/عربی معروف، ولم ینتبهوا إلى أن هذا الکلام لا یسوغ فی لبنان، لأنّ الجمیع یدرک أنّه لولا الدعم الإیرانی للمقاومة لکان لبنان حدیقة خلفیة لـ(إسرائیل). کما لا یسوغ فی غیره من البلدان الأخرى لأنّ المعاناة التی یتحدث عنها الحریری قد وجد الشعب العربی لها الدواء المناسب و صاغ له وصفة؛ لا نظن أنها تغیب على نظر الشیخ الحریری نفسه:" الشعب یرید إسقاط النظام".
للأبواق المتصهینة نقول: فی زمن الثورات تکسد بضاعة الدجل المذهبی، وفی زمن الثورات الهادرة لن تصمد طویلا قلاع الاستبداد، والتاریخ لیس کلبا جبانا تفزعه أصوات الأبواق الصدئة من أعلى أسوار البوابات المغلقة حتى یغیّر مساره.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.