14 February 2012 - 16:20
رمز الخبر: 4328
پ
البحرین..عام على انطلاق الثورة
رسا/تحلیل سیاسی- بعد عام على انطلاقة ثورة البحرین، صمد الشعب فیها أمام آلة القمع الوحشی، وفرض ثورته -برغم التعتیم- على سیاق ثورات الحریة والکرامة، وهاهی محاولة العودة الیوم إلى دوار اللؤلؤة تکشف عن الإرادة التی انتصرت..وما بقی هو مجرد حیز من الزمن وشیء من التفاصیل. بقلم عبد الرحیم التهامی.
نصف انتصار ولحظة الحسم تقترب



یدخل الحراک البحرینی الیوم منعطفا حاسما، فالیوم یصادف الذکرى الأولى لانتفاضة 14شباط، وهو الیوم الذی أعلنه ائلاف شباب ثورة البحرین یوما للعودة الى دوار اللؤلؤة، فی ما تعنیه العودة من تعاظم لإرادة التحدی وإبلاغ رسالة صارخة للسلطة البغیّة مفادها أن کل أسالیب القمع والتنکیل والاستقواء بما یسمى بدرع الجزیرة، وشراء الصمت الإعلامی لتنفیذ حملات القمع الهمجی..کلها أضغاث أمانی، فلم یحصل أن انتصر قمع سلطة مع ما تتحوز علیه من إمکانات البطش على حریة شعب حر.
عام مضى وظل الشعب صامدا، لم تنکسر له إرادة، ولم تهن له عزیمة، ولم تردعه عن مطالبه المحقة إفراط القوة المشوبة بأحقادٍ مذهبیة..لم ینجح التهمیش والإستثناء من سیاق "الربیع العربی" فی وقف مسیرة الصعود نحو الأهداف الکبرى للثورة..بل افتضح التهمیش ومن تورط فیه، وباء بخزی التعصب الأعمى، بل غدت ثورة البحرین درسا فی الثورات لجهة قدرة الثورة الشعبیة على تحویل التعتیم الممنهج إلى أحد عناصر المظلومیة الفاعلة والمؤثرة فی منسوب التحدی..لیتحول معه –ای التعتیم- بعض الفعل الثوری نحو اختراق التعتیم والانبثاق من بین قبضته دما وشهادة..
ثورة البحرین نزعت القناع عن أکبر مشروع إعلامی (الجزیرة) تسلل إلى الأمة من ضیق الهامش الدیمقراطی متلبسا بأقنعة حریة الرای والجرأة فی الطرح والمصداقیة المدعاة، مع قدر من مظاهرالمهنیة المضللة، لیخدم مشروع إعادة صیاغة وعی أمة بکاملها وفق محددات أمریکیة وصهیونیة، وجردته من کل مصداقیة.
لم یبقى سلاح أو أسلوب فی القمع والردع وإلحاق الهزیمة النفسیة بالثوار إلا ولجأت إلیه سلطة آل خلیفة..استعانت السلطة بقوات خلیجیة، فرضت حالة الطوارئ، تمادت فی کل أشکال البطش..فصلت من الخدمة أعدادا هائلة، حرضت طابورا خامسا لمعاکسة الثورة الشعبیة وشق إرادة التغییر باصطناع تعارض فی التوجهات المجتمعیة، سخّرت إعلامها المأجور لالصاق صفة الطائفیة بالحراک الثوری وللتشویش على مطالبه الدیمقراطیة، عرضت الحوار الملغوم لشق الصف..مارست القهر الطائفی بالتعرض للمساجد والحسینیات بالاقتحام والهدم والتخریب..نکلت بالحرائر من النساء وسجنت البعض منهن فی تحد لمشاعر مجتمع محافظ..استفادت من خدمات "مفتی تحت الطلب" للافتئات على ثورة شعبیة بعناوین المذهبیة والطائفیة والارتهان لجهات خارجیة..
جربوا کل شیء..ولم یأنسوا بأی مظهر من مظاهر الإستکانة، بل زادت القناعة فی أوساط الثوار بإفلاس السلطة، وتعاظم التصمیم على تغییرها برغم ارتفاع کلفة الرهان مضافا إلى تعقیدات المعادلة الإقلیمیة وتورط الجارة الکبرى فی محاولة إجهاض الثورة.
فی حسابات الجغرافیا السیاسیة یبدو التغییر فی البحرین ضربا من المحال، الأسطول الخامس الأمریکی یرسو لأکثر من عقد على شواطىء البحرین، القاعدة الوهابیة المعادیة لا یفصلها عن البحرین إلا جسر یسمى بجسر "الملک فهد" بطول لا یتجاوز 28 کیلومتر، قرار دول مجلس التعاون الخلیجی بقطع الطریق عن أی تحول دیمقراطی فی البحرین خشیة امتداده إلى باقی دول المنطقة، ثم للارتیاب فی الروابط التی تشد شیعة البحرین إلى إیران..لکن فی حسابات الشعوب وفی منطق الثورات لیس هناک مستحیلات. فلم یکن انبثاق ما یسمى بالربیع العربی والذی أطاح بأنظمة عتیدة إلا اجتراحا للممکن من أوهام المستحیل، تماما کما کان انتصار المقاومة الإسلامیة فی حرب تموز عام 2006 کسرا للمستحیل فهزمت (إسرائیل) وشهدنا هزیمتها على تخوم بلدات "عیتا الشعب" و"بنت جبیل" و"مارون الراس" وفی وادی الحجیر.
یدرک شعب البحرین ثقل المعادلة الاقلیمیة وإکراهاتها المتعددة، لکنه یدرک أیضا بأن الحریة لا تقبل المساومة، وأن إرادة الشعوب تصنع المعجزات..وبأن مسیرته النضالیة عبر عقود وتضحیاته الجسیمة لا تتیح له القعود فی ربیع قومة الشعوب وانتفاضاتها ضد الطغیان.
یعلم شعب البحرین الآن وأکثر من أی وقت مضى أن التاریخ فی صالحه؛ خلافا للجغرافیا المعاندة لتطلعاته فی التحرر؛ کما یدرک بأن ثورته وفی مدلولها التاریخی تأتی کإحدى تعبیرات الموت التاریخی والاستنفاذ السیاسی لنمط الحکم الفردی والأسری الاستبدادی، وعلى رغم الخذلان الشدید فهو یجد فی صحوة الشعوب عضدا لنضاله وعمقا استراتجیا لحرکته من أجل التغییر.
بالنسبة لشعب البحرین فهو یجد نفسه فی خط التاریخ، ومن إصراره وصبره یتجلى إیمانه العمیق بحتمیته على وفق سنن الله تعالى؛ وهی زوال الطغیان وانتصار قیم الحریة والعدالة ..أما السلطة فهی تدرک بأن الاستطالة فی قمع شعب مسالم مَهلکة لأی نظام مهما کان رصیده من الشرعیة السیاسیة ومهما کبر رصیده الأخلاقی، فما بالک والنظام أعلم بإفلاسه على کلا المستویین.
وعلى خلاف الشعب الواثق من تغلبه –بعون الله- على إکراهات الجغرافیا السیاسیة، یمارس النظام لعبة الدم لاستقطاع الوقت، وبالموازاة یعرض المقایضات الماسة بالسیادة الوطنیة عساه ینجو من عواصف التغییر، أو یؤجل استحقاقات اللحظة التاریخیة.
نعم یستفید النظام من تنامی النزعات المذهبیة ویقدم نفسه کمحارب باسم المذهبیة السنیة بوجه الخطر الشیعی الذی –زعمًا- تمثله إیران، لکنه ینسى مکر التاریخ یوم عُلـق صاحب القادسیة المزعومة والمدافع عن البوابة الشرقیة على حبلٍ تردّى به فی قاع حفرة الأوهام.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.