18 September 2012 - 18:25
رمز الخبر: 5142
پ
رسا/تحلیل سیاسی- والجرح بعد حار، والإحساس بالمهانة یکاد یقتلنا غما، لما لحق نبینا من إساءة فادحة، لم یخلو المسرح من محامی الشیطان، ومن الذین أبوا على الأمة أن تغضب لرسولها الکریم، لأن فی حسابات هؤلاء؛ کل تصریف للغضب الإسلامی بعیدا عن العنوان السوری هو مفسدة، لذلک اقتضى الموقف براءة أمریکا! بقلم عبد الرحیم التهامی
الفیلم المسیء ومحامی الشیطان


عندما انتشر خبر الفیلم الأمریکی المسیء للنبی الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم، ثارت الجماهیر وهی تشعر بالإهانة والإحتقار، فلم یکن الفیلم المسیء إلا حلقة فادحة فی سلسلة متعاقبة ومتصاعدة من الإهانات والطعن فی المقدسات، یستعرض الغرب فی کل واحدة من لحظاتها العصیبة؛ علو کعب ثقافته وتمایزها العنصری على باقی الثقافات المتخلفة، ویتباهى على مسرح کل إساءة وعلى تماس منها بمکتسباته الحضاریة وقیمه الثقافیة فی طقس مستفز یشبه طقس رش الملح على جراحات القلوب.

یستهجن الغرب الغضب الإسلامی، ویجده صاخبا ومتطرفا إلى أقصى الحدود، وجنونیا وهو یتفجر إزاء ممارسة ثقافیة "أصیلة" ومضمونة دستوریا تسمى حریة التعبیر؛ حریة تفتح أمام أهل الفن والرأی..وأهل الدیانة من امثال القس تیری جونز (حارق القرآن) کل المدیات حیث تنقهر أمامها کل المقدسات والطابوهات والمحرمات الثقافیة والدینیة، بما فیها مقدسات الشعوب الأخرى من ثقافات وأدیان أخرى..لا یکسر هذه القاعدة إلا استثناء واحد، وهو ما تقدّسه (إسرائیل)، کالصهیونیة او "الهولوکست"، فیسمح للقانون أن یلعب لعبته المفضلة فی المنع والعقاب.

ما ادهش الغرب وأمریکا تحدیدا، ان الشعوب الإسلامیة کسرت حسابات الترویض على بلع الإهانة من جراء التعرض لمقدساتها، فظنت أمریکا –الغیر بعیدة عن مخطط الفیلم مضمونا وتوقیتا ورهانات- ان وجهة الغضب ومنسوبه ستتفجر على أرضیة العلاقات الاسلامیة –المسیحیة وخاصة فی مصر، التی یتربص بها اکثر من مشروع فتنة، کزیادة فی الضمان، فوق ضمانات الإتفاق الأمریکی- الإخوانی (نسبة إلى الإخوان المسلمین)، وذلک ما یفسر غیاب إجراءات أمنیة استثنائیة وفوق العادة فی محیط بعثاتها الدبلوماسیة فی الدول الإسلامیة.

کما راهنت أمریکا فی صرف بوصلة الإحتجاج الشعبی عنها فی بلدان ما یسمى بـ(الربیع العربی)، على تحالفاتها الجدیدة مع الحکومات التی لم تستعمل أمریکا الفیتو على صعودها إلى کراسی الحکم، ظنا منها أن الحکام الجدد قادرین على تأمین منسوب الغضب الجماهیری وتکریسه فی العنوان السوری، ولا مانع من تصریف بعض فائضه بوجه المسیحیین الشرکاء فی الوطن..مصر، لبنان، سوریة، ،العراق والأردن، بما یخدم تعمیق التوترات وضرب نسیج التعایش الطائفی وفق ما تقتضیه خرائط الشرذمة والتقسیم فی الشرق الأوسط.

وقد کانت لحظة الغضب الشعبی محرجة لانظمة الحکم الجدیدة، وکشفت بما لا یدع مجالا للشک عن الارتباطات المشبوهة وعلاقات استئناف الأدوار التی تعهدت بها القیادات الجدیدة لأمریکا، وهكذا تراجعت جماعة الإخوان المسلمین فی الجمعة الماضیة عن الملیونیة التی کانت قد دعت إلیها نصرة للرسول(ص) واکتفت بمسیرة رمزیة هدفها الأساسی احتواء غضب المتظاهرین أمام السفارة الأمریکیة، وأجرت اتصالات مع کثیر من دعاة الوعظ السلفی والحرکات السلفیة للتهدئة، فی الوقت الذی جاءت فیه أوامر "مرسی" حاسمة للأمن ووزیر داخلیته بمنع المظاهرات من الوصول لمبنى السفارة والرد بعنف على المتظاهرین لردع هؤلاء عن العودة للسفارة!

أما فی تونس فقد صدرت تعلیمات لأتباع وأعضاء حرکة النهضة بعدم التظاهر أمام السفارة الأمریکیة وبعدم النزول إلى الشوارع، وشن رئیس حرکة النهضة الإسلامیة التی تقود الائتلاف الحاکم راشد الغنوشی هجوماً کاسحاً على المحتجین ووصف بعضهم بأنهم "أشرار ارتکبوا جرماً شوه صورة تونس فی الخارج". کما صدر عن وزارة خارجیتها بیانا کان فیه الإنکار والشجب الشدیدین لاقتحام السفارة الأمریکیة فی العاصمة تونس، وخلى من أی إشارة إلى مسؤولیة الولایات المتحدة الأمریکیة عن العنف الذی تفجر فی العالم الإسلامی.

لکن الأخطر من کل هذا هو موقف رئیس الاتحاد العالمی لعلماء المسلمین الشیخ القرضاوی، والذی تبرع للدفاع عن الشیطان، ومن استمع إلیه وهو یلقی خطبة الجمعة من على مسجد عمر بالدوحة لا یشک فی أنه تقمص دور محامی الشیطان، فقد قال القرضاوی فی خطبته هذه مدافعا عن أمریکا: "لیست أمریکا کدولة وراء هذا الأمر، نقول لأمریکا ینبغی أن یکون لک موقف أقوى، وتحاول أن تقف ضد هذا التطرف.. هذا لیس إبداعا ولیس حریة فی التعبیر.. هذا سب وشتم"، فإذا کانت أمریکا بریئة من فیلم الإساءة للنبی محمد(ص)، کما یزعم؛ فلماذا یطالبها بأن تقف ضد التطرف وبأن تعید النظر فی مفهومها لحریة التعبیر؟

ألیس هناک سیاقا سیاسیا وثقافیا أمریکیا یتسم بالهجمة الشرسة على الإسلام، ألم تأخذ الحرب على الإسلام أبعادا درماتیکیة منذ أحداث 11 من أیلول؟ ألم نعش کأمة إسلامیة فی مهانة والقس الأمریکی على مرأى السلطات یقیم محرقة لنسخ من القرآن الکریم، دون أن تتدخل السلطات الأمریکیة؟ ألم یقم الجنود الامریکان فی قاعدة باغرام بأفغانستان بإحراق نسخا من القرآن الکریم؟؟

ولا یکتفی محامی الشیطان بتبرئة ساحة أمریکا من مسؤولیتها عن التعرض بکل ذلک السوء الذی افصحت عنه مقاطع من الفیلم سیء الذکر، بل حاول أن یزدری بسلوک الجماهیر، والنیل من غضبها المقدس، فقد صرح فی برنامجه المعروف بقناة الجزیرة، بأن المطلوب هو أن" نرد على الذین فعلوا هذه الأفعال بما نستطیع، نرد علیهم علمیا، ونرد علیهم بأفلام"!! ولم تفته الفرصة لیسوق لأسیاده القطریین بأنه " یجری الآن فی قطر وبمساهمة الدولة الإعداد لفیلم عالمی عن الرسول باللغة الإنجلیزی".

وبقلب بارد وکأنه من غیر ملّتنا، وفی مغالطة فاضحة تستفز شعور کل مؤمن یقول ومن على قناة الجزیرة:" إن الإساءة إلى رسل الله جمیعا علیهم السلام سنة من سنن الله القدیمة والمتجددة، فقد أوذی کل رسل الله.. فلیس عجیبا أن یساء إلى محمد (ص) فی عصرنا، لافتا إلى أن دوافع هذه الإساءة دوافع موجودة منذ القدم".

تقیم الدنیا ولا تقعدها لأن الشیعة ینتقدون بعض الصحابة ممن ظهر نفاقهم، وتصدر البیانات الناریة، وترعد وتزبد فی مؤتمر الحوار بین المذاهب فی الدوحة قبل سنوات، وتوتر العلاقات بین المذاهب الإسلامیة، أما الإساءة البذیئة لأعظم وأشرف موجود فی الکون والتاریخ، فهی سنة من سنن الله! بل وتتهم ضمنا جماهیر الأمة بالحیدة عن السلوک المتحضر فتبشرنا بأن أسیادک القطریین بصدد إعداد فیلم عالمی عن الرسول(ص) وباللغة الانجلیزیة.

لن ینطلی هذا الخداع على أحد، فالمراد بهذا الکلام تبرید الجبهة على الأمریکیین، وإعادة استجماع الغضب الإسلامی الذی علیه أن لا یشرد بعیدا عن النظام السوری وحلفائه، وللحفاظ على الجبهة الوحیدة المفتوحة الآن، والتی على الأمة ان تتعبأ لأجلها غضبا، وسلاحا، و(جهادا) وإعلاما..

هذه مکانة رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم عند رئیس الاتحاد العالمی لعلماء المسلمین! وكلامه أعلاه درس من دروس مسجد ضرار فی الرد على الاستخفاف بالمقدسات والإهانة المعولَمَة لرسول الإسلام المعظم صلى الله علیه وآله وسلم.

لم نکن نتوقع یوما أن یکون المساس والتعریض برسولنا الکریم، موضع سمسرة باسم الدین، وأن تُهدى هذه االبراءة لأمریکا على طبق من ذهب فی مشهد یذکرنا برأس یحیى بن زکریا الذی أهدی إلى بغی من بغایا بنی إسرائیل!

لبیک یا رسول الله..لبیک یا خیر خلق الله..لبیك یا من بُعثت رحمة للعالمین.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.