01 December 2011 - 22:08
رمز الخبر: 4119
پ
رسا/الحدث- عند انطلاق الثورات العربیة، وجدنا من یروج فی المغرب لمقولة الاستثناء المغربی، وعندما أنتج السیاق المغربی حرکته الشبابیة الثوریة، وُجد من یقول أن ذلک لا یقوض قاعدة الاستثناء. الآن ومع فوز حزب العدالة والتنمیة المغربی یتجدد الحدیث عن الاستثناء المغربی فی الانتقال الدیمقراطی..فهل نحن حقا أمام عملیة انتقال دیمقراطی؟ بقلم عبدالرحیم التهامی.
حزب العدالة والتنمیة فی الحکم..هل یعکس ذلک انتقالا دیمقراطیا؟


لم یمثل فوز حزب العدالة والتنمیة المغربی فی انتخابات 25 نونبر؛ السابقة لأوانها؛ مفاجأة للکثیرین، فقد کان الحزب واثقا من إحرازه قصب السبق على باقی الأحزاب السیاسیة التی خاضت غمار الرهان الانتخابی، لکن المفاجأة جاءت من الاکتساح الذی حققه الحزب الإسلامی بـ (107 مقعد) أی ما یتخطى ربع عدد مقاعد مجلس النواب البالغة (395)؛ ومتقدما بحوالی الضعف على الحزب العتید؛ حزب الإستقلال وریث الحرکة الوطنیة والذی یقود الائتلاف الحکومی الحالی. کل ذلک فی تجربة انتخابیة لا تشبه سابقاتها سواء لجهة حیاد الإدارة النسبی ممثلة فی وزارة الداخلیة، أو لجهة السیاق المحلی الذی طبعته حرکة 20فبرایر؛ النسخة المغربیة من الحراک الشبابی ؛ معطوفا على الحراک الإقلیمی الذی یمکن عنونته بتفجر الإرادة الشعبیة وعودة التطلعات الکبرى فی الحریة والعدالة والکرامة، والذی تُـوّج بنجاح أول تجربة انتخابیة فی تونس ووصول حرکة النهضة بقیادة راشد الغنوشی إلى السلطة عبر انتخابات المجلس الوطنی التأسیسی.
ولکی نفهم هذا الفوز الذی حققه حزب العدالة والتنمیة وندرک دلالاته وأبعاده ونستشرف آفاقه یجب علینا أن نقوم بإضاءة على المشهد السیاسی المغربی من مدخل سؤال جوهری وهو: هل یمکن اعتبار فوز حزب العدالة والتنمیة بمثابة قطاف الیاسمین من مزارع ما یسمى بالربیع العربی؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من الحدیث عن الوضع السیاسی قبل 20 فبرایر التاریخ الذی قلب المشهد السیاسی المغربی وخلط الکثیر من أوراقه ودخّ فیه حیویة من بعد سکون، وشکل إرباکا وتحدیا جدیا للنظام السیاسی بالمغرب.
فعلى غرار الحرکات الشبابیة فی کل من تونس ومصر والبحرین التی تجاوزت جمود الأداء الحزبی التقلیدی واخترقت سقوف مطالبه الإصلاحیة المستهلکة بشعار الشعب "یرید إسقاط النظام"، وفتحت بالتالی على کل هذه الدینامیة الثوریة فی العالم العربی، وهکذا کان المغرب على موعد مع حرکة 20 فبرایر الشبابیة، ومع أولى تظاهراتها الحاشدة التی رفعت شعار إسقاط الفساد والاستبداد، و طالبت باعتبار الشعب مصدر السلطات، وجعلت من"الملکیة البرلمانیة" شعارها السیاسی المرکزی کصیغة حکم یکون فیها الملک مجرد رمز للسیادة من دون سلطات تنفیذیة، وبحسب التداول السیاسی المغربی "الملک یسود ولا یحکم".
وقد کان من اللافت أنّ حزب العدالة والتنمیة امتنع عن المشارکة فی المسیرات والتظاهرات التی دعت إلیها حرکة 20فبرایر فی ذات التاریخ؛ مبررا رفضه بأنه حزب مسؤول یقود ولا یقاد، ولا یمکن أن ینجر إلى دعوات مجهولة الجهة والأهداف، وصدرت عن أمینه العام الأستاذ عبد الإله بن کیران تصریحات فیها تشکیک وانتقاص من الحرکة، وهی المواقف التی کادت تتسبب فی أزمة داخلیة للحزب، بعدما لم ترضخ بعض القیادات لقرار المنع وشارکت فی تظاهرة 20 فبرایر بالصفة الشخصیة دون الحزبیة، وبعد التبرم الذی ظهر فی أوساط شبیبة الحزب بعد إلزامها بأخذ مسافة عن حرکة 20فبرایر وعدم المشارکة فی أیّ من فعالیاتها.
هذا الموقف والذی یعبر فی الواقع عن تیار الأمین العام فی الحزب لیس غریبا عن مجموعة بن کیران والتی أعلنت انشقاقها عن زعیم حرکة الشبیبة الإسلامیة ذات خریف من عام 1981 من أحد مراکز الشرطة السیاسیة بالرباط، فمنذ بیان انفصالها المستغرب فی سیاقه وظروفه انتهجت هذه المجموعة مسلکا یمینیا یتجنب أی اصطدام مع السلطة، وحاولت التأصیل له دینیا من خلال ما اعتبرته مراجعات فکریة، وعمدت وفی الضوء الخلاصات التی انتهت إلیها، إلى تفریغ تجربتها من کل شحنة نضالیة، وهی التی استقرت على تشکیل دعوی تحت اسم "حرکة التوحید والإصلاح وبواجهة سیاسیة منبثقة عن الحرکة الشعبیة الدستوریة الدیمقراطیة- للدکتور عبدالکریم الخطیب- والمتحولة إلى حزب العدالة والتنمیة؛ فرغتها من أی شحنة نضالیة حتى غدا بن کیران المصداق البارز لمقولة ملکی أکثر من الملک.
وعندما نجحت حرکة 20 فبرایر فی فرض حضورها فی الشارع وصوّبت على رموز الفساد وعلى رأسهم مهندس حزب الملک المعروف بحزب "الأصالة والمعاصرة"، والذی أطلقه الحرس القدیم فی القصر لقطع الطریق على الحرکة الإسلامیة، واستضعاف حزب العدالة والتنمیة وحشره فی الزاویة الضیقة بمدعیات الحداثة والمشروع الحداثی للملک، حینها اضطر السید عبد الإله بن کیران إلى تصویب مواقفه من الحرکة وبدأ یؤکد على أن حزبه مع معظم الأهداف التی تناضل لأجلها الحرکة مع رفض صریح لمطلب الملکیة الدستوریة.
وللحقیقة فقد غطت مواقف بعض القیادات الحزبیة المحسوبة على تیار "رابطة المستقبل الإسلامی" سابقا على الانکشاف الحزبی المخزی من حرکة 20 فبرایر.
وعندما شرعت السلطة فی أولى مناوراتها السیاسیة لقطع الطریق على حرکة 20 فبرایر، بخطاب الملک محمد السادس یوم 9 مارس/آذار حول الإصلاح الدستوری، ستصل المواقف إلى طرفی النقیض بین الحزب والحرکة ومن یحالفها فی موضوع الاستفتاء على الدستور المنقّح، والذی أرادت السلطة أن تقول من خلاله أنها فهمت الرسالة، وأنها تتنازل أمام استحقاقات لحظة التغییر التی فرضت نفسها على کل الأنظمة الاستبدادیة وذلک بمنح صلاحیات أکبر للحکومة ورئیسها وللبرلمان وفرقه، لکن فی الواقع لم یعمل التعدیل الدستوری إلا على إعادة مرکزة السلطات بید الملک.
رفضت حرکة20 فبرایر مبدأ فکرة التعدیل الدستوری ودعت ومعها جماعة العدل والإحسان وحزب الأمة الإسلامی (غیر معترف به رسمیا حتى الآن) وأحزاب یساریة أخرى إلى مقاطعة الاستفتاء علیه واصفة إیاه بالدستور الممنوح ودستور العبید، فی المقابل دعا حزب العدالة والتنمیة إلى المشارکة المکثفة لتعزیز مسار الإصلاحات فی المغرب خاصة أن الوثیقة الدستوریة المعروضة على الاستفتاء والتی تعتبر أعلى قانون مرجعی للبلاد لم تمس بمقتضیات علو المرجعیة الإسلامیة، وأمّنت البعد الهُویاتی(نسبة إلى الهُویّة) الذی طالبت بعض القوى العلمانیة بتغییره.
بعد تمریر مشروع الاستفتاء فی ظروف تنقصها الکثیر من شروط النزاهة، تصرف الحزب على أساس أن السلطة لها توجه جدی نحو الإصلاح، فکرس جهده للإفادة من الاستحقاق الانتخابی متحررا من کل القیود والإکراهات التی طالما ضغطت على مشارکاته الانتخابیة السابقة منذ 1997 وذلک فی مسعًى منه لتأمین عبور سلمی نحو الدیمقراطیة یکون هو ضمانته وعرّابه.
مستفیدا من الحیز الزمنی الفاصل بین الإعلان عن الانتخابات السابقة لأوانها وتاریخ الاقتراع، ومستثمرا مناخات ما یسمى بالربیع العربی بلور الحزب خطابا اقرب إلى الصیغة الهجومیة مؤکدا أن هذه فرصة المغرب من أجل التحول السلمی وإلا فهو المجهول، کما عمل حزب العدالة والتنمیة على تکثیف الإشارات المطمئنة للسلطة ولبعض الشرائح الاجتماعیة التی استهدفها خطاب التخویف من الإسلامیین، ودعا القصر لرفع غطاءه عن غریمه حزب الأصالة والمعاصرة المثیر للجدل وذلک لمصلحة تغییر ناعم یثبت فرضیة الاستثناء المغربی.
وبالعودة للانتخابات التی منحت الفوز لحزب العدالة والتنمیة فإن هذه الانتخابات فرضت ضغطا على السلطة، حیث کان هاجس نسبة المشارکة مقلقا لدوائر العلیا فی النظام، فمن جهة تعد الانتخابات فی تعبیرها السیاسی أول اختبار ا لتنزیل الوثیقة الدستوریة فی صیغتها المعدلة، ومن جهة ثانیة فالأرقام الرسمیة تحدثت عن مشارکة أکثر من 73 بالمائة من المسجلین باللوائح الانتخابیة باستفتاء فاتح یولیو الماضی، وأکدت أن 98.5 بالمائة منهم صوتوا بنعم. وبتعبیر آخر فالخشیة کانت من الفجوة المتوقعة بین نسبتی المشارکة مما سیعزز الشکوک حول الاستفتاء الدستوری الذی سخرت السلطة کل أدواتها فی التحشید له بما فی ذلک الطرق الصوفیة التی تدفق مریدوها إلى الشوارع فی مسیرات "نعم للدستور" فی مشهد لا یمکن وصفه إلا بأنه قمة السریالیة.
ولعل هذا ما جعل وزارة الداخلیة تعلن على أن نسبة المشارکة فی الانتخابات التشریعیة بلغت حدود 45 بالمائة من الکتلة الناخبة، وهی النسبة التی شککت فیها قوى الحراک السیاسی وفی طلیعته حرکة 20 فبرایر والتی تحدثت عن تزییف والتفاف على الإرادة الشعبیة.
وفی ضوء هذا التنازع حول نسبة المشارکة فإن بابا عریضة قد أشرعت أمام التشکیک فی مصداقیة العملیة الانتخابیة وفیما یتمخض عنها من برلمان وحکومة، وقد تأکد ذلک عشیة الإعلان عن النتائج الرسمیة للانتخابات من خلال التظاهرات التی دعت إلیها حرکة 20فبرایر وشارکت فیها بفعالیة حرکة العدل والإحسان أقوى التنظیمات الإسلامیة بالمغرب.
لکن هناک سؤال قد یطرحه البعض..وهو لماذا التزمت السلطة الحیاد فی هذا الاستحقاق الانتخابی مع النتائج المتوقعة عن ذلک وهی التی دأبت على ضبط وتفصیل مقاسات الخارطة السیاسیة وألوانها الحزبیة؟
والجواب أن السلطة استهلکت أحزابها الإداریة ولم تعد قادرة على معاودة نفس اللعبة، کما أفضى تدجینها وإفسادها لما یسمى بأحزاب الکتلة التاریخیة وهی الأحزاب المتحدرة من الحرکة الوطنیة (یمین ویسار)، إلى فراغ سیاسی؛ وجد تعبیره فی نسبة الاقتراع المتدنیة جدا وغیر المسبوقة فی انتخابات2007 التی کانت کارثیة على النظام المغربی حیث تذهب بعض المصادر إلى أنها لم تتجاوز نسبة20بالمائة برغم دعوة الملک بصفته أمیرا للمؤمنین إلى المشارکة القویة والفعالة.
وکانت خطیئة النظام الکبرى هو إخراجه لحزب هجین من أکمامه لسد الفراغ السیاسی وقطع الطریق على فصائل الحرکة الإسلامیة، یقود الحزب أحد أصدقاء الملک المقربین، وقد استطاع هذا الحزب وفی ظرف قیاسی من أن یتحول إلى أکثر الأحزاب نفیرا وعددا فی البرلمان حتى من دون أن یخوض أیة انتخابات وذلک عبر شراء الذمم والاستقواء بالقصر، وادّعائه التعبیر عن المشروع الحداثی للملک! وکان یتهیأ لدور الفاعل السیاسی الأبرز على الساحة السیاسیة حتى خرجت الجموع فی تظاهرات 20 فبرایر لتعلن نهایة عهد العبث السیاسی وتؤشر على ولادة سیاسیة جدیدة فی التاریخ المغربی عنوانها انبثاق الإرادة الشعبیة النابعة من الجماهیر والتی لن تقبل وکالة من دون تفویض حر وتعاقد ملزم.
مع انقلاب المشهد السیاسی بعد ثورتی تونس ومصر لم یجد النظام ذی التوجهات اللبیرالیة بدا من القبول بأیسر الشرور، وهو الذی استنفذ کل إمکاناته فی تأخیر لحظة الاستحقاق هذه من خلال تبنی مشاریع التغریب، وإغراق الواقع المغربی فی حالة من انفلات القیّم، والدعم المستتر لکل أنواع الصرعات الشبابیة الدخیلة، فمنذ2003 تاریخ انخراط النظام فی ما یسمى باستراتجیة الحرب على الإرهاب بقیادة الولایات المتحدة الأمریکیة وهو یعمل على کل الواجهات السیاسیة والثقافیة وحتى الأمنیة (خلیة بلعیرج المفبرکة) لتحجیم الحرکة الإسلامیة والاکتفاء بأحد مکوناتها وهو حزب العدالة والتنمیة کعنصر مضاف إلى فسیفساء سیاسی یلعب دور الواجهة الدیمقراطیة ویستثمر للترویج لما یسمى بالاستثناء المغربی.
إن السلوک السیاسی للنظام فی مرحلة هدیر الثورات سلوک طارئ یتسم بمنسوب عال من البراغماتیة غیر معهودة فی تاریخه، فالمهم بالنسبة للنظام هو مرور العاصفة الثوریة دون أن تقتلع جذوره وهو ثمن یبقى مقبولا مهما کانت طریقة الصرف.
وقد جاء الثمن لشراء الوقت على طریقة الصرف الانتخابی إذا استقام التعبیر، إذ السماح لفصیل من الحرکة الإسلامیة؛ وقد کان القبول به على خلفیة الاستیعاب والتحکم؛ بإحداث هذا الاختراق غیر المتوقع لا یخلو من مردود عالی القیمة بالنسبة للنظام، فمن شأن تحمل الإسلامیین لرئاسة الحکومة أن یغذی الآمال ویدغدغ انتظارات فئات واسعة من الشعب المغربی، وأن یبعث برسائل للداخل کما الخارج بان النظام استطاع التکیف مع مطلب التغییر وبطریقة سلسة ومن دون تکالیف مؤلمة، وفق آلیة الانتقال الدیمقراطی المتصاعد.
هذا فضلا عما یتیحه تحمل الإسلامیین لملف التدبیر الحکومی من تحصن للملکیة خلف الحکومة المسؤولة التی وسع الدستور الجدید من صلاحیتها، دون أن یغیب الملک –طبعا- عن أهم المفاصل فی عملها وصلاحیاتها.
التحدیات:
وإذا تجاوزنا سؤال المشروعیة السیاسیة فی بعده التمثیلی من منطلق أننا أمام عملیة انتخابیة لا تتجاوز 4.8 ملیون ناخب – وذلک مع احتساب الأصوات الملغاة- من مجموع أکثر من 20 ملیون ناخب مفترض، ومن بین أکثر من 33 ملیون نسمة فی المغرب. فإن التحدیات التی ستواجه حزب العدالة والتنمیة متعددة، فهناک أولا تحدی الخیار الائتلافی فالحزب الذی حاز على حوالی27 بالمائة من مقاعد البرلمان مجبر على التفاوض مع أحزاب الائتلاف الحکومی السابق لأجل تشکیل حکومة ائتلافیة، وهذا لا یتم من دون مساومات سیاسیة قد تنال من برنامج الحزب الانتخابی نفسه.
التحدی الثانی هو فی الهامش الذی یتیحه الدستور المعدل لممارسة الحکومة للسلطة التنفیذیة، فالدستور مثلا یعطی الحق للملک فی أن یعفی وزرائها فقط بمجرد استشارة رئیسها وبدون أخذ موافقته، ثم إن الملک وبموجب النص الدستوری یرأس مجلس الوزراء الذی یضع التوجهات الإستراتیجیة لسیاسة الدولة.
التحدی الثالث وهو المرتبط بالبرامج والقدرة التدبیریة للملفات الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة، خاصة أن الحرکة الإسلامیة بالمغرب عموما تتسم بمحدودیة التنظیر فضلا على انتماء معظم فصائلها للاتجاه التقلیدی المحافظ فی الدین، والمتتبع لشؤونها لا یجد لها إسهامات فکریة تجدیدیة فضلا عن غیاب أی ملمح اجتهادی لها فی القضایا المستحدثة.
التحدی الرابع هو فی النوایا المبیتة لإفشال تجربة الإسلامیین فی العمل الحکومی وتبدید رصیدهم من المصداقیة، واحتمالات تکرار السیناریو الذی عصف بحزب الاتحاد الاشتراکی(یسار) وبرمزه المناضل عبد الرحمن الیوسفی تظل مخیمة على هذه التجربة.
فلن یتقبل النظام القائم على المشروعیة الدینیة أن تنازعه حرکة إسلامیة فی هذه المشروعیة، بل وأن یتمیز حکمها ولو ضمن الإکراهات المشار إلیها أعلاه بالنزاهة والقدرة على اجتراح المعالجات ولو بشکل جزئی للملفات العالقة منذ عقود.
التحدی الخامس وله صله بما سبقه ویتمثل فی مدى قدرة الحزب على بلورة نفس نضالی؛ غیر ملحوظ فی تاریخه ولا فی سلوکه السیاسی؛ لمواجهة قوى الضغط واللوبیات التی ستعمل على تفریغ تجربته فی السلطة من کل قیمة مضافة، ومن أی انجاز تاریخی.
ثم هناک تحد الملفات المزمنة فیما یتعلق بالفقر والصحة ومشکلة البطالة ورفع معدل النمو ومعالجة الاختلالات الاقتصادیة ودعم استقلالیة القضاء، وإخضاع الأجهزة الأمنیة لرقابة الحکومة، وتخلیق الإعلام العمومی وإیجاد حلول للقضایا المتصلة بالهویة والتعلیم.. ومجمل الإفرازات الاجتماعیة السلبیة التی أنتجتها وعلى مدى عقود السیاسات اللاوطنیة للحکومات المتعاقبة منذ إجهاض حکومة عبد الله إبراهیم عشیة استقلال المغرب.
ویبقى هذا الکلام ذو معنى لولا الانقسام السیاسی فی المشهد المغربی، فحرکة 20 فبرایر ومن یحالفها من القوى الوطنیة والإسلامیة لم تسقط الرایة من یدها بل هی أکثر عزما وتصمیما على تحقیق مطالبها المتمثلة فی دستور دیمقراطی منبثق عن هیأة تأسیسیة یؤصل لملکیة برلمانیة، ولا یمکن بمنطق الأشیاء أن تُـرکن على الهامش وتتبخر فیه؛ وهی من کانت فی أصل کل هذه التطورات السیاسیة بمعزل عن قیمتها أو الحسابات من وراءها.
ومن ثم فإن المرحلة المقبلة لا یمکن أن یکون عنوانها الرئیسی حکومة عبد الإله بن کیران ومآلاتها بل لعل السؤال الذی سیسرق الأضواء هو حول حرکة 20فبرایر؛ ومن فی صفها من قوى إسلامیة ویساریة؛ ومستقبل مشروعها فی تغییر أکثر جذریة، خاصة وأنها تحتسب نسبة المقاطعة المرتفعة لصالحها وکتزکیة لمشروعیة حراکها فی إسقاط الاستبداد والفساد، والانتقال إلى نظام الملکیة البرلمانیة من بوابة دستور شعبی ودیمقراطی..
وتبقى هناک إشارة فی غایة الأهمیة وهی أن الکتلة الناخبة وعلى محدودیة الأصوات المعبّر عنها قد منحت فوزا متقدما لحزب العدالة والتنمیة، وهذا یعبر عن مزاج إسلامی متنام بین الجمهور المغربی برغم ضحالة الأطروحة التی تعبر عنها الحرکة الإسلامیة فکریا وسیاسیا وفقهیا. کما یعنی فی المقابل انحسار الأطروحة الیساریة التی کانت ذات یوم قویة ومؤثرة بل وملهمة.
فی ختام هذا المقال نذهب إلى أن فوز حزب العدالة والتنمیة، أو بالأحرى رفع الفیتو أمام أحد تیارات الحرکة الإسلامیة المغربیة، لا یمکن اعتباره انعطافة دیمقراطیة، أو النظر إلیه على أنه –کما فعل البعض- ثورة صنادیق؛ لأن معظم الکتلة الناخبة امتنعت سیاسیا عن مشهد هذه الصنادیق..ولأن الدستور فی نسخته الجدیدة لم یغیر من حقیقة أن الملک هو الحاکم الفعلی الجامع لکل السلطات،هذا فضلا على أن أی نص دستوری یبقى قابلا للتأویل وللتعطیل وللتجاوز علیه وذلک لاستحکام بنیة الاستبداد فی واقعنا.
والواقع یقول بأن الاحتجاج والتظاهر متواصل حتى بعد فوز حزب العدالة والتنمیة، ویبقى عرس الدیمقراطیة فی المغرب مؤجلا أو لنقل معلقا على مآلات الحراک الشعبی والذی تقوده حرکة 20فبرایر.




ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.