
فی تاریخ المعارضات العمیلة والمفبركة، قد لا تكفی الارتباطات بالعدو الخارجی ولا غیاب المشروع السیاسی المقنع، ولا میوعة الاطار المعارض الذی یغدو متسعا لكل نكرة ومأجور ومتآمر كما هو حال ما یسمى بالمعارضة السوریة، ونقصد هنا تلك المعارضة التی یقودها المدعو برهان غلیون، قد لا یكفی كل ما سلف؛ وبحكم أسالیب التضلیل الداخلی والخارجی لإجهاض مثل هذه المشاریع المعارِضة العمیلة وفضحها وكشفها أمام كل الناس.. بل لا بد من الخطیئة الكبرى الجلیة والبینة حتى تصاب هذه المعارضة فی مقتل، وما حصل صبیحة الخمیس الماضی فی دمشق من مجزرة مروعة إثر تفجیرین انتحاریین أسفرا عن سقوط ما لا یقل عن55 قتیلا و372جریحا، كانت الخطیئة المدویة التی ستؤشر على العد العكسی لنهایة ما یسمى بالمعارضة السوریة سیاسیا وعسكریا.
لقد كان مسرح الجریمة البشعة حیث مشهد تناثر الأشلاء وتفحم الجثث داخل السیارات وحجم الدمار صورة موضعیة ترمز الى ارادة الشر المحض فی اغتیال وطن بأكمله اسمه سوریا. فقد تجلت - من جهة- إرادة القتل والدمار التی اطلق لها العنان القتلة ومن هم وراءهم من أصدقاء (المعارضة) ودعاة تسلیحها باسم الواجب والضمیر، ومن جهة أخرى تجلت سوریة الوطن الشهید/الحی والصامد الذی یقاوم تحالف العدوان والأطماع والرجعیات، ویُفرض علیه النزیف والتدمیر كمؤخر حساب على (جریمة) دعم المقاومة واحتضانها فی حرب 2006 وما قبلها وما بعدها، وكثمن مستحق هو تمام رأس النظام وبنیته جراء التحالف مع إیران والتموقع فی خط الممانعة.
دمشق فی خمسیها الدامی احتملت اشلاءً وجثثا مفحمة وموتا مفجعا لتقول للعالم؛ هذا مشروع القتلة، وهذا دین العصابات الوهابیة التی ترید أن تجرد دمشق من حاضرها ومستقبلها بل وتفك ارتباطها بتاریخها لتدخل بها الى نفق مظلم ودام، ظلمته من قبیل ظلمات بعضها فوق بعض، ودمه كأبخس دم..
وافتضحت العصابات فی لعبة حرق الاوطان كلما استعصت على التدجین والأمركة، كما لم تفتضح من قبل على رغم ملفها الاجرامی المثقل بالجرائم؛ وبدا تجمع المرتزقة المصنّع امریكیا والمموه بالاكسسورات التركیة والقطریة(یعنی المعارضة) كأنه یمارس لعبة الرقص على الدماء والاشلاء، فتنكر لجریمته حین ادرك ان مسرح الجریمة یختزل كل مشروعه فی القتل الأعمى والتدمیر، فبادر الى تحمیل النظام وزر الجریمة ومسؤولیة الدم الذی اریق بشهوة قتل لا نظیر لها.
لكن القتلة الضالین لم یمهلوا كثیرا برهان غلیون وفریقه للاستمرار طویلا فی لعبة التشویش والتی اقتطعوها بسخاء من فترات بث الاعلام الحربی التابع والضالع فی المؤامرة على سوریا من قبیل "الجزیرة" و"العربیة" وغیرهما، فسرعان ما أعلنت ما یسمى ب"جبهة النصرة" والتی تعتبر من أجنحة تنظیم القاعدة فی بلاد الشام، مسؤولیتها عن تفجیرات دمشق الأخیرة، كما أعلنت تبنیها عملیات سابقة حصلت خلال الأشهر الماضیة فی حلب.
وهنا جاء الدور على قائد ما یسمى ب(الجیش السوری الحر)، خاصة بعد الإقرار الأمریكی الأخیر بوجود للقاعدة فی سوریا، فما كان منه بحسب صحیفة (الرأی) الكویتیة إلا أن اتهم النظام السوری بإدخال "القاعدة" إلى البلاد والوقوف وراء التفجیربن الدامیین فی دمشق مؤخرا، داعیا إلى تحقیق دولی فیهما، وفی مزید من التضلیل نفى انتشار الجماعات السلفیة الجهادیة فی سوریا، مدعیا بأن لا وجود لهذه الجماعات لأن البیئة الاجتماعیة غیر قابلة لاحتضان السلفیین الجهادیین!
هذا السعی الإعلامی المكثف للتنصل من جریمة مفرق القزاز بدمشق یعكس حجم الإرباك والحرج الذی تعیشه قوى العمالة فی اسطنبول وغیرها من عواصم التآمر على سوریا شعبا ووطنا، وهو بحق مفرق حاسم فی مسیرة االمؤامرة الدولیة على سوریا، والتی ستطوقها كل الدماء الشریفة التی أریقت فی سوریا خدمة للمشروع الامریكی الصهیونی، وتغرقها فی وحل الخزی والعار.
یمكن الآن أن نقول لكل الذین توهموا ربیعا فی دمشق تؤجج خضرته قطر والسعودیة وأصروا على ذلك، نشفق على سذاجتكم، ولكل الذین جادلونا فی أن القرضاوی إمام فتنة وضلالة..و الذین أرادوا من السید حسن نصر الله ان یماشیهم فی حماستهم الخرقاء لوهم ثورة فی سوریا..لهؤلاء جمیعا نقول أفیقوا من أوهامكم، وتحرروا من غشاوتكم وأعیدوا قراءة المشهد بتمعن، فأی حریة، وأی ثورة وأی أفق ومستقبل وأی غدٍ هذا الذی مرّ من مفرق القزاز؟
علّمنا درس التاریخ أن مشروعا یقوم على الدم والقتل لا تكتب له الحیاة، بل هو عبئٌ على الحیاة ولحظة خزی فی التاریخ.
أبشری دمشق..سیكتب مؤرخ هذه الحقبة عن صمودك وثباتك، وفی آخر سطر فی أسفل صفحة..بعد توثیق أهوال قتلهم وجرائمهم وخیاناتهم.."مروا من هنا، وبقیت دمشق شامخة".