22 May 2011 - 16:57
رمز الخبر: 3451
پ
تفکیک شبکة التجسس الأمریکیة..
رسا/تحلیل سیاسی- تلقى جهاز الإستخبارات الأمریکی ضربة قویة بالکشف عن شبکة عملائه فی إیران، لکن الانجاز الأمنی الإیرانی النوعی والکبیر لا ینفی أنّ اختراقا کبیرا قد حصل، وقد بات زمن المعالجات الکبرى لکل الاختلالات التی ینفذ منها العدو یفرض نفسه أکثر من أی وقت مضى. بقلم عبدالرحیم التهامی.
الإنجاز الأمنی الذی یستتبع تحصینا ثقافیا واجتماعیا



لا شک فی أنّ تفکیک شبکة التجسّس التابعة للإستخبارات الأمریکیة من قبل الأجهزة الأمنیة الإیرانیة، یعتبر إنجازا أمنیا کبیرا، وإذا ضممناه إلى الإنجاز النوعی لذات الأجهزة فی إعتقال الإرهابی عبد الملک ریغی قبل أشهر؛ یمکن الجزم أنّ الأداء الأمنی الإیرانی وأجهزة مکافحة التجسس التابعة لها قد حققت مستویات عالیة من الحِرفیّة، تجعلنا نطمئن على الثورة دون أن نتراخى طبعا..فالثورة ستظل مستهدفة مادامت على خط مبادئها وحافظة لنهجها الذی قامت وتأسست علیه.
ومع النّجاح النّوعی الموجب للإعتزاز والفخر، فإن الشبکة وخطورتها، وعدد المتورطین فیها، وامتداداتها الخارجیة، وطبیعة الملفات التی کانت تعمل علیها تمثل اختراقا یستدعی إثارة بعض النقاط ذات العائد على المستوى التعبوی.
الإعلان عن کشف شبکة تجسسیة تابعة لجهاز الإستخبارات الأمریکی(سی أی إیه) یجب أن یُفهم فی مختلف الأوساط على أنّه أحد مظاهر الحرب الأکثر خطورة التی تشنّها الولایات الأمریکیة المتحدة على الجمهوریة الإسلامیة فی إیران ، فعادة ما تکون الشبکات التجسسیة فی خدمة مشاریع العدوان وهی ما یزوّد بنک الحروب -على اختلافها- بالأهداف والإحداثیات المطلوبة.
أمّا القدرة على تجنید 30 عمیلا فی هذه الشبکة الخطیرة، وبعضهم موظفون فی بعض الإدارات الحکومیة، فهذا یمثل اختراقا شدید الخطورة والدلالة، لا یهوّن منه سوى أنّه یشکّل ذخیرة للاجهزة الأمنیة الإیرانیة للکشف لیس فقط على أسالیب العدو فی التجنید، بل وأیضا فی الکشف عن مناطق الهشاشة عند مواطنین المفروض أنهم وبموجب التنشئة السیاسیة للثورة هم أعداء للاستکبار ومخططاته وجنودٌ للدفاع عن الثورة ومکتسباتها..فتجنید عمیل من مواطنی دولة الثورة یختلف عن أنماط التجنید فی أی بلد آخر.
لسنا مثالیین هنا، ونعرف أنّ العدو تمکن من اختراق حرکات مقاومة فلسطینیة وغیرها، وأسقط فی شباکه مناضلین من ذوی الرصید النضالی المحترم ومن أصحاب المراتب التنظیمیة العلیا، فالأمر یتعلق أساسا بالانسان وتحدیدا بالضعف الإنسانی أو لنقل بالتسافل الإنسانی، لکن کانت ثمة دائما ثغرة ینفذ منها العدو، وهذه الثغرة هی التی تکشف عن حجم معرفة العدو بنا، وهی ما یساعدنا أیضا؛ وفی المقابل؛ على تدارک أی ثغرة فی البناء الاجتماعی والنفسی والسیاسی والثقافی..لمجتمع الثورة، هی الحرب وهذه استحقاقاتها.
المقلق حقا أن ما نشرته بعض وسائل الإعلام نقلا عن وزارة الأمن یفید بأنّ الضباط الأمیرکیین العاملین فی فروع هذه الشبکه فی المنطقه سیّما فی الإمارات العربیه وترکیا ومالیزیا؛ کانوا یجنّدون العملاء بدواعی إعطائهم تأشیرات وتوفیر فرص عمل لهم وإغراءات أخرى مقابل القیام بأعمال تجسسیة.
و"التأشیرة" التی وظّفها العدو لاستدراج العملاء هی نمط من الاصطیاد فی البیئة الاجتماعیة والاقتصادیة والتی تمثل ضغطا على بعض المواطنین، بالإضافة إلى حالة الاستیلاب إزاء الغرب والتی تقع تحتها شرائح من الشباب ومن الفئات الاجتماعیة إما ذات الدخل المحدود أو ذات التطلعات المادیة المسرفة، فیتبلور معها الحلم الغربی أی الرغبة الجامحة للعیش فی الغرب کموطن خلاص.
هذا الإحباط الإجتماعی ومعه الإستیلاب الثقافی فی أوساط بعض الشرائح، یحتاج إلى تعبئة کل الإمکانات الفکریة والثقافیة، بل وإعادة النظر فی أشکال الخطاب الثقافی والدینی للکشف عن جوانب الضعف والقصور فیهما.
فالثورة لا تبنی لذاتها فقط، بل هی تناضل أیضا کی تقدم للنّاس نموذجها فی الإجتماع السیاسی،ومدرستها فی الإقتصاد، وتعمل على أن تتمیز بمشروعها الثقافی..الثورة نموذج للنهضة فی العالم الإسلامی، وواحدة من تجارب التحرّر الملهمة لکل الشعوب، والثورة لازالت فی الخط المتقدم للمقاومة ولمواجهة مشاریع الاستکبار والهیمنة..لذلک فهی مستهدفة، ولذلک فالعدو لن یکفّ عن محاولات اختراقها وضربها.
هذا الوضع من الحرب الأمنیة المفروضة على الجمهوریة الإسلامیة، تفرض الاهتمام بتحصین الجبهة الداخلیة، والحفاظ على المناعة المطلوبة.
ما یؤسف له أن الواجهة الفکریة والایدیولوجیة تعانی من هشاشة، والملفت أنّ الأکثر اشتغالا الآن على هذه الواجهة هم الأشخاص الذین لم یعد ولاءهم للثورة؛ دون أن یعنی ذلک بالضرورة أنّهم یکیدون لها؛ فمنذ استشهاد مرتضى مطهری الفقیه والفیلسوف والمثقف تراجعت الحیویة الفکریة وطرأت الهشاشة وأعراض التکلس على البناء الایدیولوجی، بل إنّ غیاب المطهری -رحمه الله- المبکر أتاح للخرافیین والتقلیدیین من عصبة القاعدین زمن اندلاع الثورة؛ فرصة استثمار الفراغ فحصروا الخطاب الدینی فی الکلیشیهات الجاهزة، وربطوا الدین بالتفجّع وجرح الذاکرة الشیعیة، فتنفرت من ذلک شرائح من الشباب ووجدت فی بریق الغرب ما یجذبها، فکان الخرق وتجلّى شیءٌ منه فی ما شهدناه من أحداث على هامش انتخابات الرئاسة الأخیرة.
هذا الکلام معناه أنّ المعرکة وإن أخذت طابعا أمنیا فهی أبعد من ذلک، لذلک یجب أن یُواکَب هذا الاقتدار الأمنی بما یناسبه من المسایرة على المستویات الثقافیة والإجتماعیة والإعلامیة.
لحد الآن لم تتح معطیات تفصیلیة حول هذه الشبکة، وإن تمت الإشارة إلى نطاق من عملها التجسسی، لکن یبقى أن نقول أنّ برنامج عملها بشکل مفصل، والمعطیات التی سرّبتها أو التی کانت على وشک أن تسرّبها ستمد المحققین بمعطیات تسمح برسم خطوط لنوایا العدو ولتوجهاته العدوانیة فی هذه المرحلة، وهذه النوایا والاستهدافات هی التی یجب تحویلها الى خطط مضادة فی سیاق المعرکة المفتوحة بوجه الشیطان الأکبر.
من النتائج المفترضة لتفکیک شبکة التجسس الأمریکیة أن تحصل حالة من الیقظة والتعبئة على الصعید الجماهیری، فالعدو بیننا، وهذا الکشف الأمنی معطىً من المؤمل فیه أن ینبّه کل المسؤولین الذین یتوهمون أنّ الوقت قد یتسع لبعض مماحکاتهم السیاسیة التی ترهق الثورة وتزوّد الهمّ على قائدها دام له العزّ والتأیید..تنبههم بأنّ العدو فی حالة تربّص دائم، فیعودوا سیرتهم الأولى.
(وأرادوا به کیدا فجعلناهم الأخسرین) صدق الله العظیم.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.