17 June 2012 - 17:55
رمز الخبر: 4766
پ
انتخابات الرئاسة فی مصر
رسا/الرأی- تشهد مصر فی هذه الأثناء الساعات الأخیرة من انتخابات الرئاسة فی جولة الإعادة، والتی تجری بین ممثل النظام القدیم الفریق أحمد شفیق وبین ممثل الإخوان الدکتور محمد مرسی، وتبدو الانتخابات الرئاسیة لیس کانتخابات لاستکمال بناء مؤسسات الثورة، بل للحسم بین الثورة والثورة المضادة وبالتالی فإن المفترق صعب ویبدو سوریالیا لأبعد الحدود.
هل هو ربع الساعة الأخیرة من ثورة مصر؟


لعلها المرة الأولى فی التاریخ السیاسی التی تُجبر فیها ثورة على أن تتنافس دیمقراطیا مع اعدائها السافرین، بل وأن یصل التحدی إلى مستوى الحسم فی المصیر والمستقبل، أی بین الثورة واللاثورة..ففی کفة؛ دماء الشهداء وأحلام المستضعفین وتضحیات الثوار، وفی الکفة المقابلة کلمة السر المسفرة عن کل الأبعاد الخطیرة والتی أطلقها الفریق أحمد شفیق فی مؤتمره الإنتخابی "سنعود شاء من شاء وأبى من أبى"، ویعنی عودة النظام القدیم ومعه الکنز الاستراتیجی ل(إسرائیل).
المفارقة الکبرى -الأخرى- فی هذه الإنتخابات أنها تجری فی ظل فراغ سیاسی کبیر وذلک بعد أن قضت المحکمة الدستوریة العلیا بحل البرلمان، وبالنتیجة أجهضت مساعی تشکیل الجمعیة التأسیسیة لصیاغة الدستور الجدید.
أما ثالث المفارقات فهی حیرة الناخب المصری بین خیار المقاطعة والذی تملیه واقعة الانقلاب الناعم الذی انجزة المجلس العسکری من خلال قرارات المحکمة الدستوریة العلیا، ما یحوّل المشارکة فی الانتخابات إلى نوع من الشرعنة لسرقة الثورة، وتوقیع على بیاض للمجلس العسکری. وکذلک خیار المشارکة والتی تجعل الناخب أمام "شفیق" المرفوض بحکم أنه یمثل إرادة عودة النظام القدیم، و"مرسی" الإخوان الذی یجسد مشروع الجماعة فی الهیمنة على السلطة والاستئثار بها عوضا عن أی مشروع وطنی سیاسی واقتصادی واستراتجی واضح الملامح.
لو أنّ جماعة الإخوان المسلمین اتخذت قرارا شجاعا بسحب مرشحها من السباق الإنتخابی کرد على أحکام المحکمة الدستوریة الغیر نزیهة والمشبوهة فی توقیتها ، لافتقر الانقلاب الناعم لغطاء الشرعیة الدیمقراطیة من خلال الانتخابات..ولوجد المجلس العسکری نفسه وجها لوجه أمام الشرعیة الثوریة والتی قضت بإیقاف مهزلة الانتخابات.
لکن الإخوان اکتفوا فقط برفع الصوت عالیا محذرین من العواقب الخطیرة لتزویر الانتخابات، وهذا الموقف لا یعبر الا عن منطق الحسابات الضیقة التی میزت سلوک الاخوان ومواقفهم منذ انطلاق الثورة.
فمؤرخ الثورة سیحملهم مسؤولیة هذا المأزق الخطیر الذی انتهت إلیه الثورة والذی یفتح على کل السیناریوهات المؤلمة، ولعل سیناریو الفوضى "الخلاقة" هو الذی تفضله قوى معادیة لمصر ولتطلعات شعبها، لتلحق مصر بلیبیا والمؤامرة على سوریا، والفلتان الأمنی فی تونس، والاضطرابات فی الیمن.
إن اجهضت الثورة فی مصر-لا سمح الله- فهذا معناه قتل لکل الآمال التی انبثقت مع انطلاق ما یسمى بالربیع العربی، فما قیمة أی تحول هنا او هناک إذا عاد الزمن المصری إلى الخلف، وانتهت قیادة مصر لمن هو وفق المعاییر الصهیونیة "کنز استراتیجی2" ل(إسرائیل)؟!
فالذین اوصلوا الثورة إلى هذا المنحدر الصعب، هم الذین رکبوا على ظهور الثوار، وهم الذین اعلنوا تمسکهم بکامب دیفید والتزموا بعدم تهدید أمن (إسرائیل)، وهم من أکدوا للإدارة الأمریکیة أن لا علاقة ممیزة مع إیران..بل وصل الحد ان تحصل صفقة مخزیة بین السلفیین من انتهازیی الثورة ومرشح الإخوان محمد مرسی، وذلک حین قایض ما یسمى ب"شورى العلماء" التشکیل السلفی؛ دعمه لمرشح الإخوان بالموقف من الشیعة، وترجمته السیاسیة هی تعهدات بالتضییق على شیعة فی مصر، وعدم التقدّم فی العلاقات الثنائیة مع الجمهوریة الإسلامیة فی إیران!
ومن الغریب أن نتوقع فلاح مرحلة من عمر الثورة بأناس همشوا القوى الحقیقیة للثورة، وتورطوا فی مواقف التطمینات ل(إسرائیل) وأمریکا، وعقدوا صفقات خزی فی بازارهم الانتخابی لتجمید العلاقات مع إیران..أناس اعتراهم الغرور فأرادوا وتحت وهم الشعبیة السیطرة على کل المؤسسات..لم یقنعوا بسیطرتهم على مجلس الشعب، بل أرادوا أن یضموا إلى ذلک الهیأة التأسیسیة لصیاغة الدستور، وأخلفوا وعدهم وقدموا مرشحهم لانتخابات الرئاسة (خیرت الشاطر) أولا، ثم مرشح الاحتیاط الدکتور محمد مرسی، وعینهم على حصة الأسد فی الحکومة المقبلة.
نسوا أن اللعبة کبیرة، وأن معرکة إرادات کبرى تدور رحاها بین قوى دولیة وإقلیمیة..تغافلوا على أن وحدة الکلمة کانت هی سر الانتصار على مبارک..وأن استکمال الثورة وانتزاع السلطة من المجلس العسکری، وفرض الثورة للأمر الواقع على کل المحاور الدولیة؛ کان یتوقف -أیضا- على وحدة الکلمة.
یبدو الآن ومهما کانت نتیجة الإنتخابات الرئاسیة أن کلفة تأمین الثورة والعبور بها إلى الأمام صارت عالیة جدا وفادحة..إنه درس التاریخ (إن فى ذلک لذکرى لمن کان له قلب أو ألقى السمع وهو شهید).
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.