فی أفق الجولة الثانیة من انتخابات الرئاسة
رسا/ تحلیل سیاسی- فی درس التاریخ ما من ثورة إلا وتواجه تحدیات الثورة المضادة، ولیس من عنصر حاسم فی قطع دابر الثورة المضادة کوحدة الکلمة..ولأن الثورة المصریة لیست استثناء فهاهی تتعرض لخطر داهم تجسد بالخرق الانتخابی الذی مثله عبور الفریق أحمد شفیق للجولة الثانیة..وما یجعل القلوب تبلغ الحناجر أن وحدة الکلمة التی تجلت فی میدان التحریر تبددت لتحل محلها أهواء السلطة والحسابات الضیقة.بقلم عبد الرحیم التهامی

السیناریو الأسوا هو ما تمخض عن الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسیة فی مصر..حیث انحسر السباق بین المرشح الإخوانی الدکتور محمد مرسی عن حزب " الحریة والعدالة " والفریق أحمد شفیق من فلول النظام السابق وآخر رئیس وزراء فی عهد الامخلوع حسنی مبارک.
مشهد سوریالی لم یتوقعه أحد، فهاهی قوى الثورة المضادة تحقق اختراقا رهیبا یهدد بتقویض الثورة والارتکاس بها فی الفوضى والمجهول.
لسوء التقدیر للأسف؛ لم یسجل اعتراض ذا شأن على اللجنة العلیا للانتخابات حین قبلت بملف الفریق أحمد شفیق، ظن الجمیع وخاصة القوى الإسلامیة أنه حصان معطوب ومشوّه بسابقة الخدمة فی سلک النظام "البائد"، وأن الوجه الدیمقراطی لمصر ما بعد الثورة قد یکتسب میزة الصدقیة بالسماح لواحد من "الفلول" بخوض هذا التمرین الدیمقراطی المضمون النتائج عطفا على المزاج الانتخابی الذی أوصل الإخوان والسلفیین بحصة الأسد إلى مجلس الشعب المصری.
والحساب الخاطئ فی قراءة المشهد الإقلیمی هو ما أدى إلى تشتت أصوات الاسلامیین خاصة، وأصوات الکتلة الثوریة بشکل عام، بل جرى تصویر التنافس على أنه بین إسلامیی الثورة وعلمانییها..وسقط من الحساب ومن کل التقدیر المخاطر الداخلیة التی تحدق بالثورة والتی تمثلها قوى الثورة المضادة من طبقة المفسدین والانتهازیین وفلول الحزب "الوطنی" المنحل وجهاز الأمن المتضخم، فضلا –طبعا- عن التربص الخارجی بمصر وبثورتها.
وها هی الکتلة الثوریة الآن تجد نفسها بین خیارین کلاهما صعب..بین "محمد مرسی" الذی یمثل الإخوان والذی یعد التصویت لصالحه دعما لمشروع "الإخوان" فی الاستئثار بالسلطة وبالمؤسسات؛ البرلمان والحکومة وتأسیسیة الدستور والرئاسة، وبین عدم التصویت، وهو ما یعطی للفریق أحمد شفیق؛ المدعوم من العسکر (هو طیار سابق) ومن أجهزة الأمن والإدارة وفلول الحزب (الوطنی)المنحل، والانتهازیین فضلا على العرض المتاح أمامه والذی یشکله بائعو الأصوات من الفقراء والمهمشین؛ فرصة التسلق لمنصب رئیس الجمهوریة.
وللحقیقة والتاریخ فإن عودة حرکة الإخوان المسلمین عن قرارها بعدم الترشح لانتخابات الرئاسة کانت له تداعیاته السلبیة والخطیرة على الاستحاق الانتخابی، وهو فی أصل هذا التشتت فی أصوات الإسلامیین بین أبو الفتوح ومحمد مرسی من جهة، وضیاع فاعلیة أصوات الکتلة الثوریة؛ التى انقسمت بین المرشحین حمدین صباحى وعبدالمنعم أبوالفتوح من جهة أخرى، وهما اللذین حصلا معا على أکثر من ٨ ملایین صوت قبل أن یخرجا من المنافسة.
فأی معنى الآن لیدرس مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمین، تقدیم عروض ل"حمدین صباحی" و"عبدالمنعم أبوالفتوح" لیکونا نائبین لمحمد مرسى، حال فوزه بالرئاسة؟ وأی معنى فی أن یقول محمد مرسى، مرشح حزب "الحریة والعدالة" لرئاسة الجمهوریة بأنه على ثقة من أن الشعب المصرى سیقضى على بقایا النظام السابق وسیدوسه بالأقدام؟!
وهل یتصور مرسی أنه و بحدیثه عن تشکیل حکومة ائتلافیة، وتأکیده أنه «رئیس لکل المصریین»، وأنه فی حال انتخِب رئیساً لمصر، فمن الممکن أن یکون لدیه نائب أو أکثر ولیس بالضرورة أن یکون من الإخوان..أنه سیسهل الأمر على الناخبین الذین وجدوا انفسهم أمام أقسى الخیارات المهددة للثورة؟..إما نهایة الثورة بمجئ شفیق أو هیمنة مطلقة للاخوان على الحیاة السیاسیة فی مصر الثورة.
ویمکن أنّ نقول أن الحسابات الخاطئة للإخوان والسلفیین، الذین ظنوا ان الوضع فی مصر یستغنی عن العبور من مرحلة انتقالیة؛ تُعطى فیها جمیع قوى الثورة نصیبا من السلطة؛ بقدر ما یتناسب وإسهامها فی الثورة وعلى حجم شعبیتها وحضورها الجماهیری، هی التی أوصلت مصر إلى هذا المأزق الحاد والذی سیشجع القوى المعادیة للدخول على خطه ومفاقمته وإغراق مصر فی الفوضى والإضطرابات.
وقد تجد بعض دول الخلیج المنزعجة من استعادة مصر لدورها ومکانتها وریادتها الدینیة؛ اللحظة مناسبة کی تصدر أمرا لجموع سلفییها بالتصویت للفریق أحمد شفیق، وهذا أمر جد وارد فی وضع تتداخل فیه المصالح الدولیة مع المخاوف الخلیجیة بالأهواء والتنافس الحاد بین السلفیین والإخوان.
وهنا یجب التنویه إلى أن المقترح الذی دعا إلیه الدکتور عمرو حمزاوی عضو مجلس الشعب، والقاضی بأن تسحب جماعة الإخوان المسلمین لمرشحها "محمد مرسی" من سباق الجولة الثانیة لانتخابات الرئاسة، لتتاح فرصة التنافس الانتخابی أمام المرشح القومی الناصری "حمدین صباحی"، الذی حلّ ثالثا بعد الفریق أحمد شفیق، على ان تدعمه کل الأصوات الحریصة على الثورة، ولتحقیق عبر هذا التصویت الوفاق الوطنی المنشود بین مکونات الکتلة الثوریة، یبقى هذا المقترح ضمن ممکنات السیاسة لتجاوز مأزق الجولة الثانیة من انتخابات الرئاسة.
لکن عادة ما یکون حب السلطة والاستئثار بها مانعا من اجتراح مواقف تاریخیة کبرى ولو کانت على سبیل إنقاذ ثورة.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.