ثمة حقيقة مهمة لا يناقش فيها كل أمر ذي لب حصيف تشير اليها الآية الكريمة: {وَاعْتَصِمُوْا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيْعًا وَلاَ تَفَرَّقُوْا وَاذْكُرُوْا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوْبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ} [آل عمران/١٠۳].
فوحدة المسلمين هي - بالدرجة الاولى - أمر إلهي وواجب ديني وضرورة حياتية ومبادرة استراتيجية قبل أن تقتضيها المصالح السياسية للأمة الإسلامية في القرن الحادي والعشرين.
والنقطة المهمة الأخرى؛ أن ما يجمع المسلمين من قواسم مشتركة هو اكثر بكثير مما يختلفون فيه، فدينهم واحد (الاسلام) ونبيهم واحد (النبي محمد) وكتابهم واحد (القرآن الكريم) وقبلتهم واحدة (الكعبة المشرفة) وحتى قبلتهم السابقة واحدة (المسجد الأقصى) فضلا عن كون أصولهم الدينية مشتركة (التوحيد والنبوة والمعاد) وحتى معظم فروع الدين مشتركة لدى المذاهب (الصلاة- الصوم- الحج- الزكاة و..).
بل حتى العدو واحد؛ فالكيان الصهيوني والإرهاب الدولي والفقر الاجتماعي و... كلها تحديات كبيرة وخطيرة تضر بمصالح المسلمين أجمعين في العالم الإسلامي.
وعندما ندعو إلى الوحدة الإسلامية فليس معنى ذلك أننا نروم إلغاء المذاهب الإسلامية وفرض أحكام فقهية موحدة على الجميع أو إجبار أنصار مذهب معين على التنازل عن عقائدهم أو أحكام مذهبهم، بتاتا". فليبق كل منا على عقيدته ومذهبه لكن؛ مع إبداء احترامه لغيره وعدم شن حملات التشويه لمذهب الغير أو تسفيه أتباعه وتكفيرهم وتفسيقهم فهذا هو المنكر بعينه.
وليس بعيدا عن ذلك الحديث الشريف (من كفر مسلما فقد كفر) وقول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: (مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى).
وهذا ما لا نجده لدى المتطرفين والتكفيريين الذين لا يرون مسلما سواهم ولا يعجبهم إيمان غيرهم على وجه الأرض وتحت السماء. هؤلاء ينبغي عزلهم وتحاشيهم والسعي الحثيث لتحذير الأمة منهم والتأكيد على تأسيس الكتلة الإسلامية الصلبة المتجسد فيها قوله -عز و جل-: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ } [الفتح/٢٩].
عندما يكون المسلمون هكذا فمن البديهي أن تحترمهم كل الدول والشعوب في شرق الأرض وغربها. وأتذكر أنني كنت أحد ضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية الذي كان ينعقد سنويا برئاسة الشيخ محمد علي التسخيري في عقد الثمانينات وكانت رئاسة الجلسات دورية طيلة الأيام الثلاثة، فكان امام صلاة الجمعة بمحافظة يزد السيد روح الله الخاتمي (والد الرئيس الإيراني الاسبق) رئيس الجلسة ووصل الدور إلى الشيخ أحمد كفتارو، مفتي الجمهورية العربية السورية الأسبق حيث افتتح كلمته بالآية المباركة (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله...}* واذا بالمرحوم خاتمي يستشيط غضبا فيقول له: (يا شيخ! وهل نحن من أهل الكتاب لتخاطبنا هكذا؟!) فأجابه المرحوم كفتارو: (لا أبدا يا شيخ، لكن لو سمحت لي باكمال كلمتي لادركت أنني أقصد أن الله تعالى طلب منا أن نخاطب حتى النصارى واليهود بهكذا خطاب فكيف بنا ونحن من دين واحد وكتابنا وكتابكم هو القرآن)؟!
ختاما؛ حري بنا أن يكون خطابنا [تعالوا لنجتمع حول القرآن] فهو حبل الله الذي يوحدنا ويقوي شوكتنا في هذا العالم الممتلئ بالذئاب (وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية).
رعد هادي جبارة
(۹۸۶/ع۹۴۰)