27 August 2012 - 13:58
رمز الخبر: 5029
پ
رسا/آفاق- تأتی قمة عدم الانحیاز فی طهران لتشکل تظاهرة دولیة جدیدة تکرس مکانة العاصمة الإیرانیة الفاعلة والمؤثرة فی توازنات المنطقة والعالم، ومحطة لرسم الادوار على صعید القضایا المصیریة، فی هذا السیاق وبتنسیق مع مرکز" برهان" للدراسات ننشر هذا المقال للکاتب اللبنانی طلال عتریسی.
أولویة فلسطین فی حرکة عدم الانحیاز


تأسست حرکة عدم الانحیاز بعد سنوات قلیلة على ما عرف بالحرب الباردة بین الجبارین السوفیاتی و الامیرکی بعد نهایة الحرب العالمیة الثانیة. وقد ارادت الدول التی انضمت الى هذه الحرکة ان تلعب دورا" مستقلا" ومؤثرا" بعیدا" من "الانحیاز" الى الکتلة الغربیة الاطلسیة ،أو الى الکتلة الشرقیة السوفیاتیة..وقد ضمت هذه الحرکة فی بدایة عملها دولا" مهمة مثل مصر والهند ویوغوسلافیا واندونیسیا.. وتعتبر جهود الحرکة فی السنوات اللاحقة خصوصا" بین الخمسینیات والستینیات من العوامل الأساسیة التی ساهمت فی القضاء على الاستعمار وفی دعم وتأیید استقلال الدول عن هذا الاستعمار . لکن من المفارقة ایضا" ان تکون انطلاقة حرکة عدم الانحیاز قد تزامنت مع الاحتلال الصهیونی لفلسطین عام 1948 .ما جعل القضیة الفلسطینیة بندا" دائما" على جدول اعمال اجتماعات هذه الحرکة یطلق علیه "اعلان فلسطین" . واذا علمنا ان الحرکة تضم الیوم فی عضویتها ً 120 دولة (53 دولة أفریقیة/ 39 دولة آسیویة/ 27 دولة من أمریکا اللاتینیة والکاریبی/ دولة واحدة من أوروبا)، إضافة إلی 17 دولة و10 منظمات حکومیة یتمتعون بصفة المراقب فی الحرکة،أمکن الافتراض ان هذه الحرکة یمکن ان تقوم بالکثیر فی معالجة القضایا الدولیة وخصوصا" القضایا التی تهم دول عالم الجنوب او ما کان یسمى بالعالم الثالث أیام الحرب الباردة.وتعتبر قضیة فلسطین الیوم من أهم التحدیات التی تواجه حرکة عدم الانحیاز.لکن السؤال الذی یطرح فی هذا المجال اذا کانت حرکة عدم الانحیاز لا تمتلک القدرة والنفوذ على الساحة الدولیة فهل بمقدورها ان تمارس مثل هذا القدرة او ذاک النفوذ من اجل قضیة فلسطین أو من اجل التأثیر على القرارات الدولیة لمصلحة فلسطین او لمنع الاستمرار فی الاستیطان او الاستمرار فی التهوید الذی یجری على قدم وساق فی القدس وفی المناطق الفلسطینیة الأخرى؟

لقد تأخر الاهتمام بقضیة فلسطین نحو عشرین عاما" بعد تأسیس حرکة عدم الانحیاز. فتأسیس هذه الحرکة یعود الى مؤتمر باندونغ فی اندونیسیا (18-24/4/1955م)، إلا أن الاهتمام الفعلی للحرکة بقضیة فلسطین لم یبدأ الا عام 1975م عندما تم إدراج هذه القضیة على جدول اعمال مؤتمر وزراء خارجیة الحرکة فی مدینة لیما/ البیرو (25-30/8/1975م) تحت بند خاص بها: "قضیة فلسطین ومسألة الشرق الاوسط والاراضی العربیة المحتلة"، وقبول منظمة التحریر الفلسطینیة عضواً کاملاً فیها.

اما قضیة القدس فلم یجر التطرق الیها بالاسم الا فی قمة کولومبو فی سریلانکا (16-19/6/1976م) عندما طالب المؤتمر الدول الأعضاء بالوقوف "صفاً واحداً فی صد مساعی اسرائیل لتهوید الأراضی المحتلة ولا سیما القدس والخلیل (ودعوتها) لممارسة الضغط على اسرائیل فی الأمم المتحدة ووکالاتها المتخصصة والوصول الى امکانیة حرمانها من عضویة هذه المنظمات جمیعاً". وستطالب المؤتمرات التی ستعقد فی السنوات اللاحقة بتطبیق قرارات مجلس الأمن وباستعادة السیادة العربیة على القدس،وبدعوة دول حرکة عدم الانحیاز الى اتخاذ اجراءات صارمة وقطع العلاقات الدیبلوماسیة مع البلدان التی تعترف بالقدس عاصمة ل(إسرائیل) ،وبإعتبار کل الاجراءات الاسرائیلیة باطلة وغیر قانونیة فی القدس .وقد أدان مؤتمر قمة هافانا فی کوبا (3-9/9/1979م) "اسرائیل وطلب ازالة المستعمرات فوراً واعادة الطابع العربی الى القدس طبقاً لقرار مجلس الأمن رقم 452 (1979م) وأکد "أن استعادة العرب لسیادتهم على القدس شرط لا یمکن الاستغناء عنه لاقامة سلام عادل ودائم". ویجب اجبار اسرائیل على احترام قرارات مجلس الأمن والجمعیة العامة الخاصة بالقدس والمناطق المقدسة، ودعا المؤتمر بلدان عدم الانحیاز الى اتخاذ تدابیر صارمة ومنها قطع العلاقات الدبلوماسیة والاقتصادیة مع البلدان التی تعترف رسمیاً أو بصیغة غیر مباشرةبالقدس کعاصمة لاسرائیل ودعا المؤتمر مجلس الأمن الى تحمل مسؤولیاته عن طریق فرض العقوبات المنصوص علیها فی الفصل السابع فی المیثاق على( اسرائیل)".

کما صدر عن قمة هافانا (3) قرارات خصص آخرها الذی یحمل رقم (4) لمدینة القدس تم التأکید فیه على "تحریر القدس والحفاظ على طابعها ومظهرها التاریخی وانها جزء لا یتجزأ من الأراضی العربیة المحتلة"...کما تضمن القرار شجب المؤتمر "لما یتم فی القدس من اجراءات الضم والتهوید وسلب الممتلکات بالقوة، وشدد على ضرورة تحریر هذه المدینة من الاستعمار الصهیونی واعادتها الى السیادة العربیة وطالب بارغام اسرائیل على الامتثال لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقدس واعلن ان جمیع الاجراءات القانونیة التی اتخذتها اسرائیل فی مدینة القدس باطلة وطالب بالغائها".
وفی مؤتمر وزراء خارجیة دول عدم الانحیاز فی نیودلهی بین 9-12/2/1981م "ادان وزراء الخارجیة بشدة استمرار الولایات المتحدة فی موقفها المعادی للحقوق الوطنیة الثابتة للشعب الفلسطینی ومنظمة التحریر الفلسطینیة وللانسحاب الشامل غیر المشروط من جمیع الأراضی الفلسطینیة والعربیة المحتلة ومنها القدس. ودعا الوزراء مجلس الأمن الى اتخاذ التدابیر اللازمة لاعادة السلم والأمن الدولیین وصونهما وفقاً لأحکام الفصل السابع من میثاق الأمم المتحدة"..."کما أهاب الوزراء بجمیع الدول الا تتعامل مع اسرائیل او تقوم بأی عمل من شأنه ان ینطوی على الاعتراف بالقدس کعاصمة لاسرائیل ولو بصورة ضمنیة".

لقد عقدت القمة الأخیرة لحرکة عدم الانحیاز عام 2009 فی شرم الشیخ على الاراضی المصریة .ولم تختلف هذه القمة فی الکثیر من بنودها خصوصا" حول فلسطین عن الاجتماعات السابقة.فقد أکدت الوثیقة الختامیة للقمة "دعمها للحقوق الفلسطینیة..وقلقها بشأن خطورة الوضع السیاسی والاجتماعی والاقتصادی والإنسانی والأمنی فی الأرض الفلسطینیة المحتلة، بما فی ذلک القدس الشرقیة نتیجة الاحتلال العسکری الإسرائیلی المستمر والإجراءات غیر القانونیة...وأعربت الوثیقة عن الأسف الشدید لعدم الوصول إلى حل القضیة الفلسطینیة.. وکذلک الأسف لعدم إحراز تقدم لحسم المواقف فیما یتعلق بالملفات الخاصة باللاجئین، والقدس، والمستوطنات، والحدود، والأمن، والمیاه، على الرغم من الجهود الدولیة والإقلیمیة المتزایدة، کما أعربت الوثیقة عن دعم الطلب المقدم فی 23 سبتمبر 2011 من قبل فلسطین للاعتراف بها عضوا فی الأمم المتحدة تماشیا مع حق الشعب الفلسطینی بتقریر مصیره واستقلاله.

وشددت وثیقة القمة على "ضرورة بذل المزید من الجهود الجادة للمساعدة فی دفع عملیة السلام بحیث تکون ذات مصداقیة تستند بقوة إلى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة... والعمل فورا على التوصل إلى حل عادل ودائم وشامل للصراع الإسرائیلی الفلسطینی والصراع العربی الإسرائیلی..."
ولم یفت وثیقة تلک القمة الاشارة الى ضرورة دعمهم لمنظمة التحریر الفلسطینیة الممثل الشرعی الوحید للشعب الفلسطینی والسلطة الفلسطینیة تحت قیادة الرئیس محمود عباس..."

ما جاء فی وثیقة تلک القمة الأخیرة حول فلسطین التی عقدت برئاسة مصر ،یبدو انه ینسجم ویتطابق مع الرؤیة المصریة للقضیة الفلسطینیة،ومع رؤیة ما یسمى "محور الاعتدال" لهذه القضیة.. ای دعم منظمة التحریر تحت قیادة محمود عباس والسعی الى حل عادل وشامل للصراع مع اسرائیل والتمسک بعملیة السلام.ولکن من دون ای اشارة الى مسألة المقاومة واهمیتها ودورها فی هذا الصراع ضد( اسرائیل).

الیوم تستلم ایران رئاسة هذه الحرکة بعد ثلاث سنوات على رئاسة مصر لها.ویجری هذاالتسلم والتسلیم فی ظروف شدیدة التغیر فی المنطقة. من مصر التی أطاحت بالرئیس حسنی مبارک الذی کان حلیفا" وصدیقا" لاسرائیل .وکنزا" استراتیجیا" لها.الى تسارع التهوید فی القدس .الى جمود عملیة التسویة ورفض "اسرائیل" القبول بأی تنازل للفلسطینیین ،بالاضافة الى ما عهدناه من عجز دولی عن ممارسة ای ضغوط على هذا الکیان.لا بل یستمر دعمه وحمایته من القوى الدولیة الامیرکیة والاوروبیة.کما تشهد المنطقة تغیرا" بعد "الثورات التی حصلت فیها والتی اطاحت برؤساء کانوا أکثر استعدادا" لتطبیع العلاقات مع اسرائیل. وأکثر استعدادا" لممارسة الضغوط على حرکات المقاومة خصوصا" فی فلسطین..کما تشهد المنطقة تصعیدا" فی التهدیدات الصهیونیة لإیران بشن الحرب لتدمیر منشآتها النوویة ..أما الأخطر من ذلک کله فهو ما یسود المنطقة من توترات مذهبیة وطائفیة وعرقیة .بدأت قبل الثورات واتسعت دائرتها بعدها.فهل ستتمکنحرکة عدم الانحیاز فی اجتماعها فی طهران ان تزیل بعض تأثیرات المرحلة الماضیة خصوصا" ما یتعلق بالرؤیة الى القضیة الفلسطینیة ،لأن موقف القیادة الایرانیة معروف من هذه المسألة. وهو موقف لا یؤید التفاوض مع اسرائیل ولا یدعم السلطة الفلسطینیة ولا ابو مازن . بل تذهب خیارات هذه القیادة نحو دعم المقاومة بالجرجة الأولى ضد( اسرائیل) .

وهل ستتمکن الرئاسة الایرانیة لهذه الحرکة فی اجتماعها المقبل من استیعاب الاتجاهات المختلفة للدول المشارکة فیها ومنعها من تحویل بوصلتها باتجاهات أخرى غیر اتجاه الاستقلال ودعم السیادة او رفض التدخل الخارجی .والأهم من ذلک کله هو عدم الاکتفاء بالتندید باسرائیل وبسیاساتها الذی قامت به بیانات القمم السابقة .والانتقال الى الاتفاق على الخطوات العملیة التی تحمی الشعب الفلسطینی وتدعم مقاومته ضد الاحتلال.والتحدی الذی ستواجهه الرئاسة الایرانیة هو فی مواجهة من سیعمل داخل هذه الحرکة على الترکیز على الخلافات الداخلیة حول الموضوع السوری مثل ما حصل فی اجتماع منظمة التعاون الاسلامی التی جمدت عضویة سوریا. وقد ینبری من یطرح أمرا" مماثلا" فی اجتماع حرکة عدم الانحیاز المقبل فی طهران.

التحدی الذی ستواجهه حرکة عدم الانحیاز هو فی التعامل مع المتغیرات الجدیدة التی اشرنا الیها بعد"الثورات". أی کیف ستتمکن الحرکة من التمسک بألأولویات التی تأسست من اجلها. ای السیادة والاستقلال عن الشرق وعن الغرب.والى هذا کله یبقى التحدی الأکبر مع کل تلک المتغیرات والتحولات، فی المحافظة على أولویة قضیة فلسطین ،وقضیة المقاومة ،بالنسبة لشعوب دول عدم الانحیاز وحکوماتها، فی مواجهة من یرید ان یجعل هذه الأولویة بعد "الثورات" فی الصراعات الأخرى المذهبیة والعرقیة والطائفیة ...

طلال عتریسی/بیروت
استاذ علم الاجتماع /باحث فی القضایا الاستراتیجیة 2012





ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.