23 August 2009 - 12:33
رمز الخبر: 366
پ
مدیر قسم الفلسفة والعرفان فی مركز بحوث المهدویة فی قم:
رسا/ حورات ـ صرح عضو الهیئة العلمیة فی مركز بحوث المهدویة قائلاً: لقد توفرت إمكانیة حصول النخب على أجواء البحث الحرة.
الرؤیة الفلسفیة لبعض البحوث الدینیة تعتبر ضروریة


فی حواره مع مراسل وكالة رسا للأنباء أوضح سماحة حجة الإسلام والمسلمین بهروز محمدی منفرد، مدیر لجنة الفلسفة والعرفان فی مركز بحوث المهدویة التابع لمؤسسة آینده روشن، مناهج البحوث المهدویة، وقال: ینبغی لمن یعمل فی المجال الفنی نشر العقیدة المهدویة، على ضوء الدعم العلمی والثقافی.

فیما یلی نص هذا الحوار:

رسا ـ ما هو إطار عملكم التحقیقی على صعید العقیدة المهدویة؟

إنّ من أولیات أعمالنا ـ غیر ما نقدمه من بحوث فی مجال العلوم العقلیة ـ البحوث ذات النظرة المستقبلیة؛ لأننا نتطلع للقیام بالأعمال التی لم تتحقق على مستوى العلوم العقلیة، ومن المعلوم أنّ بعض المسائل كمسألة إثبات ولادة صاحب العصر، وطول عمره الشریف، هی أعمال مطروقة كثیراً، وقد ألفت الكثیر من الكتب فی هذا المجال.

إنّ رؤیتنا هی رؤیة جدیدة ومعاصرة للفكرة المهدویة، فنحن نحاول التعرّف على المذاهب الفلسفیة الموجودة فی الغرب والقیام بدراستها، كما نقوم أحیاناً بنقد بعض المذاهب كالمذهب الوجودی والإنسانی ـ كما ننقد الأفكار الطوبائیة ـ على ضوء الثقافة المهدویة، أو شخص مثل پوپر الذی ینتقد المدینة الفاضلة التی یؤمن بها أفلاطون وغیره فی كتابه المجتمع المنفتح وأعداءه؛ مع كونه یعتقد أنّ المدینة الفاضلة التی یبحث عنها الكثیر من المفكرین هی المغرب؛ أی أنّ مستقرها العالم الغربی.

إنّ من جملة نظریاتنا نقد هذه المذاهب، ومن أجل إثبات نظریتنا لابد من نقد أصحاب هذه المذاهب بأسلوب عقلی، والتعرف على ما فیها من نواقص، ثمّ القیام بإثبات أفضلیة الفكرة المهدویة على بقیة المذاهب.

ومن الواضح لو أردنا أن نثبت أحقیة الفكرة المهدویة، فإنّ بقیة المذاهب تحاول أن تنفیها؛ لذا علینا أن نثبت فكرة المنقذ بأسلوب فلسفی أو كلامی، ومن خلال التنظیر وبیان مبانی العقیدة، نتمكن من إثبات فكرة المنقذ وأصل وجوده.

رسا ـ ما هی أهمیة البحث فی العقیدة المهدویة؟

إنّ الفكر الصهیونی المسیحی هو أحد الأفكار التی تؤمن بالمنقذ، وعلى ضوء إحصاءات الأعوام الماضیة هناك أكثر من ثمانین ألف قس مسیحی، وأكثر من أربعمائة مجلة وصحیفة، ومئتی شبكة تلفزیونیة ومحطة فضائیة، تسعى لترویج الصهیونیة المسیحیة، كما تختص الكثیر من وسائل الإعلام فی أمریكا ـ التی یعمل فیها ما یقرب من ستین ملیون صهیونی مسیحی ـ بمسألة المنقذ.

إنّ أصحاب هذا الفكر قد حازوا على الكثیر من أفلام هولیود من أجل ترویج أفكارهم، وهم یروجون أفكارهم الخاصة بعقیدة المنقذ بواسطة بعض الأفلام الفنیة كفیلم، أرباب الحلقات، والرجل العنكبوتی، أو كارتون هروب الدجاج، ، وبالتدریج یثبتون تعالیمهم فی ذهن وسلوك المتلقی.

وعلى هذا الأساس یجب أن تبحث العقیدة المهدویة بحثاً مقارناً؛ لكون هؤلاء لا یصنعون أفلام المنقذ، كفیلم أرباب الحلقات دون الاعتماد على الفلسفة والبحث العلمی؛ لذا فنحن نعتقد أن البحث فی العقیدة المهدویة یتمكن من مواجهة المذاهب الأخرى وما ینجم عنها من آثار.

إنّ إثبات أصل الإمامة یعتبر من أولیات عملنا؛ لأنّ البحوث المهدویة تابعة لبحث الإمامة، وإنّ من جملة المشاكل العلمیة، بحث مسألة ولایة الفقیه فقهیاً، على أساس أنّ ولایة الفقیه من المسائل التی یطرحها الفقه الجواهری، مع أنّ مسألة ولایة الفقیه هی تابعة لمبحث المهدویة، والمهدویة تابعة لموضوع الإمامة، والحقیقیة أنّ ولایة الفقیه هی مسألة كلامیة وعقلیة فضلاً عن كونها من المسائل الفقهیة.

إنّ الفكرة المهدویة من البحوث الواسعة التی تنطوی فیها مسألة الولایة وولایة الفقیه والحكومة، وهذا دلیل على أهمیة العقیدة المهدویة، وعلى ضوء ذلك تظهر ضرورة البحث الواسع، الذی تندرج تحته مسألة معرفة الإمام، ومواجهة الأفكار الغربیة.

رسا ـ إنّ الأفكار الغربیة تسعى من خلال صناعة أفلام المنقذ، أن تكون لها الصدارة فی هذا المجال، وتستأثر بحمل هذه الرایة فی العالم، فهل تمكنت فكرة المهدویة أن تلعب دورها فی أفلامنا السینمائیة؟

للأسف لم ینجز فی السینما الإیرانیة إلا القلیل، بل نشاهد فی بعض أفلام المهدویة وجود أمور تضر فی الفكرة المهدویة.

وإنی أعتقد ینبغی لمن یعمل فی المجال الفنی نشر العقیدة المهدویة، على ضوء الدعم العلمی والثقافی.

وعلینا أن نستثمر المجال الفنی بالتدریج من أجل ترویج الفكرة المهدویة، وأن نعمل كثیراً على هذا الصعید.

كما نعمل أنّ هناك مذهباً یطلق علیه المذهب الوجودی، تحدثت عنه بعض الكتب مثل كتاب جون سارتر و نیجیه، وهذان المفكران یعتقدان بضرورة ترویج الأفكار عن طریق الفن، فهم یعرضون عقائدهم للمجتمع عن طریق الروایات، والأفلام، والمسرحیات، وإنّ سارتر الذی یؤمن بالفكرة الوجودیة، كان كاتب روائی، وقد كان یطرح أفكاره فی إطار روائی، بناء على ذلك یجب أن یكون الفن فی خدمة أفكارنا.

 إنّ الفكر الوجودی هو الفكر الذی كان ینفی العقلیة المحضة، كما أنّ المذاهب الإنسانیة والأفكار العقلیة انتهجت منهجاً خاطئاً إلى الآن؛ لذا ینبغی لنا أن نلتمس المنهج الحسی والفنی، وإذا ما دخلنا عن طریق الفن فسننجح؛ بناء على ذلك لا یمكن أن ندعی أننا قد أنجزنا عملاً فنیاً على صعید المهدویة، حتى تصل النوبة بأن نتكلم حول نجاح هذا العمل.

رسا ـ ألا یعود سبب عدم النجاح فی مجال فن المهدویة إلى الباحثین فی المیدان الدینی؟ وقد ترجع هذه المشكلة إلى عدم وجود مركز علمی وتحقیقی جامع.

إنّ تبعة هذا الأمر یجب أن تلقى على الباحثین فی المیدان الدینی، الذین تخلوا عن البحوث السینمائیة، وبالنتیجة تركوا الباب مفتوحاً لدخول الأشخاص الذین لا یمتلكون الخبرة فی هذا المجال، فعندما یترك علماء الدین الساحة، قطعاً أن غیرهم سیقومون بملأ الفراغ الذی خلفوه.

ولو أردنا أن نلقی نظرة على الغربیین سنجدهم طبعوا كتباً بخصوص فلاسفتهم حتى بلغة الأطفال؛ یستهدفون من وراء ذلك إیصال أفكارهم للأطفال، فتراهم یعرّفون فروید ودكارت للأطفال، مع أنّ هؤلاء الأشخاص ـ لو أردنا أن نقیّمهم ـ سنجدهم لا یصمدون أمام ما تطرحه أحادیث الأئمة المعصومین علیهم السلام من أفكار.

فعلى سبیل المثال لو أردنا إلقاء نظرة على نظریة باسكال، سنجد أنّ هذه النظریة قد تطرق لها الإمام الصادق والإمام علی علیهما السلام قبل ألف وأربعمائة سنة، مع أننا نرى الكثیر من الكتب التی تمّ تألیفها من أجل نظریة باسكال، ولا نلحظ ذلك فی عملیة نشر أفكار أئمتنا علیهم السلام؛ لأن نشاط وسائل إعلامنا فی هذا المجال ضعیف.

  فمع ما لدینا من مصادر حول صاحب العصر، ومع ما نمتلك من أفكار للحدیث حول العقیدة المهدویة، إلا أننا لم نتمكن من ترتیب هذه الأفكار فی أطرها المناسبة، أو عرضها للأطفال والشباب من خلال الفن وصناعة أفلام جیدة.

  رسا ـ هل یعتبر المذهب الحسی أحد المشاكل التی تواجه المهدویة، وهل إنّ المذهب الحسی، یهدد المذهب العقلی؟

  فضلاً عن تعامل المهدویة مع المذهب العقلی، فإنّ هذه الفكرة تتمتع بالعاطفة والأحاسیس المرهفة أیضاً، وعلینا أن نستثمر هذه الأحاسیس، وجعلها ترتكز على أسس عقلیة، وبالتأكید أنّ الأخذ بالأحاسیس المجردة بدون اللجوء إلى العقل، یلغی المذهب العقلی؛ لذا یجب توفیر أرضیة عقلیة تتناسب مع هذه الأحاسیس عن طریق اللجوء إلى الآیات القرآنیة والروایات الشریفة.

  رسا ـ ما هو دور البحث والدراسة فی التمهید للظهور؟

 إنّ التمهید للظهور یعنی توفیر الأرضیة المناسبة لذلك، والحال إنّ هذه الأرضیة لها تأثیر من جهات مختلفة، وأحیاناً یعود هذا التأثیر إلى الاستعداد الثقافی، ویعود إلى الاستعداد الفكری أحیاناً أخرى، وعندما نعتقد بعد وجود استعداد عالمی للظهور، فإنّ هذا یحمل معانی عدّة، من جملتها أنّ نعنی بالاستعداد هنا الرجوع للاستعداد الفكری، وعلیه لو أنجزت فی هذا المجال بحوث معمقة، وكان الناس من أهل المطالعة، وتمكنوا من التعرف على الثقافة المهدویة، بالتأكید سوف تتوفر الأرضیة المناسبة للظهور.

  رسا ـ هل وصلت بحوثكم الخاصة بالعرفان العملی إلى مرحلة التطبیق؟

  لابد أن أقول بصراحة أنّه لم یتحقق إلى الآن عملاً واسعاً فی مجال العرفان، ولكن توجد مجموعة من المقالات والمؤلفات یمكن تطبیقها فی مجال العرفان والفلسفة، وعلى سبیل المثال یمكن أن نطبق فی المجتمع أفكار محی الدین عربی العرفانیة المتعلقة بمسألة الولایة، من خلال تنزیلها إلى المجتمع بلغة بسیطة وسلسة؛ لأنّ العرفان یتعامل مع الحس بشكل كبیر؛ وعلیه یمكن أن یكون له تأثیر أكبر فی الناس.

  رسا ـ هل یمكن أن تؤثر البحوث الأصیلة فی وضع حلول للإفراط والتفریط الموجود فی العقیدة المهدویة؟

  لیس هناك شك فی ذلك، وإذا أمعنا النظر نجد أن المشاكل الأساسیة التی تطرأ على الشباب فی الحركة المهدویة ناجمة عن التوجهات الخرافیة، وإنّ أغلب الأفراد الذین یبتلون بالخرافة هم من الجهلة وقلیلی الوعی، فالشخص المتعلم لا یمكن أن تطرأ علیه الخرافة بسهولة؛ بناء على ذلك لابد من العمل على تحقیق البحوث الأساسیة، وبالطبع یجب أن لا تحدد فی مجال واحد، بل یجب أن تصنّف البحوث وتبسّط، وتطبع فی الصحف والمجلات، وتوضع تحت تصرف المعلمین؛ لیدرسوها فی المدارس، ویوصلوها عن طریق التلامیذ إلى أسرهم، لیزداد أثرها فی المجتمع وتجنبه المشاكل المتعلقة بالمهدویة، وبالخصوص عقیدة اللقاء.

 رسا ـ كیف نجعل الناس تهتم بأصل الظهور، وما الذی یحدث إذا أصبح اهتمام الناس بحواشی الظهور ـ مثل عقیدة اللقاء ـ أكثر من الاهتمام بأصل الظهور.

إنّ عدم الوعی هو أهم المشاكل فی هذا المجال، وعدم المعرفة بالمهدویة وأصل الظهور، یؤدی إلى اهتمام الناس بحواشی الظهور.

  للأسف، یجب القول أنّ وسائل الإعلام ومبلغی الدین لم یبرزوا بصورة جیدة فی هذا المجال، وحتى التلفاز فی یوم الجمعة لا یتعرض إلى قضیة الإمام المهدی إلا من خلال ساعة تتعلق بظهوره علیه السلام، دون التعرض لأصل الغیبة والظهور، بل یكون التعرّض لبعض الأذكار التی تشیر إلى اللقاءات مع إمام العصر (عج)، مع أنّ الواجب هو التعرض لمسألة التمهید للظهور والانتظار الصحیح، وأداء التكلیف من قبل المنتظر.

وأنا أعتقد أننا بالإضافة إلى ما نقوم به من بحوث معمّقة، علینا أن نعرّف الشیعة بأنّ علیهم أن یكونوا منتظرین؛ أی علیهم أداء تكالیفهم؛ لكی تتهیأ الأرضیة لظهور المنقذ شیئاً فشیئاً، وبالتأكید أن هذا الاستعداد یعتمد على الاستعداد الفكری، لا أن یصرف الإنسان جمیع جهوده بالتفكیر فی مسألة اللقاء بالإمام علیه السلام أو یقتصر عمله على تألیف الكتب المتعلقة بذلك، بل علینا أن نكتب بحوثاً تعتبر اللقاء مع إمام العصر (عج) صورة من صور الكرامة الإلهیة.

 رسا ـ ما هی الأمور التی یجب أن تشتمل علیها مراحل البحث الصحیح فی رأیكم؟

إننا نسعى فی مجال البحث القیام بعمل مهدوی، جدید ومعاصر، ویتمتع بالحیویة، وإن ما هو مهم لنا فی هذا المجال أن نخطو خطوات أكثر فی المیادین التی تلبی احتیاج المجتمع، وتبعث على حل المشاكل، وما أعتقد بأهمیته هو تتمحور بحوثنا على حل المشاكل فی هذا المیدان، واستخدام المصادر المعتبرة فی البحث.

وعلاوة على التركیز على هذه المسألة الأساسیة، یجب أن نرفع بمستوى بحوثنا لتضاهی المواصفات العالمیة؛ أی لا نكتب شیئاً فاقداً للفائدة، بل یجب أن تتمتع مؤلفاتنا وبحوثنا بالتحلیل والإبداع، مثلما یفعل الغربیون.

إنّ المشكلة الأخرى التی نواجهها فی بلدنا، التعصب لكتابات السلف من علمائنا، والاعتقاد بأنّ ما یكتبونه وحیاً منزلاً، مع أننا یجب أن نقوم بدراسة النظریات، وإعطاء آراءنا على أساس ذلك بعد القیام بالتحلیل والتفسیر المناسب، وبالطبع ینبغی عدم التغاضی عن أحادیث المعصومین علیهم السلام.

إذاً المسألة الأساسیة الأولى هی العمل المحوری، والمسألة الثانی هی مماثلة الامتیازات العالمیة، أما المسألة الأخرى التی یجب الالتفات إلیها فهی أنّ البحوث كانت تعد قیّمة إذا اعتمدت على المصادر المعتبرة والكثیرة، لكننا الآن أصبحنا نعتبر البحث الذی یتمتع بالتحلیل والإبداع بحثاً قیماً، وإن كان یعتمد على مصادر قلیلة.

فی غضون ذلك تكون إحدى المشاكل التی یتعرض لها البحث، استخدام الباحث الكثیر من المصادر، دون اللجوء للتحلیل والإبداع؛ أی أنّه یعتمد على نقل الأقوال وذكر ما جاء فی المصادر فقط، لكونه یستأنس بأقوال السلف من العلماء؛ لذا نجد بعض الباحثین اللامعین كالعلامة الطباطبائی (رض) ـ على سبیل المثال ـ مع كونه قام بتألیف الكثیر من الكتب، إلا أنّها جمیعاً ترتكز على التحلیل البدیع والابتكار الممتاز.

  رسا ـ ما هی خصائص الباحث الدینی؟

إننی أعتقد أنّ الباحث یجب أن یمتلك رؤیة ـ لا أقل فی العلوم العقلیة ـ أوسع من الجمیع، ولقد كان یقال لنا فی دروس الفلسفة عند التطرق لموضوع معرفة الله: إنّكم لا تعتقدون بالله؛ لذا لا تتمكنون من البحث فی هذه المسألة بشكل جید، وإنّ الفرق بین الكلامی والفیلسوف یكمن فی أن الكلامی إذا أراد أن یبحث فی أحدى المواضیع، یتخذ مواقفه من البدایة، بحیث یُعلم ما الذی یرید أن یقول، وهذه هی طریقة الباحث الكلامی، یحاول إثبات رأیه بشكل أو آخر، وهذا النوع من البحث لا یستطیع أن یكون مؤثراً فی الوقت الحاضر، ولا یرغب له القارئ المعاصر؛ أما الرؤیة الفلسفیة فلا تعتمد على لغة التهدید وإشهار السیوف، لأنّ الباحث الفلسفی من أول الأمر لا ینسب نفسه إلى أی مذهب من المذاهب، بل یبقى هو وما یحاول إثباته من خلال ما یمتلك من أدوات وأدلة.

  بناء على ذلك، لو أردنا أن ننجح فی میدان البحث ـ على الأقل فی میدان العلوم العقلیة ـ فعلینا أن ننظر لمیدان البحث بنظرة فلسفیة، لا كلامیة؛ لأنّ الكتب الكلامیة، ككتاب كشف المراد هی كتب إقناعیة، وفی الغالب تفید العوام، أما الكتب الفلسفیة تعتمد على البراهین والأدلة التی ترسخ فی أذهان الأشخاص بالتدریج، وتصبح أكثر قوة ودوام؛ لذا نجح الغربیون بشكل كبیر فی مجال العلوم العقلیة ومیادین البحث، وإن دلیل نجاحهم فی هذا المجال یعود إلى كوننا لا نمتلك كتاباً عن الشرق حول هذه المسألة، لنقوم بترجمته إلیهم، مع أننا نقوم بترجمة كتبهم للاستفادة منها، وهذه من المسائل التی تبعث على الأسف.

  رسا ـ لماذا لا یحصل استثمار فی هذا المجال؟

إنّ الغربیین على عكسنا تماماً فهم یبحثون عن النخب، إلى درجة أنّ أحد الأخوة المقربین منی كتب مقالة وقد ترجمت خلاصتها للغة الانكلیزیة، وعندما عرف بها الغربیون اتصلوا به ودعوه كأستاذ یدرّس تلك المادة فی أوساطهم العلمیة، مع أننا نفقد مثل هذه النخب وتسترق من بین أیدینا بسهولة؛ نتیجة لعدم وجود الاستثمار الأمثل لها، علماً أننا نمتلك نخبة طلابیة، لكن بسبب عدم وجود الدعم المالی، والأوساط العلمیة المناسبة، تركوا العمل فی هذا المجال وتوجهوا إلى جهات أخرى.

عندما یعلن عن أسماء الناجحین الأوائل والثوانی فی الامتحانات العامة فی إیران، تقوم الدول الغربیة بدعوتهم من أجل إیفادهم للخارج، لكننا لا نشهد مثل هذا الدعم فی داخل القطر، علماً أنّ عدم الدعم هذا یلحظ أكثر فی مجال العلوم الإنسانیة، بحیث یفتقر الفرد فیها للدعم المالی والدعم المعنوی.

  للأسف، توجد حالة من الروتین الحكومی فی الأوساط العلمیة، بحیث تجد مجموعة من الأشخاص غیر الكفوئین فی مركز معین یشكّلون فریقاً یسیطرون من خلاله على الوسط العلمی دون أن یعترفوا بالنخب.

  رسا ـ ما هو العلاج لهذا المرض فی الأوساط العلمیة؟

  باعتقادی یجب تأسیس مركز عام، یشرف على المراكز الموجودة، یقوم بدعم النخب العلمیة.

فعلى سبیل المثال إذا أراد شخص أن یذهب لمركز ما، أو یكتب بحثاً عمیقاً ویقدمه لمؤسسة معینة، یضطر أن یكون عمله منسجماً مع ذوق أفراد ذلك المركز أو تلك المؤسسة ـ وللأسف ـ وبالنتیجة لا یتمكن من تقدیم عمله فی مثل هذه الأجواء؛ لأنّ أفكاره سوف تكون مقیدة بنحو من الأنحاء؛ بناء على ذلك یجب إیجاد مركز أشمل لا تكون هذه النظرة حاكمة علیه، بل یحترم الباحثین ویعطی وزناً وقیمة لهم، كما یجب علاج هذا المرض من خلال إیجاد مجامیع ولجان مركزیة، تتمكن كافة النخب من التعامل معها بسهوله، والحصول على الدعم العادل.

  رسا ـ ما هی الإمكانات المتوفرة فی مدینة قم فی مجال الدراسة والبحث، وهل توجد فیها مكتبات تضاهی المكتبات العالمیة؟

لقد كتبت أطروحة وأقترب موعد الدفاع عنها، ولكننی من أجل الحصول على أحد الكتب التی أردت الرجوع إلیها، اضطررت لإرسال عدّة رسائل لعدّة مجتهدین، حتى تمكنت من الحصول على الكتاب الذی أرید؛ لذا یجب أن أقول ـ وللأسف ـ إنّ مكتباتنا ابتلت بهذا المرض الذی تحدثت عنه قبل قلیل؛ أی أصبحت حالة البیروقراطیة حاكمة على المكتبات أیضاً.

وبعنوانی أحد الباحثین أشعر بقلة الإمكانات ـ وفی الواقع ـ أنّ باحثینا یعیشون حالة من العوز فی مجال الكتب والدعم الثقافی، وهذه تعتبر من الآفات التی تعانی منها الحوزة والأوساط الثقافیة.

 وفی الختام أحببت أن أذكر بأننی رأیت أحد الیابانیین الذی وفدوا إلى إیران من أجل إتمام بحوثهم، وهذا دلیل على اهتمام البلدان النامیة بمسألة الدراسة والبحث، وسعیها من أجل توفیر الإمكانات الواسعة والكبیرة لدعم حركتهم فی مجال البحث والتحقیق.

رسا ـ شكراً جزیلاً لما أعطیته من وقتك الثمین لوكالة أنباء رسا لإجراء هذا الحوار.


ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.