08 December 2011 - 13:55
رمز الخبر: 4135
پ
رسا/آفاق- مع کل عاشوراء یتجدد الجدل حول أسالیب الإحیاء وطرائقه..کما یعبر المغرضون عن تبرمهم من إحیاء ذکرى أبی الأحرار الإمام الحسین(ع) فلا یجدون فی الذکرى إلا فرصة للتشنیع على الشیعة..وقد کان الشهید مطهری سباقا لممارسة النقد الذاتی بخصوص الشعائر الحسینیة، ونحن أحوج إلى مواصلته..بقلم عبدالرحیم التهامی.
کی تصفو لنا عاشوراء


فی الإعلام وکما فی بعض مظاهر الإحیاء تبدو عاشوراء مجرد طقس تفجّعی..یرتفع فیها صوت اللطم وجلد الذات، ویعلو على صوت الأهداف والدروس ومطلب الإصلاح وحدیث الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، ویغطی فیها مشهد الإدماء التطبیری على الحسین نفسه، وعلى مشهد العنفوان ومشاهد الفداء والصّرعى على ضفاف الحریة..
یتوارى النهج أو یزاح أمام غلبة الجرح وأنینه وسطوته، بغیر قلیلٍ من تواطؤ العالم والمتبصّر فی سیرة الحسین(ع) ونهضته.
لا أحد ضد الحزن العمیق والجمیل..الحزن المغمّس بکل ذلک الرضا.."اللهم إن کان هذا یرضیک فخذ حتى ترضى"..الحزن المتجمل بذلک الأفق الذی لا یبصره إلا القلة.."ما رأیت إلا جمیلا ..أولئک قوم کتب علیهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم"..کما قالت العقیلة زینب علیها السلام.
لکنهم وقبل أن یخلدوا إلى تلکم المضاجع التی خلدتهم فی التاریخ، خطّوا بدمائهم الزکیة جملةً بسیطة یفهمها کل الناس وهی أنّ الحریة افتداء والدین وفاء وعطاء...
لا أحد ضد سکب الدموع الطاهرة المُطهرة..فالمقام حسینیٌّ یهز بجدع الروح فینفض عنها أدواء الجبن والانهزام والتخاذل والأنانیة والهوى والمیل إلى المساومة على المبدأ والتلهف على الأخذ والقبض والانتهاز بوجود الفرصة وعدمها..والیوم حسینیٌّ (لا یوم کیومک یا أبى عبد الله ) استُبدلت فیه "المودة فی القربى" بالحصار والتعطیش والنحر والسّبی فی الشهر الحرام..فتأتی العبرة حرّى تحتمل من صفاء الروح ما تحتمل ثم تترقى بها -أی بالروح- مدارجا حتى تذوق من قطوف المعانی الکبرى فی عاشوراء.
هنا تحصل الجذبة إلى فضاء أهل البیت أهل المعالی السادة النجب،
فیوقّع الدمع على جواز العبور بل العروج إلى درب السالکین على نهج الحسین علیه السلام.
فی بعض الإحیاء کما فی بعض الوعی هنا وهناک..نزعة استئثار بالحسین علیه السلام..میلٌ إلى تخصیص من هو إمام للمسلمین کافة، ومن حبُّه فی قلب کلّ مسلم؛ وإن زاد حب العارفین به عمن سواهم درجات.
الاستئثار وجهه الآخر هو الحرمان..هو دفع الأغیار عن ساحة الحسین، ولیس اقصرَ من طریقٍ لقطع الطریق عن الآخر سوى طقسنة عاشوراء ومذهبة الحسین..حتى وإن کان المتحصّل من هذا وذاک إهدار للقیّم التی عبّر عنها مشروع الإصلاح فی أمة جده علیه الصلاة والسلام، وحجبٌ للأهداف التی من أجلها ضحى الحسین(ع) کل تلک التضحیات.
فی بعض المنابر من الزیغ عن جادة العقلانیة وروح الدین والقدر المتیقن من معطیات التاریخ..ما یحملنا بعیدا عن عاشوراء وما فی عاشوراء من الحق والمعانی الإنسانیة الکبرى..فی بعض هذه المنابر من المستهجنات ما ینفر شباب الشیعة وما لا یبنی جسرا یعبر منه ذووا الأرواح المرهفة نحو الطف.
إن ما یحصل على بعض هذه المنابر من تساهل فی إجراء الکلام على ألسنة أبطال کربلاء ونجومها بخلاف ذوق أهل البیت (ع) هو فی نفسه مصیبة..ولا یفسر إلا بکونه افتراء على المعصوم فی حال الإمام الحسین أو ما یدنو منه مرتبة کأخیه العباس أو ابنه علی الأکبر او أخته زینب الکبرى علیهم السلام.
یحصل التساهل للوصول بالتفجع إلى مدیاته القصوى من باب أنّ الغایة؛ وهی البکاء على الحسین؛ تبرر الوسیلة؛ وهی هنا الخرافة والتجوّز والأسطَرة والزعم بصیغة وکأنی بالعقیلة زینب...
فنُسلم أنفسنا إلى تفجّع زائف لأن ما أثیر به زائف.
نسلم أنفسنا إلى طقس تفجعی یعطل فینا العقلانیة والنقد والشجاعة والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر
فمتى حصل أن قام رجل رشید لیقول لقارئ عزاء یجذف: مولانا قد جاوزت المدى فقل قولا سدیدا یرحمک الله أو اصمت؟
لا یحصل..بل الكل یتواطأ..وهذا یحصل وقارئ العزاء -هذا- قد یرتدع قلیلا كلما كان فی حضرة العلماء وطلبة العلم ..لکن ترى فی أی سموات تجده یحلق بالعباد فی القرى والمداشر البعیدة.
فاصطناع الحزن بمعنى إعمال کل الأدوات لتخلیقه یفرغ الحزن الجمیل من طاقته ومن فاعلیته وینتهی إلى مثل العطر المغشوش الذی یتبخر بمجرد وضعه..فلا أثر له.
أما الحزن العمیق وهو المطلوب، فما ورد فی المصادر التاریخیة المعتبرة کاف لیطفح بمنسوبه عن کل حّد..متى ما انسلک فی نص أدبی رفیع وعمیق.
الحزن الجمیل ینساب فینا کبرکان متصاعد، فیدفع بالموقف الثوری إلى الفعل ویصوغ فینا شخصیتنا الثوریة.
أسفی على الحُجب التی تغطی عاشوراء فلا تصل إلاّ تعبیرات مشوهة إلى کثیرین فی هذا العالم..
أسفی کیف أن الأمناء على تجربة المناضل "تشی غیفارا"- من باب المثال- أوصلوا فکره الثوری إلى کل شبیبة العالم..وهاهی صوره لا زالت ترفع فی کل مکان، وهو بثوریته وإنسانیته الطافحة وبانحیازه للمحرومین والمستضعفین..جدیر بکل احترام...فما بال عاشوراء تغرقونها فی کثیر من الأجواء السلبیة فتعیقون حرکتها من التاریخ إلى الواقع..ومن الحسین علیه السلام إلى أفئدة کل الناس..فالحسین(ع) عنوان الحق المحض قبالة الباطل المحض...والحق یسع ولا یضیق بکل طالب للحریة ملتمس للعدل.
عندما یسمح لعاشوراء أن تنطق وتقول کلمتها بأنها ملحمة فداء استنقاذا للدین..الدین الذی أراده الله رحمة للعالمین، دینٌ".. یأمرهم بالمعروف وینهاهم عن المنکر ویحل لهم الطیبات ویحرم علیهم الخبائث ویضع عنهم إصرهم والأغلال التی کانت علیهم.." حینها؛ ومن معبر الحزن والدم سیقتفی الناس هذا النّور الذی تجلى فی عاشوراء.
السلام على الحسین
وعلى علی بن الحسین
وعلى أولاد الحسین
وعلى أصحاب الحسین..ورحمة الله وبرکاته.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.