وجه نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب رسالة الجمعة قال فيها: "ايها الاخوة المؤمنون، أسال الله تعالى ان يتقبل منكم صيامكم واعمالكم وان يوفقنا واياكم ونحن في الثلث الاخير من شهر رمضان المبارك وفي ليالي القدر العظيمة الشأن بالتوجه اليه تعالى بإخلاص الدعاء والتوبة والعبادة والا نحرم من الفوز بغفران الله واستجابته " فان الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر"، كما قال رسول الله، وجدير بنا ايها الاخوة الاعزاء وبالمؤمنين جميعا الا تفوتنا واياهم هذه الفرصة في ليالي القدر فننشغل عنها بأمور الدنيا وان تمر علينا كسائر الليالي، وقد علمنا ان لها الشأن العظيم عند الله تعالى اذ انزل فيها قرآنا، فهي الليلة التي انزل فيها القرآن الكريم كنقطة تحول لاخراج البشرية من الظلمات الى النور بإذن ربهم ومن الضلال الى الهداية، وان فيها تقدر الاعمار والارزاق والاحداث كما ورد عن رسول الله واله الاطهار، وان العبادة فيها خير من الف شهر من العبادة في غيرها من الليالي وخصوصا ونحن نمر بظروف اكثر ما نحتاج فيها الى العودة الى الله والتوجه اليه في دفع ما اصابنا واهلنا وبلادنا من الوباء والابتلاءات التي لا مخرج لنا منها الا بتوفيقه وعفوه ورحمته، وهذا مشروط بالتوجه اليه تعالى والاخلاص له وطلب العفو والمغفرة منه يقول تعالى: "قل لا يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم" ويقول ايضا: ادعوني استجب لكم، ويصادف ان تكون شهادة امير المؤمنين علي بن ابي طالب في هذه الايام وفي الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك حيث قضى عمره الشريف في خدمة الدين، وكان اول المؤمنين به واول من صلى خلفه من الرجال وأول من دافع عن الاسلام يقذف بنفسه في لهوات الحرب فيبادر بعد ان ينكفئ غيره مجندلا ابطال الكفار والمشركين من اليهود وغيرهم، فاتحا قلاعهم كاسرا لشوكتهم وقد حفلت كتب السيرة والتاريخ بمواقفه وشجاعته مما لا يمكن التعرض اليه على نحو مفصل".
وأضاف: "لقد عبرت شهادة امير المؤمنين الذي ولد في المسجد الحرام حيث لم ولن يولد احد فيه، واستشهد في بيت الله في مسجد الكوفة وهو يصلي، والاحداث التي تلت وفاة رسول الله، رغم الزخم الذي احدثه رسول الله بما اطلقه من احاديث تضمنت المقام الذي تسنمه امير المؤمنين والموقع الذي رسم له بأمر من الله في هذا المشروع الالهي، وعبر ذلك عن التحول الخطير في حال الامة وعدم بلوغها حال الوعي لهذا المشروع الذي أراد سبحانه لها ان تقوده وان تكون شاهدة على الأمم، كما قال تعالى :"لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا"، وبذلك انكفأت الامة عن القيام بهذه المهمة التي شرفها الله سبحانه بها، لذلك تأجل هذا المشروع الالهي لليوم الذي اعد الله تعالى فيه لظهور القائم المهدي ليقود هذا المشروع وليطبق العدالة الالهية ويحقق ما تنشده البشرية من العدل والامن والسلام والقضاء على الظلم والطغيان، فسلام الله عليك يا امير المؤمنين يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا، شاهدا على امتك التي مرت بولايتك وطاعتك " واطيعوا الله والرسول واولي الامر منكم " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون" حيث اجمع المفسرون على انها نزلت في مناسبة تصدقك بخاتمك يا امير المؤمنين، حينما اتاك المسكين يطلب الصدقة فمددت له اصبعك ليأخذ الخاتم وانت راكع في الصلاة، ولكن هذه الامة المسكينة لم تكن على قدر هذه المسؤولية فلم تستحق الامام علي، وتخلت عنه، ونحن حينما نتذكر عليا نتذكر الاخلاص لله ونتذكر حبه للفقراء والمساكين و العدالة والشجاعة والعلم والحلم والخلق الرفيع، و نتذكر زهده في هذه الدنيا وتحمله المسؤولية ومحاسبة النفس وهو الذي يقول " "ااطمع ان يقال امير المؤمنين ولعل في اليمامة او الحجاز من لا طمع له بالقرص ولا عهد له بالشبع" ونتذكر قوله "وقد أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم" ونتذكره يقول "الا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه، الا انكم لا تقدرون على ذلك ولكن اعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد" "إن خلافتكم هذه لا تساوي عندي شراك نعلي هذا إلا أن أقيم حقا أو أميت باطلا".
ودعا "المؤمنين ولا سيما الحكام الى الاقتداء بالامام علي وسيرته والسير على نهجه ولاسيما في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها المواطنون، فيواسوا الفقراء في مأكلهم ومشربهم، وانى لهم ذلك وهم الذين اوقعوا البلد في هذه الاوضاع فسرقوا مدخرات الناس وافقروهم واوصلوهم الى حافة المجاعة، ولم يبنوا صناعة ولا زراعة ولا بنى تحتية واكتفوا بالسرقات. ان المواطنين مطالبون بالوقوف وراء الحكومة ودفعها الى اتخاذ اجراءات سريعة وشجاعة في العمل على استعادة المال المنهوب واستعادة قيمة الليرة اللبنانية والضرب بقوة على ايدي المتلاعبين بالدولار والمتلاعبين بأسعار المواد الغذائية، ولا يجوز ان نحمل هذه الحكومة تداعيات المرحلة السابقة وما وصلت اليه البلاد، وعلينا ان نقف الى جانبها حتى تشعر بالقوة في معاقبة الفاسدين والمحتكرين والمستغلين، ثم حاسبوها ان قصرت في تحقيق هذه النتائج وفي اخراج البلد من ازماته، اننا في حاجة الى تحقيق هذه المعادلة واشعار الحكومة بانها تستطيع ان تتخذ
قرارات شجاعة وهذا يحتاج الى دعم شعبي، كما ان على الحكومة ان تستفيد من هذا
الدعم لتحقيق مطالب الناس".
ورأى ان "الحكومة الحالية في توجهها الى صندوق النقد الدولي علامة ضعف وخضوع لبعض القوى السياسية التي كانت في الحكم وافسدت واتبعت سياسة القروض من الخارج ثم اساءت استخدام المال العام ووضعت البلد على حالة الانهيار المالي والاقتصادي، ومن غير المقبول العودة الى السياسة نفسها، و اذا اردنا ان ننقذ البلد فلا نضعه تحت رحمة شروط الدول المقرضة والمهيمنة على صندوق النقد الدولي ويكون شعب لبنان رهينة بيد هؤلاء لسنوات مقبلة يشقى فيها، بينما هناك طرق وابواب واجراءات اخرى يمكن اتخاذها توفر على لبنان الحاجة الى الرجوع الى صندوق النقد، كالانفتاح على سوريا وتنفيذ الاتفاقات المعقودة بين البلدين وتطويرها، وتعزيز الصناعة والزراعة واعادة المال المنهوب، وغير ذلك من الاجراءات يمكن معها وقف التدهور في سعر صرف الليرة والانهيار الاقتصادي ووقف الارتفاع الفاحش في سعر السلع الاستهلاكية".
وتابع: "ان المطلوب من الحكومة اتخاذ اجراءات سريعة بمعالجة ما يمس لقمة عيش المواطنين والحؤول دون وقوع انفجار اجتماعي يأخذ البلد الى الهاوية ان لم تبادر الحكومة باتخاذ هذه الإجراءات. ومع تقديرنا للخطوات التي قامت بها الحكومة حتى الان وبالأخص ما يتعلق بالبدء بمعالجة موضوع الكهرباء في قرارها بالأمس، كما ان المطلوب من القضاء متابعة فضيحة "الفيول المغشوش" وان يذهب بهذا الملف الى النهاية وومحاسبة الفاسدين، فان هذه الخطوات وامثالها تعطي للشعب الثقة بهذه الحكومة وانها ليست كسابقاتها، كما ان المطلوب انهاء التشكيلات القضائية التي اعطى تأخيرها انطباعا سلبيا عن الحكومة، وان هناك تدخلات سياسية تمنع من انجازها وهو ما يسيء الى السلطة ويهز الثقة بها".
وتحدث عن "ذكرى النكبة التي لا نزال نعيش تداعياتها الخطيرة على عالمنا العربي والإسلامي، ويحييها الفلسطينيون ومعهم كل حركات المقاومة بالجهاد والانتفاضة والصبر، في الوقت الذي نرى بعض حكام العرب ممن ارتهنوا للمشروع الصهيو اميركي يلهثون خلف التطبيع في خيانة لشعوبهم ودولهم ولدماء الشهداء وتضحيات المجاهدين، فيما يقدم الشعب الفلسطيني أعظم التضحيات في سبيل تحرير الأرض وإنقاذ المقدسات ليؤكد من جديد ان لتحرير فلسطين طريقا واحدا هو المقاومة التي نطالب كل الشعوب بدعمها والوقوف خلفها لإزالة تداعيات نكبة فلسطين التي تستدعي منهم التصدي
لـ"صفقة القرن" ورفض مندرجاتها، فيما يجب على الفلسطينيين توحيد فصائلهم تحت لواء المقاومة والمطالبة بالحقوق المشروعة المتمثلة بإقامة الدولة الفلسطينية على كامل ارض فلسطين وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين الى ديارهم".
وتوجه الى المؤمنين: "اسأل الله تعالى ان يوفقنا ونحن قد دخلنا في العشر الاواخر من شهر رمضان المبارك وعلى اعتاب الليلة الثالث والعشرين منه، وهي ليلة مباركة وهي احدى ليالي القدر واهمها، وان يوفقنا الله بالتوجه اليه بالدعاء وان يكتبنا من عباده الصالحين، وان يتقبل اعمالنا وان يقضي حوائجنا ويشفي مرضانا ويصلح ذرياتنا واعمالنا وان يرفع عنا الاسواء والبلاء والامراض، وان ينشر علينا من رحمته، ويرزقنا من الرزق الحلال الطيب، وان يبيض وجوهنا يوم تسود فيه الوجوه، والا يعرض عنا ولا يجعلنا من الاشقياء الذين حرموا غفران الله في هذا الشهر الشريف: استغفروا الله وتوبوا اليه تجدوا الله توابا رحيما، وصلوا ارحامكم واذكروا موتاكم وتصدقوا على الفقراء والمساكين وليصفح بعضنا عن بعض وليطلب المسيء الصفح من اخيه الذي اساء اليه، وليستجب المسيء اليه بالعفو" الا تحبون ان يغفر الله لكم "ولو انهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفرت لهم لوجدوا الله توابا رحيما"، فان قبول الاعمال واستجابة الدعاء مرهون بالتوبة والاستغفار والصفح عن الإساءة، فلا ينقضي شهر رمضان وفي قلب مؤمن منكم غل او شحناء على اخيه المؤمن او بينه وبين رحمه عداوة، فان رحمة الله محجوبة عمن قطع رحمه وعودوا مرضاكم وجيرانكم واخوانكم ولا تكونوا كأصحاب القبور جيران لا يتزاورون ، وليتفقد بعضكم بعضا فلعل من به حاجة فيقضيها له او يسعى في قضائها، فان من إخواننا من تمنعه نفسه من ان يطلب من احد حاجة وتمنعه عفته من ان يمد يده للاخرين، فمن سعى في حاجة اخيه سعى الله في حاجته".
وختم: "اعظم الله اجوركم بشهادة امير المؤمنين عليه السلام ورزقكم شفاعته واعاد الله هذه المناسبة وهذا الشهر المبارك وقد فرج الله عنكم وعنا وعن جميع المؤمنين".