رسا/تحلبل سیاسی- فی انتظار أن تثبت التطورات صحة موقف حزب الله مما یجری من تطورات على الساحة السوریة، وتنکشف أبعاد المؤامرة المتعددة الأطراف، نستعرض بعضا من حیثیات موقف المقاومة من الحدث السوری فی ضوء ما تیسر من متابعة لتصریحات قادتها. بقلم عبد الرحیم التهامی.

مرت علینا هذه الأیام ذکرى انتصار المقاومة الإسلامیة فیما سمی ووفق أدبیات المقاومة بالانتصار الإلهی والتاریخی الکبیر عقب حرب الـ33 یوما، فالرابع عشر من آب الذی یؤرخ لنهایة العدوان وهزیمة (إسرائیل) لم یحضر کما یجب فی السیاق العام للأمة المنشغلة بمخاضات ثوراتها وحراکها خاصة فی کل من مصر وتونس والوضع فی سوریة خاصة، حیث استثمرت الغرف السوداء فی واشنطن وتل أبیب المناخ العربی الجدید لتصفیة الحساب مع النظام السوری الممانع من خلال اختراق الحرکة المطلبیة للشعب السوری فی الإصلاح وتحویلها إلى حرکة تمرد مسلح یقودها التکفیریون والعملاء وتستقطب بعض الفئات المحبطة والیائسة من أبناء الشعب السوری.
یروج هذه الأیام حدیث سلبی و متسع النطاق فی بعض الأوساط الحزبیة والإعلامیة حول شعبیة المقاومة وعن الرصید الأخلاقی لحزب الله ولأمینه العام سماحة السید نصر الله..ویبدو أن هناک استهدافا مرکزا لسمعة المقاومة من خلال اتهامها بدعم "الدیکتاتوریة" فی سوریة على حساب المبادئ؛ وفی مقدمتها واجب نصرة الشعوب المستضعفة.
ویناقش بعض هؤلاء الذین یتعمدون إظهار أنهم کانوا من الموالین للمقاومة والداعمین لها حتى مجیء ما یسمى بـ(الثوة السوریة) فی موقف حزب الله وموقف أمینه العام، وکیف أنه موقف دون انتظارات الشعوب العربیة وهی تعیش زمنها الثوری، ویزایدون بالقول أن الموقف المطلوب من حزب الله هو إدانة النظام السوری والانحیاز للموقف الشعبی المطالب بإسقاط النظام فی سوریة!
قبل الخوض فی مناقشة هذا الطرح لا بد من أن نعود لخطاب الانتصار الأول الذی ألقاه السید نصر الله فی الضاحیة الجنوبیة لبیروت حیث أهدى الانتصار لکل الأمة متعهدا لها بأن زمن الهزائم قد ولّى وأن عهد الانتصارات قد أقبل..وکانت الأمة –ولازالت- جدیرة بهذا الانجاز وهی لم تکن بعیدة عنه؛ فقد کانت حاضرة فی الساحات والتظاهرات ومسیرات الدعم للمقاومة ومعلنة لمواقف التندید بالعدوان الإسرائیلی الغاشم على لبنان ومقاومته.. هذا فضلا عن الدعاء للمقاومة والمواکبة الدقیقة لمجریات المعرکة من خلال قناة المنار الصامدة بوجه آلة الدمار الإسرائیلیة ..وغیرها من القنوات الفضائیة.
قبل هذا الزمن الثوری المتعثر للأسف والمخترق فی بعض مفاصله کانت المقاومة الإسلامیة تمثل بؤرة الضوء الوحیدة فی عالمنا العربی..وبالمعاییر الثوریة الحقة کانت تعد هی النبض الثوری الوحید فی جسد أمة ممددة على سریر العجز المتطاول عقودا من الزمن بعدما فشلت فیها کل تجارب النهضة والتجدید..حتى قدمت المقاومة نفسها للأمة باعتبارها مدرسة فی العمل الثوری المقاوم بکل أبعاده الثقافیة والحضاریة.
ثم إن المقاومة لم تتنکر لمطالب الإصلاح التی طالب بها الشعب السوری حین هبت علیه نسائم الحریة من مشرق العالم العربی ومغربه، وقد کان السید نصر الله واضحا فی ذلک فی أحد خطاباته..فحزب الله لا یرى تعارضا بین الدیمقراطیة والممانعة، بل یعتبر الدیمقراطیة احد عوامل تمثین المجتمع المقاوم..ولا نستبعد أن یکون الحزب ساهم فی تشجیع الرئیس السوری على خوض غمار إصلاحات فعلیة وجدیة؛ وهی الإصلاحات التی تجاهلتها القوى الدولیة المحرضة على الاضطرابات فی سوریة، ولا نعلق على موقف المعارضة منها لأنها معارضة ملفقة اجتمعت تحت الخیمة الأمریکیة.
هل مطلوب من حزب المقاومة أن تکون له مواقف لا تختلف عن الموفقین الأمریکی والإسرائیلی مما یراد بسوریة؟ هل على حزب الله؛ المنخرط فی صراع مریر على مدى ثلاثة عقود مع العدو الإسرائیلی وحلیفته الولایات المتحدة الأمریکیة؛ أن یتصرف کعوام الناس ویسایر المضلَّلین من خلال عاطفتهم ویضرب بعرض الحائط کل المعطیات الإستراتجیة المتعلقة بالملف السوری فی الحسابات الأمریکیة والإسرائیلیة؟
منذ أن اختارت سوریة التمسک بموقف الرفض لکل التسویات المجحفة لما یسمى بالصراع العربی الإسرائیلی وهی تتعرض للضغوطات، وکان الضغط والابتزاز یتزاید علیها کلما کبرت المقاومة الإسلامیة على الأرض و فی معادلات الصراع بالمنطقة، ومن ثم وجب علیها دفع الحساب الآنی بعدما کانت طرفا فی انتصار تموز لعام 2006م.
کل هذه الحقائق والمعطیات تغیب أو تغیب عن عمد عند الحدیث عن النظام السوری والتطورات فی سوریة، بل لم یشفع للنظام الملتزم بمحور الممانعة إقراره بأنه تأخر فی اعتماد الإصلاحات وحتى وهو یشرع فیها بجدیة بما یؤهل سوریة للأدوار المتناسبة مع وزنها وثقلها السیاسی..بل کیف یعقل أن تقبل هذه الجهات التی تزاید على حزب الله بوضع بدیل فی سوریة لیست فیه أیة ضمانات تجاه القضیة الفلسطینیة والمقاومة والموقف من (إسرائیل)؟!
إن الحدیث عن سمعة حزب الله والمزایدة علیه بخصوص الملف السوری فی بعض الأوساط، لا یمکن اعتباره إلا احد فصول مخطط تشویه السمعة التی ترعاه الولایات المتحدة الأمریکیة منذ أن تحول الحزب إلى موقع الطلیعة فی وعی الأمة بعد هزیمته ل(إسرائیل) فی حرب تموز.
أما الواقع فإن الأمة تثق فی مواقف حزب الله، وهی تدرک بحدسها الفطری أن کل هذا الضجیج حول سوریة، والذی تعزز بالسهم الخلیجی.. ما هو إلا مخطط لضرب سوریة عقابا لها على مواقفها الثابتة ورفضها کل العروض الأمریکیة والغربیة لقطع الصلة بإیران وشطب ملف المقاومة من حساباتها الاقلیمیة.
کنا نأمل فیه زمنا ثوریا یطیح بأنظمة عمیلة وقمعیة ویزیح غشاوات على الأبصار وأقفالا من على القلوب..لکن یبدو أن أمریکا ومعها (إسرائیل) عرفتا کیف تخلطا الحابل بالنابل فتشابه الأمر على الثوار.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.