08 July 2012 - 18:39
رمز الخبر: 4828
پ
رسا/آفاق- نتناول فی هذه السلسلة من المقالات الحدث التاریخی الکبیر الذی تفجر فی مغرب العالم الإسلامی لیمتد إلى مشرقه..محدثا المفاجأة لنا ولغیرنا، ومؤذنا ببدایة ما، لا نرید أن نستبق معطیات القراءة لتحدید هویة هذه البدایة..قد تختلف القراءات، تفترق وتتقاطع فی هذا المفصل أو ذاک..لکن وبمعزل عن المآلات، فالحدث یمکن أن نجزم بأنه بدایة لشیء ما..بقلم عبدالرحیم التهامی.
قراءة هادئة فی واقع الصحوة الإسلامیة(4)


من علامات الاستفهام التی یثیرها البعض بوجه الحراک الجماهیری الذی یسمى صحوة إسلامیة هو تمحورها حول الشأن الداخلی، وعدم صدور أی إشارة إلى فلسطین من منطلق أن القضیة الفلسطینیة هی قضیة الأمة المرکزیة، بل ویزید هذا البعض بأن الثورات التی أسقطت أنظمة عمیلة للغرب وللصهاینة لم ینتج عنها وضع جیو سیاسی مقلق للصهاینة، فقد بادر القادة الجدد والذین انتخبهم الناس إلى طمأنة العدو الإسرائیلی من أی تهدیدات لأمنه ووجوده، وقد تکفل العرّاب الأمریکی بأخذ کافة الضمانات والالتزامات السیاسیة من تونس ومن مصر ما بعد الثورة، فقادة تونس الجدد فی السلطة رفضوا تضمین فصل فی الدستور؛ قید الإعداد؛ یجرّم التطبیع مع العدو الإسرائیلی، وکان زعیم حرکة النهضة الشیخ راشد الغنوشی قد أعلن ومن معهد واشنطن أن الصراع العربی الإسرائیلی شان بین الفلسطنیین والإسرائلیین وبأنه معنیُّ بشکل أساسی بتجربته فی تونس والتی یرید لها أن تنجح.
من جهته أعلن الرئیس المصری المنتخب الدکتور محمد مرسی وفی أول خطاب له کرئیس لمصر الثورة؛ أنه ملتزم بکل الإتفاقیات والمعاهدات الدولیة (فی إشارة إلى کامب دیفید)..هذا فضلا عن تصریحات العدید من قیادات الإخوان والسلفیین؛ وخاصة من أعضاء "حزب النور" السلفی، وتأکیدهم بأنهم لن یمسّوا باتفاقیة کامب دیفید، وهی التصریحات المتناغمة مع تسریبات عن توافقات أمریکیة-إخوانیة سریة بخصوص أمن (إسرائیل) والتوجهات الاستراتجیة لمصر ما بعد مبارک.
أکثر من کلّ هذا یبدو أن حجم التعبئة والتحریض فی أوساط الاسلامیین سواء من الذین وصلوا للسلطة أو الذین یسعون إلیها بخصوص النظام السوری، وکأن القوم قد اصطنعوا لهم عدوا جدیدا بدل العدو التاریخی والإستراتیجی للأمة وهی (إسرائیل)، إلى الحد الذی یقترب من تصریح شیمون بیریز حین قال "نحن فی مرکب واحد"!
وبالنتیجة فتبدو فلسطین أبعد ما تکون عن حلم التحرر والإنعتاق وخاصة وان مرحلة ما بعد الثورات هی مراحل الاستهلاک الداخلی فی قضایا الدستور وتقاسم السلطة وتجاذبات الدینی والمدنی، وقد أضاف علیها السلفیون الکثیر من الحطب فی القضایا الجزئیة کاللحیة والاذان فی البرلمان والالوان الفاقعة..والتی یحوّلونها إلى معارک کبرى ومصیریة.
کما تبدو فلسطین غیر واردة کسؤال افتراضی عند الثوریین الجدد وهم یتآمرون على سوریا؛ ماذا لو نجح مخطط ضرب سوریا –لا سمح الله- ونجحت (الثورة)؛ الوهم؟!
عندما انطلقت الثورة الفلسطینیة فی ستینات القرن الماضی ساد جدل فی أوساط الفصائل الثوریة حول جدلیة الوحدة والتحریر، ففریق کان یرى أن الوحدة مقدمة للتحریر فیما ذهب الفریق الآخر إلى أن التحریر هو المدخل إلى الوحدة، لکن التحریر کان هو القضیة والحلم والمشروع واتجاه البندقیة بالنسبة للجمیع، وبرغم اختلال میزان القوة کانت تبدو فلسطین أقرب، ومشروع العودة لن یطول به الانتظار طویلا.
ومع هذا الحراک الثوری الذی شهدناه لا یبدو أن خیار المقاومة قد تعزز برحیل أنطمة عمیلة لأمریکا ول(إسرائیل)، ولا یبدو أن هناک مناخا ثوریا یتنفس فلسطین، ویجدد لها العهد مع إطلالة کل صباح، بل تبدو المناخات طائفیة ومذهبیة، ومثقلة بغبار المرحلة السابقة..وبمشاهد سوریالیة؛ کمثل المنصة الواحدة التی جمعت بین وزیر خارجیة تونس العضو القیادی فی حرکة النهضة التی تقود تونس بعد الثورة فی وهیلاری کلنتون وویزری خارجیة قطر والسعودیة فی مؤتمر التآمر على سوریا(مؤتمر أصدقاء سوریا).
نقر بأن هذا وضع شاذ فی سیاق ثورات کان المتوقع منها التفافا حول فلسطین، واعتبار سقوط طاغیة هنا أو هناک انزیاحا لحائط من الطریق نحو فلسطین..کنا نتوقع نباهة شعبیة تدرک بالحس المرهف أن ضرب سوریا هو ضرب لفلسطین، وأن سوریا تقوى بالإصلاح لا أن یکون الإصلاح غطاءا لإسقاط سوریا ومن ثم إقساط القضیة الفلسطینیة.
ولیست المشکلة - فی التقدیر المتواضع- أن غیاب فلسطین قد أملته أولویة التحرر من الطغیان والاستبداد، وأنه وضع مرحلی تملیه الإستغراقات السیاسیة التی تفرض نفسها على کل وضع ثوری ناشئ، بل المشکلة هو فی أنّ الأوضاع الناشئة من الثورات واتجاهات المواقف المتعلقة بالحدث السوری تتکامل مع بعضها لتخلق وضعا مریحا بالنسبة للصهاینة، بل وللمفارقة التاریخیة تتقاطع هذه الإرادة الثوریة الناشئة مع المصلحة الصهیونیة فی إسقاط النظام السوری وبتغییر الهویة المقاومة لسوریا.
ومع ذلک وبناءً على ما قرّرناه فی مقال سابق، فإن افتقار الثورات إلى قیادات طلیعیة ومؤمنة هی الثغرة التی استثمرتها الأحزاب والتکتلات السیاسیة المهیکلة والمموَّلة جیدا، لتقطف ثمار التغییر بالتوافق مع أمریکا راعیة مشروع ما یسمى بالإنتقال الدیمقراطی فی العالم العربی، وقد ساعد على هذه التوافقات النزعة المحافظة والبراغماتیة التی تمیزت بها هذه الأحزاب الصاعدة إلى السلطة باسم ثورة الجماهیر التی تجاوزتها.
وهنا نجزم أن الوضع الإنتقالی الذی یشبه التفویض الاضطراری لملأ الفراغ السیاسی لا یعنی استقالة الجماهیر من التزاماتها تجاه قضیة فلسطین، کما لا یعنی التساکن أو القبول بأی توجهات أو سیاسات تتماشى ومصلحة العدو المحتل.
کما أن عملیة تضلیل الأمة بإحلال الصراع الوهمی بین السنة والشیعة لن یطول مفعوله، فیکفی ان تشتعل واحدة من جبهات محور المقاومة فی معرکة مع العدو الإسرائیلی حتى تعود الجماهیر کلّ الجماهیر إلى اصطفافاتها الأصیلة والطبیعیة وإلى تناقضها الأساس مع العدو الإسرائیلی.
إن التراجع الفکری والثقافی فی جماهیر الثورة سببه تتراجع النخب الوطنیة المخلصة والنخب الإسلامیة المستنیرة عن مواقع الحضور الفکری والثقافی، وتفریطها فی تلکم الواجهات التی بادر إلیها السطحیون من سلفیین وتکفیریین لیصوغوا وعیا بئیسا فی الأمة، ولینشروا أرذل أنماط التدین بین الناس؛ تدین زائف یغیب فیه العقل وتنمحی فیه النزعة الإنسانیة وتهدر معه کل القیّم الجمالیة والأخلاقیة.
فالجماهیر عرفت کیف تثور، وعلیها أن تتعلم کیف تفکر وکیف تختار وکیف تصون مکتسبات زمنها الثوری..الذی علیه أن یعلی من قیم العقل والتسامح وأن یمسک بقوة على بوصلة فلسطین، وکلّ ذلک ممکن إذا عاد المثقفون والمستنیرون إلى مواقعهم، فالطبیعة - کما یقال- تأبى الفراغ.
ویجب أن لا ننسى أن الحدث هو بدایة لشیء ما؛ فهی مجرد بدایة ستتجاوز نفسها إلى ما هو مأمول، وضمانة ذلک أن تغیرا جوهریا قد حصل.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.