09 July 2012 - 17:53
رمز الخبر: 4831
پ
رسا/الرأی- لن یضعف اعتقال الشیخ النمر بعد إصابته الحراک الشعبی فی المنطقة الشرقیة ولا فی کل الجزیرة العربیة، وهو بحسب الموقف السیاسی مناضل من أجل الحریة والکرامة، وبحسب اللحظة التاریخیة داعیة لتحرر شعب الجزیرة بأکمله على غرار تحرر شعوب فی المنطقة من سطوة العوائل التی کانت متحکمة بأسالیب القمع والإرهاب.
استهداف الشیخ النمر والحسابات الخاسرة


تبدو المنطقة الشرقیة فی السعودیة مرشحة لتفاعلات أمنیة کبیرة بعد اعتقال قوات الأمن السعودی للشیخ نمر النمر الزعیم الدینی والمعارض السیاسی البارز فی المنطقة، والاعتقال هو فی حقیقة الأمر محاولة اغتیال أصیب على إثرها الشیخ النمر بجراح؛ غیر معروف مدى خطورتها؛ حین تم استهداف سیارته بوابل من الرصاص فی کمین نصبته له القوات النظامیة والتی کانت تطارده منذ أشهر عدیدة.

وحین تحرکت الجماهیر فی رد فعل عفوی وطبیعی على محاولة اغتیال أحد رموزها الدینیین والسیاسیین واجهتها قوات الأمن بإطلاق الرصاص فسقط شهیدان وجرح العدید.

لم یکن الشیخ النمر إلا صاحب موقف واضح وحازم من النظام السعودی، وامتلک الشجاعة لیعلن من على منبره باسمه وباسم شریحة واسعة من المواطنین انهم لا یقبلون بحکم آل سعود..ولم یتجاوز تعبیره عن موقفه السیاسی أی شکل من أشکال العنف أو العمل المسلح.

ظل الشیخ النمر ذلک الصوت الذی یتمرد على حکم الاستبداد والعائلة الفاسدة، وینتقد بکل قوة مظاهر التهمیش والإقصاء السیاسی والإجتماعی لمکون تاریخی وأساسی من مکونات شعب الجزیرة العربیة وجد نفسه تحت قبضة زمرة وهابیة متطرفة. کان "النمر" داعیة من أجل مواطنة کاملة وغیر منقوصة لمواطنی المنطقة الشرقیة، مع ضمان حقوقهم الدینیة والمذهبیة فی إطار نظام عصری ودولة تکون فی خدمة الشعب لا دولة تختزلها الأسرة والعائلة الممتدة.

هذه المبدئیة والشجاعة السیاسیة للرجل فی ظل نظام قمعی طائفی استبدادی استفزت الجهات الحاکمة کما أجهزة الأمن، فطاردوه وحاولوا مرارا اعتقاله، وقد بلغ الخنق بالأجهزة القمعیة مداه والشیخ لا یکاد یتخلف عن خطبته یوم الجمعة، والتی عادة ما تحمل مواقف قویة من النظام وتوجهاته وممارساته.

وقد أصبح الشیخ النمر عقدة أمنیة وسیاسیة مؤرقة للسلطات فی منطقة العوامیة بالقطیف، خاصة مع الزخم الذی اتخده الحراک الشعبی فی المنطقة الشرقیة فی الشهور القلیلة الماضیة، على خلفیة التدخل السعودی فی البحرین، وانفعالا بالمناخ الثوری الذی هبّ على کل المنطقة العربیة وحقق انجازات عظمى بإسقاطه لأنظمة فاسدة ومستبدة على غرار نظام آل سعود.

إن جریمة محاولة اغتیال رمز دینی فی المنطقة له شعبیته وأنصاره، ثم اعتقاله وهو مصاب، تعتبر تعدیا صارخا على کلّ الطائفة الشیعیة فی الحجاز وخارجه، ثم بعد ذلک یأتی الإمعان فی استفزاز شیعة المنطقة الشرقیة من خلال بیان المتحدث باسم وزارة الداخلیة اللواء منصور الترکی الذی قال: "تم بفضل الله تعالى القبض على أحد مثیری الفتنة فی بلدة العوامیة وهو المدعو نمر باقر النمر وذلک عند الساعة الرابعة من مساء یوم الأحد 18/8/1433هـ الموافق8/7/2012م"، کل هذه التجاوزات هی عکس السیر العقلائی، ولن تزید حرکة المطالبة بالحقوق المدنیة إلا توهجا وصلابة، خاصة وأن سیاق "الثورات" فی العالم العربی یخدم هذه المطالب وهو فی خط سیر هذه الحرکة.

ولن یفلح النظام السعودی فی تسویق قمعه وبطشه بالمواطنین الشیعة على أنه یتعامل مع حالة سیاسیة معزولة تتلقى الأوامر من الخارج، لأن دائرة الحراک فی السعودیة تخطت الأطر الطائفیة والمناطقیة کما شهدناه فی المدة الأخیرة، ولأن السیاق التاریخی لا یترک مجالا لآل سعود للمناورة والإفلات من استحقاقات التغییر الزاحف على کل المنطقة.

لقد ارتکبت القیادة السعودیة خطأً استراتیجیا فاحشا عندما تقمص بعض وجوهها البارزة أدوارا ثوریة فی الموضوع السوری، فکان لسان حال مواطنی الجزیرة العربیة " أیها العطار لقد سافرت ببضاعتک بعیدا"، فالحریة والکرامة بل ومقولة الشعب السوری لها ما یقابلها فی الجزیرة العربیة، حیث هناک شعب فی الجزیرة العربیة مصادر الإرادة؛ ولا توجد لإرادته أیة تعبیرات فی أی إطار تمثیلی کان، وهناک أشواق للحریة التی تُطارد أشکالها البسیطة جحافل هیآت ما یسمى بالأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، فما بالک بحریة التعبیر وتشکیل الأحزاب وحریة الصحافة وحق الاعتراض على السیاسات والصفقات..وهناک کرامة مسلوبة، حیث المناصب والمواقع العلیا فی هیکل (الدولة) وفی مؤسسة الجیش هی حکر على الأمراء من آل سعود وکأن باقی المواطنین غیر جدیرین بالمسؤولیة، أو کأنهم لیسوا مواطنین فی الأصل! فما أدته السعودیة من دور متآمر على سوریا سیرتد علیها، وسیطالبها الشعب بنفس العناوین التی على أساسها حرضت وجیشت وسلّحت ما یسمى بالمعارضة السوریة. وإنها لمفارقة أن تسلح السعودیة عصابات فی سوریة بحسبانها معارضة، فی حین هی تقوم بمحاولة اغتیال رجل دین معارض لا یملك إلا المنبر والكلمة الشجاعة .

فی کثیر من التطورات الکبرى کان خطأ الحسابات فیها یأتی دائما من الإستناد إلى القوة الغاشمة والإعتداد بها، لذلک نقول أن الشیخ النمر کان محقا وسیصدق توقعه حین قال خلال خطبة فی مسجده فی العوامیة قبل عشرة أیام "أنا على یقین من أن اعتقالی أو قتلی سیکون دافعا للحراک، وجهاز المخابرات یثیر شائعات لاشغال المجتمع عن الصراع الداخلی".

إنه منطق التاریخ لا غیر، فالصراع یُحسم دائما لمصلحة المستضعفین.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.