19 April 2011 - 23:47
رمز الخبر: 3283
پ
تحلیل سیاسی:
رسا/تحلیل سیاسی- فی درس التاریخ، فإنّ القمع لا یصادر الحقوق، وأن القوّة فی مواجهة شعب أعزل تتبدى جبانة وسرعان ما تفقد عناصر الدفع، وفی درس التاریخ أیضا فإن للشعوب غدها أما الطغاة فلا غد لهم..وفی مأثورنا الدینی فإنّ الدم ینتصر على السیف. بقلم عبد الرحیم التهامی.
البحرین والقمع الذی لن یصادر الحقوق



«البحرین شهدت محاولة انقلاب ولن یفلت المخالفون من العقاب وتنبغی إحالة جمیع المتسببین والمتآمرین على العدالة» هکذا صرّح رئیس الوزراء البحرینی خلیفة بن سلمان لوسائل الإعلام المؤیدة للحکومة.
هذا التصریح وإن أرید منه إعطاء الانطباع بالحسم والسیطرة على الموقف کشکل من أشکال الحرب النفسیة التی تخوضها حکومة آل خلیفة، فهو من ناحیة أخرى کاف لوحده لإعطائنا فکرة عن المنطق الذی تدار به الأمور فی البحرین، منطق لا یخرج عن الانتقام وتجریم العمل السیاسی وتزییف الحقائق واستعمال متخلّف للغة دعائیة طافحة بحقد مذهبی أسود.
فالرجل الذی یعد أقدم رئیس حکومة فی العالم؛ حیث شغل منصبه الحالی عقب استقلال البحرین عن بریطانیا عام 1971، بل ویتولى إلى جانب رئاسة الحکومة رئاسة عدد من المجالس العلیا فی الدولة، من بینها المجلس الأعلى للدفاع والمجلس الأعلى للنفط والمجلس الأعلى للتنمیة الاقتصادیة ودیوان الخدمة المدنیة؛ قد حصل له تماه تام ومطبق بین شخصه وبین السلطة والنظام الذی یمثله، فمن طالب بتنحیته؛ وقد طالبت المعارضة بتنحیه؛ فهو متورط فی انقلاب ومطلوب للعدالة!
هی - إذا- دولة آل خلیفة وملکهم الذی یأبى على الانتقاص، فأن یطالب الناس بدولة الحق والقانون والتداول على السلطة عبر الاحتکام إلى إرادة الشعب فذلک یعدّ تآمرا وانقلابا ولا بد من العقاب قبل الإحالة على العدالة بحسب منطوق کلام رئیس الوزراء المخلّد؛ العدالة التی تکیّفها الأهواء والأحقاد وغرائز الانتقام.
هذا الکلام الذی یوظّف مفردة العدالة بما یهتک حرمة دلالاتها الرمزیة الجمیلة یأتی فی سیاق تنفذ فیه السلطة؛ مؤازرة بقوات الغدر الخلیجیة؛ خطة أمنیة ممنهجة تستهدف الانتقام والتنکیل بمکوّن رئیسی من مکونات الشعب البحرینی، عبر التقتیل ودهم البیوت وترویع الاهالی، واختطاف الشباب والقیادات السیاسیة واعتقال النساء واحتجازهن فی أماکن مجهولة، وإخضاع المعتقلین لکل ممارسات التعذیب الوحشی حتى استشهد منهم لحد الآن أربعة شهداء، والفصل من العمل وقطع المنح الدراسیة عن الطلبة فی الخارج.. وجاوز الظالمون المدى بهدمهم للمساجد وانتهاکهم حرمة الحسینیات ونیلهم من کلّ الرموز الدینیة للطائفة الشیعیة.
وهم إذ یفعلون ذلک فهم یقوّضون أساس الاجتماع السیاسی فی البحرین، ویجعلون من کل تعاقد سیاسی أمرا مستحیلا، خاصة وهم یقحمون العامل الطائفی على وضع سیاسی لم تحضر فیه الحسابات المذهبیة فی أصل التحرک ومبتدأ الانتفاضة.
فالسلطة وقد أسعفها التدخل السعودی فی التحلل من استحقاقات الإصلاح التی اضطرت للتجاوب جزئیا معها اضطرارا فی ذروة الحراک الشعبی، ارتکست إلى الخیار الأمنی الذی ألفته لتسحق من خلاله کل إمکانیة فی الحل. وهی الیوم وإذ تزهو ببعض نتائجه المؤقتة تبدو غافلة عن عدة أمور.
- إن القمع کخیار لا یحقق استقرارا ولا تنتصر حکومة بقمع، بل القمع یسلبها الشرعیة؛ هذا إن کانت لها شرعیة بالأصل؛ فما بالک وهی مفتقرة لها.
وکل احتلال وعبر التاریخ لم یدم ولم ینسلک فی أطر المشروعیة مع ما کان یتحوّزه من فائض القوة الذی واجه بها شعوبا لا تکاد تملک من مقدرات القوة إلاّ أسلحة بسیطة، فاندحر. وکل استبداد ومهما بدا أنّه قدرٌ محتّم فمآله الهزیمة أمام إرادة التغییر؛ وما النموذج المصری منّا ببعید.
- إنّ القمع قد یعطی بعض النتائج الظرفیة وهی نتائج موهمة، لأن حالة التربص عند الشعوب المقموعة تظل یقظة، وهذا ما یُبقی التوترات الاجتماعیة فاعلة تبحث لنفسها عن أشکال من التعبیر والتمظهر فضلا على قدرة هذه التوترات فی تعویق أی جهد إنمائی.
- والقمع إذ یستنفد نفسه ویصل بأهداف الإخضاع والمصادرة والترهیب والإذلال إلى منتهاها، فإنه إلى ذلک ینتج وضعیة الإنسداد التام، بحیث لا یترک لسنّة التکوین بدیلا، فیحصل الانفجار الحتمی، وهذا بالذات ما حصل فی تونس، فالدولة البولیسیة انهارت لأن درجة الانسداد السیاسی کانت عالیة الإحکام، وهنا نکون أمام حتمیة اجتماعیة وسیاسیة یؤول فیها الحراک الشعبی إلى مجرد تجلٍّ ولیس کمحرک أساسی ومفجّر.
- القمع یعرّی السلطة ویفضح ضعفها واهتزازها، ویستنزفها أخلاقیا، ومن ثم تصبح – أی السلطة- عبئا أخلاقیا یؤرق الضمیر الإنسانی ویُحرج الدول التی لها روابط اقتصادیة أو ثقافیة مع هذه الدولة القامعة لشعبها. فینتهی بها المآل إلى عزلة داخلیة ونبذ على مستوى العلاقات الدولیة.
لقد کان مطلب الحریة إزاء الاستبداد هدف کل ثورة، وکما تقول الفیلسوفة الألمانیة "حنة أرندت": «إن هدف الثورة کان ولم یزل هو الحریة»، والثورة التی یصفها رئیس الوزراء المخلّد؛ بالانقلاب والتآمر ویهدد الشعب البحرینی بأنه لن یفلت من العقاب؛ عدّت دوما فعلاً ممجَّدا، بورکت فی موازین الأرض وتقدست فی کتاب الله الذی جرت إرادته فی خط المستضعفین - کلما نهضوا- نصرةً وتمکینا.
وعلى هذا الدرب الطویل مشى شعب البحرین طیلة عقود، طارقا أبواب الممکن السیاسی لاجتراح صیغة حکم تفی ببعض الحقوق وتمهد الباب أمام أخرى، لکن فی کلّ کدحه السیاسی هذا؛ لم یُتح له الاستبداد المتشبّع بروح القبیلة إلاّ هامشا بسیطا لا یسع شیئا من طموحات العیش الکریم وتطلعات الشراکة فی السلطة.
وجاء خبر الثورة یسعى عبر بیان ملتهب صاغه من إحدى مدن الهامش المفقر فی تونس شابٌ یرمز اسمه إلى شیء عزیز وهو الکرامة. فعلها البوعزیزی رحمه الله، فصارت الأرض غیر الأرض والشعوب غیر الشعوب، ولم یکن شعب البحرین الأبیّ لیخلف العهد مع قاطرة الثورة التی اندفع إلیها شبابها بحزم الثوّار، وحطّوا بها فی میدان اللؤلؤة؛ أیقونة ثورتهم التی جمّلوها بکل مظاهر التحضر والتمدن، وأعلنوا منها حقهم فی وطنهم مواطنیةً کاملة، وفی صیغة حکم تسمح بالتداول على السلطة، على وفق إرادتهم باعتبارهم مصدر السلطات.
ولما اقتربوا من لحظة القطاف المنتظرة جیلا بعد جیل، وأومضت منهم الجراح بشارة..وکاد المیزان أن یعتدل والطغیان أن یسلّم لإرادة الشعب..فإذا بالأفق یتلفح بغمام أسود، وإذا بجحافل العار تقتفی فی غزوها اثر المغول، تعبر إلیهم.. فتنشر القتل والخراب، وتسوم الأحرار کل ألوان البطش والتنکیل.
لکن وبرغم القمع؛ وأشدّه بطشا المتلبس بنزعة فی الدین؛ فإنّ للشعوب غدها..أما الطغاة فلا غد لهم.
﴿ فأراد أن یستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جمیعا﴾. صدق الله العظیم.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.