14 July 2009 - 21:56
رمز الخبر: 48
پ
مجتبى صداقت
الدعاء فی قراءة الأدعیة

 

 

إنّ شهر رجب وشعبان ورمضان، من الشهور التی ورد التأكید الكثیر على العبادة والدعاء والتضرع فیها، وقد خصت أیام هذه الشهور بمختلف الأدعیة والمناجات، التی جمعت وطبعت ووضعت فی متناول أیدی الناس.

وإنّ الشخص الذی یقرأ الأدعیة الواردة عن أهل البیت علیهم السلام، یجد فیها بحوراً من المعارف، ومطالب رفیعة وسامیة، تحتاج إلى الاستخراج والتبویب.

ومن المسائل المطروحة فی قراءة الأدعیة، مسألة الدعاء نفسها، وإنّ هذا المقال یتعرض إلى هذا الموضوع من خلال تناول بعض مقاطع الأدعیة.

دعاء العبد فی محضر الله

إنّ باب الله مفتوح للعباد دائماً، وقد أذن الله تعالى للعبد أن یتكلم بحضرته ویطلب حوائجه منه فی أی وقت شاء، وهذه من النعم الإلهیة العظیمة التی اختص بها الإنسان: «اللَّهُمَّ أَذِنْتَ لِی فِی دُعَائِكَ وَمَسْأَلَتِكَ فَاسْمَعْ یَا سَمِیعُ مِدْحَتِی وَأَجِبْ یَا رَحِیمُ دَعْوَتِی».[1]

إنّ قراءة الدعاء والتوجه لله تعالى تُعد من الأوامر الإلهیة، ولیس من الممكن أن یأمر الله تعالى بالدعاء ولا یستجیب للداعی؛ لذا ینبغی التوجه لساحة الله، ورفع الأیدی بین یدی حضرته، وتردید هذا الدعاء: « فَإِنَّكَ قَضَیْتَ عَلَى عِبَادِكَ بِعِبَادَتِكَ وَأَمَرْتَهُمْ بِدُعَائِكَ وَضَمِنْتَ لَهُمُ الْإِجَابَةَ فَإِلَیْكَ یَا رَبِّ نَصَبْتُ وَجْهِی وَإِلَیْكَ یَا رَبِّ مَدَدْتُ یَدِی فَبِعِزَّتِكَ اسْتَجِبْ لِی دُعَائِی وَبَلِّغْنِی مُنَایَ وَلا تَقْطَعْ مِنْ فَضْلِكَ رَجَائِی».[2]

 إلهی، لقد ضمنت أن تستجیب دعاء عبدك: «أَسْأَلُكَ بِهَذِهِ الْمِدْحَةِ الَّتِی لا تَنْبَغِی إِلا لَكَ وَبِمَا وَأَیْتَ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ لِدَاعِیكَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ وَبِمَا ضَمِنْتَ الْإِجَابَةَ فِیهِ عَلَى نَفْسِكَ لِلدَّاعِین...»[3]. إنّ الشخص الذی یدعو الله تعالى لا ینقطع رجاءه ولا یحرم الإجابة: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لا یَخِیبُ مَنْ دَعاه».[4] لقد أمر الله تعالى أن ندعوه بأسمائه الحسنى، وقد وعد بالإجابة؛ لذا ینبغی أن لا ییأس الداعی من إجابة الدعاء:« أَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى الَّتِی نَعَتَّهَا فِی کِتَابِكَ فَقُلْتَ: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَقُلْتَ: ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ وَقُلْتَ: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِی عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌ أُجِیبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ وَقُلْتَ: یَا عِبَادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ وَأَنَا أَسْأَلُكَ یَا إِلَهِی وَأَدْعُوكَ یَا رَبِّ وَأَرْجُوكَ یَا سَیِّدِی وَأَطْمَعُ فِی إِجَابَتِی یَا مَوْلای كَمَا وَعَدْتَنِی وَقَدْ دَعَوْتُكَ كَمَا أَمَرْتَنِی».[5]

 

إنّ عفو الله تعالى وستره وحلمه إزاء خطایا الإنسان وذنوبه یبعث الإنسان نحو الرجوع إلى ساحة الله، ویطمعه فی طلب ما لا یستحق، كما یعرض الإنسان فی هذه الساحة المقدسة حاجته بكل أنس وطمأنینة: «اللَّهُمَّ إِنَّ عَفْوَكَ عَنْ ذَنْبِی وَتَجَاوُزَكَ عَنْ خَطِیئَتِی وَصَفْحَكَ عَنْ ظُلْمِی وَسَتْرَكَ عَلَى [عَنْ‏] قَبِیحِ عَمَلِی وَحِلْمَكَ عَنْ كَثِیرِ [كَبِیرِ] جُرْمِی عِنْدَمَا كَانَ مِنْ خَطَأی وَعَمْدِی أَطْمَعَنِی فِی أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لا أَسْتَوْجِبُهُ مِنْكَ الَّذِی رَزَقْتَنِی مِنْ رَحْمَتِكَ وَأَرَیْتَنِی مِنْ قُدْرَتِكَ وَعَرَّفْتَنِی مِنْ إِجَابَتِكَ فَصِرْتُ أَدْعُوكَ آمِنا وَأَسْأَلُكَ مُسْتَأْنِساً لاخَائِفاً وَلا وَجِلاً مُدِلاً عَلَیْكَ فِیمَا قَصَدْتُ فِیهِ [بِهِ‏] إِلَیْك»[6]

استجابة الدعاء

إنّ من شروط إجابة الدعاء، الإخلاص فیه؛ لذا نقرأ فی دعاء یوم السبت الوارد عن الإمام السجاد علیه السلام: «اللَّهُمَّ إِنِّی ... أُخْلِصُ لَكَ دُعَائِی تَعَرُّضاً لِلْإِجَابَة»[7]. إنّ دعاء سوى الله ورجاء غیره، بدل دعاء الله ورجاءه، یكون سبباً للیأس والقنوط: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَدْعُوهُ وَلا أَدْعُو غَیْرَهُ وَلَوْ دَعَوْتُ غَیْرَهُ لَخَیَّبَ دُعَائِی[8] الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَرْجُوهُ وَلا أَرْجُو غَیْرَهُ وَلَوْ رَجَوْتُ غَیْرَهُ لَأَخْلَفَ رَجَائِی»[9]

إنّ بعض الذنوب وأعمال الإنسان السیئة، تكون سبباً لعدم استجابة الدعاء: ‌«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِیَ الذُّنُوبَ الَّتِی تَحْبِسُ الدُّعَاء... فَأَسْأَلُكَ بِعِزَّتِكَ أَنْ لا یَحْجُبَ عَنْكَ دُعَائِی سُوءُ عَمَلِی وَفِعَالِی»[10]

وفی بعض الأوقات یؤخر الله إجابة الدعاء، لأنّها لیست من صالح الداعی؛ لعلم الله تعالى بعاقبة الأمور؛ أی أنّ الله تعالى یأخذ صلاح عبده بنظر الاعتبار؛ وإن كان العبد یشكوا من حالة التأخیر فی الإجابة لجهله: «فَإِنْ أَبْطَأَ عَنِّی عَتَبْتُ بِجَهْلِی عَلَیْكَ وَلَعَلَّ الَّذِی أَبْطَأَ عَنِّی هُوَ خَیْرٌ لِی لِعِلْمِكَ بِعَاقِبَةِ الْأُمُورِ»[11]

إنّ الله تعالى یسمع كل دعاء؛ ولكن لا یعبأ ببعض الأدعیة لخلوها من الإخلاص واشتمالها على الریاء وكثرة الذنوب وأمثال ذلك، وفی مثل هذه الحالة، یكون الدعاء كأنّه لم یسمع من قبل الله تعالى أبداً؛ لذا فإنّ بعض الأدعیة تعرض رغبة العبد فی سماع دعائه من قبله تعالى: «... فَاجْعَلْ... دُعائَنا مَسْمُوعاً»[12] ویستعاذ فی بعضها بالله من الدعاء الذی لا یسمع:« اللَّهُمَّ إِنِّی أَعُوذُ بِكَ... مِنْ دُعَاءٍ لا یُسْمَع»[13]

 

أفضل الأدعیة

یجب أن یتوفر فی الدعاء شرطان: الأول: إنّ ما یطلب من الله ینبغی أن یكون مرضیاً عند الله تعالى، والثانی: أن یكون فی صلاح العبد: «اللَّهُمَّ لا تَدَعْ لِی... ولا حَاجَةً هِیَ لَكَ رِضًا وَلِیَ فِیهَا صَلاحٌ إِلا قَضَیْتَهَا»[14]

ما أفضل الدعاء الذی یجعل الله أوله فلاحاً وأوسطه نجاحاً وآخره صلاحاً: «یَا وَاهِبَ الْعَطَایَا وَیَا مُطْلِقَ الْأسَارَى وَیَا فَكَاكَ الرِّقَابِ مِنَ النَّارِ أَسْأَلُك... أَنْ تَجْعَلَ دُعَائِی أَوَّلَهُ فَلاحاً وَأَوْسَطَهُ نَجَاحاً وَآخِرَهُ صَلاحاً»[15]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]. أبو جعفر محمد بن الحسن بن علی بن الحسن (الشیخ الطوسی)؛ مصباح المتهجد؛ ص578؛ مؤسسة فقه الشیعة، الطبعة الأولى، بیروت، 1411هـ ق.

[2]. مصباح المتهجد، ص850.

[3]. مصباح‏ المتهجد، ص803.

[4]. سید رضی الدین، على بن موسى بن جعفر بن طاووس؛ الإقبال ‏بالأعمال ‏الحسنة فیما یعمل‏ مرة فی ‏السنة، ج2، ص168؛ مرکز انتشارات دفتر تبلیغات اسلامى‏، الطبعة الثانیة‏، 77-1376 هـ ش.

[5]. الکفعمی، إبراهیم؛ جنة الأمان ‏الواقیة وجنة الإیمان ‏الباقیة، ص 263؛ انتشارات رضی (زاهدی)، الطبعة الثانیة، قم، 1405هـ ق.

[6].مصباح ‏المتهجد، ص578.

[7]. الکفعمی، إبراهیم؛ البلد الأمین ‏والدرع‏ الحصین، ص109.

[8]. وقد جاء فی دعاء آخر: «الحمد لله الذی أدعوه ولا أدعو غیره ولو دعوت غیره لم یستجب لی دعائی» جنة الأمان ‏الواقیة وجنة الإیمان ‏الباقیة، ص589.

[9]. جنة الأمان ‏الواقیة وجنة الإیمان ‏الباقیة، ص603.

[10]. مصباح ‏المتهجد، ص845 .

[11]. مصباح ‏المتهجد، ص579.

[12]. الإقبال‏ بالأعمال ‏الحسنة فیما یعمل ‏مرة فی‏ السنة، ج، ص77.

[13]. مصباح ‏المتهجد، ص75.

[14]. مصباح ‏المتهجد، ص62.

[15].البلد الأمین ‏والدرع ‏الحصین، ص 12.

 

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.